الغني
كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...
إعطاء الكافر عهداً مدة بقائه تحت حكم الإسلام، بعدم استباحة دمه، وماله، أو استرقاقه . ومن شواهده قوله تعالى : ﭽﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﭼالتوبة / 6 .
اسم للحالة النفسية التي يكون عليها الإنسان في الأمن.
التَّعْرِيفُ:
1 - الأَْمَانُ فِي اللُّغَةِ: عَدَمُ تَوَقُّعِ مَكْرُوهٍ فِي الزَّمَنِ الآْتِي، وَأَصْل الأَْمْنِ طُمَأْنِينَةُ النَّفْسِ وَزَوَال الْخَوْفِ، وَالأَْمْنُ وَالأَْمَانَةُ وَالأَْمَانُ مَصَادِرُ لِلْفِعْل (أَمِنَ) ، وَيَرِدُ الأَْمَانُ تَارَةً اسْمًا لِلْحَالَةِ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا الإِْنْسَانُ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ، وَتَارَةً لِعَقْدِ الأَْمَانِ أَوْ صَكِّهِ. (1)
وَعَرَّفَهُ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّهُ: رَفْعُ اسْتِبَاحَةِ دَمِ الْحَرْبِيِّ وَرِقِّهِ وَمَالِهِ حِينَ قِتَالِهِ أَوِ الْغُرْمِ عَلَيْهِ، مَعَ اسْتِقْرَارِهِ تَحْتَ حُكْمِ الإِْسْلاَمِ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْهُدْنَةُ:
2 - الْهُدْنَةُ هِيَ: أَنْ يُعْقَدَ لأَِهْل الْحَرْبِ عَقْدٌ عَلَى تَرْكِ الْقِتَال مُدَّةً بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ، وَتُسَمَّى: مُهَادَنَةً وَمُوَادَعَةً وَمُعَاهَدَةً. وَيَخْتَلِفُ عَقْدُ الْهُدْنَةِ عَنِ الأَْمَانِ بِأَنَّ عَقْدَ الْهُدْنَةِ لاَ يَعْقِدُهُ إِلاَّ الإِْمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، أَمَّا الأَْمَانُ فَيَصِحُّ مِنْ أَفْرَادِ الْمُسْلِمِينَ (3) .
ب - الْجِزْيَةُ:
3 - عَقْدُ الْجِزْيَةِ مُوجِبٌ لِعِصْمَةِ الدِّمَاءِ وَصِيَانَةِ الأَْمْوَال وَالأَْعْرَاضِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ.
وَيَخْتَلِفُ عَنِ الأَْمَانِ فِي أَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ مِثْل الْهُدْنَةِ لاَ يَعْقِدُهُ إِلاَّ الإِْمَامُ.
كَمَا أَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ مُؤَبَّدٌ لاَ يُنْقَضُ، بِخِلاَفِ الأَْمَانِ فَهُوَ عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، أَيْ قَابِلٌ لِلنَّقْضِ بِشُرُوطِهِ (4) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
4 - الأَْصْل أَنَّ إِعْطَاءَ الأَْمَانِ أَوْ طَلَبَهُ مُبَاحٌ، وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا إِذَا كَانَ يُؤَدِّي إِلَى ضَرَرٍ أَوْ إِخْلاَلٍ بِوَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ.
وَحُكْمُ الأَْمَانِ هُوَ ثُبُوتُ الأَْمْنِ لِلْكَفَرَةِ عَنِ الْقَتْل وَالسَّبْيِ وَغُنْمِ أَمْوَالِهِمْ، فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَتْل رِجَالِهِمْ وَسَبْيُ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَاغْتِنَامُ أَمْوَالِهِمْ. (5)
مَا يَكُونُ بِهِ الأَْمَانُ:
5 - يَنْعَقِدُ الأَْمَانُ بِكُل لَفْظٍ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ يُفِيدُ الْغَرَضَ، بِأَيِّ لُغَةٍ كَانَ، وَيَنْعَقِدُ بِالْكِتَابَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالإِْشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ؛ لأَِنَّ التَّأْمِينَ إِنَّمَا هُوَ مَعْنًى فِي النَّفْسِ، فَيُظْهِرُهُ الْمُؤَمِّنُ تَارَةً بِالنُّطْقِ، وَتَارَةً بِالْكِتَابَةِ، وَتَارَةً بِالإِْشَارَةِ، فَكُل مَا بُيِّنَ بِهِ التَّأْمِينُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ. (6)
شُرُوطُ الأَْمَانِ:
6 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ شَرْطَ الأَْمَانِ انْتِفَاءُ الضَّرَرِ، وَلَوْ لَمْ تَظْهَرِ الْمَصْلَحَةُ. (7)
وَقَيَّدَ الْبُلْقِينِيُّ جَوَازَ الأَْمَانِ بِمُجَرَّدِ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ بِغَيْرِ الأَْمَانِ الْمُعْطَى مِنَ الإِْمَامِ، فَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَالنَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يُشْتَرَطُ فِي الأَْمَانِ أَنْ تَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ بِأَنْ يُعْطَى فِي حَال ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ وَقُوَّةِ أَعْدَائِهِمْ، لأَِنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ وَالأَْمَانَ يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ الْقِتَال، فَيَتَنَاقَضُ، إِلاَّ إِذَا كَانَ فِي حَال ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ وَقُوَّةِ الْكَفَرَةِ، لأَِنَّهُ إِذْ ذَاكَ يَكُونُ قِتَالاً مَعْنًى، لِوُقُوعِهِ وَسِيلَةً إِلَى الاِسْتِعْدَادِ لِلْقِتَال، فَلاَ يُؤَدِّي إِلَى التَّنَاقُضِ. (8)
مَنْ لَهُ حَقُّ إِعْطَاءِ الأَْمَانِ:
7 - الأَْمَانُ إِمَّا أَنْ يُعْطَى مِنَ الإِْمَامِ أَوْ مِنْ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ:
أ - أَمَانُ الإِْمَامِ: يَصِحُّ أَمَانُ الإِْمَامِ لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ وَآحَادِهِمْ، لأَِنَّهُ مُقَدَّمٌ لِلنَّظَرِ وَالْمَصْلَحَةِ، نَائِبٌ عَنِ الْجَمِيعِ فِي جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ. وَهَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ. (9)
ب - أَمَانُ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ: يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ أَمَانَ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ يَصِحُّ لِعَدَدٍ مَحْصُورٍ كَأَهْل قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ وَحِصْنٍ صَغِيرٍ، أَمَّا تَأْمِينُ الْعَدَدِ الَّذِي لاَ يَنْحَصِرُ فَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ الإِْمَامِ. (10)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأَْمَانَ يَصِحُّ مِنَ الْوَاحِدِ، سَوَاءٌ أَمَّنَ جَمَاعَةً كَثِيرَةً أَوْ قَلِيلَةً أَوْ أَهْل مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ، فَلَيْسَ حِينَئِذٍ لأَِحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُمْ. (11) شُرُوطُ الْمُؤَمِّنِ:
8 - أ - الإِْسْلاَمُ: فَلاَ يَصِحُّ أَمَانُ الْكَافِرِ، وَإِنْ كَانَ يُقَاتِل مَعَ الْمُسْلِمِينَ.
ب - الْعَقْل: فَلاَ يَصِحُّ أَمَانُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لاَ يَعْقِل.
ج - الْبُلُوغُ: بُلُوغُ الْمُؤَمِّنِ شَرْطٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ: لَيْسَ بِشَرْطٍ.
د - عَدَمُ الْخَوْفِ مِنَ الْحَرْبِيِّينَ: فَلاَ يَصِحُّ أَمَانُ الْمَقْهُورِينَ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ.
أَمَّا الذُّكُورَةُ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الأَْمَانِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، فَيَصِحُّ أَمَانُ الْمَرْأَةِ لأَِنَّهَا لاَ تَعْجِزُ عَنِ الْوُقُوفِ عَلَى حَال الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ. (12)
وَقَال ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ أَمَانَ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ لاَ يَجُوزُ ابْتِدَاءً، وَلَكِنْ إِنْ وَقَعَ يَمْضِي إِنْ أَمْضَاهُ الإِْمَامُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ. (13)
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
فَصَّل الْفُقَهَاءُ أَحْكَامَ الأَْمَانِ فِي أَبْوَابِ السِّيَرِ وَالْجِهَادِ فَتُنْظَرُ فِيهَا، وَيُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ (مُسْتَأْمَن) .
__________
(1) المفردات للراغب الأصفهاني، وقواعد الفقه، وتاج العروس مادة (أمن)
(2) الحطاب 3 / 360 شرح السير الكبير 1 / 283 ط شركة الإعلانات الشرقية، ومغني المحتاج 4 / 236 نشر دار إحياء التراث العربي
(3) المغني مع الشرح الكبير 10 / 432، 520، وتهذيب الفروق 3 / 38 ط دار إحياء الكتب العربية 1346 هـ
(4) الفروق للقرافي 3 / 11، وتهذيب الفروق بهامش الفروق 3 / 38، ومجمع الأنهر 1 / 607، وبدائع الصنائع 7 / 107، 111 ط الجمالية
(5) بدائع الصنائع 7 / 107، والشرح الصغير 2 / 288 ط دار المعارف، والمغني مع الشرح الكبير 10 / 432، وروضة الطالبين 10 / 281 نشر المكتب الإسلامي
(6) روضة الطالبين 10 / 279، ومغني المحتاج 4 / 237، 238، والمنتقى 3 / 172، 174 ط السعادة 1332 هـ، وحاشية العدوي على شرح الرسالة 2 / 8 نشر دار المعرفة، وشرح السير الكبير 1 / 283، 296 نشر شركة الإعلانات الشرقية، وحاشية ابن عابدين 3 / 227 ط بولاق، والمبدع 3 / 391، والفروع 6 / 248 نشر عالم الكتب
(7) شرح الزرقاني 3 / 123، وحاشية الدسوقي 2 / 186 ط عيسى الحلبي، والفروع 6 / 249، ومغني المحتاج 4 / 238، ونهاية المحتاج 8 / 77
(8) بدائع الصنائع 7 / 106، 107
(9) المغني مع الشرح الكبير 10 / 434، وتفسير القرطبي 8 / 76، والخرشي3 / 123 ط دار صادر
(10) المغني مع الشرح الكبير 10 / 434، ومغني المحتاج 4 / 237، وشرح الزرقاني 3 / 122، والخرشي 3 / 123
(11) بدائع الصنائع 7 / 107، وفتح القدير 4 / 298 ط بولاق، والفتاوى الهندية 2 / 198
(12) انظر في جميع الشروط: حاشية الدسوقي 2 / 185، وحاشية البناني 3 / 122، وحاشية العدوي على شرح الرسالة 2 / 8 نشر دار المعرفة، وبدائع الصنائع 7 / 106، 107، وشرح السير الكبير 1 / 252 - 257، والمغني مع الشرح الكبير 10 / 432، ومغني المحتاج 4 / 237
(13) حاشية العدوي على شرح الرسالة 2 / 8
الموسوعة الفقهية الكويتية: 233/ 6
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".