السميع
كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
صبغ الشعر، وأماكن في الجسم، وذلك باستعمال الخِضاب كحِنَّاء، وكَتَم، ووَسْمَة، وزعفران، وَوَرْس . يشهد له قول الجويني : "المرأة يؤثر لها الاختضابُ بالحناء في حالاتها ."
صبغ الشعر، وأماكن في الجسم، باستعمال الخِضاب كحِنَّاء، وكَتَم، ووَسْمَة، وزعفران، وَوَرْس.
التَّعْرِيفُ:
1 - الاِخْتِضَابُ لُغَةً: اسْتِعْمَال الْخِضَابِ. وَالْخِضَابُ هُوَ مَا يُغَيَّرُ بِهِ لَوْنُ الشَّيْءِ مِنْ حِنَّاءَ وَكَتَمٍ وَنَحْوِهِمَا (1) . وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الصَّبْغُ وَالصِّبَاغُ:
2 - الصَّبْغُ مَا يُصْطَبَغُ بِهِ مِنَ الإِْدَامِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآْكِلِينَ (2) } . قَال الْمُفَسِّرُونَ: الْمُرَادُ بِالصِّبْغِ فِي الآْيَةِ الزَّيْتُ؛ لأَِنَّهُ يُلَوِّنُ الْحَبَّ إِذَا غُمِسَ فِيهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إِدَامٌ يُصْبَغُ بِهِ.
ب - التَّطْرِيفُ:
3 - التَّطْرِيفُ لُغَةً: خَضْبُ أَطْرَافِ الأَْصَابِعِ، يُقَال: طَرَفَتِ الْجَارِيَةُ بَنَانَهَا إِذَا خَضَّبَتْ أَطْرَافَ أَصَابِعِهَا بِالْحِنَّاءِ، وَهِيَ مُطَرِّفَةٌ (3) . ج - النَّقْشُ:
4 - النَّقْشُ لُغَةً. النَّمْنَمَةُ، يُقَال: نَقَشَهُ يَنْقُشُهُ نَقْشًا وَانْتَقَشَهُ: نَمْنَمَهُ فَهُوَ مَنْقُوشٌ (4) .
صِفَتُهُ (حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ) :
5 - يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْخِضَابِ تَبَعًا لِلَوْنِهِ، وَلِلْمُخْتَضِبِ، رَجُلاً كَانَ أَوِ امْرَأَةً. وَسَيَأْتِي.
الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ الاِخْتِضَابِ وَعَدَمِهِ:
6 - نَقَل الشَّوْكَانِيُّ عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ قَوْلَهُ (5) : اخْتَلَفَ السَّلَفُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي الاِخْتِضَابِ، وَفِي جِنْسِهِ، فَقَال بَعْضُهُمْ: تَرْكُ الاِخْتِضَابِ أَفْضَل، اسْتِبْقَاءً لِلشَّيْبِ، وَرَوَى حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي النَّهْيِ عَنْ تَغْيِيرِ الشَّيْبِ (6) .
وَقَال بَعْضُهُمْ: الاِخْتِضَابُ أَفْضَل لِقَوْل رَسُول اللَّهِ ﷺ غَيِّرُوا الشَّيْبَ، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ (7) . وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ " وَالنَّصَارَى (8) "، وَلِقَوْلِهِ: إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ (9) فَهَذِهِ الأَْحَادِيثُ تَدُل عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الصِّبَاغِ وَتَغْيِيرِ الشَّيْبِ هِيَ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَبِهَذَا يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ الاِخْتِضَابِ. وَقَدْ كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يُبَالِغُ فِي مُخَالَفَةِ أَهْل الْكِتَابِ وَيَأْمُرُ بِهَا.
وَاخْتَضَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لِلأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ قَدْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ يَخْتَضِبُ بِالصُّفْرَةِ، مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَاخْتَضَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَبَعْضُهُمْ بِالزَّعْفَرَانِ، وَاخْتَضَبَ جَمَاعَةٌ بِالسَّوَادِ، مِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَغَيْرُهُمْ.
وَنَقَل الشَّوْكَانِيُّ عَنِ الطَّبَرِيِّ قَوْلَهُ (10) : الصَّوَابُ أَنَّ الأَْحَادِيثَ الْوَارِدَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِتَغْيِيرِ الشَّيْبِ وَبِالنَّهْيِ عَنْهُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ، وَلَيْسَ فِيهَا تَنَاقُضٌ. بَل الأَْمْرُ بِالتَّغْيِيرِ لِمَنْ شَيْبُهُ كَشَيْبِ أَبِي قُحَافَةَ، وَالنَّهْيُ لِمَنْ لَهُ شَمَطٌ (11) فَقَطْ، وَاخْتِلاَفُ السَّلَفِ فِي فِعْل الأَْمْرَيْنِ بِحَسَبِ اخْتِلاَفِ أَحْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ الأَْمْرَ وَالنَّهْيَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ بِالإِْجْمَاعِ، وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِرْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ (12) . 7 - وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ تَدُل عَلَى اخْتِضَابِ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ تَنْفِي اخْتِضَابَهُ (13) ، فَمِنَ الأُْولَى: مَا وَرَدَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَال: دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا مِنْ شَعْرِ رَسُول اللَّهِ فَإِذَا هُوَ مَخْضُوبٌ. (14)
وَمِنْهَا مَا وَرَدَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَصْبُغُ لِحْيَتَهُ بِالصُّفْرَةِ حَتَّى تَمْلأََ ثِيَابَهُ، فَقِيل لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَال: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَصْبُغُ بِهَا، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهَا، وَكَانَ يَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ حَتَّى عِمَامَتَهُ (15) .
وَمِنَ الثَّانِيَةِ قَوْل أَنَسٍ ﵁: مَا خَضَّبَ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهُ الشَّيْبُ إِلاَّ قَلِيلاً، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتٍ كُنَّ فِي رَأْسِهِ لَفَعَلْتُ. (16)
وَمِنْهَا قَوْل أَبِي جُحَيْفَةَ ﵁: رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ هَذِهِ مِنْهُ بَيْضَاءُ يَعْنِي عَنْفَقَتَهُ (17) . وَقَال الشَّوْكَانِيُّ: " لَوْ فُرِضَ عَدَمُ ثُبُوتِ اخْتِضَابِ النَّبِيِّ ﷺ لَمَا كَانَ قَادِحًا فِي سُنِّيَّةِ الاِخْتِضَابِ، لِوُرُودِ الإِْرْشَادِ إِلَيْهَا قَوْلاً فِي الأَْحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ".
وَقَال الطَّبَرِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الأَْحَادِيثِ الْمُثْبِتَةِ لاِخْتِضَابِ النَّبِيِّ ﷺ وَالأَْحَادِيثِ النَّافِيَةِ لاِخْتِضَابِهِ: " مَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ خَضَّبَ فَقَدْ حَكَى مَا شَاهَدَ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الأَْحْيَانِ، وَمَنْ نَفَى ذَلِكَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الأَْكْثَرِ الْغَالِبِ مِنْ حَالِهِ (18) " ﷺ.
بِمَ يَكُونُ الاِخْتِضَابُ؟
8 - كَوْنُ الاِخْتِضَابِ بِالْحِنَّاءِ، وَبِالْحِنَّاءِ مَعَ الْكَتَمِ، وَبِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَالسَّوَادِ، بِغَيْرِ ذَلِكَ.
أَوَّلاً - الاِخْتِضَابُ بِغَيْرِ السَّوَادِ
الاِخْتِضَابُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ:
9 - يُسْتَحَبُّ الاِخْتِضَابُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، لِحَدِيثِ: غَيِّرُوا الشَّيْبَ، (19) فَهُوَ أَمْرٌ، وَهُوَ لِلاِسْتِحْبَابِ، وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا غَيَّرْتُمْ بِهِ الشَّيْبَ الْحِنَّاءُ وَالْكَتَمُ (20) ، فَإِنَّهُ يَدُل عَلَى أَنَّ الْحِنَّاءَ وَالْكَتَمَ مِنْ أَحْسَنِ الصِّبَاغَاتِ الَّتِي يُغَيَّرُ بِهَا الشَّيْبُ. وَأَنَّ الصَّبْغَ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَيْهِمَا، بَل يُشَارِكُهُمَا غَيْرُهُمَا مِنَ الصِّبَاغَاتِ فِي أَصْل الْحُسْنِ (21) لِمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ ﵁ قَال: اخْتَضَبَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَاخْتَضَبَ عُمَرُ بِالْحِنَّاءِ بَحْتًا (22) .
الاِخْتِضَابُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ:
10 - الاِخْتِضَابُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ يُشَارِكُ الاِخْتِضَابَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ فِي أَصْل الاِسْتِحْبَابِ. وَقَدِ اخْتَضَبَ بِهِمَا جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ. رَوَى أَبُو مَالِكٍ الأَْشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: كَانَ خِضَابُنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ الْوَرْسَ وَالزَّعْفَرَانَ (23) ، وَقَال الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَخِي رَافِعٌ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ، وَأَنَا مَخْضُوبٌ بِالْحِنَّاءِ، وَأَخِي مَخْضُوبٌ بِالصُّفْرَةِ، فَقَال عُمَرُ: هَذَا خِضَابُ الإِْسْلاَمِ. وَقَال لأَِخِي رَافِعٍ: هَذَا خِضَابُ الإِْيمَانِ (24) . الاِخْتِضَابُ بِالسَّوَادِ:
11 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الاِخْتِضَابِ بِالسَّوَادِ: فَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ - مَا عَدَا أَبَا يُوسُفَ - يَقُولُونَ: بِكَرَاهَةِ الاِخْتِضَابِ بِالسَّوَادِ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ (25) . أَمَّا فِي الْحَرْبِ فَهُوَ جَائِزٌ إِجْمَاعًا، بَل هُوَ مُرَغَّبٌ فِيهِ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ شَأْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَالِدِ أَبِي بَكْرٍ ﵁ لَمَّا جِيءَ إِلَيْهِ عَامَ الْفَتْحِ، وَرَأْسُهُ يَشْتَعِل شَيْبًا: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ فَلْتُغَيِّرْهُ، وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ. (26)
وَقَال الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: إِنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ رَخَّصَ فِي الاِخْتِضَابِ بِالسَّوَادِ لِلْمُجَاهِدِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ لِلرِّجَال دُونَ النِّسَاءِ (27) ، وَقَدِ اسْتَدَل الْمُجَوِّزُونَ لِلاِخْتِضَابِ بِالسَّوَادِ بِأَدِلَّةٍ: مِنْهَا: قَوْل رَسُول اللَّهِ ﷺ إِنَّ أَحْسَنَ مَا اخْتَضَبْتُمْ بِهِ لِهَذَا السَّوَادُ، أَرْغَبُ لِنِسَائِكُمْ فِيكُمْ، وَأَهْيَبُ لَكُمْ فِي صُدُورِ أَعْدَائِكُمْ. (28) وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْخِضَابِ بِالسَّوَادِ، وَيَقُول: هُوَ تَسْكِينٌ لِلزَّوْجَةِ، وَأَهْيَبُ لِلْعَدُوِّ (29) .
وَمِنْهَا أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ اخْتَضَبُوا بِالسَّوَادِ، وَلَمْ يُنْقَل الإِْنْكَارُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَحَدٍ (30) ، مِنْهُمْ عُثْمَانُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ. وَكَانَ مِمَّنْ يَخْتَضِبُ بِالسَّوَادِ وَيَقُول بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ صَاحِبُ الْمَغَازِي، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ (31) . وَمِنْهَا مَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَال: " كُنَّا نَخْتَضِبُ بِالسَّوَادِ إِذْ كَانَ الْوَجْهُ جَدِيدًا (شَبَابًا) فَلَمَّا نَفَضَ الْوَجْهُ وَالأَْسْنَانُ (كَبِرْنَا) تَرَكْنَاهُ (32) ".
وَلِلْحَنَفِيَّةِ رَأْيٌ آخَرُ بِالْجَوَازِ، وَلَوْ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ بِتَحْرِيمِ الاِخْتِضَابِ بِالسَّوَادِ لِغَيْرِ الْمُجَاهِدِينَ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: يَكُونُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَخْضِبُونَ بِالسَّوَادِ، لاَ يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ (33) ، وَلِقَوْلِهِ ﷺ فِي شَأْنِ أَبِي قُحَافَةَ: وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ، فَالأَْمْرُ عِنْدَهُمْ لِلتَّحْرِيمِ، وَسَوَاءٌ فِيهِ عِنْدَهُمُ الرَّجُل وَالْمَرْأَةُ. اخْتِضَابُ الأُْنْثَى:
12 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَغْيِيرَ الشَّيْبِ بِالْحِنَّاءِ أَوْ نَحْوِهِ مُسْتَحَبٌّ لِلْمَرْأَةِ كَمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ لِلرَّجُل، لِلأَْخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ. وَتَخْتَصُّ الْمَرْأَةُ الْمُزَوَّجَةُ، وَالْمَمْلُوكَةُ بِاسْتِحْبَابِ خَضْبِ كَفَّيْهَا وَقَدَمَيْهَا بِالْحِنَّاءِ أَوْ نَحْوِهِ فِي كُل وَقْتٍ عَدَا وَقْتَ الإِْحْرَامِ؛ لأَِنَّ الاِخْتِضَابَ زِينَةٌ، وَالزِّينَةُ مَطْلُوبَةٌ مِنَ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا وَمِنَ الْمَمْلُوكَةِ لِسَيِّدِهَا، عَلَى أَنْ يَكُونَ الاِخْتِضَابُ تَعْمِيمًا، لاَ تَطْرِيفًا وَلاَ نَقْشًا؛ لأَِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ. وَيَجُوزُ لَهَا - بِإِذْنِ زَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا تَحْمِيرُ الْوَجْنَةِ، وَتَطْرِيفُ الأَْصَابِعِ بِالْحِنَّاءِ مَعَ السَّوَادِ (34) .
وَفِي اسْتِحْبَابِ خَضْبِ الْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ لِكَفَّيْهَا مَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جَدَّتِهِ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ قَال: وَقَدْ كَانَتْ صَلَّتِ الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُول اللَّهِ - ﷺ - قَالَتْ: دَخَل عَلَيَّ رَسُول اللَّهِ - ﷺ - فَقَال لِيَ: اخْتَضِبِي، تَتْرُكُ إِحْدَاكُنَّ الْخِضَابَ حَتَّى تَكُونَ يَدُهَا كَيَدِ الرَّجُل؟ قَال: فَمَا تَرَكَتِ الْخِضَابَ حَتَّى لَقِيتِ اللَّهَ ﷿، وَإِنْ كَانَتْ لِتَخْتَضِبَ وَإِنَّهَا لاَبْنَةُ ثَمَانِينَ (35) . أَمَّا الْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُزَوَّجَةِ وَغَيْرُ الْمَمْلُوكَةِ فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: كَرَاهَةَ اخْتِضَابِهَا فِي كَفَّيْهَا وَقَدَمَيْهَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ مَعَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ، وَحُرْمَةِ تَحْمِيرِ وَجْنَتَيْهَا وَحُرْمَةِ تَطْرِيفِ أَصَابِعِهَا بِالْحِنَّاءِ مَعَ السَّوَادِ. . وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ جَوَازَ الاِخْتِضَابِ لِلأَْيِّمِ، لِمَا وَرَدَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ اخْتَضِبْنَ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَخْتَضِبُ لِزَوْجِهَا، وَإِنَّ الأَْيِّمَ تَخْتَضِبُ تَعَرَّضُ لِلرِّزْقِ مِنَ اللَّهِ ﷿ (36) أَيْ لِتُخْطَبَ وَتَتَزَوَّجَ.
وُضُوءُ الْمُخْتَضِبِ وَغُسْلُهُ:
13 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ وُجُودَ مَادَّةٍ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْل تَمْنَعُ وُصُول الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ - حَائِلٌ بَيْنَ صِحَّةِ الْوُضُوءِ وَصِحَّةِ الْغُسْل. وَالْمُخْتَضِبُ وُضُوءُهُ وَغُسْلُهُ صَحِيحَانِ؛ لأَِنَّ الْخِضَابَ بَعْدَ إِزَالَةِ مَادَّتِهِ بِالْغُسْل يَكُونُ مُجَرَّدَ لَوْنٍ، وَاللَّوْنُ وَحْدَهُ لاَ يَحُول بَيْنَ الْبَشَرَةِ وَوُصُول الْمَاءِ إِلَيْهَا، وَمِنْ ثَمَّ فَهُوَ لاَ يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ الْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْل (37) .
الاِخْتِضَابُ لِلتَّدَاوِي:
14 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ الاِخْتِضَابِ لِلتَّدَاوِي، لِخَبَرِ سَلْمَى - مَوْلاَةِ النَّبِيِّ ﷺ - أَنَّهُ كَانَ إِذَا اشْتَكَى أَحَدٌ رَأْسَهُ قَال: اذْهَبْ فَاحْتَجِمْ، وَإِذَا اشْتَكَى رِجْلَهُ قَال: اذْهَبْ فَاخْضِبْهَا بِالْحِنَّاءِ (38) ، وَفِي لَفْظٍ لأَِحْمَدَ: قَالَتْ: كُنْتُ أَخْدُمُ النَّبِيَّ - ﷺ - فَمَا كَانَتْ تُصِيبُهُ قُرْحَةٌ وَلاَ نُكْتَةٌ إِلاَّ أَمَرَنِي أَنْ أَضَعَ عَلَيْهَا الْحِنَّاءَ. (39)
الاِخْتِضَابُ بِالْمُتَنَجِّسِ وَبِعَيْنِ النَّجَاسَةِ:
15 - يَرَى الأَْحْنَافُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ مَا خُضِّبَ أَوْ صُبِغَ بِمُتَنَجِّسٍ يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ ثَلاَثًا فَلَوِ اخْتَضَبَ الرَّجُل أَوِ اخْتَضَبَتِ الْمَرْأَةُ بِالْحِنَّاءِ الْمُتَنَجِّسِ وَغَسَل كُلٌّ ثَلاَثًا طَهُرَ. أَمَّا إِذَا كَانَ الاِخْتِضَابُ بِعَيْنِ النَّجَاسَةِ فَلاَ يَطْهُرُ إِلاَّ بِزَوَال عَيْنِهِ وَطَعْمِهِ وَرِيحِهِ وَخُرُوجِ الْمَاءِ صَافِيًا، وَيُعْفَى عَنْ بَقَاءِ اللَّوْنِ؛ لأَِنَّ الأَْثَرَ الَّذِي يَشُقُّ زَوَالُهُ لاَ يَضُرُّ بَقَاؤُهُ. وَمِنْ هَذَا الْقَبِيل الْمَصْبُوغُ بِالدَّمِ (فَهُوَ نَجَسٌ) ، وَالْمَصْبُوغُ بِالدُّودَةِ غَيْرِ الْمَائِيَّةِ الَّتِي لَهَا دَمٌ سَائِلٌ فَإِنَّهَا مَيْتَةٌ يَتَجَمَّدُ الدَّمُ فِيهَا وَهُوَ نَجَسٌ (40) .
الاِخْتِضَابُ بِالْوَشْمِ:
16 - الْوَشْمُ هُوَ غَرْزُ الْجِلْدِ بِالإِْبْرَةِ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ ثُمَّ يُذَرُّ عَلَيْهِ كُحْلٌ أَوْ نِيلَةٌ لِيَخْضَرَّ أَوْ يَزْرَقَّ وَهُوَ حَرَامٌ مُطْلَقًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَالنَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ؛ وَلأَِنَّهُ إِذَا غُرِزَ مَحَل الْوَشْمِ بِإِبْرَةٍ ثُمَّ حُشِيَ بِكُحْلٍ أَوْ نِيلَةٍ لِيَخْضَرَّ تَنَجَّسَ الْكُحْل بِالدَّمِ فَإِذَا جَمُدَ الدَّمُ وَالْتَأَمَ الْجُرْحُ بَقِيَ مَحَلُّهُ أَخْضَرَ، فَإِذَا غُسِل ثَلاَثًا طَهُرَ.
وَيَرَى الأَْحْنَافُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْوَشْمَ كَالاِخْتِضَابِ أَوِ الصَّبْغِ بِالْمُتَنَجِّسِ، فَإِذَا غُسِل ثَلاَثًا طَهُرَ؛ لأَِنَّهُ أَثَرٌ يَشُقُّ زَوَالُهُ إِذْ لاَ يَزُول إِلاَّ بِسَلْخِ الْجِلْدِ أَوْ جَرْحِهِ (41) .
الاِخْتِضَابُ بِالْبَيَاضِ:
17 - يُكْرَهُ خَضْبُ اللِّحْيَةِ السَّوْدَاءِ بِالْبَيَاضِ كَالْكِبْرِيتِ وَنَحْوِهِ إِظْهَارًا لِكِبَرِ السِّنِّ تَرَفُّعًا عَلَى الشَّبَابِ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَتَوَصُّلاً إِلَى التَّوْقِيرِ وَالاِحْتِرَامِ مِنْ إِخْوَانِهِ، وَأَمْثَال ذَلِكَ مِنَ الأَْغْرَاضِ الْفَاسِدَةِ (42) . وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فَهُوَ جَائِزٌ.
اخْتِضَابُ الْحَائِضِ:
18 - جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى جَوَازِ اخْتِضَابِ الْحَائِضِ لِمَا وَرَدَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ عَائِشَةَ - ﵂ - قَالَتْ: تَخْتَضِبُ الْحَائِضُ؟ فَقَالَتْ: قَدْ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - ﷺ - وَنَحْنُ نَخْتَضِبُ فَلَمْ يَكُنْ يَنْهَانَا عَنْهُ، (43) وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ نِسَاءَ ابْنِ عُمَرَ كُنَّ يَخْتَضِبْنَ وَهُنَّ حُيَّضٌ (44) .
وَقَدْ قَال ابْنُ رُشْدٍ: لاَ إِشْكَال فِي جَوَازِ اخْتِضَابِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ لأَِنَّ صَبْغَ الْخِضَابِ الَّذِي يَحْصُل فِي يَدَيْهَا لاَ يَمْنَعُ مِنْ رَفْعِ حَدَثِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ عَنْهَا بِالْغُسْل إِذَا اغْتَسَلَتْ. وَلاَ وَجْهَ لِلْقَوْل بِالْكَرَاهَةِ (45) .
اخْتِضَابُ الْمَرْأَةِ الْمُحِدَّةِ:
19 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُحِدَّةَ عَلَى زَوْجِهَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَخْتَضِبَ مُدَّةَ عِدَّتِهَا؛ لِمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثٍ لأُِمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: دَخَل عَلَيَّ رَسُول اللَّهِ - ﷺ - حِينَ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ فَقَال لِي: لاَ تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ وَلاَ بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ خِضَابٌ. قَالَتْ: قُلْتُ: بِأَيٍّ شَيْءٍ أَمْتَشِطُ؟ قَال: بِالسِّدْرِ تُغَلِّفِينَ بِهِ رَأْسَكِ. (46)
خِضَابُ رَأْسِ الْمَوْلُودِ:
20 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ - مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ - وَأَحْمَدُ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَلَى كَرَاهَةِ تَلْطِيخِ رَأْسِ الصَّبِيِّ بِدَمِ الْعَقِيقَةِ (47) ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ - ﷺ -: مَعَ الْغُلاَمِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَْذَى (48) ، فَهَذَا يَقْتَضِي أَلاَّ يُمَسَّ بِدَمٍ لأَِنَّهُ أَذًى، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - قَال: يُعَقُّ عَنِ الْغُلاَمِ وَلاَ يُمَسُّ رَأْسُهُ بِدَمٍ (49) وَلأَِنَّ هَذَا تَنْجِيسٌ لَهُ فَلاَ يُشْرَعُ (50) .
وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ خَضْبِ رَأْسِ الصَّبِيِّ بِالزَّعْفَرَانِ وَبِالْخَلُوقِ (أَيِ الطِّيبِ) ، لِقَوْل بُرَيْدَةَ: كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا وُلِدَ لأَِحَدِنَا غُلاَمٌ ذَبَحَ شَاةً وَلَطَّخَ رَأْسَهُ بِدَمِهَا، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالإِْسْلاَمِ كُنَّا نَذْبَحُ شَاةً وَنَحْلِقُ رَأْسَهُ وَنُلَطِّخُهُ بِزَعْفَرَانٍ (51) ، وَلِقَوْل عَائِشَةَ ﵂: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا عَقُّوا عَنِ الصَّبِيِّ خَضَّبُوا قُطْنَةً بِدَمِ الْعَقِيقَةِ، فَإِذَا حَلَقُوا رَأْسَ الْمَوْلُودِ وَضَعُوهَا عَلَى رَأْسِهِ، فَقَال النَّبِيُّ - ﷺ -: اجْعَلُوا مَكَانَ الدَّمِ خَلُوقًا زَادَ أَبُو الشَّيْخِ: وَنَهَى أَنْ يُمَسَّ رَأْسُ الْمَوْلُودِ بِدَمٍ (52) .
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّ الْعَقِيقَةَ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ. اخْتِضَابُ الرَّجُل وَالْخُنْثَى:
21 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُل أَنْ يَخْتَضِبَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ لِتَغْيِيرِ الشَّيْبِ بِالْحِنَّاءِ وَنَحْوِهِ لِلأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَجَوَّزُوا لَهُ أَنْ يَخْتَضِبَ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ بَدَنِهِ مَا عَدَا الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتَضِبَ فِيهِمَا إِلاَّ لِعُذْرٍ؛ لأَِنَّ فِي اخْتِضَابِهِ فِيهِمَا تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ (53) ، وَالتَّشَبُّهُ بِالنِّسَاءِ مَحْظُورٌ شَرْعًا.
وَقَال أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ بِحُرْمَتِهِ. وَقَال بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِكَرَاهَتِهِ (54) وَقَدْ قَال رَسُول اللَّهِ - ﷺ - لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَال وَالْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَال بِالنِّسَاءِ. (55) وَحُكْمُ الْخُنْثَى الْمُشْكِل كَحُكْمِ الرَّجُل فِي هَذَا (56) .
اخْتِضَابُ الْمُحْرِمِ:
22 - ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ الاِخْتِضَابُ بِالْحِنَّاءِ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنَ الْبَدَنِ مَا عَدَا الرَّأْسَ؛ لأَِنَّ سَتْرَ الرَّأْسِ فِي الإِْحْرَامِ بِأَيِّ سَاتِرٍ مَمْنُوعٌ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - قَال: إِحْرَامُ الرَّجُل فِي رَأْسِهِ، وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا. (57)
وَلاَ بَأْسَ بِاخْتِضَابِ الْمَرْأَةِ بِالْحِنَّاءِ وَنَحْوِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَال: كَانَتْ عَائِشَةُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ - ﷺ - يَخْتَضِبْنَ بِالْحِنَّاءِ وَهُنَّ حُرُمٌ.
(58) وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ لِلرَّجُل الاِخْتِضَابُ بِالْحِنَّاءِ وَنَحْوِهِ حَال الإِْحْرَامِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ جَسَدِهِ، مَا عَدَا الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَيَحْرُمُ خَضْبُهُمَا بِغَيْرِ حَاجَةٍ.
وَكَرِهُوا لِلْمَرْأَةِ الاِخْتِضَابَ بِالْحِنَّاءِ وَنَحْوِهِ حَال الإِْحْرَامِ، إِلاَّ إِذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ وَفَاةٍ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا ذَلِكَ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا الاِخْتِضَابُ إِذَا كَانَ نَقْشًا، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُعْتَدَّةٍ (59) .
وَقَال الأَْحْنَافُ وَالْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ وَنَحْوِهِ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنَ الْبَدَنِ سَوَاءٌ أَكَانَ رَجُلاً أَمِ امْرَأَةً؛ لأَِنَّهُ طِيبٌ وَالْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنَ الطِّيبِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - قَال لأُِمِّ سَلَمَةَ: لاَ تَطَيَّبِي وَأَنْتِ مُحْرِمَةٌ وَلاَ تَمَسِّي الْحِنَّاءَ فَإِنَّهُ طِيبٌ. (1)
__________
(1) لسان العرب، مادة (خضب) .
(2) سورة المؤمنون / 20
(3) لسان العرب، مادة (طرف) .
(4) لسان العرب، مادة (نقش) .
(5) نيل الأوطار 1 / 117 وما بعدها، ط بالمطبعة العثمانية المصرية سنة 1357 هـ.
(6) لعله يقصد ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن مسعود قال: " كان رسول الله ﷺ يكره عشر خلال: الصفرة - يعني الخلوق - وتغيير الشيب ". (نيل الأوطار 1 / 117 وما بعدها، ط العثمانية المصرية) .
(7) حديث " غيروا الشيب ولا تشبهوا. . . "، رواه الترمذي بسنده عن أبي هريرة، وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه بمعناه الشيخان وغيرهما (تحفة الأحوذي 5 / 433 مطبعة الفجالة الجديدة) .
(8) جاءت زيادة: " والنصارى " في رواية أحمد وابن حبان (تحفة الأحوذي 5 / 433) .
(9) وحديث " إن النصارى واليهود لا يصبغون " رواه الشيخان (نيل الأوطار 1 / 117 وما بعدها ط المطبعة العثمانية المصرية سنة 1357 هـ) .
(10) والآثار عن الصحابة في الخضاب بالسواد، رواها الطبراني عدا أثر عثمان بن عفان (مجمع الزوائد 5 / 162 ط 1353 هـ) ، وذكرها جميعا الشوكاني (نيل الأوطار 1 / 118)
(11) الشمط - بفتحتين - بياض شعر الرأس يخالط سواده (مختار الصحاح - شمط) .
(12) نيل الأوطار 1 / 117، وما بعدها.
(13) الشوكاني في نيل الأوطار 1 / 119 وما بعدها.
(14) حديث " دخلنا على أم سلمة " رواه البخاري. وقد أجيب عن هذا الحديث بأنه ليس فيه بيان أن النبي ﷺ هو الذي خضب. بل يحتمل أن يكون احمر بعده لما خالطه من طيب فيه صفرة. وأيضا كثير من الشعور التي تنفصل عن الجسد إذا طال العهد يئول سوادها إلى الحمرة. كذا قال الحافظ المنذري (نيل الأوطار 1 /
(15) حديث " ابن عمر كان يصبغ لحيته " رواه أبو داود من طرق صحاح. (نيل الأوطار1 / 119 وما بعدها) .
(16) حديث أنس " ما خضب رسول الله أحدا " رواه الشيخان (نيل الأوطار 1 / 119 وما بعدها) . والشمط بياض شعر الرأس يخالط سواده (مختار الصحاح - شمط) .
(17) حديث أبي جحيفة رواه ابن ماجه بسنده عن أبي جحيفة. وقال السندي: إسناده صحيح. والعنفقة شعر في الشفة السفلى، وقيل شعر بين الشفة السفلى وبين الذقن (ابن ماجه 2 / 200)
(18) نيل الأوطار 1 / 119 وما بعدها.
(19) حديث " غيروا الشيب " رواه البزار بزيادة " وإن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم " وفيه سعيد بن بشير، وهو ثقة، وفيه ضعف. وكذلك رواه الطبراني في الأوسط من حديث عائشة بزيادة: " ولا تشبوا باليهود ولا النصارى " عن شيخ له اسمه أحمد. وقال الهيثمي: ولم أعرفه
(20) رواه الخمسة، وحسنه الترمذي عن أبي ذر، (نيل الأوطار 1 / 117 وما بعدها) .
(21) نيل الأوطار، وحاشية ابن عابدين 5 / 271، ونهاية المحتاج 8 / 140، والبجيرمي على الخطيب 4 / 291
(22) والأثر عن أبي بكر أخرجه مسلم عن أنس (نيل الأوطار) ومعنى " بحتا " منفردا.
(23) المغني والشرح الكبير 1 / 75، 76 ط المنار بمصر. والورس نبت كالسمسم طيب الرائحة، صبغه بين الحمرة والصفرة. (جواهر الإكليل شرح مختصر خليل 1 / 189 مطبعة الحلبي) . والكتم بفتحتين: نبت يخلط بالحناء، يختضب به. (مختار الصحاح - كتم) وحديث أبي مالك الأشجعي عن أبيه رواه أحمد (3 / 472) والبزار، ورجاله رجال الصحيح خلا بكر بن عيسى وهو ثقة (مجمع الزوائد 5 / 159 ط 1353 هـ) .
(24) حديث الحكم بن عمرو الغفاري رواه أحمد، وفيه عبد الرحمن بن حبيب، وثقه ابن معين، وضعفه أحمد، وبقية رجاله رجال ثقات (مجمع الزوائد 5 / 159)
(25) المغني 1 / 75، 76 المنار، وحاشية ابن عابدين 5 / 481
(26) حديث " اذهبوا به إلى بعض نسائه. . . " أخرجه ابن ماجه في سننه (2 / 1197 ط عيسى الحلبي 1373 هـ) وقال محققه: وفي الزوائد: أصل الحديث قد رواه مسلم، لكن في هذه الطريق التي رواه بها المصنف ليث بن سليم، وهو ضعيف عند الجمهور.
(27) تحفة الأحوذي 5 / 436، مطبعة الفجالة الجديدة بمصر.
(28) حديث " إن أحسن ما اختضبتم به. . . " أخرجه ابن ماجه. في الزوائد: إسناده حسن (سنن ابن ماجه 2 / 1197 ط عيسى الحلبي 1373 هـ) .
(29) الأثر عن عمر ﵁ أورده صاحب تحفة الأحوذي (5 / 437) وهو في عمدة القاري (22 / 51 ط المنيرية) .
(30) تحفة الأحوذي 5 / 439
(31) تحفة الأحوذي 5 / 439
(32) الأثر عن ابن شهاب أخرجه ابن أبي عاصم (فتح الباري 10 / 355 ط السلفية) .
(33) حديث " يكون قوم في آخر الزمان " أخرجه أبو داود والنسائي مرفوعا عن ابن عباس، وأخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. (تحفة الأحوذي 5 / 434، وشرح روض الطالب 1 / 173) ، وفي تعليق الشيخ محمد رشيد رضا على الآداب الشرعية (3 / 353) أن هذا الحديث فيه (عبد الكريم) غير منسوب، والظاهر أنه عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو ضعيف، بدليل نكارة متن الحديث، بالوعيد الشديد على عمل من العادات المسنون جنسها، وهو صبغ الشعر، بأن صاحبه يحرم من دخول الجنة، فقد جعله من قبيل الكفر، وهذا مما يستدل به على وضع الحديث. وقد عده ابن الجوزي في
(34) شرح روض الطالب 1 / 172، 173 ط الميمنية وكتاب الفروع وتصحيحه 2 / 353، 354
(35) حديث " اختضبي. تترك إحداكن الخضاب. . . " أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده (4 / 70) قال صاحب الفتح الرباني: لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وأورده الهيثمي. وقال: رواه أحمد وفيه من لم أعرفهم وابن إسحاق وهو مدلس (الفتح الرباني 16 / 215 الطبعة الأولى 1372 هـ)
(36) شرح روض الطالب 1 / 172، 173، وكتاب الفروع وتصحيحه 2 / 353، 354، وحديث " يا معشر النساء اختضبن. . . " رواه الحافظ أبو موسى المديني في كتاب (الاستفتاء في معرفة استعمال الحناء) عن جابر مرفوعا كما في الفروع (2 / 354) ولم نجده في مظانه من كتب الحديث.
(37) شرح الحطاب 1 / 163 ط مكتبة النجاح - طرابلس.
(38) حديث سلمى رواه أبو داود وسكت عليه، والترمذي وابن ماجه وأحمد، وفي إسناده عبيد الله بن علي بن رافع مختلف فيه. (كتاب الفروع 2 / 356، وعون المعبود4 / 2 ط دار الكتاب اللبناني)
(39) رواه أحمد وحسنه (الفروع 2 / 354)
(40) حاشية ابن عابدين 1 / 219 وشرح روض الطالب 1 / 172، والرهوني 1 / 114 - 115، والخرشي 1 / 96، والحطاب 1 / 120، وكشاف القناع 1 / 182، والمغني 1 / 64 ط الرياض
(41) المراجع السابقة
(42) شرح روض الطالب 1 / 551، وشرح عين العلم وزين الحلم لنور الدين المعروف بالقاري 1 / 328
(43) حديث عائشة أخرجه ابن ماجه (1 / 215 ط عيسى الحلبي) . قال محققه: وفي الزوائد: هذا الإسناد صحيح.
(44) سنن الدارمي1 / 252 بسنده عن نافع.
(45) مواهب الجليل لشرح مختصر خليل 1 / 200 ط مكتبة النجاح - طرابلس - ليبيا.
(46) حديث أم سلمة " دخل علي. . . " أخرجه أبو داود (2 / 391) ط م السعادة، والنسائي 6 / 205، 204 ط1 المصرية) . قال الشوكاني في نيل الأوطار (7 / 98) : " وأخرجه أيضا الشافعي وفي إسناده المغيرة بن الضحاك عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن مولى لها عن أم سلمة. وقد أعله عبد الحق والمنذري بجهالة حال المغيرة ومن فوقه ".
(47) المغني والشرح الكبير 3 / 588، مطبعة المنار.
(48) حديث " مع الغلام عقيقة. . . " أخرجه البخاري في صحيحه (7 / 109 ط صحيح) وأصحاب السنن، وأحمد بن حنبل (4 / 18 ط الميمنية) وفي بعض الروايات " في الغلام ".
(49) حديث " يعق عن الغلام. . . " قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط عن يزيد بن عبد الله المزني عن أبيه. وقد رواه ابن ماجه عن يزيد بن عبد الله ولم يقل عن أبيه. فالله أعلم (مجمع الزوائد 4 / 58)
(50) المرجع السابق.
(51) أخرجه أحمد والنسائي قال في التلخيص وإسناده صحيح (الشوكاني 5 / 152)
(52) الشرح الكبير المطبوع مع المغني 3 / 588 - 589 وحديث عائشة ﵂ " كانوا في الجاهلية. . . " قال الهيثمي رواه أبو يعلي والبزار باختصار ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ أبي يعلي فإني لم أعرفه (مجمع الزوائد 4 / 58) ورواه ابن حبان (نيل الأوطار 5 / 151 ط مصطفى الحلبي) وزيادة أبي الشيخ ذكرها في نيل الأوطار (5 / 151) ولم يبين درجتها من الصحة.
(53) شرح روض الطالب 1 / 155
(54) الآداب الشرعية 3 / 540 ط 1 مطبعة المنار بمصر.
(55) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس حديث صحيح (فيض القدير طبعة المكتبة التجارية بمصر 5 / 217)
(56) شرح روض الطالب 1 / 131
(57) حديث " إحرام الرجل. . . " ذكره القاضي أبو يعلي (المغني المطبوع مع الشرح الكبير 2 / 268 - 269 ط 1392 هـ) ولم نعثر عليه بهذا اللفظ في مظانه من كتب الحديث وأخرجه الحاكم في تاريخه من حديث ابن عمر بلفظ " حرم الرجل في وجهه ورأسه وحرم المرأة في رأسها " (كنز العمال
(58) المغني والشرح الكبير 3 / 268، 269 ط المنار. والحديث رواه الطبراني في الكبير ولفظه " كان نساء رسول الله ﷺ يختضبن وهن محرمات " وفيه يعقوب مختلف فيه. (تلخيص الحبير 2 / 281 - 282)
(59) شرح روض الطالب 1 / 509
الموسوعة الفقهية الكويتية: 277/ 2