الخالق
كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...
التَّعْرِيفُ:
1 - السَّائِقُ فِي اللُّغَةِ: اسْمُ فَاعِلٍ (سَاقَ) ، يُقَال: سَاقَ الإِْبِل يَسُوقُهَا سَوْقًا وَسِيَاقًا، فَهُوَ سَائِقٌ.
وَفِي التَّنْزِيل {وَجَاءَتْ كُل نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} (1) أَيْ سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى الْمَحْشَرِ، وَاسْمُ الْمَفْعُول: (مَسُوقٌ) .
وَسَائِقُ الإِْبِل يَكُونُ خَلْفَهَا بِخِلاَفِ الرَّاكِبِ وَالْقَائِدِ. فَالرَّاكِبُ يَمْتَطِيهَا وَيَعْلُو عَلَيْهَا، وَالْقَائِدُ يَكُونُ أَمَامَهَا آخِذًا بِقِيَادِهَا (2) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
2 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا سَاقَ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ دَابَّةً أَوْ دَوَابَّ فَجَنَتْ عَلَى نَفْسٍ، أَوْ أَتْلَفَتْ مَالاً ضَمِنَ السَّائِقُ مَا أَتْلَفَتْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَالِكًا أَمْ غَاصِبًا، أَمْ أَجِيرًا أَمْ مُسْتَأْجِرًا، أَمْ مُسْتَعِيرًا أَمْ مُوصًى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ، وَقَالُوا: لأَِنَّهَا فِي يَدِهِ، وَفِعْلُهَا مَنْسُوبٌ لَهُ، فَعَلَيْهِ حِفْظُهَا، وَتَعَهُّدُهَا؛ وَلأَِنَّ إِبَاحَةَ السَّوْقِ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ مَشْرُوطَةٌ بِسَلاَمَةِ الْعَاقِبَةِ، فَإِنْ حَصَل تَلَفٌ بِسَبَبِهِ لَمْ يَتَحَقَّقِ الشَّرْطُ فَوَقَعَ تَعَدِّيًا، فَيَكُونُ الْمُتَوَلَّدُ مِنْهُ مِمَّا يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ فَيَكُونُ مَضْمُونًا، وَهَذَا مِمَّا يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ بِأَنْ يَذُودَ النَّاسَ عَنِ الطَّرِيقِ، فَيَضْمَنُ وَسَوَاءٌ أَكَانَ السَّائِقُ رَاجِلاً أَمْ رَاكِبًا. وَخَصَّ الْحَنَابِلَةُ الضَّمَانَ بِمَا تُتْلِفُهُ الدَّابَّةُ بِيَدِهَا، أَوْ فَمِهَا، أَوْ وَطِئَتْ بِرِجْلِهَا. أَمَّا مَا تَنْفَحُهُ بِرِجْلِهَا فَلاَ يُضْمَنُ. (3) لِخَبَرِ الرِّجْل جُبَارٌ (4) وَفِي رِوَايَةٍ رِجْل الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ (5) فَدَل عَلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي جِنَايَتِهَا بِغَيْرِ رِجْلِهَا، وَخَصَّصَ عَدَمَ الضَّمَانِ بِالنَّفْحِ دُونَ الْوَطْءِ لأَِنَّ مَنْ بِيَدِهِ الدَّابَّةُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُجَنِّبَهَا وَطْءَ مَا لاَ يُرِيدُ أَنْ تَطَأَهُ بِتَصَرُّفِهِ فِيهَا، بِخِلاَفِ نَفْحِهَا، فَإِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهُ. (6) وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَضْمَنُ السَّائِقُ إِلاَّ إِذَا حَدَثَ التَّلَفُ بِفِعْلٍ مِنْهُ. (7)
وَإِذَا كَانَ مَعَ السَّائِقِ قَائِدٌ، أَوْ رَاكِبٌ، أَوْ هُمَا وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَتَصَرَّفُ فِي الدَّابَّةِ اشْتَرَكُوا فِي الضَّمَانِ لاِشْتِرَاكِهِمْ فِي التَّصَرُّفِ. (8)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: وَيَجِبُ عَلَى الرَّاكِبِ أَيْضًا الْكَفَّارَةُ فِي صُورَةِ الْقَتْل الْخَطَأِ وَيُحْرَمُ مِنَ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ، أَمَّا الرَّاجِل مِنْهُمْ فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلاَ يُمْنَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ؛ لأَِنَّ هَذِهِ أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِمُبَاشَرَةِ الْقَتْل لاَ بِالتَّسْبِيبِ، وَالْمُبَاشَرَةُ مِنَ الرَّاكِبِ لاَ مِنْ غَيْرِهِ. (9) وَالتَّفْصِيل فِي (ضَمَانٍ) .
سَائِقُ الْقِطَارِ (الدَّوَابِّ الْمَقْطُورَةِ) :
3 - إِذَا كَانَتِ الدَّوَابُّ قِطَارًا مَرْبُوطًا بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَيَقُودُهَا قَائِدٌ، وَالسَّائِقُ فِي آخِرِهَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا؛ لأَِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَبَبُ التَّلَفِ. وَإِنْ كَانَ السَّائِقُ فِي وَسَطِ الْقِطَارِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا؛ لأَِنَّ السَّائِقَ يَسُوقُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ قَائِدٌ لِمَا خَلْفَهُ، وَالسَّوْقُ وَالْقَوْدُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ. (10)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ السَّائِقُ فِي آخِرِ الْمَقْطُورَةِ شَارَكَ الْقَائِدَ فِي ضَمَانِ الأَْخِيرِ فَقَطْ، لأَِنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي التَّصَرُّفِ عَلَى الأَْخِيرِ، وَلاَ يُشَارِكُ الْقَائِدَ فِيمَا قَبْل الأَْخِيرِ لأَِنَّهُ لَيْسَ سَائِقًا لِمَا قَبْل الأَْخِيرِ وَلاَ هُوَ تَابِعٌ لِمَا يَسُوقُهُ.
وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّل الْمَقْطُورَةِ شَارَكَ الْقَائِدَ فِي ضَمَانِ جِنَايَةِ الْكُل؛ لأَِنَّهُ لَوِ انْفَرَدَ بِذَلِكَ لَضَمِنَ جِنَايَةَ الْجَمِيعِ، لأَِنَّ مَا بَعْدَ الأَْوَّل تَابِعٌ، سَائِرٌ بِسَيْرِهِ فَإِذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَجَبَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَ السَّائِقُ فِيمَا عَدَا الأَْوَّل مِنَ الْمَقْطُورَةِ شَارَكَ الْقَائِدَ، فِي ضَمَانِ مَا بَاشَرَ سَوْقَهُ، وَفِي ضَمَانِ مَا بَعْدَ الَّذِي بَاشَرَ سَوْقَهُ؛ لأَِنَّهُ تَابِعٌ لَهُ، وَلاَ يُشَارِكُ السَّائِقُ الْقَائِدَ فِي ضَمَانِ مَا قَبْل مَا بَاشَرَ سَوْقَهُ لأَِنَّهُ لَيْسَ سَائِقًا لَهُ، وَهَذَا الْقِسْمُ مِنَ الْمَقْطُورَةِ لَيْسَ تَابِعًا لِمَا يَسُوقُهُ. (11)
وَحَيْثُ وَجَبَ الضَّمَانُ فَهُوَ عَلَى السَّائِقِ إِنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِمَّا لاَ تَحْمِل الْعَاقِلَةُ غُرْمَهُ كَالْمَال.
وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ كَدِيَةِ الْقَتْل الْخَطَأِ فَالْغُرْمُ عَلَيْهَا. (12) (ر: عَاقِلَةٌ) .
السَّائِقُ مَعَ الْمَاشِيَةِ حِرْزٌ لَهَا:
4 - الْمَاشِيَةُ الْمَسُوقَةُ مُحْرَزَةٌ بِسَائِقِهَا، فَيُقْطَعُ سَارِقُهَا بِشَرْطِ أَنْ يَنْتَهِيَ نَظَرُ السَّائِقِ إِلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ لاَ يَرَى الْبَعْضَ لِحَائِلٍ فَهَذَا الْبَعْضُ غَيْرُ مُحْرَزٍ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ. وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: لاَ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. (13)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّهَا غَيْرُ مُحْرَزَةٍ فَلاَ يُقْطَعُ سَارِقُهَا، وَقَالُوا: لأَِنَّ السَّائِقَ وَنَحْوَهُ كَالْقَائِدِ إِنَّمَا يَقْصِدُونَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ، وَنَقْل الأَْمْتِعَةِ دُونَ حِفْظِ الدَّابَّةِ. (14)
تَنَازُعُ السَّائِقِ مَعَ الرَّاكِبِ:
5 - إِذَا تَنَازَعَ السَّائِقُ مَعَ الرَّاكِبِ فِي مِلْكِيَّةِ الدَّابَّةِ وَلاَ بَيِّنَةَ، صُدِّقَ الرَّاكِبُ، إِلاَّ إِذَا جَرَى الْعُرْفُ عَلَى سَوْقِ الْمَالِكِ الدَّابَّةَ، فَيَتَّبِعُ الْعُرْفَ (15) . وَالتَّفْصِيل فِي (دَعْوَى، وَبَيِّنَةٍ) .
__________
(1) سورة ق / 21.
(2) لسان العرب، والمصباح المنير.
(3) بدائع الصنائع 7 / 280، ونهاية المحتاج 8 / 38، ومغني المحتاج 4 / 204، والقليوبي 4 / 211، وكشاف القناع 4 / 126.
(4) حديث: " الرجل جبار ". أخرجه أبو داود (4 / 714 - 715 - تحقيق عزت عبيد دعاس) والدارقطني (3 / 152، 179 - ط دار المحاسن من حديث أبي هريرة، وأعله الدارقطني بالشذوذ) .
(5) حديث: " رجل العجماء جبار ". عزاه صاحب كشاف القناع (4 / 126 - ط الرياض) إلى سعيد بن منصور في سننه.
(6) كشاف القناع 4 / 126.
(7) شرح الزرقاني 8 / 119، حاشية الدسوقي 4 / 158.
(8) كشاف القناع 4 / 126، والبدائع 7 / 280.
(9) بدائع الصنائع 7 / 280 - 281.
(10) المرجع السابق.
(11) كشاف القناع 4 / 126 - 127.
(12) المصادر السابقة.
(13) روضة الطالبين 10 / 128، وكشاف القناع 6 / 337.
(14) فتح القدير 5 / 153.
(15) حاشية الدسوقي 3 / 366.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 113/ 24
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".