الرحيم
كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...
التَّعْرِيفُ:
1 - اللَّغْوُ: لَهُ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ فِي اللُّغَةِ.
مِنْهَا: السَّقْطُ وَمَا لاَ يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ الْكَلاَمِ وَغَيْرِهِ، وَلاَ يُحْصَل مِنْهُ عَلَى فَائِدَةٍ وَلاَ نَفْعٍ.
وَمِنْهَا: مَا لاَ يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ مِثْل قَوْل الرَّجُل: لاَ وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ.
قَالَتْ عَائِشَةُ ﵂: إِنَّمَا اللَّغْوُ فِي الْمِرَاءِ وَالْهَزْل وَالْمُزَاحَةِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي لاَ يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيُّ: اللَّغْوُ هُوَ الْكَلاَمُ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
وَمِنْهَا: الإِْثْمُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} (2) ، وَالْمَعْنَى لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالإِْثْمِ فِي الْحَلِفِ إِذَا كَفَرْتُمْ.
وَمِنْهَا: اللَّغْطُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَال الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (3) أَيِ الْغَطُوا فِيهِ.
وَمِنْهَا: النُّطْقُ: يُقَال هَذِهِ لُغَتُهُمُ الَّتِي يَلْغُونَ بِهَا أَيْ يَنْطِقُونَ بِهَا، وَلَغْوُ الطَّيْرِ أَصْوَاتُهَا (4) .
وَاصْطِلاَحًا: ضَمُّ الْكَلاَمِ بِمَا هُوَ سَاقِطُ الْعِبْرَةِ مِنْهُ، وَهُوَ الَّذِي لاَ مَعْنَى لَهُ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ (5) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْبَاطِل:
2 - الْبَاطِل لُغَةً: مَا سَقَطَ حُكْمُهُ، يُقَال بَطَل الشَّيْءُ يَبْطُل بَطَلاً وَبُطُولاً وَبُطْلاَنًا: فَسَدَ أَوْ سَقَطَ حُكْمُهُ (6) .
وَاصْطِلاَحًا: عَرَّفَهُ الْبَرَكَتِيُّ: بِأَنَّهُ الَّذِي لاَ يَكُونُ صَحِيحًا بِأَصْلِهِ أَوْ مَا لاَ يُعْتَدُّ بِهِ وَلاَ يُفِيدُ شَيْئًا أَوْ مَا كَانَ فَائِتَ الْمَعْنَى مَعَ وُجُودِ الصُّورَةِ إِمَّا لاِنْعِدَامِ الأَْهْلِيَّةِ أَوْ لاِنْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ (7) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ اللَّغْوِ وَالْبَاطِل، الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ فَالْبَاطِل أَعَمُّ مِنَ اللَّغْوِ، فَكُل لَغْوٍ بَاطِلٌ وَلَيْسَ كُل بَاطِلٍ لَغْوًا. الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِاللَّغْوِ:
أَوَّلاً - لَغْوُ الْيَمِينِ:
3 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْرِيفِ لَغْوِ الْيَمِينِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (أَيْمَانٌ ف 103) .
كَفَّارَةُ لَغْوِ الْيَمِينِ
4 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إِلَى أَنَّهُ لاَ كَفَّارَةَ فِي لَغْوِ الْيَمِينِ وَلاَ إِثْمَ عَلَى صَاحِبِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَْيْمَانَ} (8) فَجَعَل اللَّهُ تَعَالَى الْكَفَّارَةَ لِلْيَمِينِ الَّتِي يُؤَاخَذُ بِهَا وَنَفَى الْمُؤَاخَذَةَ بِاللَّغْوِ فَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْكَفَّارَةِ.
وَمِمَّنْ قَال: لاَ كَفَّارَةَ فِي لَغْوِ الْيَمِينِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو مَالِكٍ وَزُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ كَمَا حَلَفَ فَلَمْ يَكُنْ فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلَيْسَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ، لأَِنَّ الْيَمِينَ بِاللَّهِ تَعَالَى وُجِدَتْ مَعَ الْمُخَالَفَةِ فَأَوْجَبَتِ الْكَفَّارَةَ كَالْيَمِينِ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ (9) .
وَالتَّفْصِيل فِي (كَفَّارَةٌ ف 9) .
زَمَنُ لَغْوِ الْيَمِينِ
5 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ يَكُونُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمَاضِي أَوِ الْحَال أَوِ الْمُسْتَقْبَل، كَأَنْ يَقُول الإِْنْسَانُ وَاللَّهِ مَا كَلَّمْتُ زَيْدًا وَفِي ظَنِّهِ وَاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْهُ، أَوْ يَقُول وَاللَّهِ لَقَدْ كَلَّمْتُ زَيْدًا وَفِي ظَنِّهِ أَنَّهُ كَلَّمَهُ وَهُوَ بِخِلاَفِهِ، أَوْ يَقُول وَاللَّهِ هَذَا الْجَائِي لَزَيْدٌ وَهُوَ بِخِلاَفِهِ، أَوْ إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَغُرَابٌ وَفِي ظَنِّهِ كَذَلِكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ بِخِلاَفِهِ، وَمَا لاَ يَعْقِدُ عَلَيْهِ قَلْبَهُ وَلَمْ يَقْصِدَ الْيَمِينَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا جَرَتْ عَلَى لِسَانِهِ فَهُوَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ مَاضِيًا كَانَ أَوْ حَالاً أَوْ مُسْتَقْبَلاً (10) .
وَكَلاَمُ عَائِشَةَ ﵂ يَدُل عَلَى هَذَا فَإِنَّهَا قَالَتْ: إِنَّمَا اللَّغْوُ فِي الْمِرَاءِ وَالْهَزْل وَالْمُزَاحَةِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي لاَ يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ (11) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْعَدَوِيُّ وَابْنُ عَرَفَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِلَى أَنَّهُ لاَ لَغْوَ فِي يَمِينِ الْمُسْتَقْبَل، لأَِنَّ الْيَمِينَ فِي الْمُسْتَقْبَل يَمِينٌ مَعْقُودَةٌ سَوَاءٌ وُجِدَ الْقَصْدُ أَوْ لاَ. وَتُكَفَّرُ إِنْ حَنِثَ.
وَقَوْل عَائِشَةَ ﵂ يَدُل عَلَى أَنَّ يَمِينَ اللَّغْوِ مَا يَجْرِي فِي كَلاَمِ النَّاسِ لاَ وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ فِي الْمَاضِي لاَ فِي الْمُسْتَقْبَل، وَأَنَّهَا فَسَّرَتْهَا بِالْمَاضِي فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ حِينَمَا سُئِلَتْ عَنْ يَمِينِ اللَّغْوِ فَقَالَتْ: قَوْل الرَّجُل: فَعَلْنَا وَاللَّهِ كَذَا وَضَعْنَا وَاللَّهِ كَذَا، وَالْيَمِينُ الْمَعْقُودَةُ هِيَ الْيَمِينُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَل نَفْيًا أَوْ إِثْبَاتًا مِثْل قَوْل الرَّجُل: وَاللَّهِ لاَ أَفْعَل كَذَا وَكَذَا، وَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لأََفْعَلَنَّ كَذَا.
وَلأَِنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ بِمُسْتَقْبَلٍ غَيْبٌ فَلاَ يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْكَفَّارَةِ فِي حَلِفِهِ عَلَى مَا وَقَعَ تَرْكُهَا فِي حَلِفِهِ عَلَى مَا لَمْ يَقَعْ لِعُذْرِ الأَْوَّل وَجَرَاءَةِ الثَّانِي (12) .
ثَانِيًا - اللَّغْوُ أَثَنَاءَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ:
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الإِْنْصَاتِ لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ لَغْوِ مَنْ لاَ يُنْصِتُ لِلْخُطْبَةِ، وَذَلِكَ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِمَاعٌ ف 12 - 14) .
لَغْوُ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ
7 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ: إِلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَوُقُوعُهَا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لَغْوٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَمَاعَةِ مَنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ وَالْخَطِيبُ يَعْرِفُهَا وَجَبَتْ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفِ الْخَطِيبُ الْعَرَبِيَّةَ لَمْ تَجِبْ، وَلاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ جَهْرًا فَإِسْرَارُهَا كَعَدِمِهَا وَتُعَادُ جَهْرًا، وَلاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ لَهَا بَالٌ (13) .
(ر: خُطْبَةٌ ف 9) .
__________
(1) قول عائشة: " إنما اللغو في المراء والهزل. . . ". أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في تفسيره كما في الدر المنثور للسيوطي (3 / 151) .
(2) سورة المائدة / 89
(3) سورة فصلت / 26.
(4) المصباح المنير، ولسان العرب.
(5) قواعد الفقه للبركتي ص454.
(6) المصباح المنير، ولسان العرب.
(7) قواعد الفقه ص202.
(8) سورة المائدة / 89.
(9) بدائع الصنائع 3 / 3، ومواهب الجليل 3 / 267، وكفاية الطالب الرباني 2 / 16، وروضة الطالبين 3 / 7، والمغني لابن قدامة 8 / 687، 688.
(10) مواهب الجليل 3 / 266، وبداية المجتهد 1 / 420 ط الكليات الأزهرية، ونهاية المحتاج 8 / 169، 170، والمغني لابن قدامة 8 / 688.
(11) قول عائشة: " إنما اللغو في المراء والهزل. . تقدم (ف1) .
(12) بدائع الصنائع 3 / 4، 5، ومواهب الجليل 3 / 266، والخرشي 3 / 54.
(13) العدوي على الخرشي 2 / 78.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 281/ 35