البحث

عبارات مقترحة:

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

الحسيب

 (الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...

الوارث

كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...

التَّعَارُض


من معجم المصطلحات الشرعية

اختلاف الأسانيد من حيث الاتصال، والإرسال، أو الرفع، والوقف . وشاهده قول الإمام السخاوي : "ومن هنا يتبين أنه لا يحكم في تعارض الوصل، والرفع مع الإرسال، والوقف بشيء معين، بل إن كان مَن أرسل، أو وقف من الثقات أرجح قُدِّم، وكذا بالعكس "


انظر : النكت الوفية للبقاعي، 1/177، فتح المغيث للسخاوي، 1/245، تدريب الراوي للسيوطي، 2/652، شرح نخبة الفكر للقاري، ص 741

تعريفات أخرى

  • اختلاف متون الأحاديث بحيث يُفيد أحدها، أو يُوهم ما يناقض الآخر . وشاهده قول الإمام السيوطي : "والمختلف قسمان : أحدهما : يمكن الجمع بينهما بوجه صحيح، فيتعين، ولا يُصار إلى التَّعَارض، ولا النَّسخ "
  • اختلاف أقوال النقاد في الراوي جرحاً، وتعديلاً . وشاهده قول الشيخ علي القاري : والجرح مقدم على التعديل، أي عند التعارض "

من موسوعة المصطلحات الإسلامية

التعريف اللغوي

التَّقابُلُ، وَالمُعارَضَةُ: المُقَابَلَةُ، تَقُولُ: عَارَضْتُ الكِتَابَ بِالكِتَابِ أَيْ قَابَلْتُهُ، وَيَأْتِي التَّعَارُضُ بِمَعْنَى: التَّنَاقُضُ وَالتَّعاكُسُ، وَعَارَضَ فُلَانًا إِذَا نَاقَضَهُ فِي كَلَامِهِ، وأَصْلُ كَلِمَةِ التَّعارُضِ مِنَ العَرْضِ وَهُوَ الظُّهُورُ وَالبُرُوزُ، يُقَالُ: عَرَضَ الشَّيْءُ وَعَرِضَ يَعْرِضُ وَيَعْرَضُ عَرْضًا أَيْ ظَهَرَ وَبَرَزَ ، وَالعَرْضُ: خِلاَفُ الطُّولِ، وَالعَرَضُ: الـمَتَاعُ وَالـمَالُ وَنَـحْوِهِ؛ لِأَنَّهَا تَظْهَرُ وَتَزُولُ، وَسُمِّيَ التَّقَابُلُ تَعَارُضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُما يُعْطِي ظَهْرَهُ لِلْآخَرِ، وَمِنْ مَعَانِي التًعارُضِ أَيْضًا: التّضَارُبُ والتَّنَاكُرُ، والتَّمَانُعُ.

إطلاقات المصطلح

يَرِدُ مُصْطَلَحُ (تَعَارُضٍ) فِي بَابِ عِلَلِ الحَدِيثِ، وَبابِ قَواعِدِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَغَيْرِهَا. وَيُطْلَقُ أَيْضًا فِي مَواضِعَ عَدِيدَةٍ مِنَ العَقَيِدَةِ وَالفِقْهِ وَأُصولِهِ.

جذر الكلمة

عَرَضَ

التعريف

تقابل حجتين لا مزية لإحداهما على الأخرى في حكمين متضادين.

المراجع

* معجم مقاييس اللغة : 2/272 - المطلع على ألفاظ المقنع : (ص: 495)
* العين : 272/1 - أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء : (ص: 152)
* تيسير مصطلح الـحديث : ص71 - معجم مقاييس اللغة : 272/2 -

من الموسوعة الكويتية

التَّعْرِيفُ:
1 - التَّعَارُضُ فِي اللُّغَةِ: التَّقَابُل. أَصْلُهُ مِنَ الْعَرْضِ وَهُوَ الْمَنْعُ. يُقَال: لاَ تَعْتَرِضْ لَهُ، أَيْ: لاَ تَمْنَعْهُ بِاعْتِرَاضِكَ أَنْ يَبْلُغَ مُرَادَهُ. وَمِنْهُ: الاِعْتِرَاضَاتُ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ وَغَيْرِهِ مِنَ الأَْدِلَّةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَِنَّهَا تَمْنَعُ مِنَ التَّمَسُّكِ بِالدَّلِيل وَمِنْهُ: تَعَارُضُ الْبَيِّنَاتِ، لأَِنَّ كُل وَاحِدَةٍ تَعْتَرِضُ الأُْخْرَى وَتَمْنَعُ نُفُوذَهَا. وَمِنْهُ: تَعَارُضُ الأَْدِلَّةِ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ، وَمَوْطِنُهُ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
وَالتَّعَارُضُ اصْطِلاَحًا: التَّمَانُعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ مُطْلَقًا، بِحَيْثُ يَقْتَضِي أَحَدُهُمَا غَيْرَ مَا يَقْتَضِي الآْخَرُ (1) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التَّنَاقُضُ:
2 - التَّنَاقُضُ: هُوَ التَّدَافُعُ يُقَال: تَنَاقَضَ الْكَلاَمَانِ، أَيْ: تَدَافَعَا، كَأَنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْقُضُ الآْخَرَ وَيَدْفَعَهُ، وَالْمُتَنَاقَضَانِ لاَ يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا وَلاَ يَرْتَفِعَانِ (2) .
أَمَّا الْمُتَعَارِضَانِ فَقَدْ يُمْكِنُ ارْتِفَاعُهُمَا.

ب - التَّنَازُعُ:
3 - التَّنَازُعُ الاِخْتِلاَفُ. يُقَال: تَنَازَعَ الْقَوْمُ، أَيِ: اخْتَلَفُوا (3) وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (4) .
فَالتَّنَازُعُ أَعَمُّ، لأَِنَّهُ يَشْمَل الاِخْتِلاَفَ فِي الرَّأْيِ وَغَيْرِهِ.

حُكْمُ التَّعَارُضِ:
4 - إِِذَا تَعَارَضَتِ الْبَيِّنَتَانِ، وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جُمِعَ، وَإِِذَا لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ يُصَارُ إِِلَى التَّرْجِيحِ (5) .
وَالتَّرْجِيحُ: تَقْدِيمُ دَلِيلٍ عَلَى دَلِيلٍ آخَرَ يُعَارِضُهُ، لاِقْتِرَانِ الأَْوَّل بِمَا يُقَوِّيهِ وَالتَّعَارُضُ وَالتَّرْجِيحُ يَرِدُ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ.
فَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالأُْصُول فَيُنْظَرُ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.

وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَمُعْظَمُهُ فِي شَأْنِ الْبَيِّنَاتِ، وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيل ذَلِكَ: وُجُوهُ التَّرْجِيحِ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ:
5 - فِي كُل مَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ الْفِقْهِيَّةِ وُجُوهٌ لِلتَّرْجِيحِ.
ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ - فِي بَابِ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ - وُجُوهًا لِتَرْجِيحِ إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الأُْخْرَى إِِذَا تَعَارَضَتَا وَتَسَاوَتَا فِي الْقُوَّةِ، فَقَالُوا: إِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ عَلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ (الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ سَبَبُهُ) إِنْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ (أَيْ ذَكَرَ تَارِيخًا) وَقَال أَبُو يُوسُفَ: مَنْ وَقَّتَ أَحَقُّ بِالْعَيْنِ، فَإِِنْ أَرَّخَا وَاتَّحَدَ الْمُمَلَّكُ، فَالأَْسْبَقُ تَارِيخًا أَحَقُّ بِالْعَيْنِ لِقُوَّةِ بَيِّنَتِهِ، وَلَوِ اخْتَلَفَ الْمُمَلَّكُ اسْتَوَيَا.
وَإِِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ فِي يَدِ ثَالِثٍ، وَأَقَامَ خَارِجَانِ كُل بَيِّنَةٍ، وَتَسَاوَتَا، قُضِيَ لَهُمَا بِهَا مُنَاصَفَةً، وَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ.
وَإِِنْ كَانَ النِّزَاعُ عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً، فَإِِنْ كَانَتْ حَيَّةً سَقَطَتِ الْبَيِّنَتَانِ لِعَدَمِ إِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. وَإِِنْ كَانَتْ مَيِّتَةً وَرِثَاهَا مِيرَاثَ زَوْجٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ وَلَدَتْ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُمَا.
وَإِِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا، وَاسْتَوَيَا فِي الْحُجَّةِ وَالتَّارِيخِ، فَالْعَيْنُ بَيْنَهُمَا. فَإِِنِ اخْتَلَفَا فِي التَّارِيخِ فَهِيَ لِلسَّابِقِ.
وَلاَ عِبْرَةَ عِنْدَهُمْ بِكَثْرَةِ الشُّهُودِ وَلاَ بِزِيَادَةِالْعَدَالَةِ (6) - وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلاَتٌ أُخْرَى تُنْظَرُ فِي كُتُبِهِمْ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ التَّرْجِيحُ يَحْصُل بِوُجُوهٍ:

6 - الأَْوَّل: بِزِيَادَةِ الْعَدَالَةِ فِي الْمَشْهُورِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لاَ يُرَجَّحُ بِهَا، وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ. وَعَلَى الْقَوْل بِالتَّرْجِيحِ بِزِيَادَةِ الْعَدَالَةِ فَلاَ بُدَّ أَنْ يَحْلِفَ مَنْ زَادَتْ عَدَالَتُهُ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: لاَ يَحْلِفُ، وَلاَ يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ. وَرُوِيَ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ عِنْدَ تَكَافُؤِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي الْعَدَالَةِ، إِلاَّ أَنْ يَكْثُرُوا كَثْرَةً يُكْتَفَى بِهَا فِيمَا يُرَادُ مِنَ الاِسْتِظْهَارِ، وَالآْخَرُونَ كَثِيرُونَ جِدًّا، فَلاَ تُرَاعَى الْكَثْرَةُ حِينَئِذٍ، وَإِِنَّمَا يَقَعُ التَّرْجِيحُ بِمَزِيَّةِ الْعَدَالَةِ دُونَ مَزِيَّةِ الْعَدَدِ.
قَال ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: مَنْ رَجَّحَ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ لَمْ يَقُل بِهِ كَيْفَمَا اتَّفَقَ، وَإِِنَّمَا اعْتَبَرَهُ مَعَ قَيْدِ الْعَدَالَةِ.

7 - الثَّانِي: يَكُونُ التَّرْجِيحُ أَيْضًا بِقُوَّةِ الْحُجَّةِ فَيُقَدَّمُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ. وَعَلَى الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَذَلِكَ إِِذَا اسْتَوَوْا فِي الْعَدَالَةِ، قَال ذَلِكَ أَشْهَبُ. وَقَال ابْنُ الْقَاسِمِ: لاَ يُقَدَّمَانِ ثُمَّ رَجَعَ لِقَوْل أَشْهَبَ. قَال ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدُ أَعْدَل مِنْ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكِمَ بِهِ مَعَ الْيَمِينِ، وَقُدِّمَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ. وَقَال ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ: لاَ يُقَدَّمُ وَلَوْ كَانَ أَعْدَل أَهْل زَمَانِهِ، وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لأَِنَّ بَعْضَ أَهْل الْمَذْهَبِ لاَ يَرَى الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ.

8 - الثَّالِثُ: اشْتِمَال إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى زِيَادَةِ تَارِيخٍ مُتَقَدِّمٍ أَوْ سَبَبِ مِلْكٍ، وَهَذَا يَتَّفِقُ مَعَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ بِالأَْخْذِ بِتَارِيخِ السَّابِقِ.
وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَنَّهُ لاَ يُحْكَمُ بِأَعْدَل الْبَيِّنَتَيْنِ عِنْدَ مَنْ رَأَى ذَلِكَ إِلاَّ فِي الأَْمْوَال خَاصَّةً.
وَقَالُوا: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ عَلَى بَيِّنَةِ الْحَوْزِ، وَإِِنْ كَانَ تَارِيخُ الْحَوْزِ مُتَقَدِّمًا، لأَِنَّ الْمِلْكَ أَقْوَى مِنَ الْحَوْزِ. وَتُقَدَّمُ الْبَيِّنَةُ النَّاقِلَةُ عَلَى الْبَيِّنَةِ الْمُسْتَصْحَبَةِ. وَمِثَالُهَا: أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِزَيْدٍ بَنَاهَا مُنْذُ مُدَّةٍ، وَلاَ نَعْلَمُ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ إِِلَى الآْنَ. وَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ الأُْخْرَى: أَنَّ هَذَا اشْتَرَاهَا مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَالْبَيِّنَةُ النَّاقِلَةُ عُلِمَتْ، وَالْمُسْتَصْحَبَةُ لَمْ تُعْلَمْ، فَلاَ تَعَارُضَ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ.
وَإِِذَا لَمْ يُمْكِنِ التَّرْجِيحُ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ سَقَطَتَا، وَبَقِيَ الْمُتَنَازَعُ عَلَيْهِ بِيَدِ حَائِزِهِ مَعَ يَمِينِهِ. فَإِِنْ كَانَ بِيَدِ غَيْرِهِمَا، فَقِيل: يَبْقَى بِيَدِهِ. وَقِيل: يُقْسَمُ بَيْنَ مُقِيمِي الْبَيِّنَتَيْنِ، لاِتِّفَاقِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى سُقُوطِ مِلْكِ الْحَائِزِ. وَإِِقْرَارِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ لأَِحَدِهِمَا يُنَزَّل مَنْزِلَةَ الْيَدِ لِلْمُقَرِّ لَهُ (7) .
9 - وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ عَيْنًا، وَكَانَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً، وَتَسَاوَتَا قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ. وَلاَ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ إِلاَّ بَعْدَ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي.
وَإِِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ فِي يَدِ ثَالِثٍ، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً سَقَطَتِ الْبَيِّنَتَانِ، وَيُصَارُ إِِلَى التَّحْلِيفِ، فَيَحْلِفُ صَاحِبُ الْيَدِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا. وَقِيل: تُسْتَعْمَل الْبَيِّنَتَانِ وَتُنْزَعُ الْعَيْنُ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ، وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً فِي قَوْلٍ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَيَأْخُذَهَا مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، وَفِي قَوْلٍ: يُوقَفُ الأَْمْرُ حَتَّى يُتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحَا.
وَسَكَتَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ تَرْجِيحٍ وَاحِدٍ مِنَ الأَْقْوَال الثَّلاَثَةِ. وَقَال الْقَلْيُوبِيُّ: قَضِيَّةُ كَلاَمِ جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ تَرْجِيحُ الثَّالِثِ؛ لأَِنَّهُ أَعْدَل.
وَإِِنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، بَقِيَتْ فِي أَيْدِيهِمَا، كَمَا كَانَتْ عَلَى قَوْل السُّقُوطِ. وَقِيل: تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْل الْقِسْمَةِ، وَلاَ يَجِيءُ الْوَقْفُ، وَفِي الْقُرْعَةِ قَوْلاَنِ.
وَلَوْ أُزِيلَتْ يَدُهُ بِبَيِّنَةٍ، ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ مُسْتَنِدًا إِِلَى مَا قَبْل إِزَالَةِ يَدِهِ، وَاعْتَذَرَ بِغَيْبَةِ شُهُودِهِ، سُمِعَتْ وَقُدِّمَتْ؛ لأَِنَّهَا إِنَّمَا أُزِيلَتْ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ، وَقَدْ ظَهَرَتْ، فَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ. وَقِيل: لاَ، وَالْقَضَاءُ عَلَى حَالِهِ. وَلَوْ قَال الْخَارِجُ: هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْكَ. فَقَال: بَل مِلْكِي. وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِمَا قَالاَهُ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ، لِزِيَادَةِ عِلْمِ بَيِّنَتِهِ بِالاِنْتِقَال.
وَالْمَذْهَبُ أَنَّ زِيَادَةَ عَدَدِ شُهُودِ أَحَدِهِمَالاَ تُرَجَّحُ، لِكَمَال الْحُجَّةِ فِي الطَّرَفَيْنِ، كَمَا قَال الْحَنَفِيَّةُ.
وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ تُرَجَّحُ؛ لأَِنَّ الْقَلْبَ إِِلَى الزَّائِدِ أَمْيَل. وَكَذَا لَوْ كَانَ لأَِحَدِهِمَا رَجُلاَنِ، لِلآْخَرِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، لاَ يُرَجَّحُ الرَّجُلاَنِ. وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ يُرَجَّحَانِ، لِزِيَادَةِ الْوُثُوقِ بِقَوْلِهِمَا.
فَإِِنْ كَانَ لِلآْخَرِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ يُرَجَّحُ الشَّاهِدَانِ فِي الأَْظْهَرِ، لأَِنَّهُمَا حُجَّةٌ بِالإِِْجْمَاعِ. وَفِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ خِلاَفٌ. وَالْقَوْل الثَّانِي: يَتَعَادَلاَنِ؛ لأَِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُجَّةٌ كَافِيَةٌ.
وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لأَِحَدِهِمَا بِمِلْكٍ مِنْ سَنَةٍ، وَبَيِّنَةٌ لِلآْخَرِ بِمِلْكٍ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إِِلَى الآْنَ كَسَنَتَيْنِ، وَالْعَيْنُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، فَالأَْظْهَرُ تَرْجِيحُ الأَْكْثَرِ؛ لأَِنَّ الأُْخْرَى لاَ تُعَارِضُهَا فِيهِ. وَالرَّأْيُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لاَ تَرْجِيحَ بِهِ؛ لأَِنَّ مَنَاطَ الشَّهَادَةِ الْمِلْكُ فِي الْحَال، وَقَدِ اسْتَوَيَا فِيهِ، وَلِصَاحِبِ بَيِّنَةِ الأَْكْثَرِ - عَلَى الْقَوْل بِتَرْجِيحِهَا - الأُْجْرَةُ، وَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ. وَعَلَى الْقَوْل الثَّانِي: تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، أَوْ يُقْرَعُ، أَوْ يُوقَفُ حَتَّى يُبَيِّنَ أَوْ يَصْطَلِحَا حَسَبَ الأَْقْوَال الثَّلاَثَةِ.
وَلَوْ أُطْلِقَتْ بَيِّنَةٌ، وَأُرِّخَتْ بَيِّنَةٌ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ بِيَدِهِمَا أَوْ بِيَدِ غَيْرِهِمَا، أَوْ لاَ بِيَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَقِيل - كَمَا فِي أَصْل الرَّوْضَةِ - تُقَدَّمُ الْبَيِّنَةُ الْمُؤَرِّخَةُ؛ لأَِنَّهَا تَقْتَضِي الْمِلْكَ قَبْل الْحَال، بِخِلاَفِ الْمُطْلَقَةِ. وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَابِالْحَقِّ، وَبَيِّنَةُ الآْخَرِ بِالإِِْبْرَاءِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الإِِْبْرَاءِ. هَذَا وَمَحَل الاِسْتِوَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَلْيُوبِيُّ - مَا لَمْ يُوجَدْ مُرَجِّحٌ. فَإِِنْ وُجِدَ الْمُرَجِّحُ كَكَوْنِهِ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، أَوْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ غَيْرَ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ، أَوْ أُسْنِدَتْ بَيِّنَتُهُ لِسَبَبٍ: كَأَنْ شَهِدَتْ بِأَنَّهُ نَتَجَ فِي مِلْكِهِ، أَوْ ثَمَرَ فِيهِ، أَوْ حُمِل فِيهِ، أَوْ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ (8) .
10 - وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ مَنِ ادَّعَى شَيْئًا بِيَدِ غَيْرِهِ فَأَنْكَرَهُ، وَلِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَا إِِذَا تَعَارَضَتَا: فَالْمَشْهُورُ عَنْهُ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي، وَلاَ يُلْتَفَتُ إِِلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحَالٍ، وَهَذَا قَوْل إِسْحَاقَ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (9) فَأُمِرْنَا بِسَمَاعِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي وَيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهَا لَهُ، أَوْ قَالَتْ: وُلِدَتْ فِي مِلْكِهِ عَلَيْهِ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: إِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الدَّاخِل (أَيْ صَاحِبِ الْيَدِ وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) بِسَبَبِ الْمِلْكِ، وَقَالَتْ مَثَلاً: إِنَّ الدَّابَّةَ الْمُتَنَازَعَ عَلَيْهَا نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ أَوِ اشْتَرَاهَا، أَوْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ أَقْدَمَ تَارِيخًا قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ، وَإِِلاَّ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي، لأَِنَّ (بَيِّنَةَ الدَّاخِل) أَفَادَتْ بِذِكْرِ السَّبَبِ مَا لاَ تُفِيدُهُ الْيَدُ. وَاسْتُدِل لِتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الدَّاخِل: بِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ﵄: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اخْتَصَمَ إِلَيْهِ رَجُلاَنِ فِي دَابَّةٍ أَوْ بَعِيرٍ، فَأَقَامَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ بِأَنَّهَا لَهُ نَتْجُهَا، فَقَضَى بِهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ (10) .
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً ثَالِثَةً: أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تُقَدَّمُ بِكُل حَالٍ، وَهُوَ قَوْل شُرَيْحٍ وَأَهْل الشَّامِ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَكَمِ وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَقَال: هُوَ قَوْل أَهْل الْمَدِينَةِ، وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ.
وَأَنْكَرَ الْقَاضِي كَوْنَ هَذَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَقَال: لاَ تُقْبَل بَيِّنَةُ الدَّاخِل إِِذَا لَمْ تُفِدْ إِلاَّ مَا أَفَادَتْهُ يَدُهُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِِلَى هَذَا الْقَوْل بِأَنَّ جِهَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقْوَى؛ لأَِنَّ الأَْصْل مَعَهُ، وَيَمِينُهُ تُقَدَّمُ عَلَى يَمِينِ الْمُدَّعِي. فَإِِذَا تَعَارَضَتِ الْبَيِّنَتَانِ: وَجَبَ إِبْقَاءُ يَدِهِ عَلَى مَا فِيهَا، وَتَقْدِيمُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَحَدِيثُ جَابِرٍ يَدُل عَلَى هَذَا، فَإِِنَّهُ إِنَّمَا قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ لِيَدِهِ.
11 - وَاسْتَدَل لِتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي بِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (11) فَجَعَل جِنْسَ الْبَيِّنَةِ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي، فَلاَ يَبْقَى فِي جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ.
وَلأَِنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي أَكْثَرُ فَائِدَةً فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا كَتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْجُرْحِ عَلَى بَيِّنَةِ التَّعْدِيل.
وَدَلِيل كَثْرَةِ فَائِدَتِهَا: أَنَّهَا تُثْبِتُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ. وَبَيِّنَةُ الْمُنْكِرِ إِنَّمَا تُثْبِتُ ظَاهِرًا تَدُل الْيَدُ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَكُنْ مُفِيدَةً؛ وَلأَِنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنِدُهَا رُؤْيَةَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفَ، فَإِِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ، فَصَارَتِ الْبَيِّنَةُ بِمَنْزِل الْيَدِ الْمُجَرَّدَةِ، فَتُقَدَّمُ عَلَيْهَا بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي، كَمَا تٌقَدَّمُ عَلَى الْيَدِ، كَمَا أَنَّ شَاهِدَيِ الْفَرْعِ لَمَّا كَانَا مَبْنِيَّيْنِ عَلَى شَاهِدَيِ الأَْصْل، لَمْ تَكُنْ لَهُمَا مَزِيَّةٌ عَلَيْهِمَا.
وَإِِذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ شَاةٌ، فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ، وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً. وَادَّعَى الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ أَنَّهَا فِي يَدِهِ مُنْذُ سِنِينَ، وَأَقَامَ لِذَلِكَ بَيِّنَةً، فَهِيَ لِلْمُدَّعِي بِغَيْرِ خِلاَفٍ، لأَِنَّ بَيِّنَتَهُ تَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَبَيِّنَةُ الدَّاخِل تَشْهَدُ لَهُ بِالْيَدِ خَاصَّةً، فَلاَ تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، لإِِِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِأَنْ تَكُونَ الْيَدُ عَلَى غَيْرِ مِلْكٍ، فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ أَوْلَى. فَإِِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ، فَقَدْ تَعَارَضَ تَرْجِيحَانِ: فَقُدِّمَ التَّارِيخُ مِنْ جِهَةِ بَيِّنَةِ الدَّاخِل، وَكَوْنُ الأُْخْرَى بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ، وَهُوَ قَوْل صَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَالثَّانِيَةُ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِل، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لأَِنَّهَا تَضَمَّنَتْ زِيَادَةً (12) . تَعَارُضُ الأَْدِلَّةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى:
12 - الْمُقَرَّرُ شَرْعًا: أَنَّ الْحُدُودَ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ، فَإِِذَا أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ تَامَّةٌ عَلَى فِعْلٍ كَالزِّنَى مَثَلاً، وَعَارَضَتْهَا بَيِّنَةٌ وَلَوْ أَقَل مِنْهَا بِعَدَمِ الْفِعْل قُدِّمَتْ، وَذَلِكَ اسْتِنَادًا إِِلَى قَوْلِهِ ﷺ: ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ (13) بَل قَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَادَّعَى شُبْهَةً مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، سَقَطَ الْحَدُّ (14) .
وَلِلْمَالِكِيَّةِ تَفْصِيلٌ، قَالُوا: إِِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ زَنَى عَاقِلاً، وَشَهِدَتِ الأُْخْرَى بِأَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا: إِنْ كَانَ الْقِيَامُ عَلَيْهِ (أَيِ الاِدِّعَاءِ) وَهُوَ عَاقِلٌ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْعَقْل. وَإِِنْ كَانَ الْقِيَامُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَجْنُونٌ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْجُنُونِ، فَاعْتَبَرُوا شَهَادَةَ الْحَال فِي التَّرْجِيحِ.
وَقَال ابْنُ اللَّبَّادِ: يُعْتَبَرُ وَقْتُ الرُّؤْيَةِ لاَ وَقْتُ الْقِيَامِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ ظَاهِرُ الْحَال. وَنُقِل عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إِثْبَاتُ الزِّيَادَةِ، فَإِِذَا شَهِدَتْ
إِحْدَاهُمَا: بِالْقَتْل أَوِ السَّرِقَةِ أَوِ الزِّنَى، وَشَهِدَتِ الأُْخْرَى: أَنَّهُ كَانَ فِي مَكَان بَعِيدٍ أَنَّهُ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْقَتْل وَنَحْوِهِ؛ لأَِنَّهَا مُثْبِتَةٌ زِيَادَةً، وَلاَ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ. قَال سَحْنُونٌ: إِلاَّ أَنْ يَشْهَدَ الْجَمْعُ الْعَظِيمُ - كَالْحَجِيجِ وَنَحْوِهِمْ - أَنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، أَوْ صَلَّى بِهِمُ الْعِيدَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ؛ لأَِنَّ هَؤُلاَءِ لاَ يُشْتَبَهُ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُ، بِخِلاَفِ الشَّاهِدَيْنِ (15) .

تَعَارُضُ تَعْدِيل الشُّهُودِ وَتَجْرِيحِهِمُ:
13 - اعْتِبَارُ الْعَدَالَةِ فِي الشَّاهِدِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِهَذَا لَوْ رَضِيَ الْخَصْمُ بِأَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِقَوْل فَاسِقٍ لَمْ يَجُزِ الْحُكْمُ بِهِ. وَالْعَدَالَةُ أَوِ التَّجْرِيحُ لاَ يَثْبُتُ كُلٌّ مِنْهُمَا إِلاَّ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، خِلاَفًا لأَِبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، فَيَثْبُتُ كُلٌّ مِنَ التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيحِ عِنْدَهُمَا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ. وَسَبَبُ الْخِلاَفِ هَل هُمَا شَهَادَةٌ أَوْ إِخْبَارٌ؟ فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ: شَهَادَةٌ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: إِخْبَارٌ، فَيَكْفِي الْوَاحِدُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ، وَنِصَابُ الشَّهَادَةِ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلاَنِيَةِ.
فَلَوْ عَدَّل الشَّاهِدَ اثْنَانِ، وَجَرَّحَهُ اثْنَانِ، فَالْجَرْحُ أَوْلَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا: بِأَنَّ الْجَارِحَ مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ خَفِيَتْ عَلَى الْمُعَدِّل، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ؛ لأَِنَّ التَّعْدِيل يَتَضَمَّنُ تَرْكَ الرِّيَبِ وَالْمَحَارِمِ، وَالْجَارِحُ مُثْبِتٌ لِوُجُودِ ذَلِكَ، وَالإِِْثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ؛ وَلأَِنَّ الْجَارِحَ يَقُول: رَأَيْتُهُ يَفْعَل كَذَا، وَالْمُعَدِّل مُسْتَنَدُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ يَفْعَل، وَيُمْكِنُ صِدْقُهُمَا، وَالْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلَيْهِمَا: بِأَنْ يَرَاهُ الْجَارِحُ يَفْعَل الْمَعْصِيَةَ، وَلاَ يَرَاهُ الْمُعَدِّل، فَيَكُونُ مَجْرُوحًا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لاَ بُدَّ فِي الْجَرْحِ مِنْ ذِكْرِ السَّبَبِ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ فِي التَّعْدِيل. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْمُزَكِّيَ يَقُول فِي الشَّاهِدِ الْمَجْرُوحِ " وَاللَّهُ أَعْلَمُ " وَلاَ يَزِيدُ عَلَى هَذَا؛ لأَِنَّ فِي ذِكْرِ فِسْقِهِ هَتْكَ عِرْضِهِ، وَقَدْ أُمِرْنَا بِالسَّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَهَذَا كُلُّهُ إِِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْقَاضِي حَال الشُّهُودِ، إِذْ إِنَّهُ إِِذَا كَانَ يَعْلَمُ حَكَمَ بِمُقْتَضَى عِلْمِهِ (16) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ عَدَّلَهُ شَاهِدَانِ رَجُلاَنِ وَجَرَّحَهُ آخَرَانِ، فَفِي ذَلِكَ قَوْلاَنِ، قِيل: يُقْضَى بِأَعْدَلِهِمَا، لاِسْتِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَقِيل: يُقْضَى بِشَهَادَةِ الْجَرْحِ، لأَِنَّ شُهُودَ الْجَرْحِ زَادُوا عَلَى شُهُودِ التَّعْدِيل، إِذِ الْجَرْحُ يَبْطُنُ، فَلاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ كُل النَّاسِ، بِخِلاَفِ الْعَدَالَةِ.
وَلِلَّخْمِيِّ تَفْصِيلٌ، قَال: إِنْ كَانَ اخْتِلاَفُ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي فِعْل شَيْءٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، كَدَعْوَى إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ: أَنَّهُ فَعَل كَذَا، فِي وَقْتِ كَذَا، وَقَالَتِ الْبَيِّنَةُ الأُْخْرَى: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ، فَإِِنَّهُ يُقْضَى بِأَعْدَلِهِمَا. وَإِِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ قُضِيَ بِشَهَادَةِ الْجَرْحِ؛ لأَِنَّهَا زَادَتْ عِلْمًا فِي الْبَاطِنِ. وَإِِنْ تَبَاعَدَ مَا بَيْنَ الْمَجْلِسَيْنِ قُضِيَ بِآخِرِهِمَا تَارِيخًا، وَيُحْمَل عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَدْلاً فَفَسَقَ، أَوْ فَاسِقًا فَتَزَكَّى، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي وَقْتِ تَقْيِيدِ الْجَرْحِ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ، فَبَيِّنَةُ الْجَرْحِ مُقَدَّمَةٌ؛ لأَِنَّهَا زَادَتْ (17) .

تَعَارُضُ احْتِمَال بَقَاءِ الإِِْسْلاَمِ وَحُدُوثِ الرِّدَّةِ:
14 - فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ. وَأَكْثَرُ الْمَذَاهِبِ تَوَسُّعًا فِيهِ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ: إِذْ قَالُوا: لاَ يُخْرِجُ الرَّجُل مِنَ الإِِْيمَانِ إِلاَّ جُحُودُ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ، ثُمَّ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ رِدَّةٌ يُحْكَمُ بِهَا، وَمَا يُشَكُّ أَنَّهُ رِدَّةٌ لاَ يُحْكَمُ بِهَا، إِذِ الإِِْسْلاَمُ الثَّابِتُ لاَ يَزُول بِالشَّكِّ، وَالإِِْسْلاَمُ يَعْلُو. وَيَنْبَغِي لِلْعَالِمِ إِِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ هَذَا أَلاَّ يُبَادِرَ بِتَكْفِيرِ أَهْل الإِِْسْلاَمِ، مَعَ أَنَّهُ يَتَسَاهَل فِي إِثْبَاتِ الإِِْسْلاَمِ، فَيُقْضَى بِصِحَّةِ إِسْلاَمِ الْمُكْرَهِ. وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ صَاحِبِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَوْلَهُ: الْكُفْرُ شَيْءٌ عَظِيمٌ، فَلاَ أَجْعَل الْمُؤْمِنَ كَافِرًا مَتَى وُجِدَتْ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لاَ يَكْفُرُ. وَفِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: إِِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ التَّكْفِيرَ، وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُهُ، فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيل إِِلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَمْنَعُ التَّكْفِيرَ، تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ، إِلاَّ إِِذَا صَرَّحَ بِإِِرَادَةِ مُوجِبِ الْكُفْرِ، فَلاَ يَنْفَعُهُ التَّأْوِيل. وَلاَ يَكْفُرُ بِالْمُحْتَمَل؛ لأَِنَّ عُقُوبَةَ الْكُفْرِ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ، تَسْتَدْعِي نِهَايَةً فِي الْجِنَايَةِ، وَمَعَ الاِحْتِمَال لاَ نِهَايَةَ فِي الْجِنَايَةِ، وَالَّذِي تَقَرَّرَ: أَنَّهُ لاَ يُفْتَى بِكُفْرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْل كَلاَمِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ، أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ اخْتِلاَفٌ، وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً (18) .
15 - وَفُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى يَقُولُونَ أَيْضًا: إِِذَا قَامَ دَلِيلٌ أَوْ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي عَدَمَ الْقَتْل قُدِّمَتْ. قَالُوا: وَلَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ قُرْبٍ، وَقَال: أَسْلَمْتُ عَنْ ضِيقٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ غُرْمٍ، وَظَهَرَ عُذْرُهُ، فَفِي قَبُول عُذْرِهِ قَوْلاَنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.

هَذَا، وَقَدْ أَوْرَدَ الْفُقَهَاءُ قَوَاعِدَ عَامَّةً فِي التَّعَارُضِ، وَهِيَ إِنْ كَانَتْ أَقْرَب إِِلَى الأُْصُول مِنْهَا إِِلَى الْفِقْهِ، إِلاَّ أَنَّهُ رُتِّبَتْ عَلَيْهَا مَسَائِل فِقْهِيَّةٌ يَسُوغُ ذِكْرُهَا هُنَا (19) .

تَعَارُضُ الأَْحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ فِي الْفِعْل الْوَاحِدِ:
16 - مِنَ الْقَوَاعِدِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الزَّرْكَشِيُّ: أَنَّهُ لَوْ تَعَارَضَ الْحَظْرُ وَالإِِْبَاحَةُ فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ يُقَدَّمُ الْحَظْرُ.
وَمِنْ ثَمَّ لَوْ تَوَلَّدَ الْحَيَوَانُ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ، حَرُمَ أَكْلُهُ، وَإِِذَا ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ وَجَبَ الْجَزَاءُ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ.
وَمِنْهَا: لَوْ تَعَارَضَ الْوَاجِبُ وَالْمَحْظُورُ، يُقَدَّمُ الْوَاجِبُ، كَمَا إِِذَا اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَى الْكُفَّارِ، وَجَبَ غَسْل الْجَمِيعِ، وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِمْ. وَكَذَلِكَ اخْتِلاَطُ الشُّهَدَاءِ بِغَيْرِهِمْ. وَإِِنْ كَانَ الشَّهِيدُ لاَ يُغَسَّل، وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ، إِلاَّ أَنَّهُ يُنْوَى الصَّلاَةُ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا. وَلَوْ أَسْلَمَتِ الْمَرْأَةُ وَجَبَ عَلَيْهَا الْهِجْرَةُ إِِلَى دَارِ الإِِْسْلاَمِ، وَلَوْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا، وَإِِنْ كَانَ سَفَرُهَا وَحْدَهَا فِي الأَْصْل حَرَامًا. وَيُعْذَرُ الْمُصَلِّي فِي التَّنَحْنُحِ إِِذَا تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ الْوَاجِبَةُ.
17 - وَمِنَ الْقَوَاعِدِ: مَا لَوْ تَعَارَضَ وَاجِبَانِ، قُدِّمَ آكَدُهُمَا، فَيُقَدَّمُ فَرْضُ الْعَيْنِ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ. فَالطَّائِفُ حَوْل الْكَعْبَةِ لاَ يَقْطَعُ الطَّوَافَ لِصَلاَةِ الْجِنَازَةِ. وَلَوِ اجْتَمَعَتْ جِنَازَةٌ وَجُمُعَةٌ وَضَاقَ الْوَقْتُ، قُدِّمَتِ الْجُمُعَةُ. وَمِنْ هَذَا لَيْسَ لِلْوَالِدَيْنِ مَنْعُ الْوَلَدِ مِنْ حَجَّةِ الإِِْسْلاَمِ عَلَى الصَّحِيحِ، بِخِلاَفِ الْجِهَادِ، فَإِِنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِرِضَاهُمَا، لأَِنَّ بِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَفَرْضُ الْعَيْنِ مُقَدَّمٌ.
18 - وَلَوْ تَعَارَضَتْ فَضِيلَتَانِ، يُقَدَّمُ أَفْضَلُهُمَا، فَلَوْ تَعَارَضَ الْبُكُورُ إِِلَى الْجُمُعَةِ بِلاَ غُسْلٍ وَتَأْخِيرُهُ مَعَ الْغُسْل، فَالظَّاهِرُ: أَنَّ تَحْصِيل الْغُسْل أَوْلَى لِلْخِلاَفِ فِي وُجُوبِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ (20) .
19 - وَمِنْ فُرُوعِ قَاعِدَةِ تَعَارُضِ الْحَظْرِ وَالإِِْبَاحَةِ: مَا إِِذَا تَعَارَضَ دَلِيلاَنِ أَحَدُهُمَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَالآْخَرُ الإِِْبَاحَةَ، قُدِّمَ التَّحْرِيمُ. وَعَلَّلَهُ الأُْصُولِيُّونَ بِتَقْدِيمِ النَّسْخِ؛ لأَِنَّهُ لَوْ قُدِّمَ الْمُبِيحُ لَلَزِمَ تَكْرَارُ النَّسْخِ، لأَِنَّ الأَْصْل فِي الأَْشْيَاءِ الإِِْبَاحَةُ، فَلَوْ جُعِل الْمُبِيحُ مُتَأَخِّرًا كَانَ الْمُحَرَّمُ نَاسِخًا لِلإِِْبَاحَةِ الأَْصْلِيَّةِ، ثُمَّ يَصِيرُ مَنْسُوخًا بِالْمُبِيحِ، وَلَوْ جُعِل الْمُحَرَّمُ مُتَأَخِّرًا كَانَ نَاسِخًا لِلْمُبِيحِ، وَهُوَ لَمْ يَنْسَخْ شَيْئًا لِكَوْنِهِ عَلَى وَفْقِ الأَْصْل، وَلِذَلِكَ قَال عُثْمَانُ ﵁ - لَمَّا سُئِل عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الأُْخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ - أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، وَالتَّحْرِيمُ أَحَبُّ إِلَيْنَا. قَالُوا: وَإِِنَّمَا كَانَ التَّحْرِيمُ أَحَبَّ لأَِنَّ فِيهِ تَرْكَ مُبَاحٍ، لاَ اجْتِنَابَ مُحَرَّمٍ، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ (21) .
20 - وَمِنْ أَقْسَامِ التَّعَارُضِ: أَنْ يَتَعَارَضَ أَصْلاَنِ، فَإِِذَا وَقَعَ ذَلِكَ يُعْمَل بِالأَْرْجَحِ مِنْهُمَا، لاِعْتِضَادِهِ بِمَا يُرَجِّحُهُ.
وَمِنْ صُوَرِهِ: مَا إِِذَا جَاءَ بَعْضُ الْعَسْكَرِ بِمُشْرِكٍ، فَادَّعَى الْمُشْرِكُ: أَنَّ الْمُسْلِمَ أَمَّنَهُ، وَأَنْكَرَ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: الْقَوْل قَوْل الْمُسْلِمِ فِي إِنْكَارِ الأَْمَانِ، لأَِنَّ الأَْصْل عَدَمُ الأَْمَانِ.
وَالثَّانِيَةُ: الْقَوْل قَوْل الْمُشْرِكِ، لأَِنَّ الأَْصْل فِي الدِّمَاءِ الْحَظْرُ إِلاَّ بِيَقِينِ الإِِْبَاحَةِ، وَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ هُنَا فِيهَا. وَفِيهِ رِوَايَةٌ
ثَالِثَةٌ: أَنَّ الْقَوْل قَوْل مَنْ يَدُل الْحَال عَلَى صِدْقِهِ مِنْهُمَا، تَرْجِيحًا لأَِحَدِ الأَْصْلَيْنِ بِالظَّاهِرِ الْمُوَافِقِ لَهُ (22) . وَلَوْ تَعَارَضَ الْحِنْثُ وَالْبِرُّ فِي يَمِينٍ، قُدِّمَ الْحِنْثُ عَلَى الْبِرِّ، فَمَنْ حَلَفَ عَلَى الإِِْقْدَامِ عَلَى فِعْل شَيْءٍ أَوْ وُجُودِهِ فَهُوَ عَلَى حِنْثٍ، حَتَّى يَقَعَ الْفِعْل فَيَبَرُّ. وَالْحِنْثُ يَدْخُل عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَقَل الْوُجُوهِ، وَالْبِرُّ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِأَكْمَل الْوُجُوهِ، فَمَنْ حَلَفَ أَنْ يَأْكُل رَغِيفًا لَمْ يَبَرَّ إِلاَّ بِأَكْل الرَّغِيفِ كُلِّهِ، وَإِِنْ حَلَفَ أَلاَّ يَأْكُلَهُ حَنِثَ بِأَكْل بَعْضِهِ (23) .
قَال الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى: وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ: إِِلَى أَنَّ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ يَتَعَارَضَانِ وَيَتَدَافَعَانِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَاصُّ سَابِقًا، وَقَدْ وَرَدَ الْعَامُّ بَعْدَهُ لإِِِرَادَةِ الْعُمُومِ، فَنُسِخَ الْخَاصُّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامُّ سَابِقًا وَقَدْ أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ، ثُمَّ نُسِخَ بِاللَّفْظِ الْخَاصِّ بَعْدَهُ. فَعُمُومُ الرَّقَبَةِ مَثَلاً يَقْتَضِي إِجْزَاءَ الْكَافِرَةِ مَهْمَا أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُؤْمِنَةِ يَقْتَضِي مَنْعَ إِجْزَاءِ الْكَافِرَةِ، فَهُمَا مُتَعَارِضَانِ. وَإِِذَا أَمْكَنَ النَّسْخُ وَالْبَيَانُ جَمِيعًا فَلَمْ يَتَحَكَّمْ بِحَمْلِهِ عَلَى الْبَيَانِ دُونَ النَّسْخِ؟ وَلَمْ يُقْطَعْ بِالْحُكْمِ عَلَى الْعَامِّ بِالْخَاصِّ؟ وَلَعَل الْعَامَّ هُوَ الْمُتَأَخِّرُ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ، وَيُنْسَخُ بِهِ الْخَاصُّ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالأَْصَحُّ عِنْدَنَا: تَقْدِيمُ الْخَاصِّ وَإِِنْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مُمْكِنًا، وَلَكِنَّ تَقْدِيرَ النَّسْخِ مُحْتَاجٌ إِِلَى الْحُكْمِ بِدُخُول الْكَافِرَةِ تَحْتَ اللَّفْظِ، ثُمَّ خُرُوجُهُ عَنْهُ، فَهُوَ إِثْبَاتُ وَضْعٍ، وَرَفْعٌ بِالتَّوَهُّمِ، وَإِِرَادَةُ الْخَاصِّ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ غَالِبٌ مُعْتَادٌ، بَل هُوَ الأَْكْثَرُ، وَالنَّسْخُ كَالنَّادِرِ، فَلاَ سَبِيل إِِلَى تَقْدِيرِهِ بِالتَّوَهُّمِ، وَيَكَادُ يَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ سِيَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَثِيرٌ، فَإِِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ إِِلَى الْحُكْمِ بِالْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَمَا اشْتَغَلُوا بِطَلَبِ التَّارِيخِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ (24) .
وَقِيل عَلَى الشُّذُوذِ: إِنَّهُ يُخَصَّصُ مِنْ طَرِيقِ الْمَفْهُومِ، فَإِِنَّ الرِّجَال يَقْتَضِي مَفْهُومُهُ قَتْل غَيْرِهِمْ، فَإِِذَا لَمْ يَتَنَافَيَا، وَكَانَ لأَِحَدِهِمَا مُنَاسَبَةٌ تَخُصُّهُ فِي مُتَعَلَّقَهِ - كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (25) وقَوْله تَعَالَى: {لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (26) - فَيُضْطَرُّ الْمُحْرِمُ إِِلَى أَكْل الْمَيْتَةِ أَوِ الصَّيْدِ، فَعِنْدَ مَالِكٍ: يَأْكُل الْمَيْتَةَ وَيَتْرُكُ الصَّيْدَ؛ لأَِنَّ كِلَيْهِمَا - وَإِِنْ كَانَ مُحَرَّمًا - إِلاَّ أَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ لَهُ مُنَاسَبَةٌ بِالإِِْحْرَامِ، وَمَفْسَدَتُهُ الَّتِي اعْتَمَدَهَا النَّهْيُ إِنَّمَا هِيَ فِي الإِِْحْرَامِ، وَأَمَّا مَفْسَدَةُ أَكْل الْمَيْتَةِ فَذَلِكَ أَمْرٌ عَامٌّ، لاَ تَعَلُّقَ لَهُ بِخُصُوصِ الإِِْحْرَامِ، وَالْمُنَاسِبُ إِِذَا كَانَ لأَِمْرٍ عَامٍّ - وَهُوَ كَوْنُهَا مَيْتَةً - لاَ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خُصُوصِ الإِِْحْرَامِ مُنَافَاةٌ وَلاَ تَعَلُّقٌ، وَالْمُنَافِي الأَْخَصُّ أَوْلَى بِالاِجْتِنَابِ.
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيل: إِِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُصَلِّي ثَوْبًا يَسْتُرُهُ إِلاَّ حَرِيرًا أَوْ نَجِسًا فَإِِنَّهُ يُصَلِّي فِي الْحَرِيرِ وَيَتْرُكَ النَّجِسَ؛ لأَِنَّ مَفْسَدَةَ النَّجَاسَةِ خَاصَّةٌ بِالصَّلاَةِ، بِخِلاَفِ مَفْسَدَةِ الْحَرِيرِ لاَ تَعَلُّقَ لَهَا بِخُصُوصِ الصَّلاَةِ، وَلاَ مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا.
وَهُنَاكَ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ أُخْرَى تَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي الأُْصُول وَأَبْوَابِ الْفِقْهِ.

تَعَارُضُ الأَْصْل وَالظَّاهِرِ:
21 - الْمُرَادُ بِالأَْصْل: بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، وَالظَّاهِرُ: مَا يَتَرَجَّحُ وُقُوعُهُ.
فَالأَْصْل بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَلِذَا لَمْ يُقْبَل فِي شَغْلِهَا شَاهِدٌ وَاحِدٌ، وَلِذَا كَانَ الْقَوْل قَوْل الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِمُوَافَقَتِهِ الأَْصْل، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، لِدَعْوَاهُ مَا خَالَفَ الأَْصْل، فَإِِذَا اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمُتْلَفِ وَالْمَغْصُوبِ - فَالْقَوْل قَوْل الْغَارِمِ، لأَِنَّ الأَْصْل الْبَرَاءَةُ عَمَّا زَادَ عَنْ قَوْلِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ أَوْ حَقٍّ قَبْل تَفْسِيرِهِ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ، فَالْقَوْل لِلْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ. وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ. وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (27) . وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: الْحُكْمُ عِنْدَهُمْ كَذَلِكَ فِي تَقْدِيمِ الظَّاهِرِ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ. وَلِلشَّافِعِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي غَيْرِ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ، إِذْ قَالُوا: إِنَّ الأَْصْل يُرَجَّحُ جَزْمًا. وَضَابِطُهُ: أَنْ يُعَارِضَهُ احْتِمَالٌ مُجَرَّدٌ. وَمَا يُرَجَّحُ فِيهِ الظَّاهِرُ جَزْمًا، وَضَابِطُهُ: أَنْ يَسْتَنِدَ إِِلَى سَبَبٍ مَنْصُوبٍ شَرْعًا، كَالشَّهَادَةِ تُعَارِضُ الأَْصْل، وَالرِّوَايَةَ، وَالْيَدَ فِي الدَّعْوَى. وَإِِخْبَارُ الثِّقَةِ بِدُخُول الْوَقْتِ. وَمَا يُرَجَّحُ فِيهِ الأَْصْل عَلَى الظَّاهِرِ فِي الأَْصَحِّ، وَضَابِطُهُ: أَنْ يَسْتَنِدَ الاِحْتِمَال إِِلَى سَبَبٍ ضَعِيفٍ، وَمِثْلُهُ الشَّيْءُ الَّذِي لاَ يُتَيَقَّنُ بِنَجَاسَتِهِ، وَلَكِنَّ الْغَالِبَ فِيهِ النَّجَاسَةُ كَثِيَابِ مُدْمِنِ الْخَمْرِ، وَالْقَصَّابِينَ، وَالْكُفَّارِ، وَأَوَانِيهِمْ. وَمَا يُتَرَجَّحُ فِيهِ الظَّاهِرُ عَلَى الأَْصْل، بِأَنْ كَانَ سَبَبًا قَوِيًّا مُنْضَبِطًا، كَمَنْ شَكَّ بَعْدَ الصَّلاَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ فِي تَرْكِ رُكْنٍ غَيْرِ النِّيَّةِ فَالْمَشْهُورُ لاَ يُؤَثِّرُ.
وَالْحَنَابِلَةُ يُقَدِّمُونَ كَغَيْرِهِمُ الظَّاهِرَ، الَّذِي هُوَ حُجَّةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا شَرْعًا، كَالشَّهَادَةِ عَلَى الأَْصْل، وَإِِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، بِأَنْ كَانَ مُسْتَنِدًا إِِلَى الْعُرْفِ أَوِ الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ أَوِ الْقَرَائِنِ أَوْ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَتَارَةً يُعْمَل بِالأَْصْل وَلاَ يُلْتَفَتُ إِِلَى الظَّاهِرِ، وَتَارَةً يُعْمَل بِالظَّاهِرِ وَلاَ يُلْتَفَتُ إِِلَى الأَْصْل، وَتَارَةً يَخْرُجُ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلاَفٌ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:
(1) مَا تُرِكَ فِيهِ الْعَمَل بِالأَْصْل لِلْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهِيَ قَوْل مَنْ يَجِبُ الْعَمَل بِقَوْلِهِ، كَشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ بِشَغْل ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهَذِهِمَحَل إِجْمَاعٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(2) مَا عُمِل فِيهِ بِالأَْصْل، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إِِلَى الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ وَنَحْوِهَا. وَذَلِكَ كَمَا إِِذَا ادَّعَتْ زَوْجَةٌ بَعْدَ طُول مُقَامِهَا مَعَ الزَّوْجِ: أَنَّهَا لَمْ تَصِلْهَا مِنْهُ النَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ، فَإِِنَّ الْقَوْل قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا عِنْدَ الأَْصْحَابِ، لأَِنَّ الأَْصْل مَعَهَا، مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ تُبْعِدُ ذَلِكَ جِدًّا، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الرُّجُوعَ إِِلَى الْعَادَةِ، وَخَرَّجَهُ وَجْهًا مِنَ الْمَسَائِل الْمُخْتَلَفِ فِيهَا.
(3) مَا عُمِل فِيهِ بِالظَّاهِرِ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إِِلَى الأَْصْل، كَمَا إِِذَا شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلاَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ فِي تَرْكِ رُكْنٍ مِنْهَا، فَإِِنَّهُ لاَ يُلْتَفَتُ إِِلَى الشَّكِّ، وَإِِنْ كَانَ الأَْصْل عَدَمَ الإِِْتْيَانِ بِهِ وَعَدَمَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ فِعْل الْمُكَلَّفِينَ لِلْعِبَادَاتِ: أَنْ تَقَعَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَال، فَيُرَجَّحُ هَذَا الظَّاهِرُ عَلَى الأَْصْل، وَلاَ فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ فِي الْمَنْصُوصِ عَنِ الإِِْمَامِ أَحْمَدَ.
(4) مَا خَرَجَ فِيهِ خِلاَفٌ فِي تَرْجِيحِ الظَّاهِرِ عَلَى الأَْصْل وَبِالْعَكْسِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ غَالِبًا عِنْدَ تَقَادُمِ الظَّاهِرِ وَالأَْصْل وَتَسَاوِيهِمَا، وَمِنْ صُوَرِهِ: طَهَارَةُ طِينِ الشَّوَارِعِ، نَصَّ عَلَيْهِ الإِِْمَامُ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ، تَرْجِيحًا لِلأَْصْل، وَهُوَ الطَّهَارَةُ فِي الأَْعْيَانِ كُلِّهَا. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ثَانِيَةٍ: أَنَّهُ نَجِسٌتَرْجِيحًا لِلظَّاهِرِ، وَجَعَلَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ الْمَذْهَبَ (28) .

تَعَارُضُ الْعِبَارَةِ (اللَّفْظِ) وَالإِِْشَارَةِ الْحِسِّيَّةِ:
22 - قَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْعِبَارَةَ تُقَدَّمُ عَلَى الإِِْشَارَةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ. . . إِلَخْ (29) . وَأَحَال شَرْحَ الْحَدِيثِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الرِّوَايَةِ الأُْخْرَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَمَرَّهَا عَلَى أَنْفِهِ، وَقَال: هَذَا وَاحِدٌ فَهَذِهِ رِوَايَةٌ مُفَسِّرَةٌ. قَال الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا يَدُل عَلَى أَنَّ الْجَبْهَةَ الأَْصْل، وَالسُّجُودَ عَلَى الأَْنْفِ تَبَعٌ.
وَقَال ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: قِيل: مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا جُعِلاَ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، وَإِِلاَّ لَكَانَتِ الأَْعْضَاءُ ثَمَانِيَةً. قَال: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يُكْتَفَى بِالسُّجُودِ عَلَى الأَْنْفِ. قَال: وَالْحَقُّ أَنَّ مِثْل هَذَا لاَ يُعَارِضُ التَّصْرِيحَ بِذِكْرِ الْجَبْهَةِ، وَإِِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ فَذَاكَ فِي التَّسْمِيَةِ وَالْعِبَارَةِ، لاَ فِي الْحُكْمِ الَّذِي عَلَيْهِ الأَْمْرُ بِالسُّجُودِ. وَأَيْضًا فَإِِنَّ الإِِْشَارَةَ قَدْ لاَ تُعَيِّنُ الْمُشَارَ إِلَيْهِ، فَإِِنَّهَا إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْجَبْهَةِ لأَِجْل الْعِبَارَةِ، فَإِِذَا تَقَارَبَ مَا فِي الْجَبْهَةِ أَمْكَنَ أَنْ لاَ يُعَيَّنَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ تَعْيِينًا. وَأَمَّا الْعِبَارَةُ: فَإِِنَّهَا مُعَيَّنَةٌ لِمَا وُصِفَتْ لَهُ، فَتَقْدِيمُهُ أَوْلَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ الاِقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِ الْجَبْهَةِ قَال بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، ثُمَّ قَال: وَنَقَل ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ: عَلَى أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ السُّجُودُ عَلَى الأَْنْفِ وَحْدَهُ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِِلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَحْدَهَا.
وَعَنِ الأَْوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِِسْحَاقَ وَابْنِ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ: يَجِبُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ أَيْضًا.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِِذَا اجْتَمَعَتِ الإِِْشَارَةُ إِِلَى شَيْءٍ، وَالْعِبَارَةُ عَنْهُ فِي الْمَهْرِ - فَالأَْصْل أَنَّ الْمُسَمَّى إِِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إِلَيْهِ؛ لأَِنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي الْمُشَارِ إِلَيْهِ ذَاتًا، وَالْوَصْفُ يَتْبَعُهُ، وَإِِنْ كَانَ مِنْ خِلاَفِ جِنْسِهِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى؛ لأَِنَّ الْمُسَمَّى مِثْل الْمُشَارِ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ بِتَابِعٍ لَهُ. وَالتَّسْمِيَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا تُعَرِّفُ الْمَاهِيَّةَ، وَالإِِْشَارَةُ تُعَرِّفُ الذَّاتَ. فَمَنِ اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ، فَإِِذَا هُوَ زُجَاجٌ لاَ يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ، لاِخْتِلاَفِ الْجِنْسِ. وَلَوِ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ فَإِِذَا هُوَ أَخْضَرُ، انْعَقَدَ الْعَقْدُ لاِتِّحَادِ الْجِنْسِ.وَقَال الشَّارِحُونَ: إِنَّ هَذَا الأَْصْل مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ، وَالْبَيْعِ، وَالإِِْجَارَةِ، وَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَلَكِنَّ الإِِْمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ جَعَل الْخَل وَالْخَمْرَ جِنْسًا، فَتَعَلَّقَ بِالْمُشَارِ إِلَيْهِ، فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْل، فِيمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنَ الْخَل، وَأَشَارَ إِِلَى خَمْرٍ. وَلَوْ سَمَّى حَرَامًا، وَأَشَارَ إِِلَى حَلاَلٍ فَلَهَا الْحَلاَل فِي الأَْصَحِّ.
وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَقَال فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ لَهُ بِنْتٌ وَاحِدَةٌ اسْمُهَا عَائِشَةُ: فَقَال الأَْبُ وَقْتَ الْعَقْدِ: زَوَّجْتُ مِنْكَ بِنْتِي فَاطِمَةَ، لاَ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ. وَلَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ حَاضِرَةً فَقَال الأَْبُ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي فَاطِمَةَ هَذِهِ، وَأَشَارَ إِِلَى عَائِشَةَ وَغَلِطَ فِي اسْمِهَا، فَقَال الزَّوْجُ: قَبِلْتُ، جَازَ (30) .
23 - وَمِمَّا سَبَقَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَحْدَهُمْ هُمُ الَّذِينَ قَالُوا بِإِِجْزَاءِ السُّجُودِ عَلَى الأَْنْفِ وَحْدَهُ، تَقْدِيمًا لِلإِِْشَارَةِ عَلَى الْعِبَارَةِ، وَأَنَّ الْجُمْهُورَ يُجْزِئُ عِنْدَهُمُ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ دُونَ الأَْنْفِ، وَأَنَّ الْعِبَارَةَ عِنْدَهُمْ تُقَدَّمُ عَلَى الإِِْشَارَةِ لأَِنَّهَا تُعَيِّنُ الْمُرَادَ، وَالإِِْشَارَةُ قَدْ لاَ تُعَيِّنُهُ (31) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِِذَا اجْتَمَعَتِ الإِِْشَارَةُ وَالْعِبَارَةُ، وَاخْتَلَفَ مُوجِبُهُمَا، غُلِّبَتِ الإِِْشَارَةُ. فَلَوْ قَال: أُصَلِّي خَلْفَ زَيْدٍ هَذَا، أَوْ قَال: أُصَلِّي عَلَى زَيْدٍ هَذَا، فَبَانَ عَمْرًا فَالأَْصَحُّ الصِّحَّةُ. وَلَوْ قَال: زَوَّجْتُكَ فُلاَنَةَ هَذِهِ، وَسَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا صَحَّ قَطْعًا، وَحُكِيَ فِيهِ وَجْهٌ. وَلَوْ قَال: زَوَّجْتُكِ هَذَا الْغُلاَمَ، وَأَشَارَ إِِلَى بِنْتِهِ، نَقَل الرُّويَانِيُّ عَنِ الأَْصْحَابِ صِحَّةَ النِّكَاحِ. تَعْوِيلاً عَلَى الإِِْشَارَةِ. وَهَذَا يَتَّفِقُ وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.
وَلَوْ قَال: زَوَّجْتُكَ هَذِهِ الْعَرَبِيَّةَ، فَكَانَتْ أَعْجَمِيَّةً. أَوْ: هَذِهِ الْعَجُوزَ، فَكَانَتْ شَابَّةً. أَوْ: هَذِهِ الْبَيْضَاءَ، فَكَانَتْ سَوْدَاءَ أَوْ عَكْسُهُ - وَكَذَا الْمُخَالَفَةُ فِي جَمِيعِ وُجُوهِ النَّسَبِ وَالصِّفَاتِ وَالْعُلُوِّ وَالنُّزُول - فَفِي صِحَّةِ النِّكَاحِ قَوْلاَنِ، وَالأَْصَحُّ: الصِّحَّةُ.
وَلَوْ قَال: بِعْتُكَ دَارِي هَذِهِ وَحَدَّدَهَا وَغَلِطَ فِي حُدُودِهَا، صَحَّ الْبَيْعُ. بِخِلاَفِ مَا لَوْ قَال: بِعْتُك الدَّارَ الَّتِي فِي الْمَحَلَّةِ الْفُلاَنِيَّةِ وَحَدَّدَهَا وَغَلِطَ؛ لأَِنَّ التَّعْوِيل هُنَاكَ عَلَى الإِِْشَارَةِ.
وَلَوْ قَال: بِعْتُكَ هَذَا الْفَرَسَ فَكَانَ بَغْلاً أَوْ عَكْسُهُ، فَوَجْهَانِ، وَالأَْصَحُّ هُنَا الْبُطْلاَنُ. وَإِِنَّمَا صُحِّحَ الْبُطْلاَنُ هُنَا تَغْلِيبًا لاِخْتِلاَفِ غَرَضِ الْمَالِيَّةِ. وَصَحَّحَ الصِّحَّةَ فِي الْبَاقِي تَغْلِيبًا لِلإِِْشَارَةِ. وَحِينَئِذٍ يُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنَ الْقَاعِدَةِ.
وَيُضَمُّ إِِلَى هَذِهِ الصُّورَةِ صُوَرٌ، مِنْهَا: مَا لَوْ حَلَفَ لاَ يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ فَكَلَّمَهُ شَيْخًا، أَوْ لاَ يَأْكُل هَذَا الرُّطَبَ فَأَكَلَهُ تَمْرًا، أَوْ لاَ يَدْخُل هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا عَرْصَةً، فَالأَْصَحُّ: أَنَّهُ لاَ يَحْنَثُ. وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى هَذَا الثَّوْبِ الْكَتَّانِ فَبَانَ قُطْنًا،أَوْ عَكْسُهُ، فَالأَْصَحُّ فَسَادُ الْخُلْعِ، وَيُرْجَعُ بِمَهْرِ الْمِثْل.
وَهُنَاكَ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ تَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ (32) .
هَذِهِ جُمْلَةُ قَوَاعِدَ أُصُولِيَّةٍ فِي التَّعَارُضِ، ذُكِرَتْ مَعَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ أَحْكَامٍ.
وَأَمَّا التَّعَارُضُ بَيْنَ الأَْدِلَّةِ فَيُنْظَرُ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
__________
(1) المصباح المنير مادة: " عرض "، وحاشية البناني 2 / 357.
(2) التعريفات للجرجاني.
(3) المصباح المنير مادة: " نزع ".
(4) سورة الأنفال / 4.
(5) التعريفات للجرجاني.
(6) ابن عابدين 4 / 437، دار الطباعة العامر ببولاق.
(7) تبصرة الحكام بهامش فتح العلي المالك 1 / 309.
(8) منهاج الطالبين والقليوبي وعميرة 4 / 343 - 345.
(9) حديث: " البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه " أخرجه الترمذي (3 / 617 ط مصطفى البابي) . والبيهقي (10 / 252 ط دار المعرفة) . وصحح إسناده البغوي في شرح السنة (10 / 101 ط المكتب الإسلامي) .
(10) حديث جابر بن عبد الله: " فقضى بها رسول الله ﷺ. . . " أخرجه البيهقي (10 / 256 ط دار المعارف) . وضعفه ابن التركماني في الجوهر النقي (10 / 256 ط دار المعارف) .
(11) تقدم تخريجه (ف 10) .
(12) المغني 9 / 275 - 281.
(13) حديث: " ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم " أخرجه أبو حنيفة في مسنده (149 ط الأصيل) . قال السخاوي - وعزاه إلى مسند أبي حنيفة وابن عدي - وقال: قال شيخنا: وفي سنده من لا يعرف. (المقاصد الحسنة رقم 46 ط دار الكتب العلمية) .
(14) ابن عابدين 5 / 150، وحاشية الشبراملسي على المنهاج 7 / 431، والمغني 8 / 807.
(15) القرافي 4 / 62.
(16) معين الحكام 105، وقليوبي وعميرة 4 / 307، والمغني 9 / 67.
(17) تبصرة الحكام 1 / 233.
(18) ابن عابدين 3 / 285.
(19) تبصرة الحكام 2 / 250، وقليوبي وعميرة 4 / 176، وشرح منتهى الإرادات 3 / 392.
(20) المنثور في القواعد للزركشي 1 / 337 - 345، وانظر تفسير القرطبي 6 / 320.
(21) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 110.
(22) القواعد لابن رجب 335 - 338.
(23) القوانين الفقهية ص 159 نشر دار الكتاب العربي - بيروت.
(24) المستصفى 2 / 103 - 105 ط دار صادر بيروت.
(25) سورة المائدة / 3.
(26) سورة المائدة / 95.
(27) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 23، والقوانين الفقهية لابن جزي ص 198، والأشباه والنظائر للسيوطي 64، والقواعد 339.
(28) الأشباه للسيوطي ص 64، والقواعد الفقهية لابن رجب القاعدة (159) ص 339 - 343.
(29) حديث: " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة، وأشار بيده على أنفه. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 297 ط السلفية) .
(30) الأشباه والنظائر لابن نجيم 138.
(31) فتح الباري 2 / 296 ط السلفية.
(32) الأشباه والنظائر للسيوطي 314، 315.

الموسوعة الفقهية الكويتية: 184/ 12