الحكيم
اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...
صياغة الإنسان أفكاره، ومشاعره الكامنة بداخله بإشارة معيّنة، أومشافهة، وكتابتها بطريقة منظمة، ومنطقية مصحوبة بالأدلة، والبراهين التي تؤيد أفكار المرء، وآراءه اتجاه موضوع معين، أو مشكلة معينة .
صياغة الإنسان أفكاره، ومشاعره الكامنة بإشارة معيّنة، أو مشافهة، وكتابتها بطريقة منظمة، ومنطقية مصحوبة بالأدلة.
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّعْبِيرُ لُغَةً: التَّبْيِينُ. يُقَال: عَبَّرَ عَمَّا فِي نَفْسِهِ: أَيْ أَعْرَبَ وَبَيَّنَ وَيُقَال لِمَنْ أَعْرَبَ عَنْ عَيِيٍّ: عَبَّرَ عَنْهُ. وَاللِّسَانُ يُعَبِّرُ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ: أَيْ يُبَيِّنُ. وَالاِسْمُ: الْعِبْرَةُ وَالْعِبَارَةُ وَالْعِبَارَةُ. وَخَصَّهُ أَبُو الْبَقَاءِ الْكَفَوِيُّ بِتَعْبِيرِ الرُّؤْيَا، وَهُوَ: الْعُبُورُ مِنْ ظَوَاهِرِهَا إِِلَى بَوَاطِنِهَا وَاسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لَهُ لاَ يَخْرُجُ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ. (1)
طُرُقُ التَّعْبِيرِ:
2 - هُنَاكَ أَكْثَرُ مِنْ طَرِيقٍ لِلتَّعْبِيرِ عَنِ الإِِْرَادَةِ، فَقَدْ يَكُونُ بِالْقَوْل، وَقَدْ يَكُونُ بِالْفِعْل، وَقَدْ يَكُونُ بِالسُّكُوتِ أَوِ الضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ. وَالْفِعْل: إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْمُعَاطَاةِ، أَوْ بِالْكِتَابَةِ، أَوْ بِالإِِْشَارَةِ. أَوَّلاً: التَّعْبِيرُ بِالْقَوْل:
3 - الأَْصْل فِي التَّعْبِيرِ عَنِ الإِِْرَادَةِ: أَنْ يَكُونَ بِالْقَوْل؛ لأَِنَّهُ مِنْ أَوْضَحِ الدَّلاَلاَتِ عَلَى تِلْكَ الإِِْرَادَةِ؛ وَلأَِنَّ الرِّضَا أَوْ عَدَمَهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ قَلْبِيٌّ، لاَ اطِّلاَعَ لَنَا عَلَيْهِ، فَنِيطَ الْحُكْمُ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ الْقَوْل، لِذَلِكَ كَانَتِ الصِّيغَةُ أَوِ الإِِْيجَابُ وَالْقَبُول رُكْنًا فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ، سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الْعُقُودُ مُعَاوَضَاتٍ: كَالْبَيْعِ وَالإِِْجَارَةِ، أَوْ تَبَرُّعَاتٍ: كَالْهِبَةِ وَالإِِْعَارَةِ، أَوِ اسْتِيثَاقَاتٍ: كَالرَّهْنِ، أَوْ مَا تَكُونُ تَبَرُّعًا ابْتِدَاءً وَمُعَاوَضَةً انْتِهَاءً: كَالْقَرْضِ، أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْعُقُودِ كَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلاَقِ. (2)
وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (صِيغَةٌ)
ثَانِيًا: التَّعْبِيرُ بِالْفِعْل:
4 - تَظْهَرُ صُورَةُ التَّعْبِيرِ بِالْفِعْل وَاضِحَةً فِي الْمُعَاطَاةِ، وَذَلِكَ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ أَوِ التَّعَاطِي. وَصُورَتُهُ: أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَيَأْخُذَ الْمَبِيعَ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ وَلاَ قَبُولٍ قَوْلِيَّيْنِ. وَهُوَ مَوْضِعُ خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ) إِِلَى صِحَّتِهِ وَانْعِقَادِهِ بِتِلْكَ الصُّورَةِ؛ لأَِنَّ الْفِعْل يَدُل عَلَى الرِّضَا عُرْفًا. وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْبَيْعِ إِنَّمَا هُوَ أَخْذُ مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ بِعِوَضٍ يَرْضَاهُ، فَلاَ يُشْتَرَطُ الْقَوْل، وَيَكْفِي الْفِعْل بِالْمُعَاطَاةِ.
وَذَهَبَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ: إِِلَى أَنَّ الْبَيْعَ لاَ يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ، لأَِنَّ الْفِعْل لاَ يَدُل بِوَضْعِهِ عَلَى التَّرَاضِي، فَالْمَقْبُوضُ بِهَا كَالْمَقْبُوضِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ، فَيُطَالِبُ كُلٌّ صَاحِبَهُ بِمَا دَفَعَ إِلَيْهِ إِنْ بَقِيَ، أَوْ بِبَدَلِهِ إِنْ تَلِفَ.
وَخَصَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ (كَابْنِ سُرَيْجٍ وَالرُّويَانِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْكَرْخِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ) جَوَازَ بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِالْمُحَقَّرَاتِ، وَهِيَ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ فِيهَا بِالْمُعَاطَاةِ، كَرِطْل خُبْزٍ وَحُزْمَةِ بَقْلٍ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ، بِشَرْطِ عَدَمِ تَأْخِيرِ الْقَبْضِ لِلطَّالِبِ فِي نَحْوِ: خُذْ هَذَا بِدِرْهَمٍ، أَوْ عَدَمِ تَأْخِيرِ الإِِْقْبَاضِ لِلطَّلَبِ نَحْوِ: أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ خُبْزًا لأَِنَّهُ إِِذَا اعْتُبِرَ عَدَمُ التَّأْخِيرِ فِي الإِِْيجَابِ وَالْقَبُول اللَّفْظِيِّ، فَاعْتِبَارُ عَدَمِ التَّأْخِيرِ فِي الْمُعَاطَاةِ أَوْلَى.
قَال الْبُهُوتِيُّ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّأْخِيرَ فِي الْمُعَاطَاةِ مُبْطِلٌ، وَلَوْ كَانَ بِالْمَجْلِسِ وَلَمْ يَتَشَاغَلاَ بِمَا يَقْطَعُهُ لِضَعْفِهَا عَنِ الصِّيغَةِ الْقَوْلِيَّةِ.
وَاعْتَبَرَ الْمَالِكِيَّةُ التَّقَابُضَ فِي الْمُعَاطَاةِ شَرْطَ لُزُومٍ، فَمَنْ أَخَذَ رَغِيفًا مِنْ شَخْصٍ وَدَفَعَ لَهُثَمَنَهُ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ بَدَلِهِ، لِلشَّكِّ فِي التَّمَاثُل. بِخِلاَفِ مَا لَوْ أَخَذَ رَغِيفًا وَلَمْ يَدْفَعْ ثَمَنَهُ، فَيَجُوزُ لَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ بَدَلِهِ؛ لِعَدَمِ لُزُومِ الْبَيْعِ.
وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ: الإِِْقَالَةَ، وَالإِِْجَارَةَ - إِنْ عُلِمَتِ الأُْجْرَةُ - وَالصَّرْفَ، وَالْهِبَةَ، وَالْهَدِيَّةَ، وَنَحْوَهَا. تَصِحُّ وَتَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي، وَنَصُّوا كَذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَبُول فِي الْعَارِيَّةِ يَصِحُّ بِالْفِعْل كَالتَّعَاطِي، وَأَمَّا الإِِْيجَابُ فَلاَ يَصِحُّ بِهِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: كُل إِشَارَةٍ فُهِمَ مِنْهَا الإِِْيجَابُ وَالْقَبُول لَزِمَ بِهَا الْبَيْعُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ الشَّرِكَةَ تَنْعَقِدُ بِالْفِعْل الدَّال عَلَيْهَا كَمَا لَوْ خَلَطَا مَالَيْهِمَا وَبَاعَا.
وَتَمَسَّكَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَصْلِهِمْ، وَهُوَ: عَدَمُ صِحَّةِ الْعَقْدِ بِالْمُعَاطَاةِ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ. إِلاَّ الْعَارِيَّةَ، فَإِِنَّهَا تَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِلَفْظٍ مِنْ أَحَدِهِمَا مَعَ فِعْلٍ مِنَ الآْخَرِ، وَلاَ يَكْفِي الْفِعْل مِنَ الطَّرَفَيْنِ إِلاَّ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، كَمَنِ اشْتَرَى شَيْئًا وَسَلَّمَهُ لَهُ فِي ظَرْفٍ، فَالظَّرْفُ مُعَارٌ فِي الأَْصَحِّ. وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ صِحَّةَ الْهِبَةِ بِالْمُعَاطَاةِ.
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى انْعِقَادِ الإِِْجَارَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالإِِْقَالَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْهِبَةِ بِالْفِعْل كَالتَّعَاطِي، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ الْمَعْنَى، فَجَازَ بِكُل مَا يَدُل عَلَيْهِ. (3) ثَالِثًا: التَّعْبِيرُ بِالْكِتَابَةِ:
5 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ الْعُقُودِ وَانْعِقَادِهَا بِالْكِتَابَةِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْقَبُول أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسِ بُلُوغِ الْكِتَابِ، لِيَقْتَرِنَ بِالإِِْيجَابِ بِقَدْرِ الإِِْمْكَانِ.
وَجَعَل الشَّافِعِيَّةُ الْكِتَابَةَ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ، فَتَنْعَقِدُ بِهَا الْعُقُودُ مَعَ النِّيَّةِ. (4)
وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ عَقْدَ النِّكَاحِ، فَلاَ يَنْعَقِدُ بِالْكِتَابَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) . وَأَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ، (5) بِشَرْطِ إِعْلاَمِ الشُّهُودِ بِمَا فِي الْكِتَابِ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا عَلَى وُقُوعِ الطَّلاَقِ بِالْكِتَابَةِ، لأَِنَّ الْكِتَابَةَ حُرُوفٌ يُفْهَمُ مِنْهَا الطَّلاَقُ، فَأَشْبَهَتِ النُّطْقَ؛ وَلأَِنَّ الْكِتَابَةَ تَقُومُ مَقَامَ قَوْل الْكَاتِبِ، بِدَلِيل أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ مَأْمُورًا بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، فَبَلَّغَ بِالْقَوْل مَرَّةً، وَبِالْكِتَابَةِ أُخْرَى.
وَالْكِتَابَةُ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الطَّلاَقُ إِنَّمَا هِيَ الْكِتَابَةُ الْمُسْتَبِينَةِ، كَالْكِتَابَةِ عَلَى الصَّحِيفَةِ وَالْحَائِطِ وَالأَْرْضِ، عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ فَهْمُهُ وَقِرَاءَتُهُ. وَأَمَّا الْكِتَابَةُ غَيْرُ الْمُسْتَبِينَةِ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْهَوَاءِ وَالْمَاءِ وَشَيْءٍ لاَ يُمْكِنُ فَهْمُهُ وَقِرَاءَتُهُ، فَلاَ يَقَعُ بِهَا الطَّلاَقُ، لأَِنَّ هَذِهِ الْكِتَابَةَ بِمَنْزِلَةِ الْهَمْسِ بِلِسَانِهِ بِمَا لاَ يُسْمَعُ. وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيَّةُ الْكِتَابَةَ بِالطَّلاَقِ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ، فَتَفْتَقِرُ إِِلَى نِيَّةٍ مِنَ الْكَاتِبِ، وَقَصَرَ الْحَنَفِيَّةُ النِّيَّةَ عَلَى الْكِتَابَةِ الْمُسْتَبِينَةِ غَيْرِ الْمَرْسُومَةِ (أَيْ أَنْ لاَ يَكُونَ الْكِتَابُ مُصَوَّرًا وَمُعَنْوَنًا) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ كَتَبَ طَلاَقَهَا بِالصَّرِيحِ وَقَعَ وَإِِنْ لَمْ يَنْوِهِ. وَإِِنْ كَتَبَهُ بِالْكِنَايَةِ فَهُوَ كِنَايَةٌ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنْ كَتَبَهُ عَازِمًا عَلَى الطَّلاَقِ بِكِتَابَتِهِ فَيَقَعُ بِمُجَرَّدِ فَرَاغِهِ مِنْ كِتَابَةِ: هِيَ طَالِقٌ. وَمِثْلُهُ: لَوْ كَتَبَ: إِِذَا جَاءَكَ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَعِنْدَهُمْ قَوْلٌ ثَانٍ: بِأَنْ يُوقَفَ الطَّلاَقُ عَلَى وُصُول الْكِتَابِ، وَقَوَّاهُ الدُّسُوقِيُّ لِتَضَمُّنِ " إِِذَا " مَعْنَى الشَّرْطِ.
وَإِِنْ كَتَبَهُ مُسْتَشِيرًا أَوْ مُتَرَدِّدًا فَلاَ يَقَعُ الطَّلاَقُ، إِلاَّ إِِذَا أَخْرَجَهُ عَازِمًا، أَوْ أَخْرَجَهُ وَلاَ نِيَّةَ لَهُ فَيَقَعُ الطَّلاَقُ بِمُجَرَّدِ إِخْرَاجِهِ. وَأَمَّا إِِذَا أَخْرَجَهُ - وَهُوَ كَذَلِكَ - مُتَرَدِّدًا أَوْ مُسْتَشِيرًا، أَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ، فَإِِمَّا أَنْ يَصِل إِلَيْهَا، وَإِِمَّا أَنْ لاَ يَصِل إِلَيْهَا، فَإِِنْ وَصَل إِلَيْهَا حَنِثَ وَإِِلاَّ فَلاَ. وَأَمَّا إِنْ كَتَبَهُ وَلاَ نِيَّةَ لَهُ أَصْلاً حِينَ الْكِتَابَةِ فَيَلْزَمُهُالطَّلاَقُ، لِحَمْلِهِ عَلَى الْعَزْمِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ خِلاَفًا لِلَّخْمِيِّ. (6)
رَابِعًا: التَّعْبِيرُ بِالإِِْشَارَةِ:
6 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ إِشَارَةَ الأَْخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ تَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ لِلضَّرُورَةِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ يَدُل عَلَى مَا فِي فُؤَادِهِ، كَمَا يَدُل عَلَيْهِ النُّطْقُ مِنَ النَّاطِقِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي إِشَارَةِ غَيْرِ الأَْخْرَسِ. فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) إِِلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهَا فِي الْعُقُودِ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِِلَى أَنَّ إِشَارَةَ النَّاطِقِ مُعْتَبَرَةٌ كَنُطْقِهِ - قَالُوا - وَهِيَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنَ الْمُعَاطَاةِ - لأَِنَّهَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا كَلاَمٌ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {آيَتُكَ أَنْ لاَ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا} (7) وَالرَّمْزُ: الإِِْشَارَةُ. (8)
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (إِشَارَةٌ) . خَامِسًا: التَّعْبِيرُ بِالسُّكُوتِ:
7 - اعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ سُكُوتَ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ تَعْبِيرًا عَنْ رِضَاهَا بِالنِّكَاحِ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ ﵂ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ. إِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِي. قَال: رِضَاهَا صُمَاتُهَا (9) وَأَخْرَجَ الإِِْمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: الأَْيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ، وَإِِذْنُهَا سُكُوتُهَا (10)
وَأَلْحَقُوا بِالسُّكُوتِ الضَّحِكَ وَالْبُكَاءَ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: الْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، فَإِِنْ صَمَتَتْ فَهُوَ إِذْنُهَا، وَإِِنْ أَبَتْ فَلاَ جَوَازَ عَلَيْهَا (11) وَلأَِنَّهَا غَيْرُ نَاطِقَةٍ بِالاِمْتِنَاعِ مَعَ سَمَاعِهَا لِلاِسْتِئْذَانِ، فَكَانَ ذَلِكَ إِذْنًا مِنْهَا.
وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ الْبُكَاءَ إِنْ كَانَ مَعَ الصِّيَاحِ وَالصَّوْتِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِعَدَمِ الرِّضَا.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ عُلِمَ مِنْ بُكَائِهَا أَنَّهُ مَنْعٌ لَمْ تُزَوَّجْ.
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الضَّحِكِ إِنْ كَانَ بِاسْتِهْزَاءٍ؛ لأَِنَّ الضَّحِكَ إِنَّمَا جُعِل إِذْنًا لِدَلاَلَتِهِ عَلَى الرِّضَا، فَإِِذَا لَمْ يَدُل عَلَى الرِّضَا لَمْ يَكُنْ إِذْنًا.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْفَتْحِ: وَالْمُعَوَّل اعْتِبَارُ قَرَائِنِ الأَْحْوَال فِي الْبُكَاءِ وَالضَّحِكِ، فَإِِنْ تَعَارَضَتْ أَوْ أَشْكَل احْتِيطَ. (1)
وَثَمَّةَ تَفْصِيلاَتٌ وَاسْتِثْنَاءَاتٌ تَفْصِيلُهَا فِي (النِّكَاحِ)
__________
(1) لسان العرب والمصباح المنير مادة " عبر "، والكليات كلمة " تعبير " 2 / 103.
(2) ابن عابدين 2 / 262 وما بعدها، 415، 4 / 5 وما بعدها، 171، 339، 483، 502، 508، 5 / 3، والقوانين الفقهية ص 200، 232، 250، 371، 378، ومغني المحتاج 2 / 3 وما بعدها 117، 217، 121، 222، 264، 310، 232، 397، وكشاف القناع 3 / 146، 312، 314، 322، 461، 508، 547، 4 / 62، 298 و 5 / 37.
(3) ابن عابدين 4 / 11 وما بعدها، 502، 508 و 5 / 3 وما بعدها، وحاشية الدسوقي 3 / 3، ومواهب الجليل 4 / 228، 5 / 133، 6 / 53، ومغني المحتاج 2 / 3 وما بعدها، 118، 121، 308، 313، 333، 266، وكشاف القناع 3 / 148 وما بعدها، 250، 462، 508، 555، 4 / 62، 298.
(4) ابن عابدين 4 / 10، وحاشية الدسوقي 3 / 3، ومغني المحتاج 2 / 5، وكشاف القناع 3 / 148، والأشباه والنظائر لابن نجيم 339، والأشباه والنظائر للسيوطي 308. # (2) ابن عابدين 2 / 365، ومواهب الجليل 3 / 419، ومغني المحتاج 3 / 141، وكشاف القناع 5 / 39.
(5) ابن عابدين 2 / 365، ومواهب الجليل 3 / 419، ومغني المحتاج 3 / 141، وكشاف القناع 5 / 39.
(6) حاشية ابن عابدين 2 / 428، وحاشية الدسوقي 2 / 384، ومواهب الجليل 4 / 58، ومغني المحتاج 3 / 284، وكشاف القناع 5 / 248.
(7) سورة آل عمران / 41.
(8) حاشية ابن عابدين 2 / 9، وحاشية الدسوقي 2 / 3، ومواهب الجليل 4 / 58، 229، ومغني المحتاج 2 / 7، 3 / 284، وحاشية الجمل 3 / 11، وكشاف القناع 3 / 364، 6 / 453، والأشباه والنظائر للسيوطي ص 312، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص 343 وما بعدها.
(9) حديث: " رضاها صماتها ". أخرجه البخاري (الفتح 9 / 191 - ط السلفية) .
(10) حديث: " الأيم أحق بنفسها. . . ". أخرجه مسلم (2 / 1037 ط الحلبي) .
(11) حديث: " اليتيمة تستأمر في نفسها، فإن صمتت. . . " أخرجه الترمذي (3 / 408 ط الحلبي) وقال: حديث حسن.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 214/ 12