الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
إعداد نسخة أولى من الكتاب، دون مراجعة، وتهذيب . وشاهده قول الإمام السمعاني (562هـ ) في آخر كتاب أدب الإملاء، والاستملاء : "واتفق الفراغ من تسويد هذه الأجزاء في أيام قلائل، آخرها وقع في العاشر من رجب سنة إحدى، وأربعين، وخمس مائة، والحمد لله وحده "
التَّسْوِيدُ: تَلْوِينُ الشَّيْءِ وَصِبْغُهُ بِالأَسْوَدِ، يُقال: سَوَّدَ الوَجْهَ، تَسْوِيداً: إذا لَوَّنَهُ بِالسَّوادِ، وهو: ضِدُّ البَياضِ. ويأْتي التَّسْوِيدُ بِـمعنى التَّشْرِيفِ، مَأْخوذٌ مِن السِّيادَةِ، يُقالُ: سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَيْهِم، تَسْوِيداً، أيْ: جَعَلُوهُ سَيِّداً عَلَيْهِم. ومِن مَعانِيهِ أيضاً: أنّهُ نَوْعٌ مِن الـمُداواةِ تَكونُ لِلإِبِلِ.
يُطْلَقُ مُصطلَح (تَسْوِيد) في الفقه في عِدَّةِ أبوابٍ، منها: كتاب الجَنائِزِ، باب: التَّعْزِيَة، ويُراد به: تَغْيِيرُ لَوْنِ الوَجْهِ إلى السَّوادِ حُزناً. ويُطلق في كتاب البُيوعِ، باب: خِيار التَّدْلِيسِ، ويُراد به: تَغْيِيرُ لَوْنِ شَعْرِ الجارِيَةِ إلى السَّوادِ. وفي كتاب الدِّياتِ، ومَعْناهُ: تَغَيُّرُ لَوْنِ الـجِلْدِ، أو السِّنِّ، أو الظُّفْرِ، أو غَيْرِ ذلك مِن الأَعْضاءِ بسَبَبِ الاعْتِداء. ويُطلَقُ في كتابِ الجامعِ للآدابِ، ويُرادُ به: تَعْظِيمُ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الصَّلاة أو في غيرِها.
سود
دَهْنُ وَجْهِ الجانِي بِاللَّوْنِ الأَسْوَدِ.
التَّسْوِيدُ: تَلْوِينُ الشَّيْءِ وَصِبْغُهُ بِالأَسْوَدِ، ويأْتي بِمعنى التَّشْرِيفِ، وهو مَأْخُوذٌ مِن السِّيادَةِ.
تلوين الوجه بالسواد. كتلوين وجه شاهد الزور بالسواد؛ ليحذره الناس.
* لسان العرب : (3/224)
* تاج العروس : (8/231)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (1/294)
* طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : (ص 204)
* نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج : (2/327)
* كشاف القناع عن متن الإقناع : (3/214)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 130)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (11/344) -
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّسْوِيدُ مَصْدَرُ سَوَّدَ، يُقَال: سَوَّدَ تَسْوِيدًا.
وَالتَّسْوِيدُ يَأْتِي بِمَعْنَى التَّلْوِينِ بِالسَّوَادِ - وَهُوَ ضِدُّ الْبَيَاضِ - يُقَال: سَوَّدَ الشَّيْءَ أَيْ: جَعَلَهُ أَسْوَدَ.
وَيَأْتِي التَّسْوِيدُ مِنَ السِّيَادَةِ، فَيَكُونُ بِمَعْنَى: التَّشْرِيفِ، يُقَال: سَوَّدَهُ قَوْمُهُ تَسْوِيدًا أَيْ: جَعَلُوهُ سَيِّدًا عَلَيْهِمْ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ: سَادَ يَسُودُ سِيَادَةً، وَالاِسْمُ السُّؤْدُدُ، وَهُوَ: الْمَجْدُ وَالشَّرَفُ، فَهُوَ سَيِّدٌ وَالأُْنْثَى سَيِّدَةٌ.
وَالسَّيِّدُ: الْمُتَوَلِّي لِلسَّوَادِ أَيِ الْجَمَاعَةِ، وَيُنْسَبُ إِلَى ذَلِكَ فَيُقَال: سَيِّدُ الْقَوْمِ. وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَرْطِ الْمُتَوَلِّي لِلْجَمَاعَةِ أَنْ يَكُونَ مُهَذَّبَ النَّفْسِ، قِيل لِكُل مَنْ كَانَ فَاضِلاً فِي نَفْسِهِ: سَيِّدٌ.
وَيُطْلَقُ السَّيِّدُ عَلَى الرَّبِّ، وَالْمَالِكِ، وَالْحَلِيمِ، وَمُحْتَمِل أَذَى قَوْمِهِ، وَالزَّوْجِ، وَالرَّئِيسِ، وَالْمُقَدَّمِ.
وَيَأْتِي التَّسْوِيدُ - أَيْضًا - لِنَوْعٍ مِنَ الْمُدَاوَاةِ، قَال فِي اللِّسَانِ نَقْلاً عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ: وَيُقَال: سَوَّدَالإِْبِل تَسْوِيدًا: إِذَا دَقَّ الْمِسْحَ الْبَالِيَ مِنْ شَعْرٍ فَدَاوَى بِهِ أَدْبَارَهَا. (1)
وَالتَّسْوِيدُ فِي الاِصْطِلاَحِ يُرِيدُ بِهِ الْفُقَهَاءُ الْمَعْنَيَيْنِ الأَْوَّلَيْنِ غَالِبًا.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التَّبْيِيضُ:
2 - التَّبْيِيضُ: مَصْدَرُ بَيَّضَ، يُقَال: بَيَّضَ الشَّيْءَ أَيْ جَعَلَهُ أَبْيَضَ، ضِدُّ سَوَّدَهُ.
وَالْبَيَاضُ ضِدُّ السَّوَادِ، وَالْبَيَّاضُ: الرَّجُل الَّذِي يُبَيِّضُ الثِّيَابَ.
وَالْمُبَيِّضَةُ: أَصْحَابُ الْبَيَاضِ، وَهُمْ فِرْقَةٌ مِنَ الثَّنَوِيَّةِ سُمُّوا كَذَلِكَ لِتَبْيِيضِهِمُ الثِّيَابَ، مُخَالَفَةً لِلْمُسَوِّدَةِ مِنَ الْعَبَّاسِيِّينَ (2) .
ب - التَّعْظِيمُ:
3 - التَّعْظِيمُ: مَصْدَرُ عَظَّمَ، يُقَال: عَظَّمَهُ تَعْظِيمًا أَيْ: كَبَّرَهُ وَفَخَّمَهُ. وَالتَّعْظِيمُ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ وَالْكَيْفِيَّةِ، وَيُقَابِلُهُ التَّحْقِيرُ فِيهِمَا بِحَسَبِ الْمَنْزِلَةِ وَالرُّتْبَةِ (3) . ج - التَّفْضِيل:
4 - التَّفْضِيل: مَصْدَرُ فَضَّل، يُقَال: فَضَّلْتُهُ عَلَى غَيْرِهِ تَفْضِيلاً أَيْ: صَيَّرْتُهُ أَفْضَل مِنْهُ، وَفَضَّلَهُ أَيْ مَزَّاهُ.
وَالتَّفْضِيل دُونَ التَّسْوِيدِ - بِمَعْنَى السِّيَادَةِ - لَكِنَّهُ سَبَبٌ لَهُ وَطَرِيقٌ إِلَيْهِ (4) .
د - التَّكْرِيمُ:
5 - التَّكْرِيمُ: أَنْ يُوصَل إِلَى الإِْنْسَانِ نَفْعٌ لاَ يَلْحَقُهُ فِيهِ غَضَاضَةٌ، أَوْ أَنْ يَجْعَل مَا يُوصَل إِلَى الإِْنْسَانِ شَيْئًا كَرِيمًا أَيْ شَرِيفًا. وَهُوَ مَصْدَرُ كَرَّمَ، يُقَال: كَرَّمَهُ تَكْرِيمًا أَيْ عَظَّمَهُ وَنَزَّهَهُ.
وَالإِْكْرَامُ وَالتَّكْرِيمُ بِمَعْنًى، وَالْكَرَمُ ضِدُّ اللُّؤْمِ (5) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
6 - يَخْتَلِفُ حُكْمُ التَّسْوِيدِ بِاخْتِلاَفِ مَعْنَاهُ وَمَبْحَثِهِ الْفِقْهِيِّ.
فَالتَّسْوِيدُ يَأْتِي بِمَعْنَى: السِّيَادَةِ، وَيُبْحَثُ حُكْمُهُ فِي مَوَاطِنَ مِنْهَا: تَسْوِيدُ النَّبِيِّ ﷺ فِي الصَّلاَةِ وَفِي غَيْرِهَا، وَتَسْوِيدُ غَيْرِهِ ﷺ وَتَسْوِيدُ الْمُنَافِقِ. وَيَأْتِي التَّسْوِيدُ بِمَعْنَى: التَّلْوِينِ بِالسَّوَادِ، وَيُبْحَثُ حُكْمُهُ فِي مَوَاطِنَ مِنْهَا: التَّعْزِيرُ، وَالْخِضَابُ، وَالْحِدَادُ، وَالتَّعْزِيَةُ، وَاللِّبَاسُ وَالْعِمَامَةُ، وَشَعْرُ الْمَبِيعِ.
(أَوَّلاً)
التَّسْوِيدُ مِنَ السِّيَادَةِ
تَسْوِيدُ النَّبِيِّ ﷺ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ تَسْوِيدِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الصَّلاَةِ، وَحُكْمِ تَسْوِيدِهِ ﷺ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ.
أ - فِي الصَّلاَةِ:
7 - وَرَدَ لَفْظُ الصَّلَوَاتِ الإِْبْرَاهِيمِيَّةِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ مَأْثُورًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ (سَيِّدِنَا) قَبْل اسْمِهِ ﵊. وَأَمَّا إِضَافَةُ لَفْظِ (سَيِّدِنَا) فَرَأَى مَنْ لَمْ يَقُل بِزِيَادَتِهَا الاِلْتِزَامَ بِمَا وَرَدَ عَنْهُ ﷺ لأَِنَّ فِيهِ امْتِثَالاً لِمَا وَرَدَ عَنْهُ ﷺ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي الأَْذْكَارِ وَالأَْلْفَاظِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُ، كَالأَْذَانِ وَالإِْقَامَةِ وَالتَّشَهُّدِ وَالصَّلاَةِ الإِْبْرَاهِيمِيَّةِ.
وَأَمَّا بِخُصُوصِ زِيَادَةِ (سَيِّدِنَا) فِي الصَّلاَةِ الإِْبْرَاهِيمِيَّةِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، فَقَدْ ذَهَبَ إِلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ وَالرَّمْلِيِّ وَالْقَلْيُوبِيِّ وَالشَّرْقَاوِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَصْكَفِيِّ وَابْنِ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ مُتَابَعَةً لِلرَّمْلِيِّالشَّافِعِيِّ، كَمَا صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهِ النَّفَرَاوِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَقَالُوا: إِنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيل الأَْدَبِ، وَرِعَايَةُ الأَْدَبِ خَيْرٌ مِنَ الاِمْتِثَال، كَمَا قَال الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ (6) .
ب - فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ:
8 - أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ثُبُوتِ السِّيَادَةِ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَعَلَى عَلَمِيَّتِهِ فِي السِّيَادَةِ. قَال الشَّرْقَاوِيُّ: فَلَفْظُ (سَيِّدِنَا) عَلَمٌ عَلَيْهِ ﷺ.
وَمَعَ ذَلِكَ خَالَفَ بَعْضُهُمْ وَقَالُوا: إِنَّ لَفْظَ السَّيِّدِ لاَ يُطْلَقُ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ قَال: قَال أَبِي: انْطَلَقْتُ فِي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقُلْنَا: أَنْتَ سَيِّدُنَا، فَقَال: السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. قُلْنَا: وَأَفْضَلُنَا فَضْلاً وَأَعْظَمُنَا طَوْلاً، قَال: قُولُوا بِقَوْلِكُمْ أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ، وَلاَ يَسْخَرْ بِكُمُ الشَّيْطَانُ. (7) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَال: أَنْتَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ، فَقَال ﷺ: السَّيِّدُ اللَّهُ. (8)
قَال ابْنُ الأَْثِيرِ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ هُوَ الَّذِي يَحِقُّ لَهُ السِّيَادَةُ، كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُحْمَدَ فِي وَجْهِهِ، وَأَحَبَّ التَّوَاضُعَ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ لَمَّا قَالُوا: أَنْتَ سَيِّدُنَا، قَال: قُولُوا بِقَوْلِكُمْ أَيِ ادْعُونِي نَبِيًّا وَرَسُولاً كَمَا سَمَّانِي اللَّهُ، وَلاَ تُسَمُّونِي سَيِّدًا كَمَا تُسَمُّونَ رُؤَسَاءَكُمْ، فَإِنِّي لَسْتُ كَأَحَدِهِمْ مِمَّنْ يَسُودُكُمْ فِي أَسْبَابِ الدُّنْيَا.
وَأَضَافَ ابْنُ مُفْلِحٍ إِلَى مَا سَبَقَ: وَالسَّيِّدُ يُطْلَقُ عَلَى الرَّبِّ، وَالْمَالِكِ، وَالشَّرِيفِ، وَالْفَاضِل، وَالْحَكِيمِ، وَمُتَحَمِّل أَذَى قَوْمِهِ، وَالزَّوْجِ، وَالرَّئِيسِ، وَالْمُقَدَّمِ.
وَقَال أَبُو مَنْصُورٍ: كَرِهَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُمْدَحَ فِي وَجْهِهِ وَأَحَبَّ التَّوَاضُعَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَجَعَل السِّيَادَةَ لِلَّذِي سَادَ الْخَلْقَ أَجْمَعِينَ. وَلَيْسَ هَذَا بِمُخَالِفٍ لِقَوْلِهِ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ﵁ حِينَ قَال لِقَوْمِهِ الأَْنْصَارِ: قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ (9) أَرَادَ أَنَّهُ أَفْضَلُكُمْ رَجُلاً وَأَكْرَمُكُمْ. وَأَمَّا صِفَةُ اللَّهِ جَل ذِكْرُهُ بِالسَّيِّدِ فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ مَالِكُ الْخَلْقِ، وَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَبِيدُهُ (أَيْ فَلاَ يُطْلَقُ لَفْظُ السَّيِّدِ بِهَذَا الْمَعْنَى عَلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى) وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ (10) أَرَادَ أَنَّهُ أَوَّل شَفِيعٍ، وَأَوَّل مَنْ يُفْتَحُ لَهُ بَابُ الْجَنَّةِ، قَال ذَلِكَ إِخْبَارًا عَمَّا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَضْل وَالسُّؤْدُدِ، وَتَحَدُّثًا بِنِعْمَةِ اللَّهِ عِنْدَهُ، وَإِعْلاَمًا مِنْهُ؛ لِيَكُونَ إِيمَانُهُمْ بِهِ عَلَى حَسَبِهِ وَمُوجِبِهِ، وَلِهَذَا أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: وَلاَ فَخْرَ أَيْ أَنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ الَّتِي نِلْتُهَا كَرَامَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، لَمْ أَنَلْهَا مِنْ قِبَل نَفْسِي، وَلاَ بَلَغْتُهَا بِقُوَّتِي، فَلَيْسَ لِي أَنْ أَفْتَخِرَ بِهَا
وَقَال السَّخَاوِيُّ: إِنْكَارُهُ ﷺ يُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ تَوَاضُعًا مِنْهُ ﷺ وَكَرَاهَةً مِنْهُ أَنْ يُحْمَدَ وَيُمْدَحَ مُشَافَهَةً، أَوْ لأَِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ تَحِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ لِمُبَالَغَتِهِمْ فِي الْمَدْحِ، وَقَدْ صَحَّ قَوْلُهُ ﷺ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَقَوْلُهُ لِلْحَسَنِ ﵁: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ (11) وَوَرَدَ قَوْل سَهْل بْنِ حُنَيْفٍ ﵁ لِلنَّبِيِّ ﷺ: " يَا سَيِّدِي " فِي حَدِيثٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ فِي عَمَل الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَقَوْل ابْنِ مَسْعُودٍ: " اللَّهُمَّ صَل عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ. وَفِي كُل هَذَا دَلاَلَةٌ وَاضِحَةٌ وَبَرَاهِينُ لاَئِحَةٌ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَالْمَانِعُ يَحْتَاجُ إِلَى إِقَامَةِ دَلِيلٍ، سِوَى مَا تَقَدَّمَ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَنْهَضُ دَلِيلاً مَعَ الاِحْتِمَالاَتِ السَّابِقَةِ. (12)
تَسْوِيدُ غَيْرِ النَّبِيِّ ﷺ
: 9 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ إِطْلاَقِ لَفْظِ السَّيِّدِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ ﷺ: فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ إِلَى جَوَازِ إِطْلاَقِ لَفْظِ السَّيِّدِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى فِي يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} (13) أَيْ أَنَّهُ فَاقَ غَيْرَهُ عِفَّةً وَنَزَاهَةً عَنِ الذُّنُوبِ. وَقَوْلِهِ ﷿ فِي امْرَأَةِ الْعَزِيزِ: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} (14) أَيْ زَوْجَهَا وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِل: مَنِ السَّيِّدُ؟ قَال: يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ قَالُوا: فَمَا فِي أُمَّتِكَ مِنْ سَيِّدٍ؟ قَال: بَلَى، مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً، وَرُزِقَ سَمَاحَةً، فَأَدَّى شُكْرَهُ، وَقَلَّتْ شِكَايَتُهُ فِي النَّاسِ (15)
وَبِقَوْلِهِ ﷺ لِلأَْنْصَارِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ: قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ (16) يَعْنِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ.
وَقَوْلِهِ ﷺ فِي الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ﵄ - كَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ - إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَل اللَّهَ يُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (17) وَكَذَلِكَ كَانَ.
وَقَوْلِهِ ﷺ لِلأَْنْصَارِ: مَنْ سَيِّدُكُمْ؟ قَالُوا: الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ عَلَى أَنَّا نُبَخِّلُهُ، قَال ﷺ: وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَى مِنَ الْبُخْل (18) . وَبِقَوْلِهِ ﷺ: كُل بَنِي آدَمَ سَيِّدٌ، فَالرَّجُل سَيِّدُ أَهْلِهِ، وَالْمَرْأَةُ سَيِّدَةُ بَيْتِهَا. (19)
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ الدَّرْدَاءِ ﵂: حَدَّثَنِي سَيِّدِي أَبُو الدَّرْدَاءِ. وَبِقَوْل عُمَرَ ﵁ لَمَّا سُئِل: مَنِ الَّذِي إِلَى جَانِبِكَ، فَأَجَابَ: هَذَا سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ﵁.
وَقَالُوا: إِنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَلاَ فِي حَدِيثٍ مُتَوَاتِرٍ أَنَّ السَّيِّدَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلأَِنَّ إِطْلاَقَ لَفْظِ السَّيِّدِ عَلَى اللَّهِ ﷿ لِكَوْنِهِ سُبْحَانَهُ مَالِكَ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، وَلاَ مَالِكَ لَهُمْ سِوَاهُ، وَإِطْلاَقُ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يَكُونُ بِهَذَا الْمَعْنَى الْجَامِعِ الْكَامِل، بَل بِمَعَانٍ قَاصِرَةٍ عَنْ ذَلِكَ.
وَقَال بَعْضُهُمْ: إِنَّ لَفْظَ السَّيِّدِ لاَ يُطْلَقُ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ مُطَرِّفٍ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ.
وَقَال الْخَطَّابِيُّ: لاَ يُقَال السَّيِّدُ وَلاَ الْمَوْلَى عَلَى الإِْطْلاَقِ مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ إِلاَّ فِي صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَال بَعْضُهُمْ: إِنَّ لَفْظَ السَّيِّدِ يَجُوزُ إِطْلاَقُهُ عَلَى مَالِكِ الْعَبْدِ أَوْ مَالِكَتِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي، وَلاَ يَقُولَنَّ الْمَمْلُوكُ: رَبِّي وَرَبَّتِي، وَلْيَقُل الْمَالِكُ: فَتَايَ وَفَتَاتِي. وَلْيَقُل الْمَمْلُوكُ: سَيِّدِي وَسَيِّدَتِي، فَإِنَّهُمُ الْمَمْلُوكُونَ، وَالرَّبُّ: اللَّهُ تَعَالَى (20) قَال صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ: كَانَ بَعْضُ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ يَأْخُذُ بِهَذَا، وَيَكْرَهُ أَنْ يُخَاطِبَ أَحَدًا بِلَفْظِهِ أَوْ كِتَابَتِهِ بِالسَّيِّدِ، وَيَتَأَكَّدُ هَذَا إِذَا كَانَ الْمُخَاطَبُ غَيْرَ تَقِيٍّ. (21)
مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّسْوِيدَ:
10 - لَفْظُ السَّيِّدِ مُشْتَقٌّ مِنَ السُّؤْدُدِ، وَهُوَ: الْمَجْدُ وَالشَّرَفُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمُتَوَلِّي لِلْجَمَاعَةِ. وَمِنْ شَرْطِهِ وَشَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ مُهَذَّبَ النَّفْسِ شَرِيفًا. وَعَلَى مَنْ قَامَ بِهِ بَعْضُ خِصَال الْخَيْرِ مِنَ الْفَضْل وَالشَّرَفِ وَالْعِبَادَةِ وَالْوَرَعِ وَالْحِلْمِ وَالْعَقْل وَالنَّزَاهَةِ وَالْعِفَّةِ وَالْكَرَمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
إِطْلاَقُ لَفْظِ السَّيِّدِ عَلَى الْمُنَافِقِ
11 - الْمُنَافِقُ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْخِصَال فِي شَيْءٍ؛ لأَِنَّهُ كَاذِبٌ مُدَلِّسٌ خَائِنٌ، لاَ تُوَافِقُ سَرِيرَتُهُ عَلاَنِيَتَهُ. وَفِي الْعَقِيدَةِ: يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الإِْسْلاَمَ. وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ إِطْلاَقِ لَفْظِ السَّيِّدِ عَلَى الْمُنَافِقِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لاَ تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ، (22) فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّدُكُمْ فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ ﷿ (23) وَذَلِكَ لأَِنَّ السَّيِّدَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلسُّؤْدُدِ، أَيْ لِلأَْسْبَابِ الْعَالِيَةِ الَّتِي تُؤَهِّلُهُ لِذَلِكَ، فَأَمَّا الْمُنَافِقُ فَإِنَّهُ مَوْصُوفٌ بِالنَّقَائِصِ، فَوَصْفُهُ بِذَلِكَ وَضْعٌ لَهُ فِي مَكَانٍ لَمْ يَضَعْهُ اللَّهُ فِيهِ، فَلاَ يَبْعُدُ أَنْ يَسْتَحِقَّ وَاضِعُهُ بِذَلِكَ سُخْطَ اللَّهِ. وَقِيل مَعْنَاهُ: إِنْ يَكُ سَيِّدًا لَكُمْ فَتَجِبْ عَلَيْكُمْ طَاعَتُهُ، فَإِذَا أَطَعْتُمُوهُ فِي نِفَاقٍ فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ. وَقَال ابْنُ الأَْثِيرِ: لاَ تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ سَيَّدَكُمْ وَهُوَ مُنَافِقٌ فَحَالُكُمْ دُونَ حَالِهِ، وَاللَّهُ لاَ يَرْضَى لَكُمْ ذَلِكَ. (24)
(ثَانِيًا)
التَّسْوِيدُ مِنَ السَّوَادِ
أ - التَّسْوِيدُ بِالْخِضَابِ:
12 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ خِضَابَ الرَّجُل بِالسَّوَادِ مَكْرُوهٌ فِي غَيْرِ الْجِهَادِ فِي الْجُمْلَةِ.
وَلِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: يُكْرَهُ الْخِضَابُ بِالسَّوَادِ أَيْ لِغَيْرِ الْحَرْبِ، قَال فِي الذَّخِيرَةِ: أَمَّا الْخِضَابُ بِالسَّوَادِ لِلْغَزْوِ - لِيَكُونَ أَهْيَبَ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ - فَهُوَ مَحْمُودٌ بِالاِتِّفَاقِ. وَإِنْ كَانَ لِيُزَيِّنَ نَفْسَهُ لِلنِّسَاءِ فَمَكْرُوهٌ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ. وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَهُ بِلاَ كَرَاهَةٍ. رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَال: كَمَا يُعْجِبُنِي أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي يُعْجِبُهَا أَنْ أَتَزَيَّنَ لَهَا.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الْخِضَابُ بِالسَّوَادِ إِذَا كَانَ لِلتَّغْرِيرِ فَهُوَ حَرَامٌ. كَمَنْ أَرَادَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ فَصَبَغَ شَعْرَ لِحْيَتِهِ الأَْبْيَضَ، بِالسَّوَادِ. وَإِنْ كَانَ لِلْجِهَادِ حَتَّى يُوهِمَ الْعَدُوَّ الشَّبَابَ نُدِبَ. وَإِنْ كَانَ لِلتَّشَابِّ كُرِهَ. وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَقَوْلاَنِ: بِالْكَرَاهَةِ وَالْجَوَازِ. (25)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ حَرَامٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ. قَال النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ: اتَّفَقُوا عَلَى ذَمِّ خِضَابِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ بِالسَّوَادِ، ثُمَّ قَال: قَال: الْغَزَالِيُّ فِي الإِْحْيَاءِ، وَالْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ، وَآخَرُونَ مِنَ الأَْصْحَابِ: هُوَ مَكْرُوهٌ. وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِمْ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَالصَّحِيحُ - بَل الصَّوَابُ - أَنَّهُ حَرَامٌ. وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَحْرِيمِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي بَابِ الصَّلاَةِ بِالنَّجَاسَةِ، قَال: إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْجِهَادِ، وَقَال فِي آخِرِ كِتَابِ الأَْحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يَمْنَعُ الْمُحْتَسِبُ النَّاسَ مِنْ خِضَابِ الشَّيْبِ بِالسَّوَادِ إِلاَّ الْمُجَاهِدَ، وَدَلِيل تَحْرِيمِهِ حَدِيثُ جَابِرٍ ﵁ قَال: أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ وَالِدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﵄ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا (26) فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: غَيِّرُوا هَذَا، وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ، (27) وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: يَكُونُ قَوْمٌ يُخَضِّبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِل الْحَمَامِ، لاَ يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، (28) وَلاَ فَرْقَ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ بَيْنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ. . هَذَا مَذْهَبُنَا، وَحُكِيَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهُوَيْهِ أَنَّهُ رَخَّصَ فِيهِ لِلْمَرْأَةِ تَتَزَيَّنُ بِهِ لِزَوْجِهَا.
وَقَال النَّوَوِيُّ فِي رَوْضَةِ الطَّالِبِينَ: خِضَابُ الْمَرْأَةِ بِالسَّوَادِ إِنْ كَانَتْ خَلِيَّةً مِنَ الزَّوْجِ وَفَعَلَتْهُ فَهُوَ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً وَفَعَلَتْهُ بِإِذْنِهِ فَجَائِزٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيل: وَجْهَانِ كَوَصْل الشَّعْرِ.
وَقَال الرَّمْلِيُّ: يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْخِضَابُ بِالسَّوَادِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا فِي ذَلِكَ جَازَ؛ لأَِنَّ لَهُ غَرَضًا فِي تَزَيُّنِهَا لَهُ، كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَهُوَ الأَْوْجَهُ. (29)
هَذَا فِي خَضْبِ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ الشَّعْرَ بِالسَّوَادِ، أَمَّا خَضْبُهُمَا الشَّعْرَ بِغَيْرِ السَّوَادِ، كَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ مَثَلاً، وَخَضْبُهُمَا غَيْرَ الشَّعْرِ كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُذْكَرُ فِي مَوْطِنِهِ.
وَقَال الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: إِنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ رَخَّصَ فِي الاِخْتِضَابِ بِالسَّوَادِ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ لِلرِّجَال دُونَ النِّسَاءِ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (اخْتِضَابٌ) .
ب - لُبْسُ السَّوَادِ فِي الْحِدَادِ
13 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لُبْسُ السَّوَادِ مِنَ الثِّيَابِ. . . وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ، بَل لَهَا أَنْ تَلْبَسَ غَيْرَهُ.
وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ فِيهَا السَّوَادَ، فَقَال بَعْضُهُمْ: لاَ تُجَاوِزُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. وَلَكِنَّ فُقَهَاءَ الْمَذْهَبِ - وَمِنْهُمْ ابْنُ عَابِدِينَ - حَمَلُوا ذَلِكَ عَلَى مَا تَصْبُغُهُ الزَّوْجَةُ بِالسَّوَادِ وَتَلْبَسُهُ تَأَسُّفًا عَلَى زَوْجِهَا، أَمَّا مَا كَانَ مَصْبُوغًا بِالسَّوَادِ قَبْل مَوْتِ زَوْجِهَا، فَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَلْبَسَهُ مُدَّةَ الْحِدَادِ كُلَّهَا. وَمَنَعَ الْحَنَفِيَّةُ لُبْسَ السَّوَادِ فِي الْحِدَادِ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْمُحِدَّ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ الأَْسْوَدَ، إِلاَّ إِذَا كَانَتْ نَاصِعَةَ الْبَيَاضِ، أَوْ كَانَ الأَْسْوَدُ زِينَةَ قَوْمِهَا.
وَقَال الْقَلْيُوبِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِذَا كَانَ الأَْسْوَدُ عَادَةَ قَوْمِهَا فِي التَّزَيُّنِ بِهِ حَرُمَ لُبْسُهُ، وَنَقَل النَّوَوِيُّ عَنِ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ أَوْرَدَ فِي " الْحَاوِي " وَجْهًا يَلْزَمُهَا السَّوَادُ فِي الْحِدَادِ. (30)
ج - لُبْسُ السَّوَادِ فِي التَّعْزِيَةِ:
14 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَسْوِيدَ الْوَجْهِ حُزْنًا عَلَى الْمَيِّتِ - مِنْ أَهْلِهِ أَوْ مِنَ الْمُعَزِّينَ لاَ يَجُوزُ - لِمَا فِيهِ مِنْ إِظْهَارٍ لِلْجَزَعِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَعَلَى السُّخْطِ مِنْ فِعْلِهِ، مِمَّا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي الأَْحَادِيثِ.
وَتَسْوِيدُ الثِّيَابِ لِلتَّعْزِيَةِ مَكْرُوهٌ لِلرِّجَال، وَلاَ بَأْسَ بِهِ لِلنِّسَاءِ، أَمَّا صَبْغُ الثِّيَابِ أَسْوَدَ أَوْ أَكْهَبَ (31) تَأَسُّفًا عَلَى الْمَيِّتِ فَلاَ يَجُوزُ (32) عَلَى التَّفْصِيل السَّابِقِ. د - السَّوَادُ فِي اللِّبَاسِ وَالْعِمَامَةِ:
15 - يُنْدَبُ لُبْسُ السَّوَادِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: نُدِبَ لُبْسُ السَّوَادِ، لأَِنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ الْغَنَائِمِ حَدِيثًا يَدُل عَلَى أَنَّ لُبْسَ السَّوَادِ مُسْتَحَبٌّ. (33)
أَمَّا الصَّبْغُ بِالأَْسْوَدِ، وَلُبْسُ الْمَصْبُوغِ بِهِ فَنُقِل عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ. (34)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُنْدَبُ لإِِمَامِ الْجُمُعَةِ أَنْ يَزِيدَ فِي حُسْنِ الْهَيْئَةِ وَالْعِمَّةِ وَالاِرْتِدَاءِ، وَتَرْكُ لُبْسِ السَّوَادِ لَهُ أَوْلَى مِنْ لُبْسِهِ، إِلاَّ إِنْ خَشِيَ مَفْسَدَةً تَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَال ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ فِي فَتَاوِيهِ: الْمُوَاظَبَةُ عَلَى لُبْسِهِ بِدْعَةٌ، فَإِنْ مُنِعَ الْخَطِيبُ أَنْ يَخْطُبَ إِلاَّ بِهِ فَلْيَفْعَل (35)
وَقَالُوا: نُقِل أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَبِسَ الْعِمَامَةَ الْبَيْضَاءَ وَالْعِمَامَةَ السَّوْدَاءَ (36) ، وَلَكِنَّ الأَْفْضَل فِي لَوْنِهَا الْبَيَاضُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ الآْمِرِ بِلُبْسِ الْبَيَاضِ، وَأَنَّهُ خَيْرُ الأَْلْوَانِ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ. (37)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُبَاحُ السَّوَادُ وَلَوْ لِلْجُنْدِ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَل مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ. (38)
هـ - تَسْوِيدُ الْوَجْهِ فِي التَّعْزِيرِ
16 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ فِي التَّعْزِيرِ تَسْخِيمُ الْوَجْهِ، أَيْ دَهْنُ وَجْهِ الْمُعَزَّرِ بِالسُّخَامِ، وَهُوَ السَّوَادُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِأَسْفَل الْقِدْرِ وَمُحِيطِهِ مِنْ كَثْرَةِ الدُّخَانِ. (39)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَسْوِيدُ الْوَجْهِ فِي التَّعْزِيرِ؛ لأَِنَّ الإِْمَامَ يَجْتَهِدُ فِي جِنْسِ مَا يُعَزَّرُ بِهِ وَفِي قَدْرِهِ، وَيَفْعَل بِكُل مُعَزَّرٍ مَا يَلِيقُ بِهِ وَبِجِنَايَتِهِ، مَعَ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ وَالتَّدْرِيجِ، فَلاَ يَرْقَى لِمَرْتَبَةٍ وَهُوَ يَرَى مَا دُونَهَا كَافِيًا. (40)
__________
(1) المصباح المنير 1 / 294، ولسان العرب 2 / 235 - 236، وتاج العروس 2 / 384 - 386، والمفردات في غريب القرآن 247.
(2) القاموس المحيط، ولسان العرب.
(3) القاموس المحيط، ولسان العرب، والمصباح المنير، والكليات 1 / 95.
(4) القاموس المحيط، والمصباح المنير، ولسان العرب، والمفردات في غريب القرآن مادة: " فضل ".
(5) القاموس المحيط، والمصباح المنير، ولسان العرب، والمفردات في غريب القرآن مادة: " كرم ".
(6) رد المحتار على الدار المختار 11 / 345، والفواكه الدواني على رسالة القيرواني 2 / 464، والقليوبي 1 / 167، وشرح الروض 1 / 166، وحاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب 1 / 21، 193، والمغني لابن قدامة 1 / 541 - 542 - 543 - ونيل الأوطار 2 / 326، والقول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع ص 101، وفتاوى ابن حجر العسقلاني نقلا عن " إصلاح المساجد من البدع والعوائد " للقاسمي 140 ط (5) والمكتب الإسلامي.
(7) حديث: " قولوا بقولكم أو بعض قولكم. . . " أخرجه أبو داود (5 / 155 - ط عزت عبيد دعاس) . وقال ابن حجر في الفتح (5 / 179 - ط السلفية) : رجاله ثقات.
(8) حديث: " السيد الله " أخرجه أحمد (4 / 24 - ط الميمنية) . من حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير وإسناده صحيح.
(9) حديث: " قوموا إلى سيدكم " أخرجه البخاري (6 / 165 - الفتح - ط السلفية) .
(10) حديث: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر " أخرجه مسلم (3 / 1782 - ط الحلبي) دون قوله " ولا فخر "، فهي في الترمذي (5 / 308 - ط الحلبي) .
(11) حديث: " إن ابني هذا سيد " يأتي مطولا ويأتي تخرجه في (ف 9) .
(12) رد المحتار على الدر المختار 11 / 345، والفواكه الدواني على رسالة القيرواني 2 / 464، وحاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب 1 / 21، والآداب الشرعية والمنح المرعية 3 / 464 - 465، والقول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع ص 101، ولسان العرب 2 / 235.
(13) من الآية 39 من سورة آل عمران.
(14) من الآية 25 من سورة يوسف.
(15) حديث: " سئل من السيد؟ قال: يوسف. . . " قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه نافع أبو هرمز وهو متروك (مجمع الزوائد 8 / 202 - ط القدسي) .
(16) حديث: " قوموا إلى سيدكم " سبق تخرجه ف 8.
(17) حديث: " إن ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح. . . " أخرجه البخاري (الفتح 5 / 307 - ط السلفية) .
(18) حديث: " من سيدكم. . . " أخرجه أبو الشيخ في الأمثال من حديث كعب بن مالك كما في الفتح (5 / 179 وكتاب الأمثال ط السلفية) وقال: رجال هذا الإسناد ثقات.
(19) حديث: " كل بني آدم سيد فالرجل. . . " أخرجه ابن عدي في الكامل (4 / 1521 - ط دار الفكر) . وإسناده حسن.
(20) حديث: " لا يقولن أحدكم: عبدي وأمتي. . . " أخرجه أبو داود (5 / 257 - ط عزت عبيد دعاس) وأصله في مسلم (3 / 1764 - ط الحلبي) .
(21) تفسير القرطبي 4 / 76 - 77، صحيح البخاري 7 / 130 ط. استنبول، وعون المعبود 13 / 321 - 324، والكامل في ضعفاء الرجال 4 / 1521 وحاشية الشرقاوي 1 / 21، والآداب الشرعية 3 / 465 - 467.
(22) في بعض الرواية " سيدا " بالنصب.
(23) حديث: " لا تقولوا للمنافق سيد، فإنه. . . " أخرجه أبو داود (5 / 257 - ط عزت عبيد دعاس) وصححه النووي في رياض الصالحين (ص 606 - ط المكتب الإسلامي) .
(24) عون المعبود 1313 ? / 324، وفضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد 2 / 230، والآداب الشرعية 3 / 465، ولسان العرب 2 / 235.
(25) ابن عابدين 5 / 271 - 481، وكفاية الطالب الرباني 2 / 356، وكشاف القناع 1 / 77، والآداب الشرعية 3 / 351 - 354.
(26) نبت يكون بالجبال غالبا إذا يبس ابيض، ويشبه به الشيب.
(27) حديث: " غيروا هذا. . . . " أخرجه مسلم (3 / 1663 - ط الحلبي) .
(28) حديث: " يكون قوم يخضبون في. . . " أخرجه أبو داود (4 / 419 - ط عزت عبيد دعاس) . وقال ابن حجر في الفتح (10 / 499 - ط السلفية) : إسناده قوي.
(29) المجموع 1 / 294، وروضة الطالبين 1 / 276، ونهاية المحتاج 2 / 23.
(30) رد المحتار على الدر المختار 2 / 617 - 619، والشرح الكبير 2 / 478، والخرشي 4 / 148، وجواهر الإكليل 1 / 389، وحاشية قليوبي وعميرة 4 / 52، وروضة الطالبين 8 / 406، والمغني لابن قدامة 7 / 520، والمحلى لابن حزم 10 / 276، والروض النضير 4 / 125.
(31) الأكهب: الأغبر المشرب بالسواد.
(32) الفتاوى الهندية 1 / 167، 5 / 333، وحاشية الجمل 5 / 315، وأسنى المطالب 1 / 336 والإقناع 1 / 181، وكشاف القناع 2 / 163، ومطالب أولي النهى 1 / 925.
(33) الفتاوى الهندية 5 / 330، وابن عابدين 5 / 481.
(34) الفتاوى الهندية 5 / 332.
(35) نهاية المحتاج 22 / 329، وأسنى المطالب 1 / 267، وحاشية القليوبي وعميرة 4 / 301.
(36) حديث: " لبس العمامة البيضاء " قال المحدث الشيخ محمد بن جعفر الكتابي في كتابه " الدعامة في أحكام سنة العمامة " (ص 85) : لم أر في شيء من الأحاديث التي وقفت عليها الآن ما يصرح بلبسه ﵊ للعمامة البيضاء، إلا أن المتبادر من كلامهم، ومن إيث
(37) حاشية الجمل 5 / 88 - 89.
(38) كشاف القناع 1 / 286. وحديث: " إن النبي ﷺ دخل مكة عام الفتح. . . . . . " أخرجه مسلم (2 / 990 - ط الحلبي) .
(39) المبسوط للسرخسي 16 / 145، وجواهر الإكليل 2 / 225.
(40) نهاية المحتاج 8 / 16، وأسنى المطالب 4 / 162، وحاشية الجمل على شرح المنهج 5 / 164 ومطالب أولي النهى 6 / 223.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 344/ 11