الخبير
كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...
أن يقال للغير عبارات تتضمن الفرح، والسرور بما حصل له من نعمة، وخير . ومنه القول لمن كان مريضاً : "لِيَهْنِكَ شفاؤك من مرضك ." ، أو القول لمن ولد له مولود : " أقر الله به العيون، وأسعده ". ومن شواهده حديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : "يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ " قَالَ : قُلْتُ : اللهُ، وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : "يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ " قَالَ : قُلْتُ : ﱫﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﱪ البقرة : 255، قَالَ : فَضَرَبَ فِي صَدْرِي، وَقَالَ : "وَاللهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ ." مسلم : 810.
الدُّعَاءُ وَطَلَبُ الـهَنَاءِ لِلْآخرين، تَقُولُ: هَنَّأْتُ فُلاَنًا أُهَنِئُهُ تَهْنِئَةً وَتَهْنِيئًا إِذَا دَعَوْتَ لَهُ بِالهَنَاءِ، وَضِدُّ التَّهْنِئَةِ: التَّعْزِيَةُ، وَأَصْلُ الـهَنَاءُ: إِصَابَةُ خَيْرٍ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ، وَالهَنِئُ: الشَّيْءُ الذِي يَأْتِيكَ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ، وَهَنِئَتِ الْمَاشِيَةُ إِذَا أَصَابَتْ حَظًّا مِنْ بَقْلٍ أَوْ مَرْعَى، وَيُطْلَقُ الهَنَاءُ بِمَعْنَى: الفَرَحِ وَالسَعَادَةِ، وَقَدْ هَنُأَ الرَّجُلُ أَيْ فَرِحَ، وَمِنْ مَعانِي الهَناءِ أَيْضًا: الصَلاَحُ وَالتَّهْنِئَةُ: الإِصْلاَحُ، يُقالُ: هَنَّأَ الطَّعَامَ إِذَا أَصْلَحَهُ، وَشَيْءٌ هَنِيءُ أَيْ صَالِحٌ وسَهْلٌ، وَجَمْعُ التَهْنِئَةُ : تَهَاني.
يَذْكُرُ الفُقَهَاءُ لَفْظَ (التَّهْنِئَةِ) فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى مِنْهَا: كِتَابُ الصَّلاَةِ فِي بَابِ صَلاَة العِيدَيْنِ، وَكِتَابُ اللِّبَاسِ فِي بَابِ آدَابِ اللِّبَاسِ، وَكِتَابُ الأَطْعِمَةِ فِي بَابِ آدَابِ الطَّعَامِ، وَكِتَابُ الجِهَادِ فِي بَابِ أَحْكَامِ أَهْلِ الذِمَّةِ.
هنأ
أن يقال للغير عبارات تتضمن الفرح، والسرور بما حصل له من نعمة، وخير.
* معجم مقاييس اللغة : 6 /68 - مختار الصحاح : 1 /328 - تاج العروس : 1 /512 - معجم مقاييس اللغة : 6 /68 - دليل الفالحين : 1 /132 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف : 2 /200 - التعريفات للجرجاني : ص39 - الكليات : 1 /413 - الفروق اللغوية : ص259 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج : 6 /203 - مواهب الـجليل : 3 /408 -
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّهْنِئَةُ فِي اللُّغَةِ خِلاَفُ التَّعْزِيَةِ، يُقَال: هَنَّأَهُ بِالأَْمْرِ وَالْوِلاَيَةِ تَهْنِئَةً وَتَهْنِيئًا إِذَا قَال لَهُ: لِيَهْنِئَك وَلِيَهْنِيكَ، أَوْ هَنِيئًا، وَيُقَال: هَنَّأَهُ تَهْنِئَةً وَتَهْنِيًا. وَالْهَنِيءُ وَالْمَهْنَأُ: مَا أَتَاك بِلاَ مَشَقَّةٍ وَلاَ تَنْغِيصٍ وَلاَ كَدَرٍ.
وَالْهَنِيءُ مِنَ الطَّعَامِ: السَّائِغُ، وَاسْتَهْنَأْتُ الطَّعَامَ اسْتَمْرَأْتُهُ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: لاَ تَخْرُجُ التَّهْنِئَةُ - فِي الْجُمْلَةِ - عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، لَكِنَّهَا فِي مَوَاطِنِهَا قَدْ تَكُونُ لَهَا مَعَانٍ أَخَصُّ كَالتَّبْرِيكِ، وَالتَّبْشِيرِ، وَالتَّرْفِئَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَرِدُ ذِكْرُهُ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التَّبْرِيكُ:
2 - التَّبْرِيكُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ بَرَّكَ، يُقَال: بَرَّكْتُ عَلَيْهِ تَبْرِيكًا أَيْ قُلْت لَهُ: بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْك، وَبَارَكَ اللَّهُ الشَّيْءَ وَبَارَكَ فِيهِ وَعَلَيْهِ: وَضَعَ فِيهِ الْبَرَكَةَ، وَيَكُونُ مَعْنَى التَّبْرِيكِ عَلَى هَذَا: الدُّعَاءَ لِلإِْنْسَانِ أَوْ غَيْرِهِ بِالْبَرَكَةِ، وَهِيَ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ وَالسَّعَادَةُ (2) .
وَالتَّبْرِيكُ فِي الاِصْطِلاَحِ: الدُّعَاءُ بِالْبَرَكَةِ وَهِيَ الْخَيْرُ الإِْلَهِيُّ الَّذِي يَصْدُرُ مِنْ حَيْثُ لاَ يُحِسُّ، وَعَلَى وَجْهٍ لاَ يُحْصَى وَلاَ يُحْصَرُ، وَلِذَا قِيل لِكُل مَا يُشَاهَدُ مِنْهُ زِيَادَةٌ غَيْرُ مَحْسُوسَةٍ: هُوَ مُبَارَكٌ، وَفِيهِ بَرَكَةٌ، وَإِلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ أُشِيرُ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ (3) .
ب - التَّبْشِيرُ:
3 - وَهُوَ مَصْدَرُ بَشَّرَ، وَمَعْنَاهُ لُغَةً: الإِْخْبَارُ بِالْخَيْرِ، وَقَدْ يُسْتَعْمَل فِي الإِْخْبَارِ بِالشَّرِّ إِذَا قُيِّدَ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (4) ، وَالاِسْمُ: الْبِشَارَةُ، وَالْبِشَارَةُ - بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ - وَالْبِشَارَةُ إِذَا أُطْلِقَتِ اخْتُصَّتْ بِالْخَيْرِ. وَالْبِشَارَةُ - بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ - أَيْضًا: مَا يُعْطَاهُ الْمُبَشِّرُ بِالأَْمْرِ (5) .
وَالتَّبْشِيرُ فِي الاِصْطِلاَحِ لاَ يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَخَصَّ بَعْضُهُمُ الْبِشَارَةَ بِأَنَّهَا الْخَبَرُ الَّذِي لاَ يَكُونُ عِنْدَ الْمُبَشَّرِ عِلْمٌ بِهِ: فَقَدْ عَرَّفَهَا الْعَسْكَرِيُّ بِأَنَّهَا: أَوَّل مَا يَصِل إِلَيْك مِنَ الْخَبَرِ السَّارِّ فَإِذَا وَصَل إِلَيْك ثَانِيًا لَمْ يُسَمَّ بِشَارَةً، وَأَضَافَ: وَلِهَذَا قَال الْفُقَهَاءُ: إِنَّ مَنْ قَال مَنْ بَشَّرَنِي مِنْ عَبِيدِي بِمَوْلُودٍ فَهُوَ حُرٌّ أَنَّهُ يُعْتَقُ أَوَّل مَنْ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ.
وَوُجُودُ الْمُبَشَّرِ بِهِ وَقْتَ الْبِشَارَةِ لَيْسَ بِلاَزِمٍ (6) بِدَلِيل قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقِ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} (7) وَتَفْصِيل أَحْكَامِ التَّبْشِيرِ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (بِشَارَةٌ) ج 8 ص 93
ج - التَّرْفِئَةُ:
4 - مَصْدَرُ رَفَأَ، يُقَال: رَفَّاهُ تَرْفِئَةً وَتَرْفِيًا، وَرَفَّأَهُ تَرْفِئَةً وَتَرْفِيئًا أَيْ دَعَا لَهُ وَقَال: بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ، أَيْ: بِالاِلْتِئَامِ وَجَمْعِ الشَّمْل؛ لأَِنَّ أَصْل الرَّفْءِ الاِجْتِمَاعُ وَالتَّلاَؤُمُ، وَمِنْهُ رَفَأَ أَيْ تَزَوَّجَ (8) .
وَعَلَى هَذَا تَكُونُ التَّرْفِئَةُ فِي اللُّغَةِ: التَّهْنِئَةَ بِالنِّكَاحِ.
وَلاَ يَخْرُجُ مَعْنَاهَا فِي الاِصْطِلاَحِ عَنِ الْمَعْنَى فِي اللُّغَةِ.
وَالتَّرْفِئَةُ أَخَصُّ مِنَ التَّهْنِئَةِ؛ لأَِنَّ التَّرْفِئَةَ هِيَ التَّهْنِئَةُ بِالنِّكَاحِ خَاصَّةً، أَمَّا التَّهْنِئَةُ فَتَكُونُ بِالنِّكَاحِ أَوْ بِغَيْرِهِ
. الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
5 - التَّهْنِئَةُ مُسْتَحَبَّةٌ فِي الْجُمْلَةِ؛ لأَِنَّهَا مُشَارَكَةٌ بِالتَّبْرِيكِ وَالدُّعَاءِ - مِنِ الْمُسْلِمِ لأَِخِيهِ الْمُسْلِمِ فِيمَا يَسُرُّهُ وَيُرْضِيهِ؛ وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّوَادِّ، وَالتَّرَاحُمِ، وَالتَّعَاطُفِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ تَهْنِئَةُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا يَنَالُونَ مِنْ نَعِيمٍ، وَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (9) .
وَالتَّهْنِئَةُ تَكُونُ بِكُل مَا يُسِرُّ وَيُسْعِدُ مِمَّا يُوَافِقُ شَرْعَ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْ ذَلِكَ: التَّهْنِئَةُ بِالنِّكَاحِ، وَالتَّهْنِئَةُ بِالْمَوْلُودِ، وَالتَّهْنِئَةُ بِالْعِيدِ وَالأَْعْوَامِ وَالأَْشْهُرِ، وَالتَّهْنِئَةُ بِالْقُدُومِ مِنَ السَّفَرِ، وَالتَّهْنِئَةُ بِالْقُدُومِ مِنَ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ، وَالتَّهْنِئَةُ بِالطَّعَامِ، وَالتَّهْنِئَةُ بِالْفَرَجِ بَعْدَ الشِّدَّةِ.
أَوَّلاً: التَّهْنِئَةُ بِالنِّكَاحِ:
6 - وَهِيَ الدُّعَاءُ لِلزَّوْجِ أَوْ لِلزَّوْجَةِ أَوْ لَهُمَا بِالْبَرَكَةِ وَالاِلْتِئَامِ وَجَمْعِ الشَّمْل وَالذُّرِّيَّةِ الطَّيِّبَةِ.
وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّهْنِئَةِ بِالنِّكَاحِ: أَيِ الدُّعَاءِ لِلزَّوْجِ أَوْ لِلزَّوْجَةِ أَوْ لَهُمَا بِالسُّرُورِ وَعَدَمِ الْكَدَرِ (10) . لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ﵁ أَثَرَ صُفْرَةٍ فَقَال: مَا هَذَا؟ قَال: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَال ﷺ: بَارَكَ اللَّهُ لَك، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ (11) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِمَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ ﷺ قَال لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵁ حِينَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ: بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْك (12) .
وَاسْتِحْبَابُ التَّهْنِئَةِ ثَابِتٌ فِي حَقِّ مَنْ حَضَرَ النِّكَاحَ سَوَاءٌ الْوَلِيُّ أَوْ غَيْرُهُ، وَيَنْبَغِي ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْ إِذَا لَقِيَ الزَّوْجَ.
وَتَكُونُ التَّهْنِئَةُ عَقِبَ عَقْدِ النِّكَاحِ وَالدُّخُول، وَيَطُول وَقْتُهَا بِطُول الزَّمَنِ عُرْفًا وَذَلِكَ لِمَنْ حَضَرَ الْعَقْدَ أَوِ الدُّخُول، أَمَّا مَنْ لَمْ يَحْضُرْ فَتُسْتَحَبُّ لَهُ التَّهْنِئَةُ إِذَا لَقِيَ الزَّوْجَ مَا لَمْ تَطُل الْمُدَّةُ فِي عُرْفِ النَّاسِ (13) .
صِيغَةُ التَّهْنِئَةِ بِالنِّكَاحِ:
7 - وَلَفْظُ تَهْنِئَةِ الزَّوْجِ بِالنِّكَاحِ: بَارَكَ اللَّهُ لَك، وَبَارَكَ عَلَيْك، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثَيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ - السَّابِقَيْنِ - وَلِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا رَفَّأَ إِنْسَانًا تَزَوَّجَ قَال: بَارَكَ اللَّهُ لَك، وَبَارَكَ عَلَيْك، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ (14) .
وَلَفْظُ تَهْنِئَةِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ: بَارَكَ اللَّهُ لِكُل وَاحِدٍ مِنْكُمَا فِي صَاحِبِهِ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ (15) .
8 - وَكَانَتِ التَّرْفِئَةُ بِالنِّكَاحِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِلَفْظِ: بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ، وَجَاءَتِ الأَْحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ بِالأَْلْفَاظِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا، وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ التَّرْفِئَةِ بِلَفْظِ، بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ التَّرْفِئَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ لاَ كَرَاهَةَ فِيهَا، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُقَال فِي التَّرْفِئَةِ: بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ (16) ، وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَقِيل بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي جُشَمَ فَقَالُوا: بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ، فَقَال: لاَ تَقُولُوا هَكَذَا، وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِمْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: لاَ تَقُولُوا ذَلِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ نَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، قُولُوا: بَارَكَ اللَّهُ لَهَا فِيك، وَبَارَكَ لَك فِيهَا (17) .
وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ النَّهْيِ عَنِ التَّرْفِئَةِ بِلَفْظِ (بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ) ، فَقِيل: لأَِنَّهُ لاَ حَمْدَ فِيهِ وَلاَ ثَنَاءَ وَلاَ ذِكْرَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقِيل: لِمَا فِيهِ مِنَ الإِْشَارَةِ إِلَى بُغْضِ الْبَنَاتِ لِتَخْصِيصِ الْبَنِينَ بِالذِّكْرِ، وَإِلاَّ فَهُوَ دُعَاءٌ بِالاِلْتِئَامِ وَالاِئْتِلاَفِ فَلاَ كَرَاهَةَ فِيهِ، وَقَال ابْنُ الْمُنِيرِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ ﷺ كَرِهَ اللَّفْظَ لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ الْجَاهِلِيَّةِ لأَِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَهُ تَفَاؤُلاً لاَ دُعَاءً. فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ قِيل بِصُورَةِ الدُّعَاءِ لَمْ يُكْرَهْ كَأَنْ يَقُول: اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَهُمَا وَارْزُقْهُمَا بَنِينَ صَالِحِينَ (18) .
ثَانِيًا: التَّهْنِئَةُ بِالْمَوْلُودِ:
9 - التَّهْنِئَةُ بِالْمَوْلُودِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَتَكُونُ عِنْدَ الْوِلاَدَةِ، وَالأَْوْجَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ امْتِدَادُ زَمَنِهَا ثَلاَثًا بَعْدَ الْعِلْمِ أَوِ الْقُدُومِ مِنَ السَّفَرِ (19) . وَلَفْظُهَا الَّذِي يَقُولُهُ الْمُهَنِّئُ لِوَالِدِ الْمَوْلُودِ وَنَحْوِهِ، بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي الْوَلَدِ الْمَوْهُوبِ، وَشَكَرْتَ الْوَاهِبَ، وَبَلَغَ أَشُدَّهُ، وَرُزِقْتَ بِرَّهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحُسَيْنِ ﵁ أَنَّهُ عَلَّمَ إِنْسَانًا التَّهْنِئَةَ فَقَال: قُل بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي الْمَوْهُوبِ لَكَ، وَشَكَرْتَ الْوَاهِبَ، وَبَلَغَ أّشُدَّهُ، وَرُزِقْت بِرَّهُ، وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ.
وَيُسْتَحَبُّ لَلْمُهَنَّأِ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْمُهَنِّئِ فَيَقُول: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، وَرَزَقَكَ مِثْلَهُ، أَوْ: أَجْزَل اللَّهُ ثَوَابَك، وَنَحْوَ هَذَا (20) .
ثَالِثًا: التَّهْنِئَةُ بِالْعِيدِ وَالأَْعْوَامِ وَالأَْشْهُرِ:
10 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّهْنِئَةِ بِالْعِيدِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ.
فَقَال صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ - مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - إِنَّ التَّهْنِئَةَ بِالْعِيدِ بِلَفْظِ " يَتَقَبَّل اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ " لاَ تُنْكَرُ.
وَعَقَّبَ ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّمَا قَال - أَيْ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ - كَذَلِكَ لأَِنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ فِيهَا شَيْءٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَقَال الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ: بَل الأَْشْبَهُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ فِي الْجُمْلَةِ، ثُمَّ سَاقَ آثَارًا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي فِعْل ذَلِكَ، ثُمَّ قَال: وَالْمُتَعَامَل فِي الْبِلاَدِ الشَّامِيَّةِ وَالْمِصْرِيَّةِ: عِيدٌ مُبَارَكٌ عَلَيْكَ وَنَحْوُهُ، وَقَال: يُمْكِنُ أَنْ يُلْحَقَ بِذَلِكَ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالاِسْتِحْبَابِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّلاَزُمِ، فَإِنَّ مَنْ قُبِلَتْ طَاعَتُهُ فِي زَمَانٍ كَانَ ذَلِكَ الزَّمَانُ عَلَيْهِ مُبَارَكًا، عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ الدُّعَاءُ بِالْبَرَكَةِ فِي أُمُورٍ شَتَّى فَيُؤْخَذُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ بِهَا هُنَا أَيْضًا.
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَقَدْ سُئِل الإِْمَامُ مَالِكٌ عَنْ قَوْل الرَّجُل لأَِخِيهِ يَوْمَ الْعِيدِ: تَقَبَّل اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ يُرِيدُ الصَّوْمَ وَفِعْل الْخَيْرِ الصَّادِرِ فِي رَمَضَانَ، وَغَفَرَ اللَّهُ لَنَا وَلَكَ فَقَال: مَا أَعْرِفُهُ وَلاَ أُنْكِرُهُ. قَال ابْنُ حَبِيبٍ: مَعْنَاهُ لاَ يَعْرِفُهُ سُنَّةً وَلاَ يُنْكِرُهُ عَلَى مَنْ يَقُولُهُ؛ لأَِنَّهُ قَوْلٌ حَسَنٌ لأَِنَّهُ دُعَاءٌ، حَتَّى قَال الشَّيْخُ الشَّبِيبِيُّ يَجِبُ الإِْتْيَانُ بِهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِهِ مِنَ الْفِتَنِ وَالْمُقَاطَعَةِ. وَيَدُل لِذَلِكَ مَا قَالُوهُ فِي الْقِيَامِ لِمَنْ يَقْدَمُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ قَوْل النَّاسِ لِبَعْضِهِمْ فِي الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ: عِيدٌ مُبَارَكٌ، وَأَحْيَاكُمُ اللَّهُ لأَِمْثَالِهِ، لاَ شَكَّ فِي جَوَازِ كُل ذَلِكَ بَل لَوْ قِيل بِوُجُوبِهِ لَمَا بَعُدَ؛ لأَِنَّ النَّاسَ مَأْمُورُونَ بِإِظْهَارِ الْمَوَدَّةِ وَالْمَحَبَّةِ لِبَعْضِهِمْ (21) .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ نَقَل الرَّمْلِيُّ عَنِ الْقَمُولِيِّ قَوْلَهُ: لَمْ أَرَ لأَِصْحَابِنَا كَلاَمًا فِي التَّهْنِئَةِ بِالْعِيدِ وَالأَْعْوَامِ وَالأَْشْهُرِ كَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ، لَكِنْ نَقَل الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ عَنِ الْحَافِظِ الْمَقْدِسِيِّ أَنَّهُ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا مُخْتَلِفِينَ فِيهِ، وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ لاَ سُنَّةَ فِيهِ وَلاَ بِدْعَةَ.
ثُمَّ قَال الرَّمْلِيُّ: وَقَال ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلاَنِيُّ: إِنَّهَا مَشْرُوعَةٌ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ الْبَيْهَقِيّ عَقَدَ لِذَلِكَ بَابًا فَقَال: بَابُ مَا رُوِيَ فِي قَوْل النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي يَوْمِ الْعِيدِ: تَقَبَّل اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك، وَسَاقَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَخْبَارٍ وَآثَارٍ ضَعِيفَةٍ لَكِنْ مَجْمُوعُهَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي مِثْل ذَلِكَ، ثُمَّ قَال: وَيُحْتَجُّ لِعُمُومِ التَّهْنِئَةِ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ يَنْدَفِعُ مِنْ نِقْمَةٍ بِمَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ الشُّكْرِ وَالتَّعْزِيَةِ، وَبِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ تَوْبَتِهِ لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكٍ أَنَّهُ لَمَّا بُشِّرَ بِقَبُول تَوْبَتِهِ وَمَضَى إِلَى النَّبِيِّ ﷺ قَامَ إِلَيْهِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَهَنَّأَهُ. وَكَذَلِكَ نَقَل الْقَلْيُوبِيُّ عَنِ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّ التَّهْنِئَةَ بِالأَْعْيَادِ وَالشُّهُورِ وَالأَْعْوَامِ مَنْدُوبَةٌ. قَال الْبَيْجُورِيُّ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (22) .
وَجَاءَ فِي الْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ: قَال أَحْمَدُ ﵀: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَقُول الرَّجُل لِلرَّجُل يَوْمَ الْعِيدِ: تَقَبَّل اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ، وَقَال حَرْبٌ: سُئِل أَحْمَدُ عَنْ قَوْل النَّاسِ فِي الْعِيدَيْنِ: تَقَبَّل اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ قَال: لاَ بَأْسَ بِهِ، يَرْوِيهِ أَهْل الشَّامِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قِيل: وَوَاثِلَةُ بْنُ الأَْسْقَعِ؟ قَال: نَعَمْ، قِيل: فَلاَ تَكْرَهُ أَنْ يُقَال هَذَا يَوْمَ الْعِيدِ؟ قَال: لاَ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَهْنِئَةِ الْعِيدِ أَحَادِيثَ مِنْهَا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ زِيَادٍ قَال: كُنْتُ مَعَ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ فَكَانُوا إِذَا رَجَعُوا مِنَ الْعِيدِ يَقُول بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَقَبَّل اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك، وَقَال أَحْمَدُ: إِسْنَادُ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ جَيِّدٌ (23) .
رَابِعًا: التَّهْنِئَةُ بِالْقُدُومِ مِنَ السَّفَرِ:
11 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ تَهْنِئَةَ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ وَالسَّلاَمَ عَلَيْهِ وَمُعَانَقَتَهُ تَحْسُنُ وَتُسْتَحَبُّ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ تَقْبِيل الْقَادِمِ، وَمُصَافَحَتَهُ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَصُنْعَ وَلِيمَةٍ لَهُ تُسَمَّى النَّقِيعَةَ، وَاسْتِقْبَالَهُ وَتَلَقِّيَهُ. . مَنْدُوبٌ كَذَلِكَ، قَال الشَّعْبِيُّ: وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُول اللَّهِ ﷺ إِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ تَعَانَقُوا، وَقَالَتْ عَائِشَةُ ﵂: قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ وَرَسُول اللَّهِ فِي بَيْتِي، فَأَتَاهُ فَقَرَعَ الْبَابَ، فَقَامَ إلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ يَجُرُّ ثَوْبَهُ فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ (24) .
وَالتَّهْنِئَةُ الْمُسْتَحَبَّةُ لِلْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ تَكُونُ بِلَفْظِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَلَّمَك أَوِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَمَعَ الشَّمْل بِكَ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الأَْلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الاِسْتِبْشَارِ بِقُدُومِ الْقَادِمِ (25) . وَلَمْ نَجِدْ مَنْ يَتَعَرَّضُ لِهَذَا مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
وَيُهَنَّأُ الْقَادِمُ مِنْ سَفَرٍ كَانَ لِلْغَزْوِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيل اللَّهِ تَعَالَى بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ وَالْعِزِّ وَإِقْرَارِ الْعَيْنِ، وَيُقَال لَهُ: مَا وَرَدَ عَلَى لِسَانِ عَائِشَةَ ﵂ أَوْ نَحْوِهِ، فَقَدْ قَالَتْ: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوٍ فَلَمَّا دَخَل اسْتَقْبَلْته عَلَى الْبَابِ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَقُلْت: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَصَرَك وَأَعَزَّك وَأَكْرَمَك (26) .
خَامِسًا: التَّهْنِئَةُ بِالْقُدُومِ مِنَ الْحَجِّ:
12 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ أَنْ يُقَال لِلْحَاجِّ أَوِ الْمُعْتَمِرِ، تَقَبَّل اللَّهُ حَجَّكَ أَوْ عُمْرَتَك، وَغَفَرَ ذَنْبَك، وَأَخْلَفَ عَلَيْك نَفَقَتَك (27) .
التَّهْنِئَةُ بِالأَْكْل وَالشُّرْبِ:
13 - وَالدُّعَاءُ لِلآْكِل وَالشَّارِبِ يَكُونُ بِلَفْظِ هَنِيئًا مَرِيئًا وَنَحْوَهُ، قَال اللَّهُ تَعَالَى {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (28) وَقَال ﷿: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (29) .
التَّهْنِئَةُ بِالنِّعْمَةِ وَدَفْعِ النِّقْمَةِ:
14 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّهْنِئَةِ بِمَا يَحْدُثُ مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ يَنْدَفِعُ مِنْ نِقْمَةٍ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ كَعْبٍ وَتَهْنِئَةِ طَلْحَةَ لَهُ (30) . وَفِيهِ قَوْل كَعْبٍ: فَانْطَلَقْت أَتَأَمَّمُ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنِّئُونَنِي بِالتَّوْبَةِ وَيَقُولُونَ: لِتَهْنِئْكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْك، حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُول اللَّهِ ﷺ جَالِسٌ وَحَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِل حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي، فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ وَيَقُول: أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْك مُنْذُ وَلَدَتْك أُمُّك (31) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ التَّهْنِئَةَ بِالأُْمُورِ وَالنِّعَمِ الدِّينِيَّةِ الْمُتَجَدِّدَةِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَاحْتَجُّوا بِقِصَّةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَمَّا التَّهْنِئَةُ بِالأُْمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَأَجَازَهَا بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ، وَقَال بَعْضُهُمْ: تَحْسُنُ أَوْ تُسْتَحَبُّ. وَلَمْ نَجِدْ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ (32) .
__________
(1) لسان العرب والقاموس المحيط ومعجم مقاييس اللغة 6 / 68.
(2) لسان العرب والقاموس المحيط.
(3) المفردات في غريب القرآن ص44. وحديث أنه " ما نقصت صدقة من مال "، أخرجه مسلم (4 / 2001 ط عيسى الحلبي) .
(4) سورة آل عمران / 21.
(5) لسان العرب والمصباح المنير مادة: " بشر ".
(6) التعريفات ص39، 44، والمفردات في غريب القرآن ص48، والكليات 1 / 413، والفروق في اللغة ص259.
(7) سورة الصافات / 112.
(8) القاموس المحيط ولسان العرب.
(9) سورة الطور / 19
(10) مواهب الجليل 3 / 408، ونهاية المحتاج 6 / 203، والمغني لابن قدامة 6 / 539
(11) حديث: " بارك الله لك، أولم ولو بشاة ". أخرجه البخاري (11 / 190 ط السلفية) ، ومسلم (2 / 1042 ط عيسى الحلبي) وهو من حديث أنس
(12) حديث " بارك الله عليك ". أخرجه البخاري (11 / 190 ط السلفية) ، ومسلم (2 / 1088 ط عيسى الحلبي) ، واللفظ للبخاري وهو من حديث جابر
(13) مواهب الجليل 3 / 408، ونهاية المحتاج 6 / 203
(14) حديث: " بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير " أخرجه أبو داود (2 / 598 - 599 ط عبيد الدعاس) . وابن ماجه (1 / 614 ط عيسى الحلبي) . والترمذي 3 / 400 ط مصطفى الحلبي) . وقال: حديث حسن صحيح
(15) الأذكار ص251، والمغني 6 / 539، ونهاية المحتاج 6 / 203، ونيل الأوطار 6 / 148
(16) ) مواهب الجليل 3 / 408 والأذكار ص251، ونيل الأوطار 6 / 149
(17) حديث " بارك الله لها فيك، وبارك لك فيها "، أخرجه أحمد (1 / 201 ط المكتب الإسلامي) . قال أحمد شاكر: إسناده صحيح (مسند أحمد 3 / 178 - 1738 ط دار المعارف)
(18) عمدة القاري للعيني 20 - 145 - 146، وفتح الباري 9 / 221 - 222، ونيل الأوطار 6 / 148 - 150
(19) المبسوط للسرخسي 7 / 52، وروضة الطالبين 3 / 233، والمغني لابن قدامة 8 / 649، وحاشية الجمل 5 / 267
(20) الأذكار ص256، وحاشية الجمل 5 / 267، المغني لابن قدامة 8 / 650
(21) رد المحتار على الدر المختار 1 / 557، والفواكه الدواني 1 / 322
(22) نهاية المحتاج 2 / 391، ومغني المحتاج 1 / 316، وأسنى المطالب 1 / 283، والقليوبي وعميرة 1 / 310، وحاشية البيجوري 1 / 233.
(23) المغني لابن قدامة 2 / 399، وكشاف القناع 2 / 60.
(24) حديث عائشة ﵂: قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله ﷺ في بيتي. . . . " أخرجه الترمذي (5 / 77 ط الحلبي) وفي إسناده ضعف، تحفة الأحوذي (7 / 523 ط المكتبة السلفية) .
(25) قليوبي وعميرة 2 / 251، 3 / 213، والفتوحات الربانية 5 / 389، 5 / 174، وزاد المعاد 2 / 34، ومطالب أولي النهى 2 / 502، والحاوي للفتاوى للسيوطي 1 / 79.
(26) الفتوحات الربانية 5 / 175. وحديث: " الحمد لله الذي نصرك وأعزك وأكرمك " أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة 142 ط. دائرة المعارف من حديث عائشة، وإسناده صحيح.
(27) قليوبي وعميرة 2 / 151، والفتوحات الربانية على الأذكار النووية 5 / 176، ومطالب أولي النهى2 / 502.
(28) سورة النساء / 4.
(29) سورة الطور / 9.
(30) نهاية المحتاج 2 / 391، ومغني المحتاج 1 / 316، وأسنى المطالب 1 / 283.
(31) القرطبي 8 / 282 - 286. وحديث كعب " أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك. . . . " أخرجه البخاري (8 / 116 ط السلفية) .
(32) الآداب الشرعية 3 / 239، ومطالب أولي النهى 2 / 502.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 95/ 14