السبوح
كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...
التَّعْرِيفُ:
1 - يَتَرَكَّبُ الْمُصْطَلَحُ مِنْ مُضَافٍ وَمُضَافٍ إِلَيْهِ،هُمَا: وَلَدٌ، وَالزِّنَى.
فَالْوَلَدُ فِي اللُّغَةِ: الْمَوْلُودُ، يُقَال لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالذَّكَرِ وَالأُْنْثَى، وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى أَوْلاَدٍ وَوِلْدَةٍ وَوَإِلْدَةٍ وَوُلْدٍ. (1) وَيُطْلَقُ الْوَلَدُ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ وَإِنْ نَزَل مَجَازًا، كَمَا يُطْلَقُ الْوَلَدُ مَجَازًا أَيْضًا عَلَى الْوَلَدِ مِنَ الرَّضَاعِ.
(ر: ابْن ف 1، ابْنُ الاِبْنِ ف 1) وَالْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلْوَلَدِ لاَ يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. (2)
وَالزِّنَى فِي اللُّغَةِ: الْفُجُورُ. (3) وَفِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ: وَطْءُ الرَّجُل الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُل فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ. (4) (ر: إِرْث ف 125) وَالْمَقْصُودُ مِنْ وَلَدِ الزِّنَى هُوَ: الْوَلَدُ الَّذِي تَأْتِي بِهِ أُمُّهُ مِنْ سِفَاحٍ لاَ مِنْ نِكَاحٍ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - وَلَدُ اللِّعَانِ:
2 - وَلَدُ اللِّعَانِ هُوَ: الْوَلَدُ الَّذِي نَفَى الزَّوْجُ نَسَبَهُ مِنْهُ بَعْدَ مُلاَعَنَتِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ. (5) وَالصِّلَةُ بَيْنَ وَلَدِ اللِّعَانِ وَوَلَدِ الزِّنَى: انْقِطَاعُ نَسَبِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنِ الأَْبِ، إِلاَّ أَنَّ الأَْوَّل مُنْقَطِعٌ نَسَبُهُ عَنِ الأَْبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ مِنْهُ بِخِلاَفِ الثَّانِي.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (لِعَان ف25 - 30.)
ب - اللَّقِيطُ:
3 - اللَّقِيطُ: اسْمٌ لِحَيٍّ مَوْلُودٍ طَرَحَهُ أَهْلُهُ خَوْفًا مِنَ الْعَيْلَةِ، أَوْ فِرَارًا مِنْ تُهْمَةِ الرِّيبَةِ. (6) وَالصِّلَةُ بَيْنَ اللَّقِيطِ وَوَلَدِ الزِّنَى: انْقِطَاعُ نَسَبِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنِ الأَْبِ، إِلاَّ أَنَّ الأَْوَّل مَجْهُول الأُْمِّ أَيْضًا بِخِلاَفِ الثَّانِي. الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِوَلَدِ الزِّنَى:
لِوَلَدِ الزِّنَى أَحْكَامٌ يَتَّفِقُ فِي بَعْضِهَا مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الأَْوْلاَدِ، وَيَخْتَلِفُ فِي بَعْضِهَا الآْخَرِ عَنْهُمْ، كَمَا يَلِي:
أ - دِينُ وَلَدِ الزِّنَى:
4 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ يَتَّبِعُ خَيْرَ الأَْبَوَيْنِ دِينًا، وَيُشْعِرُ التَّعْبِيرُ بِالأَْبَوَيْنِ إِخْرَاجَ وَلَدِ الزِّنَا. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَرَأَيْتُ فِي فَتَاوَى الشِّهَابِ الشَّلَبِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ قَال: وَاقِعَةُ الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا مُسْلِمٌ زَنَى بِنَصْرَانِيَّةٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ، فَهَل يَكُونُ مُسْلِمًا؟ أَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِعَدَمِهِ، وَبَعْضُهُمْ بِإِسْلاَمِهِ، وَذُكِرَ أَنَّ السُّبْكِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَإِنَّ الشَّارِعَ قَطَعَ نَسَبَ وَلَدِ الزِّنَى، وَبِنْتُهُ مِنَ الزِّنَى تَحِل لَهُ عِنْدَهُمْ، فَكَيْفَ يَكُونُ مُسْلِمًا؟ ، وَأَفْتَى قَاضِي الْقُضَاةِ الْحَنْبَلِيُّ بِإِسْلاَمِهِ أَيْضًا، ثُمَّ قَال: وَتَوَقَّفْتُ عَنِ الْكِتَابَةِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ النَّسَبِ عَنْ أَبِيهِ حَتَّى لاَ يَرِثَهُ، فَقَدْ صَرَّحُوا عِنْدَنَا بِأَنَّ بِنْتَهُ مِنَ الزِّنَى لاَ تَحِل لَهُ، وَبِأَنَّهُ لاَ يَدْفَعُ زَكَاتَهُ لاِبْنِهِ مِنَ الزِّنَى، وَلاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ لَهُ، وَالَّذِي يَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ لاَ يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِهِ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا، وَإِنَّمَا أَثْبَتُوا الأَْحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ احْتِيَاطًا نَظَرًا لِحَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ بَيْنَهُمَا.وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ مُعَلِّقًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ: يَظْهَرُ لِيَ الْحُكْمُ بِالإِْسْلاَمِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: كُل مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ (7) ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ جَعَل اتِّفَاقَهُمَا نَاقِلاً لَهُ عَنِ الْفِطْرَةِ، فَإِذَا لَمْ يَتَّفِقَا بَقِيَ عَلَى أَصْل الْفِطْرَةِ أَوْ عَلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهَا، حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَجُوسِيًا وَالآْخِرُ كِتَابِيًا فَهُوَ كِتَابِيٌّ، وَهُنَا لَيْسَ لَهُ أَبَوَانِ مُتَّفِقَانِ فَيَبْقَى عَلَى الْفِطْرَةِ، وَلأَِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ إِلْحَاقَهُ بِالْمُسْلِمِ مِنْهُمَا أَوْ بِالْكِتَابِيِّ أَنْفَعُ لَهُ، وَلاَ شْكَ أَنَّ النَّظَرَ لِحَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ أَنْفَعُ لَهُ، وَأَيْضًا حَيْثُ نَظَرُوا لِلْجُزْئِيَّةِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِل احْتِيَاطًا، فَلْيُنْظَرْ إِلَيْهَا هُنَا احْتِيَاطًا أَيْضًا، فَإِنَّ الاِحْتِيَاطَ بِالدِّينِ أَوْلَى، وَلأَِنَّ الْكُفْرَ أَقْبَحُ الْقَبِيحِ، فَلاَ يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِهِ عَلَى شَخْصٍ بِدُونِ أَمْرٍ صَرِيحٍ، وَلأَِنَّهُمْ قَالُوا فِي حُرْمَةِ بِنْتِهِ مِنَ الزِّنَى: إِنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ النِّسْبَةَ إِلَى الزَّانِي لِمَا فِيهَا مِنْ إِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ، فَلَمْ تَثْبُتِ النَّفَقَةُ وَالإِْرْثُ لِذَلِكَ، وَهُنَا لاَ يَنْفِي النِّسْبَةَ الْحَقِيقِيَّةَ، لأَِنَّ الْحَقَائِقَ لاَ مَرَدَّ لَهَا، فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ لاَ بُدَ مِنَ النِّسْبَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. (8) أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ قَال الشَّبْرَامَلِّسِيُّ: فَلَوْ وَطِئَ مُسْلِمٌ كَافِرَةً بِالزِّنَى، فَهَل يَلْحَقُ الْوَلَدُ الْمُسْلِمَ فِي الإِْسْلاَمِ، أَوْ يَلْحَقُ الْكَافِرَةَ؟ ذَهَبُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ إِلَى الأَْوَّل، وَاعْتَمَدَ الرَّمْلِيُّ تَبَعًا لِوَالِدِهِ الثَّانِي لأَِنَّهُ مَقْطُوعُ النَّسَبِ عَنْهُ. (9)
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ قَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ: فِي أَمَةٍ نَصْرَانِيَّةٍ وَلَدَتْ مِنْ فُجُورٍ وَلَدُهَا مُسْلِمٌ، لأَِنَّ أَبَوَيْهِ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَهَذَا لَيْسَ مَعَهُ إِلاَّ أُمَّهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْوَلَدِ حَالٌ يُحْتَمَل أَنْ يَقَرَّ فِيهَا عَلَى دِينٍ لاَ يَقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُرَدُّ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ. (10)
ب - أَذَانُ وَلَدِ الزِّنَى:
5 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَجُوزُ اتِّخَاذُ وَلَدِ الزِّنَى مُؤَذِّنًا، فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَذَانُ وَلَدِ الزِّنَى، لِحُصُول الْمَقْصُودِ بِهِ وَهُوَ الإِْعْلاَنُ لَكِنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى، لأَِنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الْجَهْل، وَلأَِنَّ الأَْذَانَ ذِكْرٌ مُعَظَّمٌ فَيُخْتَارُ لَهُ مَنْ يَكُونُ مُحْتَرَمًا فِي النَّاسِ مُتَبَرَّكًا بِهِ (11) لِحَدِيثِ: لِيُؤَذِّنَ لَكُمْ خِيَارُكُمْ وَلِيَؤُمَّكُمْ قُرَّاؤُكُمْ (12) . ج - إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَى لِلْمُصَلِّين
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إِمَامَةِ وَلَدِ الزِّنَى:
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى كَرَاهَتِهَا وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
قَال الْحَنَفِيَّةُ: تُكْرَهُ إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَى إِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَحَقُّ بِالإِْمَامَةِ مِنْهُ، لأَِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُعَلِّمُهُ، فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْل، وَإِنْ تَقَدَّمَ جَازَ، (13) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: صَلُّوا خَلْفَ كُل بَرٍّ وَفَاجِرٍ (14) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ أَنْ يُجْعَل إِمَامًا رَاتِبًا كُلٌّ مِنَ الْخَصِيِّ أَوِ الْمَأْبُونِ أَوِ الأَْقْلَفِ أَوْ وَلَدِ الزِّنَى أَوْ مَجْهُول الْحَال. (15)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ كَانَ الأَْفْقَهُ أَوِ الأَْقْرَأُ أَوِ الأَْوْرَعُ صَبِيًّا أَوْ مُسَافِرًا قَاصِرًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ وَلَدَ الزِّنَى أَوْ مَجْهُول الأَْبِ فَضِدُّهُ أَوْلَى. . . وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ أَنَّ إِمَامَةَ وَلَدِ الزِّنَى وَمَنْ لاَ يُعْرَفُ أَبُوهُ مَكْرُوهَةٌ. (16)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تُكْرَهُ إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَى إِذَا سَلِمَ دِينُهُ قَال عَطَاءٌ: لَهُ أَنْ يَؤُمَّ إِذَا كَانَ مَرْضِيًّا وَبِهِ قَال سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَإِسْحَاقُ (17) وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ ﷺ: يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ (18) وَقَالَتْ عَائِشَةُ ﵂: " لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ وِزْرِ أَبَوَيْهِ شَيْءٌ، وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى ( {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ) (19) وَقَال تَعَالَى: ( {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ) (20) .
(ر: إِمَامَة ف24) .
د - دَفْعُ الزَّكَاةِ لاِبْنِهِ مِنَ الزِّنَى:
7 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَدْفَعُ زَكَاتَهُ لاِبْنِهِ مِنَ الزِّنَى نَظَرًا لِحَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ بَيْنَهُمَا. (21) هـ - زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ وَلَدِ الزِّنَى:
8 - جَاءَ فِي حَاشِيَةِ الشَّرْوَانِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: الأَْقْرَبُ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ وَلَدِ الزِّنَى عَلَى أُمِّهِ. (22)
و الْعَقِيقَةُ عَنْ وَلَدِ الزِّنَى:
9 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ فَرْعِهِ أَنْ يَعُقَّ عَنْهُ، وَمِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ فَرْعِهِ الأُْمُّ فِي وَلَدِ الزِّنَى فَهُوَ فِي نَفَقَتِهَا، فَيُنْدَبُ لَهَا الْعَقُّ عَنْهُ، وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إِظْهَارُهُ الْمُفْضِي لِظُهُورِ الْعَارِ. (23)
ز - دُخُول وَلَدِ الزِّنَى فِي الْوَقْفِ عَلَى الْيَتِيمِ:
10 - نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَشْمَل الْوَقْفَ عَلَى الْيَتَامَى وَلَدَ الزِّنَى، لأَِنَّ لِلْيَتِيمِ انْكِسَارًا يَدْخُل عَلَى الْقَلْبِ بِفَقْدِ الأَْبِ. (24)
ح - تَحْرِيمُ النِّكَاحِ:
11 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ بَيْنَ وَلَدِ الزِّنَى وَأُمِّهِ الَّتِي وَلَدَتْهُ تَبَعًا لِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهَا. (25) وَاخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بَيْنَ الزَّانِي وَبِنْتِهِ مِنَ الزِّنَى وَلَهُمْ رَأْيَانِ:
الرَّأْيُ الأَْوَّل: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ بَيْنَهُمَا كَغَيْرِهَا مِنَ الأَْوْلاَدِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتِ النَّسَبُ، وَذَلِكَ لِلْجُزْئِيَّةِ. (1)
قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَتَحْرُمُ عَلَى الأَْبِ بَنَاتُهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ( {وَبَنَاتُكُمْ} . . . .) (26) سَوَاءٌ كَانَتْ بِنْتَهُ مِنَ النِّكَاحِ أَوْ مِنَ السِّفَاحِ لِعُمُومِ النَّصِّ، قَال الْكَاسَانِيُّ: وَلأَِنَّ بِنْتَ الإِْنْسَانِ اسْمٌ لأُِنْثَى مَخْلُوقَةٍ مِنْ مَائِهِ حَقِيقَةً، وَالْكَلاَمُ فِيهِ، فَكَانَتْ بِنْتَهُ حَقِيقَةً، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ الإِْضَافَةُ شَرْعًا إِلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ، وَهَذَا لاَ يَنْفِي النِّسْبَةَ الْحَقِيقِيَّةَ، لأَِنَّ الْحَقَائِقَ لاَ مَرَدَّ لَهَا، وَهَكَذَا نَقُول فِي الإِْرْثِ وَالنَّفَقَةِ، إِنَّ النِّسْبَةَ الْحَقِيقِيَّةَ ثَابِتَةٌ إِلاَّ أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ هُنَاكَ ثُبُوتَ النَّسَبِ شَرْعًا لِجَرَيَانِ الإِْرْثِ وَالنَّفَقَةِ لِمَعْنًى.
وَأَوْضَحَ ابْنُ عَابِدِينَ كَوْنَهَا مِنْ زِنًى بِقَوْلِهِ: كَأَنْ تَكُونَ بِكْرًا فَيَطَأُهَا ثُمَّ يَحْبِسُهَا حَتَّى تَلِدَ، أَوْ يَطَأُهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ غَيْرُهُ، ثُمَّ يَحْبِسُهَا حَتَّى تَلِدَ، وَإِلاَّ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ الْوَلَدُ، لِعَدَمِ ثُبُوتِ أَنَّهُ مِنْ مَائِهِ. (27) وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: فَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ بِبِنْتٍ، فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَعَلَى أُصُولِهِ. (28) وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُل نِكَاحُ بِنْتِهِ مِنَ الزِّنَى. . لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ( {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} ) (29) وَهَذِهِ بِنْتُهُ، فَإِنَّهَا أُنْثَى مَخْلُوقَةٌ مِنْ مَائِهِ هَذِهِ حَقِيقَةٌ لاَ تَخْتَلِفُ بِالْحَل وَالْحُرْمَةِ، وَيَدُل عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْل النَّبِيِّ ﷺ فِي امْرَأَةِ هِلاَل بْنِ أُمَيَّةَ: " أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ - يَعْنِي وَلَدَهَا - عَلَى صِفَةِ كَذَا فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ " (30) يَعْنِي الزَّانِي لأَِنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مِنْ مَائِهِ وَهَذِهِ حَقِيقَةٌ لاَ تَخْتَلِفُ بِالْحِل وَالْحُرْمَةِ فَأَشْبَهَتِ الْمَخْلُوقَةُ مِنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ، وَلأَِنَّهَا بِضْعَةٌ مِنْهُ فَلَمْ تَحِل لَهُ كَبِنْتِهِ مِنَ النِّكَاحِ، وَتَخَلُّفُ بَعْضُ الأَْحْكَامِ لاَ يَنْفِي كَوْنَهَا بِنْتًا كَمَا لَوْ تَخَلَّفَ لِرِقٍّ أَوِ اخْتِلاَقِ دِينٍ. إِذَا ثَبَتَ هَذَا: فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ عِلْمِهِ بِكَوْنِهَا مِنْهُ مِثْل أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ غَيْرُهُ، ثُمَّ يَحْفَظُهَا حَتَّى تَضَعَ، أَوْ مِثْل أَنْ يَشْتَرِكَ جَمَاعَةٌ فِي وَطْءِ امْرَأَةٍ فَتَأْتِيَ بِوَلَدٍ لاَ يُعْلَمُ هَل هُوَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ؟ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى جَمِيعِهِمْ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا بِنْتُ مَوْطُوءَتِهِمْ. وَالثَّانِي: أَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا بِنْتُ بَعْضِهِمْ، فَتَحْرُمُ عَلَى الْجَمِيعِ، كَمَا لَوْ زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ وَلَمْ يُعْلَمِ السَّابِقُ مِنْهُمَا وَتَحْرُمُ عَلَى أَوْلاَدِهِمْ لأَِنَّهَا أُخْتُ بَعْضِهِمْ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَإِنْ أَلْحَقَتْهَا الْقَافَةُ بِأَحَدِهِمْ حَلَّتْ لأَِوْلاَدِ الْبَاقِينَ وَلَمْ تَحِل لأَِحَدٍ مِمَّنْ وَطِئَ أُمَّهَا لأَِنَّهَا فِي مَعْنَى رَبِيبَتِهِ. (31)
الرَّأْيُ الثَّانِي: ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بَيْنَ الزَّانِي وَبِنْتِهِ مِنَ الزِّنَى وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ مَائِهِ، قَالُوا: وَالْمَخْلُوقَةُ مِنْ مَاءِ زِنَاهُ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْمَزْنِيُّ بِهَا مُطَاوَعَةً أَمْ لاَ، وَسَوَاءٌ تَحَقَّقَ أَنَّهَا مِنْ مَائِهِ أَمْ لاَ، تَحِل لَهُ لأَِنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهُ، إِذْ لاَ حُرْمَةَ لِمَاءِ الزِّنَى بِدَلِيل انْتِفَاءِ سَائِرِ أَحْكَامِ النِّسَبِ مِنْ إِرْثٍ وَغَيْرِهِ عَنْهَا فَلاَ تَتَبَعَّضُ الأَْحْكَامُ، فَإِنَّ مَنْعَ الإِْرْثِ بِإِجْمَاعٍ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. (32) وَقِيل: تَحْرُمُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَعَلَى الأَْوَّل يُكْرَهُ نِكَاحُهَا، وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْكَرَاهَةِ، فَقِيل: لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلاَفِ، قَال السُّبْكِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيل لاِحْتِمَال كَوْنِهَا مِنْهُ، فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهَا مِنْهُ حَرُمَتْ، وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمُ الرُّويَانِيُّ. (33) هَذَا مَا لَمْ يَكُنِ الزَّانِي مَجْنُونًا عِنْدَ الزِّنَى، فَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَالتَّحْرِيمُ، كَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ، لأَِنَّهُ لَيْسَ زِنًى فِي الْحُكْمِ. (34) 12 - كَمَا اخْتَلَفُوا فِي زَوَاجِ الزَّانِي مِنْ حَلِيلَةِ وَلَدِهِ مِنَ الزِّنَى عَلَى رَأْيَيْنِ:
الرَّأْيُ الأَْوَّل: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْقَوْل الْمُقَابِل لِلْمُعْتَمَدِ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُل حَلِيلَةُ الأَْبِ وَالاِبْنِ مِنَ الزِّنَا لِدُخُولِهِنَّ فِي عُمُومِ الآْيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي التَّحْرِيمِ. (35)
الرَّأْيُ الثَّانِي: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالرَّحِيبَانِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَحْرُمُ عَلَى الرَّجُل زَوْجَةُ ابْنِهِ مِنَ الزِّنَا. لأَِنَّهُ يُنْسَبُ لأُِمِّهِ فَزَوْجَتُهُ أَجْنَبِيَّةٌ مِنَ الزَّانِي، وَكَذَلِكَ لاَ يَحْرُمُ عَلَى وَلَدِ الزِّنَى زَوْجَةُ أَبِيهِ الزَّانِي لأَِنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهُ. (36) ط - حُرْمَةُ وَلَدِ الزِّنَا عَلَى أُصُول وَفُرُوعِ الزَّانِي وَحَوَاشِيهِ:
13 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ الْقَائِلُونَ بِتَحْرِيمِ وَلَدِ الزِّنَى مِنَ الزَّانِي بِأُمِّهِ وَهُمُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى وَلَدِ الزِّنَى أُصُول الزَّانِي وَفُرُوعُهُ، لِلْجُزْئِيَّةِ بَيْنَهُمْ، أَمَّا غَيْرُ الأُْصُول وَالْفُرُوعِ، كَأَعْمَامِ الزَّانِي وَأَخْوَالِهِ وَإِخْوَانِهِ وَأَخَوَاتِهِ، كَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَأَنْجَبَتْ بِنْتًا، فَهَل تَحْرُمُ هَذِهِ الْبِنْتُ عَلَى أَخِي الزَّانِي أَوْ عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ. .؟ .
قَال الْحَصْكَفِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: حَرُمَ عَلَى الْمُتَزَوِّجِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى نِكَاحُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ عَلاَ أَوْ نَزَل، وَبِنْتُ أَخِيهِ، وَأُخْتِهِ، وَبِنْتُهَا، وَلَوْ مِنْ زِنًى، وَعَمَّتُهُ وَخَالَتُهُ. .، قَال ابْنُ عَابِدِينَ مُعَلِّقًا عَلَى قَوْل الْحَصْكَفِيِّ " وَلَوْ مِنْ زِنًى " تَعْمِيمٌ بِالنَّظَرِ إِلَى كُل مَا قَبْلَهُ، أَيْ لاَ فَرْقَ فِي أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ أَوْ أُخْتِهِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الزِّنَى أَوْ لاَ، وَكَذَا إِذَا كَانَ لَهُ أَخٌ مِنَ الزِّنَى لَهُ بِنْتٌ مِنَ النِّكَاحِ، أَوْ أَخٌ مِنَ النِّكَاحِ لَهُ بِنْتٌ مِنَ الزِّنَى، وَعَلَى قِيَاسِهِ قَوْلُهُ: وَبِنْتُهَا وَعَمَّتُهُ وَخَالَتُهُ، أَيْ أُخْتُهُ مِنَ النِّكَاحِ لَهَا بِنْتٌ مِنَ الزِّنَى، أَوْ أُخْتُهُ مِنَ الزِّنَى لَهَا بِنْتٌ مِنَ النِّكَاحِ، أَوْ أُخْتُهُ مِنَ الزِّنَى لَهَا بِنْتٌ مِنَ الزِّنَى، وَكَذَا أَبُوهُ مِنَ النِّكَاحِ لَهُ أُخْتٌ مِنَ الزِّنَى، أَوْ أَبُوهُ مِنَ الزِّنَى لَهُ أُخْتٌ مِنَالنِّكَاحِ، أَوْ أَبُوهُ مِنَ الزِّنَى لَهُ أُخْتٌ مِنَ الزِّنَى، وَكَذَا أَمُّهُ كَذَلِكَ وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ، أَنَّ الْبِنْتَ مِنَ الزِّنَى لاَ تَحْرُمُ عَلَى عَمِّ الزَّانِي وَخَالِهِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مِنَ الزَّانِي حَتَّى يَظْهَرَ فِيهَا حُكْمُ الْقَرَابَةِ، وَأَمَّا التَّحْرِيمُ عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَوْلاَدِهِ فَلاِعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ، وَلاَ جُزْئِيَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَمِّ وَالْخَال، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ هُنَاكَ عَنِ التَّجْنِيسِ. (37)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: وَحَرُمَ عَلَى الشَّخْصِ أُصُولُهُ، وَهُوَ كُل مَنْ عَلَيْهِ وِلاَدَةٌ وَإِنْ عَلاَ وَفُصُولُهُ وَإِنْ سَفَلُوا، وَلَوْ خُلِقَتِ الْفُصُول مِنْ مَائِهِ الْمُجَرَّدِ عَنِ الْعَقْدِ، وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ شُبْهَةٍ، فَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ بِنْتًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَعَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَإِنْ حَمَلَتْ مِنْهُ بِذَكَرٍ حَرُمَ عَلَى صَاحِبِ الْمَاءِ تَزَوُّجِ بِنْتِهِ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الذَّكَرِ تَزَوُّجَ فَرُوعِ أَبِيهِ مِنَ الزِّنَى وَأُصُولِهِ. (38)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: وَتَحْرُمُ أُخْتُهُ مِنَ الزِّنَى وَبِنْتُ ابْنِهِ مِنَ الزِّنَى وَبِنْتُ بِنْتِهِ مِنَ الزِّنَى وَإِنْ نَزَلَتْ، وَبِنْتُ أَخِيهِ مِنَ الزِّنَى وَبِنْتُ أُخْتِهِ مِنَ الزِّنَى وَكَذَا عَمَّتُهُ وَخَالَتُهُ مِنَ الزِّنَى. (39) ي - كَفَاءَةُ وَلَدِ الزِّنَى:
14 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِ النَّسَبِ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى اعْتِبَارِ النَّسَبِ فِي الْكَفَاءَةِ وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالثَّوْرِيُّ وَالْكَرْخِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ النَّسَبِ فِي الْكَفَاءَةِ. .
قَال الْبُهُوتِيُّ: وَلَدُ الزِّنَى قَدْ قِيل: إِنَّهُ كُفُؤٌ لِذَاتِ نَسَبٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ أَنَّ وَلَدَ الزِّنَى يَنْكِحُ وَيُنْكَحُ إِلَيْهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُحِبَّ ذَلِكَ، لأَِنَّ الْمَرْأَةَ تَتَضَرَّرُ بِهِ هِيَ وَأَوْلِيَاؤُهَا، وَيَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى وَلَدِهَا، وَلَيْسَ هُوَ كُفْؤًا لِلْعَرَبِيَّةِ بِغَيْرِ إِشْكَالٍ (40) وَقَال الْمَحَلِّيُّ: وَيُسْتَحَبُّ دَيِّنَةٌ بِخِلاَفِ الْفَاسِقَةِ، نَسِيبَةٌ بِخِلاَفِ بِنْتِ الزِّنَى. (41)
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (كَفَاءَة ف16) .
ك - النَّسَبُ:
15 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الزِّنَى يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ أُمِّهِ الَّتِي وَلَدَتْهُ.
أَمَّا نَسَبُهُ مِنَ الزَّانِي: فَالْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) يَرَوْنَ عَدَمَ ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ (42) . وَلأَِنَّهُ لاَ يَلْحَقُ بِهِ إِذَا لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ فَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ بِحَالٍ.
وَقَال الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ: يَلْحَقُ الْوَاطِئَ إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَيَرِثُهُ، وَقَال إِبْرَاهِيمُ: يَلْحَقُهُ إِذَا جُلِدَ الْحَدَّ أَوْ مَلَكَ الْمَوْطُوءَةَ، وَقَال إِسْحَاقُ: يَلْحَقُهُ، وَذَكَرَ عَنْ عُرْوَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ نَحْوَهُ. (43) (ر: إِرْث ف 125)
ل - التَّحْرِيمُ بِالرِّضَاعِ بِلَبَنِ الزِّنَى
16 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا زَنَتْ فَوَلَدَتْ فَأَرْضَعَتْ بِلَبَنِهَا طِفْلاً أَوْ طِفْلَةً، كَانَ الرَّضِيعُ وَلَدًا لَهَا رَضَاعًا، لأَِنَّهُ رَضَعَ لَبَنَهَا حَقِيقَةً، وَالْوَلَدُ مَنْسُوبٌ إِلَيْهَا، فَحَرُمَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ.
أَمَّا تَحْرِيمُ هَذَا الرَّضِيعِ عَلَى الزَّانِي بِهَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى آرَاءٍ: فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الأَْوْجَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْخِرَقِيُّ وَابْنُ حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِلَى عَدَمِ التَّحْرِيمِ بِهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ آخَرَ وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى التَّحْرِيمِ بِهِ. (44)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (رَضَاع ف 24) .
م - إِرْثُ وَلَدِ الزِّنَى:
17 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ وَلَدِ الزِّنَى الإِْرْثَ مِنْ أُمِّهِ وَأَقَارِبِهَا، وَعَلَى أَنَّهُمْ يَرِثُونَهُ أَيْضًا بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ، وَعَصَبَتُهُ عَصَبَةُ أُمِّهِ.
أَمَّا إِرْثُهُ مِنَ الزَّانِي وَأَقَارِبِهِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى مَنْعِهِ، لاِنْقِطَاعِ نَسَبِهِ عَنْهُمْ، وَهُوَ سَبَبُ الإِْرْثِ.
وَعَلَى ذَلِكَ: فَإِذَا زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَأَنْجَبَتْ طِفْلاً ثُمَّ تَزَوَّجَ الزَّانِي مِنَ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَأَنْجَبَتْ طِفْلاً ثَانِيًا، كَانَ الطِّفْلاَنِ أَخَوَيْنِ لأُِمٍّ، وَتَوَارَثَا عَلَى ذَلِكَ. (45)
وَقَال الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ: يَلْحَقُ ابْنُ الزِّنَى الْوَاطِئَ إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَيَرِثُهُ. (46) انْظُرْ مُصْطَلَحَ (إِرِث ف125) .
ن - اسْتِقْضَاءُ وَلَدِ الزِّنَى:
18 - اخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي تَوْلِيَةِ وَلَدِ الزِّنَى الْقَضَاءَ، فَقَال ابْنُ عَرَفَةَ: قَال سَحْنُونُ: لاَ بَأْسَ بِوِلاَيَةِ وَلَدِ الزِّنَى، وَلاَ يَحْكُمُ فِي حَدِّ الزِّنَى.
وَقَال الْبَاجِي: الأَْظْهَرُ مَنْعُهُ، لأَِنَّ الْقَضَاءَ مَوْضِعُ رِفْعَةٍ وَطَهَارَةِ أَحْوَالٍ فَلاَ يَلِيهَا وَلَدُ الزِّنَا، كَالإِْمَامَةِ فِي الصَّلاَةِ. (47)
س - شَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَى:
19 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَبُول شَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَى:
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ شَهَادَةَ وَلَدِ الزِّنَى جَائِزَةٌ فِي الزِّنَى وَغَيْرِهِ، هَذَا قَوْل أَكْثَرِ أَهْل الْعِلْمِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ قَوْل عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ الآْيَاتِ الْكَرِيمَةِ، وَأَنَّهُ عَدْلٌ مَقْبُول الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الزِّنَى، كَالْقَتْل، وَمَنْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي الْقَتْل قُبِلَتْ فِي الزِّنَى، وَلأَِنَّ جِنَايَةَ أَبَوَيْهِ لاَ تُوجِبُ قَدْحًا فِي الْعَدَالَةِ. (48)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَاللَّيْثُ إِلَى أَنَّهُ تُقْبَل شَهَادَتُهُ فِي غَيْرِ الزِّنَى وَأَمَّا فِي الزِّنَى فَإِنَّهَا لاَ تُقْبَل وَكَذَا فِي مُتَعَلِّقَاتِ الزِّنَى كَقَذْفٍ وَلِعَانٍ وَإِنْ كَانَ عَدْلاً لأَِنَّ ابْنَ الزِّنَى يُتَّهَمُ فِي الرَّغْبَةِ عَلَى مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ لَهُ فِي كَوْنِهِ ابْنَ زِنًى مِثْلَهُ. (49)
حُكْمُ شَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَى لأَِبِيهِ مِنَ الزِّنَى:
20 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَبُول شَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَى عَلَى الزَّانِي بِأُمِّهِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ لَهُ، قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَذَلِكَ لِثُبُوتِ أَنَّهُ فَرْعُهُ حَقِيقَةً بِدَلِيل ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بَيْنَهُمَا. (50) وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ تُقْبَل شَهَادَةُ الْوَلَدِ لأَِبِيهِ مِنْ زِنًى وَرَضَاعٍ وَعَكْسِهِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الإِْنْفَاقِ وَالصِّلَةِ وَعِتْقِ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ. (51)
- 13 -
ع - قَذْفُ وَلَدِ الزِّنَى:
21 - مَنْ قَذَفَ وَلَدَ الزِّنَى فِي نَفْسِهِ كَأَنْ يَقُول لَهُ يَا زَانٍ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ إِذَا تَوَافَرَتْ فِي الْمَقْذُوفِ شُرُوطُ الإِْحْصَانِ.
(ر: إِحْصَان ف 15 19، وَقَذْف ف 14) ف - قَتْل الْوَالِدِ بِوَلَدِهِ مِنَ الزِّنَى:
22 - ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ الْوَالِدَ يُقْتَل بِوَلَدِهِ مِنَ الزِّنَى.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ: فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّ الْوَالِدَ لاَ يُقْتَل بِقَتْل وَلَدِهِ مِنَ الزِّنَى. وَهَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْحَنَفِيَّةِ نَظَرًا لِحَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَمِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ صَرَّحُوا بِأَنَّ الزَّانِيَ لاَ تَحِل لَهُ بِنْتُهُ مِنَ الزِّنَا. وَلاَ يَدْفَعُ زَكَاتَهُ لاِبْنِهِ مِنَ الزِّنَى وَلاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ لَهُ. (52)
__________
(1) المصباح المنير، ومفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني، والقاموس المحيط، والمعجم الوسيط.
(2) بدائع الصنائع 2 257، وقليوبي وعميرة 3 140 ـ 241.
(3) لسان العرب، والقاموس المحيط.
(4) فتح القدير 5 31.
(5) المبسوط للسرخسي 1 209، وأنيس الفقهاء ص 188.
(6) المبسوط 10 209.
(7) حديث: " كل مولود يولد على الفطرة. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 3 246 ط السلفية) ومسلم (4 2047 - 2048 ط الحلبي) من حديث أبي هريرة، واللفظ للبخاري.
(8) ابن عابدين 2 394.
(9) نهاية المحتاج والشبراملسي عليه 6 272 ط دار الفكر 5 453 ط المكتبة الإسلامية، ومغني المحتاج 2 423.
(10) المغني لابن قدامة 5 749 - 750.
(11) المبسوط 1 137 - 138 والبدائع 1 150، ومواهب الجليل 1 451.
(12) حديث: " ليؤذن لكم خياركم. . . . " أخرجه أبو داود (1 396 ـ ط حمص) من حديث ابن عباس ﵄، وذكر الزيلعي في نصب الراية (1 279 ط المجلس العلمي) أن فيه راوياً قال عنه أبوحاتم: منكر الحديث.
(13) تبيين الحقائق 1 134، واللباب 1 81، والدر المختار 1 377 - 378.
(14) حديث: " صلوا خلف كل بر وفاجر " أخرجه الدارقطني من حديث مكحول عن أبي هريرة (2 57 ط الفنية المتحدة) وأعله الدارقطني بالانقطاع بين مكحول وأبي هريرة.
(15) جواهر الإكليل 1 78 - 79.
(16) مغني المحتاج 1 243.
(17) المغني 2 230.
(18) حديث: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " أخرجه مسلم (1 465 ط الحلبي) . من حديث أبي مسعود الأنصاري.
(19) سورة النجم 38.
(20) سورة الحجرات 13.
(21) ابن عابدين 2 394 و 63.
(22) حاشية الشرواني على تحفة المحتاج 3 311.
(23) حاشية الجمل 5 263.
(24) مطالب أولي النهى 4 361، 362.
(25) القليوبي وعميرة 3 241، ومغني المحتاج 3 175، وتفسير القرطبي 5 106، والشرح الصغير 2 402، والمغني لابن قدامة 6 568، وبدائع الصنائع 2 256.
(26) سورة النساء 23.
(27) البدائع 2 257، وابن عابدين 2 277.
(28) الشرح الكبير 2 250.
(29) سورة النساء 23.
(30) حديث ابن عباس: " ابصروها فإن جاءت به. . " أخرجه البخاري (الفتح 9 449 ـ ط السلفية) ومسلم (2 1134 ـ ط الحلبي) .
(31) المغني 6 578 ـ 579.
(32) قليوبي وعميرة 3 241.
(33) مغني المحتاج 3 175، 178.
(34) القليوبي وعميرة 3 241.
(35) الفتاوى الهندية 1 274، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2 251، وكشاف القناع 5 73.
(36) مطالب أولي النهى 5 91، وأسنى المطالب 3 150، وحاشية الدسوقي 2 251.
(37) ابن عابدين 2 277.
(38) الشرح الكبير 2 250.
(39) كشاف القناع 5 73، والمغني 6 576.
(40) كشاف القناع 5 68.
(41) المحلي على المنهاج في هامش حاشيتي القليوبي وعميرة عليه 3 207.
(42) حديث: " الولد للفراش وللعاهر الحجر " أخرجه البخاري (فتح الباري 12 127 ط السلفية) ومسلم (2 1081 ط الحلبي) من حديث أبي هريرة ﵁.
(43) تبيين الحقائق 6 241، والمدونة 8 54 ط الساسي، والشرح الصغير 3 540، والقليوبي وعميرة 3 241، والمغني 6 266.
(44) ابن عابدين 2 279، و411 - 412، والدسوقي 2 250، والمغني 7 245 و544، ومغني المحتاج 3 175.
(45) ابن عابدين 5 495، و 2 592، والجوهرة النيرة 2 393.
(46) المغني 6 266.
(47) مواهب الجليل 6 103، والمنتقى للباجي 5 184.
(48) المغني 9 196، وتبيين الحقائق 4 226، وابن عابدين 2 394، وروضة الطالبين 11 245.
(49) الدسوقي 4 173. والمغني9 196.
(50) ابن عابدين 2 394.
(51) كشاف القناع 6 428، الفروع 6 584.
(52) الإنصاف 9 474، وحاشية ابن عابدين 2 394.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 215/ 45