المليك
كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...
التَّعْرِيفُ:
1 - السَّفِينَةُ مَعْرُوفَةٌ، وَتُسَمَّى الْفُلْكَ، سُمِّيَتْ سَفِينَةً لأَِنَّهَا تَسْفِنُ وَجْهَ الْمَاءِ؛ أَيْ تَقْشِرُهُ، فَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ، وَقِيل: إِنَّمَا سُمِّيَتْ سَفِينَةً لأَِنَّهَا تَسْفِنُ الرَّمْل إِذَا قَل الْمَاءُ. وَقِيل: لأَِنَّهَا تَسْفِنُ عَلَى وَجْهِ الأَْرْضِ؛ أَيْ تَلْزَقُ بِهَا. وَالْجَمْعُ سَفَائِنُ وَسُفُنٌ وَسَفِينٌ (1) .
وَيَسْتَعْمِل الْفُقَهَاءُ هَذَا اللَّفْظَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ نَفْسِهِ، وَيَشْمَل اسْمُ السَّفِينَةِ عِنْدَهُمْ كُل مَا يُرْكَبُ بِهِ الْبَحْرُ، كَالزَّوْرَقِ وَالْقَارِبِ وَالْبَاخِرَةِ وَالْبَارِجَةِ وَالْغَوَّاصَةِ (2) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّفِينَةِ:
اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ فِي السَّفِينَةِ:
2 - يَجِبُ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ عَلَى مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا فِي السَّفِينَةِ، فَإِنْ هَبَّتِ الرِّيحُ وَحَوَّلَتِ السَّفِينَةَ فَتَحَوَّل وَجْهُهُ عَنِ الْقِبْلَةِ وَجَبَ رَدُّهُ إِلَى الْقِبْلَةِ وَيَبْنِي عَلَى صَلاَتِهِ؛ لأَِنَّ التَّوَجُّهَ فَرْضٌ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَهَذَا قَادِرٌ. بِهَذَا قَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (3) .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ أَنْ يَدُورَ الْمُفْتَرِضُ إِلَى الْقِبْلَةِ كُلَّمَا دَارَتِ السَّفِينَةُ كَالْمُتَنَفِّل (4) .
هَذَا وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْمَلاَّحَ لاَ يَلْزَمُهُ الدَّوَرَانُ إِلَى الْقِبْلَةِ إِذَا دَارَتِ السَّفِينَةُ عَنْهَا وَذَلِكَ لِحَاجَتِهِ لِتَسْيِيرِ السَّفِينَةِ (5) . وَلِلتَّفْصِيل فِي الأَْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَوْضُوعِ وَاسْتِقْبَال الْمُتَنَفِّل عَلَى السَّفِينَةِ (ر: صَلاَة. نَفْل) .
الْقِيَامُ فِي الصَّلاَةِ فِي السَّفِينَةِ: 3 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ) إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِمَنْ يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ فِي السَّفِينَةِ تَرْكُ الْقِيَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْبَرِّ. وَيَسْتَدِلُّونَ بِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا (6) وَهَذَا مُسْتَطِيعٌ لِلْقِيَامِ، وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا بَعَثَ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ﵁ إِلَى الْحَبَشَةِ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي السَّفِينَةِ قَائِمًا إِلاَّ أَنْ يَخَافَ الْغَرَقَ (7) وَلأَِنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ فِي الصَّلاَةِ فَلاَ يَسْقُطُ إِلاَّ بِعُذْرٍ وَلَمْ يُوجَدْ (8) .
وَيَقُول أَبُو حَنِيفَةَ بِصِحَّةِ صَلاَةِ مَنْ صَلَّى فِي السَّفِينَةِ السَّائِرَةِ قَاعِدًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ أَوْ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى الشَّطِّ، وَفِي الْمُضْمَرَاتِ وَالْبَحْرِ عَنِ الْبَدَائِعِ: أَنَّ فِيهِ إِسَاءَةَ أَدَبٍ.
وَيُحْتَجُّ لأَِبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بِمَا يَأْتِي:
(6) رُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَال: صَلَّيْنَا مَعَ أَنَسٍ فِي السَّفِينَةِ قُعُودًا وَلَوْ شِئْنَا لَخَرَجْنَا إِلَى الْجِدِّ (10) .
(11) قَال مُجَاهِدٌ: صَلَّيْنَا مَعَ جُنَادَةَ ﵁ فِي السَّفِينَةِ قُعُودًا وَلَوْ شِئْنَا لَقُمْنَا.
(12) ذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فِي كِتَابِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ عُقْلَةَ أَنَّهُ قَال: سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ﵄ عَنِ الصَّلاَةِ فِي السَّفِينَةِ. فَقَالاَ: إِنْ كَانَتْ جَارِيَةً يُصَلِّي قَاعِدًا، وَإِنْ كَانَتْ رَاسِيَةً يُصَلِّي قَائِمًا. مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا إِذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ لاَ.
(13) أَنَّ سَيْرَ السَّفِينَةِ سَبَبٌ لِدَوَرَانِ الرَّأْسِ غَالِبًا، وَالسَّبَبُ يَقُومُ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ إِذَا كَانَ فِي الْوُقُوفِ عَلَى الْمُسَبَّبِ حَرَجٌ، أَوْ كَانَ الْمُسَبَّبُ بِحَالٍ يَكُونُ عَدَمُهُ مَعَ وُجُودِ السَّبَبِ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ، فَأَلْحَقُوا النَّادِرَ بِالْعَدَمِ؛ إِذْ لاَ عِبْرَةَ بِالنَّادِرِ، وَهَاهُنَا عَدَمُ دَوَرَانِ الرَّأْسِ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ وَصَارَ كَالرَّاكِبِ عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْقِيَامُ لِتَعَذُّرِ الْقِيَامِ عَلَيْهَا غَالِبًا، كَذَا هَذَا (11) . الاِقْتِدَاءُ فِي السُّفُنِ:
4 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَأْتَمَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْل السَّفِينَةِ بِإِمَامٍ فِي سَفِينَةٍ أُخْرَى؛ لأَِنَّ بَيْنَهُمَا طَائِفَةً مِنَ النَّهْرِ أَوِ الْبَحْرِ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَقْرُونَتَيْنِ، فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الاِقْتِدَاءُ لأَِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُمَا فِي سَفِينَةٍ وَاحِدَةٍ لأَِنَّ السَّفِينَتَيْنِ الْمَقْرُونَتَيْنِ فِي مَعْنَى أَلْوَاحِ سَفِينَةٍ وَاحِدَةٍ (15) .
وَالْمُرَادُ بِالاِقْتِرَانِ الْمُمَاسَّةُ بَيْنَ السَّفِينَتَيْنِ مُدَّةَ الصَّلاَةِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ رَبْطٍ. وَهَذَا مَا اسْتَظْهَرَهُ الطَّحْطَاوِيُّ. وَقِيل: الْمُرَادُ بِالاِقْتِرَانِ رَبْطُهُمَا بِنَحْوِ حَبْلٍ (16) .
وَمَحَل عَدَمِ صِحَّةِ الاِقْتِدَاءِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ كَوْنُ الإِْمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي غَيْرِ شِدَّةِ خَوْفٍ، وَأَمَّا فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ فَيَصِحُّ الاِقْتِدَاءُ لِلْحَاجَةِ (17) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ جَوَازَ اقْتِدَاءِ ذَوِي سُفُنٍ مُتَقَارِبَةٍ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ يَسْمَعُونَ تَكْبِيرَهُ أَوْ يَرَوْنَ أَفْعَالَهُ أَوْ مَنْ يَسْمَعُ عِنْدَهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الإِْمَامُ فِي السَّفِينَةِ الَّتِي تَلِي الْقِبْلَةَ (18) . وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ كَانَ الإِْمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِي سَفِينَتَيْنِ مَكْشُوفَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ فَكَالْفَضَاءِ، فَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالآْخَرِ وَإِنْ لَمْ تُشَدَّ إِحْدَاهُمَا إِلَى الأُْخْرَى، بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلاَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَإِنْ كَانَتَا مُسَقَّفَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا فَقَطْ فَكَالْبَيْتَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ قَدْرِ الْمَسَافَةِ وَعَدَمِ الْحَائِل وَوُجُودِ الْوَاقِفِ بِالْمَنْفَذِ إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَنْفَذٌ (19) .
التَّطَوُّعُ فِي السَّفِينَةِ بِالإِْيمَاءِ:
5 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - وَهُوَ الْمُعَوَّل عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَتَطَوَّعَ فِي السَّفِينَةِ بِالإِْيمَاءِ بِخِلاَفِ رَاكِبِ الدَّابَّةِ فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِوُرُودِ النَّصِّ بِهِ، وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لأَِنَّ رَاكِبَ الدَّابَّةِ لَيْسَ لَهُ مَوْضِعُ قَرَارٍ عَلَى الأَْرْضِ وَرَاكِبُ السَّفِينَةِ لَهُ فِيهَا قَرَارٌ عَلَى الأَْرْضِ، فَالسَّفِينَةُ فِي حَقِّهِ كَالْبَيْتِ (20) .
هَذَا وَلَمْ نَجِدْ لِلشَّافِعِيَّةِ تَصْرِيحًا فِي مَسْأَلَةِ التَّطَوُّعِ بِالإِْيمَاءِ فِي السَّفِينَةِ (21) .
التَّعَاقُدُ عَلَى ظَهْرِ السَّفِينَةِ:
6 - إِذَا تَعَاقَدَ شَخْصَانِ عَلَى ظَهْرِ سَفِينَةٍ انْعَقَدَ الْعَقْدُ سَوَاءٌ أَكَانَتِ السَّفِينَةُ وَاقِفَةً أَمْ جَارِيَةً.
قَال الْكَاسَانِيُّ: لَوْ تَبَايَعَا وَهُمَا فِي سَفِينَةٍ يَنْعَقِدُ سَوَاءٌ كَانَتْ وَاقِفَةً أَوْ جَارِيَةً (22) .
وَعَلَّل ابْنُ الْهُمَامِ عَدَمَ تَبَدُّل مَجْلِسِ الْعَقْدِ بِجَرَيَانِ السَّفِينَةِ بِقَوْلِهِ: السَّفِينَةُ كَالْبَيْتِ فَلَوْ عَقَدَا وَهِيَ تَجْرِي فَأَجَابَ الآْخَرُ لاَ يَنْقَطِعُ الْمَجْلِسُ بِجَرَيَانِهَا لأَِنَّهُمَا لاَ يَمْلِكَانِ إِيقَافَهَا (23) .
وَلِلتَّفْصِيل (ر: اتِّحَاد الْمَجْلِسِ، صِيغَة، عَقْد، مَجْلِس) .
الشُّفْعَةُ فِي السُّفُنِ:
7 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ عَقَارًا أَوْ مَا هُوَ بِمَعْنَاهُ، فَالشُّفْعَةُ لاَ تَثْبُتُ عِنْدَهُمْ فِي السُّفُنِ.
وَنُقِل عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَقُول بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي السُّفُنِ، وَهَذَا مُقْتَضَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ وَهُوَ قَوْل أَهْل مَكَّةَ (24)
وَلِلتَّفْصِيل (ر: شُفْعَة) . انْتِهَاءُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي السَّفِينَةِ:
8 - يَعْتَبِرُ الْقَائِلُونَ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ التَّفَرُّقَ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ انْتِهَاءِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَالْمَرْجِعُ فِي التَّفَرُّقِ إِلَى عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَتِهِمْ فِيمَا يَعُدُّونَهُ تَفَرُّقًا؛ لأَِنَّ الشَّارِعَ عَلَّقَ عَلَيْهِ حُكْمًا وَلَمْ يُبَيِّنْهُ فَدَل ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ، فَلَوْ كَانَ الْعَاقِدَانِ فِي سَفِينَةٍ كَبِيرَةٍ فَالنُّزُول إِلَى الطَّبَقَةِ التَّحْتَانِيَّةِ تَفَرُّقٌ كَالصُّعُودِ إِلَى الْفَوْقَانِيَّةِ.
أَمَّا لَوْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ فَالتَّفَرُّقُ يَحْصُل بِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا مِنْهَا (25) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (خِيَار الْمَجْلِسِ) .
اصْطِدَامُ السَّفِينَتَيْنِ:
9 - إِنِ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ بِتَفْرِيطٍ مِنْ مُجْرِيَيْهِمَا فَغَرِقَتَا ضَمِنَ كُل وَاحِدٍ مِنَ الْمُجْرِيَيْنِ سَفِينَةَ الآْخَرِ وَمَا فِيهَا مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ، لأَِنَّ التَّلَفَ حَصَل بِسَبَبِ فِعْلَيْهِمَا فَوَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِسَبَبِ فِعْلِهِ كَالْفَارِسَيْنِ إِذَا اصْطَدَمَا. بِهَذَا قَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ. وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ يَلْزَمُ كُلًّا مِنَ الْمُجْرِيَيْنِ لِلآْخَرِ نِصْفُ بَدَل سَفِينَتِهِ وَنِصْفُ مَا فِيهَا (26) .
وَلِلْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفَاصِيل تُنْظَرُ فِي (إِتْلاَف، قَتْل، قِصَاص، ضَمَان) .
إِنْقَاذُ السَّفِينَةِ بِإِتْلاَفِ الأَْمْتِعَةِ:
10 - إِذَا أَشْرَفَتِ السَّفِينَةُ عَلَى الْغَرَقِ جَازَ إِلْقَاءُ بَعْضِ أَمْتِعَتِهَا فِي الْبَحْرِ، وَيَجِبُ الإِْلْقَاءُ رَجَاءَ نَجَاةِ الرَّاكِبَيْنِ إِذَا خِيفَ الْهَلاَكُ، وَيَجِبُ إِلْقَاءُ مَا لاَ رُوحَ فِيهِ لِتَخْلِيصِ ذِي الرُّوحِ. وَلاَ يَجُوزُ إِلْقَاءُ الدَّوَابِّ إِذَا أَمْكَنَ دَفْعُ الْغَرَقِ بِغَيْرِ الْحَيَوَانِ، وَإِذَا مَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى إِلْقَاءِ الدَّوَابِّ أُلْقِيَتْ لإِِبْقَاءِ الآْدَمِيِّينَ، وَلاَ سَبِيل لِطَرْحِ الآْدَمِيِّ بِحَالٍ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا (27) .
وَفِي بَعْضِ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (إِتْلاَف، ضَمَان) .
الاِمْتِنَاعُ عَنْ إِنْقَاذِ السَّفِينَةِ مِنْ الْغَرَقِ:
11 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ إعَانَةِ الْغَرِيقِ عَلَى النَّجَاةِ مِنَ الْغَرَقِ، فَإِنْ كَانَ قَادِرًا وَلَمْ يُوجَدُ غَيْرُهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا كِفَائِيًّا عَلَى الْقَادِرِينَ، فَإِنْ قَامَ بِهِ أَحَدٌ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ وَإِلاَّ أَثِمُوا جَمِيعًا (28) .
(ر: إِعَانَة) ف 5 (5 196) .
قَال الْحَصْكَفِيُّ: يَجِبُ قَطْعُ الصَّلاَةِ لإِِغَاثَةِ مَلْهُوفٍ وَغَرِيقٍ وَحَرِيقٍ (29) .
يَقُول ابْنُ عَابِدِينَ: الْمُصَلِّي مَتَى سَمِعَ أَحَدًا يَسْتَغِيثُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ بِالنِّدَاءِ أَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا حَل بِهِ، أَوْ عَلِمَ وَكَانَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إغَاثَتِهِ وَتَخْلِيصِهِ - وَجَبَ عَلَيْهِ إغَاثَتُهُ وَقَطْعُ الصَّلاَةِ، فَرْضًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (30) . فَتَبَيَّنَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ مَنْ رَأَى سَفِينَةً مُشْرِفَةً عَلَى الْغَرَقِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِنْقَاذِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِذَلِكَ. وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي تَضْمِينِ مَنْ أَمْكَنَهُ إِنْقَاذُ السَّفِينَةِ مِنَ الْغَرَقِ فَلَمْ يَفْعَل.
بِتَتَبُّعِ آرَاءِ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الاِمْتِنَاعِ مِنْ إغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ وَنَجْدَةِ الْغَرِيقِ وَإِطْعَامِ الْمُضْطَرِّ حَتَّى يَهْلِكُوا، يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمْ لاَ يُرَتِّبُونَ الضَّمَانَ عَلَى الاِمْتِنَاعِ مِنْ إِنْقَاذِ سَفِينَةٍ مُشْرِفَةٍ عَلَى الْغَرَقِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَرَوْنَ التَّأْثِيمَ فِيهِ دِيَانَةً.
وَيُعَلَّل عَدَمُ تَضْمِينِ الْمُمْتَنِعِ عِنْدَهُمْ بِأَنَّهُ لَمْ يُهْلِكْ أَهْل السَّفِينَةِ وَلَمْ يَكُنْ سَبَبًا فِي غَرَقِهِمْ فَلَمْ يَضْمَنْهُمْ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِمْ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَأَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ مَعَ الْقُدْرَةِ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ لأَِنَّهُ لَمْ يُنْجِ أَهْل السَّفِينَةِ مِنَ الْهَلاَكِ مَعَ إِمْكَانِهِ فَيَضْمَنُهُمْ (1) .
(ر: تَرْك ف 14 ج 11 204) .
__________
(1) لسان العرب والمعجم الوسيط ومتن اللغة مادة (سفن) .
(2) مغني المحتاج 1 / 144.
(3) مغني المحتاج 1 / 144، والمجموع 3 / 242، والقوانين الفقهية ص 60، والدسوقي 1 / 226، ومراقي الفلاح ص 223، وكشاف القناع 1 / 304.
(4) تصحيح الفروع 1 / 380.
(5) كشاف القناع 1 / 304.
(6) حديث: " فإن لم تستطع فقاعدا ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 587 - ط السلفية) من حديث عمران بن حصين.
(7) حديث: لما بعث جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة أمره أن يصلي في السفينة. أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1 / 163 - ط القدسي) وقال: " رواه البزار وفيه رجل لم يسم وبقية رجاله ثقات، وإسناده متصل ".
(8) مراقي الفلاح ص 223، وبدائع الصنائع 1 / 109، والمجموع 3 / 242، والمغني 2 / 144، والحطاب 2 / 515.
(9) حديث: " فإن لم تستطع فقاعدا ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 587 - ط السلفية) من حديث عمران بن حصين.
(10) الجدّ - بكسر الجيم وتشديد الدال - الشاطئ (حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 223) .
(11) بدائع الصنائع 1 / 109، 110، ومراقي الفلاح ص 223.
(12)
(13)
(14) بدائع الصنائع 1 / 109، 110، ومراقي الفلاح ص 223.
(15) المبسوط للسرخسي 2 / 3، ومطالب أولي النهى 1 / 694.
(16) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 160.
(17) مطالب أولي النهى 1 / 694.
(18) حاشية الدسوقي 1 / 336.
(19) أسنى المطالب 1 / 225.
(20) المبسوط 2 / 2، والشرح الصغير 1 / 300، وكشاف القناع 1 / 3.
(21) أسنى المطالب 1 / 225، 248، وروضة الطالبين 1 / 239، ونهاية المحتاج 1 / 452.
(22) بدائع الصنائع 5 / 137.
(23) فتح القدير 5 / 78 - 79 ط بولاق.
(24) بدائع الصنائع 5 / 12، وتبيين الحقائق 5 / 252، ومغني المحتاج 2 / 296، والمغني 5 / 213، ومطالب أولي النهى 4 / 109، # إعلام الموقعين 2 / 140، نشر دار الجيل.
(25) مغني المحتاج 2 / 45، والأنوار لأعمال الأبرار 1 / 338، والمجموع 9 / 180، والمغني 3 / 565.
(26) الحطاب 6 / 243، وكشاف القناع 4 / 130، وتكملة فتح القدير 8 / 348 والاختيار 5 / 49، والمبسوط 26 / 190، وأسنى المطالب 4 / 79.
(27) روضة الطالبين 9 / 338، مطالب أولي النهى 4 / 95، والدسوقي 4 / 27، وابن عابدين 5 / 172.
(28) الاختيار 4 / 175، والمغني 8 / 602.
(29) الدر المختار 1 / 440.
(30) ابن عابدين 1 / 478.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 74/ 25