الخبير
كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...
التَّعْرِيفُ:
1 - الْفِرَقُ فِي اللُّغَةِ جَمْعُ فِرْقَةٍ، وَالْفِرْقَةُ هِيَ: الطَّائِفَةُ مِنَ النَّاسِ (1) .
وَالأُْمَّةُ مِنْ مَعَانِيهَا فِي اللُّغَةِ: جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ يَجْمَعهُمْ أَمْرٌ مَا، إِمَّا دِينٌ وَاحِدٌ، أَوْ زَمَانٌ وَاحِدٌ، أَوْ مَكَانٌ وَاحِدٌ، وَفِي التَّنْزِيل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُل أُمَّةٍ رَسُولاً} . (2)
وَفِرَقُ الأُْمَّةِ فِي الاِصْطِلاَحِ: اسْمٌ أُطْلِقَ عَلَى الْفِرَقِ الْمُنْتَسِبَةِ إِلَى الإِْسْلاَمِ وَالَّتِي ظَهَرَتْ بَعْدَ الصَّدْرِ الأَْوَّل.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
2 - أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالأُْلْفَةِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الْفُرْقَةِ، قَال تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْل اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا} (3) أَيْ فِي دِينِكُمْ كَمَا افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي أَدْيَانِهِمْ، وَأَمَرَهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَنْ يَكُونُوا فِي دِينِ اللَّهِ إِخْوَانًا، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَنْعًا لَهُمْ عَنِ التَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الاِخْتِلاَفِ فِي الْفُرُوعِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ اخْتِلاَفًا، إِذْ الاِخْتِلاَفُ مَا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الاِئْتِلاَفُ وَالْجَمْعُ وَالَّذِي هُوَ سَبَبُ الْفَسَادِ (4) .
وَقَال تَعَالَى: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} . (5)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً. (6)
قَال أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ التَّمِيمِيُّ: إِنَّهُ ﷺ لَمْ يُرِدْ بِالْفِرَقِ الْمَذْمُومَةِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ مِنْ أَبْوَابِ الْحَلاَل وَالْحَرَامِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بِالذَّمِّ مَنْ خَالَفَ أَهْل الْحَقِّ فِي أَصْل التَّوْحِيدِ، وَفِي تَقْدِيرِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَفِي شُرُوطِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَفِي مُوَالاَةِ الصَّحَابَةِ وَمَا جَرَى مَجْرَى هَذِهِ الأَْبْوَابِ، فَيَرْجِعُ تَأْوِيل الْحَدِيثِ فِي افْتِرَاقِ الأُْمَّةِ إِلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ الاِخْتِلاَفِ (7) .
الْفِرَقُ الْمَذْمُومَةُ:
3 - رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ذَكَرَ بَعْضَ الْفِرَقِ قَبْل ظُهُورِهَا بِالاِسْمِ وَذَمَّهُمْ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ ذَمَّ الْقَدَرِيَّةَ، وَأَنَّهُ ﷺ قَال عَنْهُمْ: إِنَّ مَجُوسَ هَذِهِ الأُْمَّةِ الْمُكَذِّبُونَ بِأَقْدَارِ اللَّهِ (8) ، وَرُوِيَ عَنْهُ ذَمُّ الْمُرْجِئَةِ مَعَ الْقَدَرِيَّةِ. وَذَكَرَ آخَرِينَ بِأَوْصَافِهِمْ، وَقَال: " إِنَّهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمْيَةِ (9) "، كَمَا رُوِيَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، أَنَّهُمْ أَخْبَرُوا أَوْ أَشَارُوا إِلَى افْتِرَاقِ الأُْمَّةِ إِلَى فِرَقٍ، وَأَنَّ الْفِرْقَةَ النَّاجِيَةَ وَاحِدَةٌ، وَسَائِرُهَا عَلَى الضَّلاَل فِي الدُّنْيَا، وَالْبَوَارِ فِي الآْخِرَةِ (10) .
أَهَمُّ مَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْفِرَقُ الْمَذْمُومَةُ:
4 - اخْتَلَفَتِ الْفِرَقُ الْمَذْمُومَةُ فِي أُمُورٍ مِنَ الْعَقِيدَةِ، أَهَمُّهَا: الصِّفَاتُ، وَالْقَدَرُ، وَالْعَدْل، وَالْوَعْدُ، وَالْوَعِيدُ، وَالسَّمْعُ، وَالْعَقْل، وَأَسْمَاءُ اللَّهِ، وَالرِّسَالَةُ، وَالأَْمَانَةُ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْعَقِيدَةِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْفِرَقِ:
5 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُكَفَّرُ أَحَدٌ مِنْ أَهْل الْقِبْلَةِ، إِلاَّ مَنْ أَنْكَرَ مِنْهُمْ أَمْرًا مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، كَنَفْيِ الصَّانِعِ، أَوْ نَفْيِ مَا هُوَ ثَابِتٌ بِالإِْجْمَاعِ مِنَ الصِّفَاتِ، كَالْعِلْمِ، وَالْقُدْرَةِ، وَإِثْبَاتِ مَا هُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ بِالإِْجْمَاعِ، كَحُدُوثِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَقِدَمِ الْعَالَمِ، أَوِ اعْتَقَدَ مَذْهَبَ الْحُلُول وَالتَّنَاسُخِ، أَوِ اعْتَقَدَ أُلُوهِيَّةَ بَعْضِ أَئِمَّتِهِمْ، أَوْ أَنْكَرَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الإِْسْلاَمِ، كَوُجُوبِ الصَّلاَةِ، وَالصَّوْمِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، أَوْ أَحَل مَا حَرَّمَ الْقُرْآنُ بِنَصٍّ لاَ يَقْبَل التَّأْوِيل كَالزِّنَا، وَنِكَاحِ الْبَنَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ فِي تَحْرِيمِهِ أَوْ تَحْلِيلِهِ نَصٌّ صَرِيحٌ لاَ يَقْبَل التَّأْوِيل، وَهَذَا الصِّنْفُ مِنَ الْفِرَقِ لاَ يُعَدُّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْمُرْتَدِّينَ عَنِ الدِّينِ، وَلاَ تَحِل ذَبَائِحُهُمْ وَلاَ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ مِنْهُمْ، وَلاَ يُقَرُّ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ بِالْجِزْيَةِ، بَل يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلاَّ وَجَبَ قَتْلُهُمْ (11) .
وَأَمَّا شَهَادَةُ أَهْل الأَْهْوَاءِ مِنْ فِرَقِ الأُْمَّةِ (12) . فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي رَدِّهَا عَلَى أَقْوَالٍ، يُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ (أَهْل الأَْهْوَاءِ ف 9) (وَبِدْعَةٌ ف 29)
وَأَمَّا رَدُّ رِوَايَتِهِمْ أَوْ قَبُولُهَا، وَحُكْمُ الاِقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي الصَّلاَةِ وَصِحَّةُ وِلاَيَتِهِمْ فِي الأُْمُورِ الْعَامَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (بِدْعَةٌ ف 30، 31، 32)
__________
(1) لسان العرب.
(2) سورة النحل / 36، وانظر المفردات للأصفهاني.
(3) سورة آل عمران / 103.
(4) تفسير القرطبي جـ4 / 159.
(5) سورة آل عمران / 105.
(6) (2) حديث أبي هريرة: " افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة. . . ". أخرجه أبو داود (5 / 2) ، والحاكم (1 / 128) ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(7) تحفة الأحوذي 7 / 398، وعون المعبود في شرح سنن أبي داود 12 / 340.
(8) (3) حديث: " إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله ". أخرجه ابن ماجه (1 / 35) من حديث جابر بن عبد الله، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 55) .
(9) حديث: " إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله ". أخرجه ابن ماجه (1 / 35) من حديث جابر بن عبد الله، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 55) .
(10) الفرق بين الفرق ص9.
(11) مغني المحتاج 4 / 434 - 435، ونهاية المحتاج 7 / 414 - 415، وما بعده، وشرح الزرقاني 8 / 63 - 64، ومطالب أولي النهى 6 / 281 - 282 وما بعدها، والفرق بين الفرق ص356 - 357، وحاشية ابن عابدين 1 / 377.
(12) فتح القدير 6 / 40، 41، ونهاية المحتاج 8 / 305، ومغني المحتاج 4 / 134 - 135.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 105/ 32