الْحَيَاءُ
من معجم المصطلحات الشرعية
خُلُقٌ يَبْعَثُ صاحبه عَلَى اجْتِنَابِ الْقَبِيحِ مِنَ الأْفْعَال، وَالأْقْوَال . ومن أمثلته استحياء المرأة حال استئذانها في النكاح . وأَخْذُ مَال الْغَيْرِ بِسَبَبِ الْحَيَاءِ، أو تركه بسببه . ومن شواهده قوله تَعَالَى : ﱫﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﱪ القصص :25، ومر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على رجل من الأنصار، وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : "دعه؛ فإن الحياء من الإيمان ." البخاري :24
من موسوعة المصطلحات الإسلامية
التعريف اللغوي
الحَياءُ: الحِشْمَةُ، يُقال: حَيِيَ مِنْهُ، واسْتَحيا، حَياءً واسْتِحْياءً، فهو حَيِيٌّ، أي: حَشِمَ واحْتَشمَ. وضِدُّه: الوَقاحَةُ والجُرْأَةُ. وأَصْلُه مِن الحَياةِ التي هي خِلافُ المَوْتِ. ويأْتي الحَياءُ بِمعنى الانْقِباضِ والانْصِرافِ، فيُقال: تَحَيَّا مِنْهُ فُلانٌ، واسْتَحْيا، أي: انْصَرَفَ وانْقَبَضَ. ومِن مَعانِيه أيضًا: الخَجَلُ والهَيْبَةُ والتَّوْبَةُ.
إطلاقات المصطلح
يَرِد مُصْطلَح (حَياء) في مَواطِنَ كَثِيرَةٍ مِن الأَخْلاقِ، منها: باب: تَزْكِيَة النُّفُوسِ، وباب: آداب طَلَبِ العِلِم، وباب: آداب الأُخُوَّةِ والصُّحْبَةِ، وغَيْر ذلك.
جذر الكلمة
حيا
المعنى الاصطلاحي
تَغَيُّرٌ في النَّفْسِ بِسَبَبِ تَعْظِيمٍ ونَحْوِهِ يَمْنَعُها مِن فِعْلِ شَيْءٍ، أو تَرْكِهِ؛ حَذَراً مِن اللَّوْمِ أو الذَّمِّ.
الشرح المختصر
الحَياءُ خُلُقٌ جَلِيلٌ وصِفَةٌ كَرِيمَةٌ تَبْعَثُ الإنسانَ على فِعْلِ الحَسَنِ واجْتِنابِ القَبِيحِ مِن الأَقْوالِ والأَفْعالِ والأَخْلاقِ، ويَمْنَعُ مِن التَّقْصِيرِ في حَقِّ الغَيْرِ، وهو على نَوْعَيْنِ: الأَوَّلُ: نَفْسانِيٌّ أو جِبِلِيٌّ، وهو الذي خَلَقَهُ اللهُ تعالى في النُّفُوس كُلِّها، كالحَياءِ عن كَشْفِ العَوْرَةِ، والجِماع بِحُضُور النَّاسِ، ونحوِ ذلك. الثَّانِي: إِيمانِيٌّ أو كَسْبِيٌّ، وهو ما يمْنَع المُؤْمِنَ مِن فِعْلِ المَعاصِي، أو تَرْكِ الطَّاعاتِ خَوْفاً مِن اللهِ تعالى. ويُقَسِّمُ العُلَماءُ الحَياءَ أيضًا إلى ثَلاثَةِ أَقْسامٍ: 1- حَياءٌ مِن اللهِ، ويكون بِامْتِثالِ أَوامِرِهِ واحتِنابِ نَواهِيهِ. 2- حَياءٌ مِن النّفْسِ، ويكون بِالعِفَّةِ، وكِبَرِ الهِمَّةِ، وصِيانةِ النَّفْسِ في الخَلَواتِ. 3- حَياءٌ مِن غَيْرِهِما: وهو الحَياءُ مِن سائِرِ المَخْلوقاتِ، ويكون بِكَفِّ الأَذَى عنهم، وتَرْكِ المُجاهَرَةِ بِالقَبائِحِ في حُضُورِهِم. والحَياءُ إن كان بِسَبِب احْتِرامٍ أو إِجْلالٍ دون تَرْكٍ لِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ؛ فهو حَسَنٌ مَحْمودٌ، وإن كان مَعَهُ تَرْكٌ لِأَمْرٍ مَشْرُوعٍ، كَتَرْكِ طَلَبِ العِلْمِ، أو عَدَمِ النَّهْيِ عن المُنْكَرِ؛ فهو خَجَلٌ قَبِيحٌ مَذْمُومٌ، وإن سَمَّاهُ بعْضُهُم حَياءً؛ لأنَّ الحَياءَ كُلَّهُ خَيْرٌ.
التعريف اللغوي المختصر
الحَياءُ: الحِشْمَةُ، وضِدُّه: الوَقاحَةُ والجُرْأَةُ، وأَصْلُه مِن الحَياةِ التي هي خِلافُ المَوْتِ.
التعريف
خُلُقٌ يَبْعَثُ صاحبه عَلَى اجْتِنَابِ الْقَبِيحِ مِنَ الأْفْعَال، وَالأْقْوَال.
المراجع
* العين : (3/317)
* الفروق اللغوية : (ص 212)
* المحكم والمحيط الأعظم : (3/399)
* التعريفات للجرجاني : (ص 94)
* معجم مقاليد العلوم في التعريفات والرسوم : (ص 205)
* الآداب الشرعية والمنح المرعية : (2/227)
* الكليات : (ص 404)
* فتح الباري شرح صحيح البخاري : (1/52)
* مدارج السالكين : (2/250)
* فتح الباري شرح صحيح البخاري : (1/157)
* شرح رياض الصالحين لابن عثيمين : (5/535)
* مختار الصحاح : (ص 86)
* لسان العرب : (14/217)
* تاج العروس : (37/511)
* دستور العلماء : (2/48) -
من الموسوعة الكويتية
التَّعْرِيفُ:
1 - الْحَيَاءُ لُغَةً مَصْدَرُ حَيِيَ، وَهُوَ: تَغَيُّرٌ وَانْكِسَارٌ يَعْتَرِي الإِْنْسَانَ مِنْ خَوْفِ مَا يُعَابُ بِهِ وَيُذَمُّ. وَفِي الشَّرْعِ: خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى اجْتِنَابِ الْقَبِيحِ مِنَ الأَْفْعَال وَالأَْقْوَال، وَيَمْنَعُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ ذِي الْحَقِّ (1) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْخَجَل:
2 - الْخَجَل: وَهُوَ: الاِسْتِرْخَاءُ مِنَ الْحَيَاءِ، وَيَكُونُ مِنَ الذُّل، يُقَال: بِهِ خَجْلَةٌ أَيْ حَيَاءٌ، وَهُوَ التَّحَيُّرُ وَالدَّهَشُ مِنَ الاِسْتِحْيَاءِ.
يُقَال: خَجِل الرَّجُل خَجَلاً: فَعَل فِعْلاً فَاسْتَحَى مِنْهُ. (2)
وَقَال أَبُو هِلاَلٍ الْعَسْكَرِيُّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَجَل وَالْحَيَاءِ، أَنَّ الْخَجَل مَعْنًى يَظْهَرُ فِي الْوَجْهِ لِغَمٍّ يَلْحَقُ الْقَلْبَ عِنْدَ ذَهَابِ حُجَّةٍ، أَوْ ظُهُورٍ عَلَى رِيبَةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهُوَ شَيْءٌ تَتَغَيَّرُ بِهِ الْهَيْئَةُ، وَالْحَيَاءُ هُوَ الاِرْتِدَاعُ بِقُوَّةِ الْحَيَاءِ، وَلِهَذَا يُقَال فُلاَنٌ يَسْتَحْيِ فِي هَذَا الْحَال أَنْ يَفْعَل كَذَا، وَلاَ يُقَال يَخْجَل أَنْ يَفْعَلَهُ فِي هَذِهِ الْحَال، لأَِنَّ هَيْئَتَهُ لاَ تَتَغَيَّرُ مِنْهُ قَبْل أَنْ يَفْعَلَهُ، فَالْخَجَل مِمَّا كَانَ وَالْحَيَاءُ مِمَّا يَكُونُ، وَقَدْ يُسْتَعْمَل الْحَيَاءُ مَوْضِعَ الْخَجَل تَوَسُّعًا.
وَقَال الأَْنْبَارِيُّ: أَصْل الْخَجَل فِي اللُّغَةِ: الْكَسَل وَالْتَوَانِي وَقِلَّةُ الْحَرَكَةِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ، ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَال الْعَرَبِ لَهُ حَتَّى أَخْرَجُوهُ عَلَى مَعْنَى الاِنْقِطَاعِ فِي الْكَلاَمِ، وَفِي الْحَدِيثِ إِذَا جُعْتُنَّ وَقَعْتُنَّ وَإِذَا شَبِعْتُنَّ خَجِلْتُنَّ. (3)
وَقَعْتُنَّ أَيْ ذَلَلْتُنَّ وَخَجِلْتُنَّ كَسِلْتُنَّ، وَقَال أَبُو عُبَيْدَةَ: الْخَجَل هَاهُنَا الأَْشَرُ، وَقِيل: هُوَ سُوءُ احْتِمَال الْعَنَاءِ، وَقَدْ جَاءَ عَنِ الْعَرَبِ الْخَجَل بِمَعْنَى الدَّهَشِ.
قَال الْكُمَيْتُ:
فَلَمْ يَدْفَعُوا عِنْدَنَا مَا لَهُمْ
لِوَقْعِ الْحُرُوبِ وَلَمْ يَخْجَلُوا
. أَيْ لَمْ يَبْقَوْا دَهِشِينَ مَبْهُوتِينَ (4) . ب - الْبَذَاءَةُ:
3 - الْبَذَاءَةُ لُغَةً: السَّفَاهَةُ وَالْفُحْشُ فِي الْمَنْطِقِ وَإِنْ كَانَ الْكَلاَمُ صِدْقًا، وَفِي الْحَدِيثِ: الْحَيَاءُ مِنَ الإِْيمَانِ، وَالإِْيمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْبَذَاءَةُ مِنَ الْجَفَاءِ وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ (5) فَجَعَل الْبَذَاءَةَ مُقَابِلَةً لِلْحَيَاءِ. وَقَرِيبٌ مِنَ الْبَذَاءَةِ الْفُحْشُ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ ﷺ: مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ وَمَا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ (6) .
ج - الْوَقَاحَةُ:
4 - الْوَقَاحَةُ وَالْقِحَةُ أَنْ يَقِل حَيَاءُ الرَّجُل وَيَجْتَرِئَ عَلَى اقْتِرَافِ الْقَبَائِحِ وَلاَ يَعْبَأَ بِهَا.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْحَيَاءِ:
5 - الْحَيَاءُ مِنْ خَصَائِصِ الإِْنْسَانِ، وَغَرِيزَةٌ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ يَحْتَاجُ إِلَى اكْتِسَابٍ وَعِلْمٍ وَنِيَّةٍ، فَإِنَّهُ يَرْدَعُ عَنِ ارْتِكَابِ كُل مَا يَشْتَهِيهِ فَلاَ يَكُونُ كَالْبَهِيمَةِ.
وَإِذَا وَرَدَ نَصٌّ فِيهِ وَصْفُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَيَاءِ: فَهُوَ حَيَاءٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنًى يَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِ أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} (7) وَمَا رَوَاهُ سَلْمَانُ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُل إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ (8) .
وَالْحَيَاءُ بِمَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ مَطْلُوبٌ، وَقَدْ حَثَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ وَرَغَّبَ فِيهِ، لأَِنَّهُ بَاعِثٌ عَلَى أَفْعَال الْخَيْرِ وَمَانِعٌ مِنَ الْمَعَاصِي، وَيَحُول بَيْنَ الْمَرْءِ وَالْقَبَائِحِ، وَيَمْنَعُهُ مِمَّا يُعَابُ بِهِ وَيُذَمُّ، فَإِذَا كَانَ هَذَا أَثَرَهُ فَلاَ شَكَّ أَنَّهُ خُلُقٌ مَحْمُودٌ، لاَ يُنْتِجُ إِلاَّ خَيْرًا، فَالَّذِي يَهُمُّ بِفِعْل فَاحِشَةٍ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنِ اجْتِرَاحِهَا، أَوْ يَعْتَدِي عَلَيْهِ سَفِيهٌ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنْ مُقَابَلَةِ السَّيِّئَةِ بِالسَّيِّئَةِ، أَوْ يَسْأَلُهُ سَائِلٌ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنْ حِرْمَانِهِ، أَوْ يَضُمُّهُ مَجْلِسٌ فَيُمْسِكُ الْحَيَاءُ بِلِسَانِهِ عَنِ الْكَلاَمِ، وَالْخَوْضِ فِيمَا لاَ يَعْنِيهِ، فَالَّذِي يَكُونُ لِلْحَيَاءِ فِي نَفْسِهِ هَذِهِ الآْثَارُ الْحَسَنَةُ، فَهُوَ ذُو خُلُقٍ مَحْمُودٍ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَال لَهُ ﷺ: دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِْيمَانِ. (9) وَقَال ﵊: الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ (10) وَقَال ﷺ: الإِْيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَفْضَلُهَا قَوْل: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَْذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِْيمَانِ (11) وَقَال ﵊: الْحَيَاءُ وَالإِْيمَانُ قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الآْخَرُ (12) وَقَال ﵊: إِنَّ لِكُل دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الإِْسْلاَمِ الْحَيَاءُ (13) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ (14) ، وَعَنْهُ ﷺ: إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُْولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ. (15)
قَال الْعُلَمَاءُ: الْحَيَاءُ مِنَ الْحَيَاةِ، وَعَلَى حَسَبِ حَيَاةِ الْقَلْبِ يَكُونُ فِيهِ قُوَّةُ خُلُقِ الْحَيَاءِ، وَقِلَّةُ الْحَيَاءِ مِنْ مَوْتِ الْقَلْبِ (16) وَالرُّوحِ، وَأَوْلَى الْحَيَاءِ: الْحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ، وَالْحَيَاءُ مِنْهُ أَلاَّ يَرَاكَ حَيْثُ نَهَاكَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ عَنْ مَعْرِفَةٍ وَمُرَاقَبَةٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ ﷺ: الإِْحْسَانُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. (17)
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵄ مَرْفُوعًا: اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ. قَال: قُلْنَا: إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَال: لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنْ الاِسْتِحْيَاءُ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآْخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَل ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ (18) قَال الْجُنَيْدُ ﵀ : " الْحَيَاءُ رُؤْيَةُ الآْلاَءِ، وَرُؤْيَةُ التَّقْصِيرِ فَيَتَوَلَّدُ بَيْنَهُمَا حَالَةٌ تُسَمَّى: الْحَيَاءَ ".
وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ: وَمِنْ كَلاَمِ الْحُكَمَاءِ أَحْيُوا الْحَيَاءَ بِمُجَالَسَةِ مَنْ يُسْتَحْيَى مِنْهُ، وَعِمَارَةُ الْقَلْبِ بِالْهَيْبَةِ وَالْحَيَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَا مِنَ الْقَلْبِ لَمْ يَبْقَ فِيهِ خَيْرٌ. (19)
6 - وَيَجْرِي فِي الْحَيَاءِ الأَْحْكَامُ التَّكْلِيفِيَّةُ: فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحْيَى مِنْهُ مُحَرَّمًا، فَالْحَيَاءُ مِنْهُ وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ الْحَيَاءُ مِنْهُ مَكْرُوهًا فَهُوَ مَنْدُوبٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحْيَى مِنْهُ وَاجِبًا فَالْحَيَاءُ مِنْهُ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مُبَاحٍ فَهُوَ عُرْفِيٌّ أَوْ جَائِزٌ. (20)
فَالْحَيَاءُ مِنْ تَعَلُّمِ أُمُورِ الدِّينِ وَمَا يَجِبُ عَلَى الإِْنْسَانِ الْعِلْمُ بِهِ لَيْسَ بِحَيَاءٍ شَرْعِيٍّ. فَعَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَْنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ (21) وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ﵂ أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، هَل عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ. (22)
وَالْحَيَاءُ مِنْ مُوَاجِهَةِ الظَّلَمَةِ، وَالْفُسَّاقِ وَزَجْرِهِمْ، وَتَرْكِ الْجَهْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ حَيَاءٌ لَيْسَ بِحَيَاءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَجْزٌ وَمَهَانَةٌ، وَتَسْمِيَتُهُ حَيَاءً: مِنْ إِطْلاَقِ بَعْضِ أَهْل الْعُرْفِ: أَطْلَقُوهُ مَجَازًا لِمُشَابِهَتِهِ الصُّورِيَّةِ لِلْحَيَاءِ الشَّرْعِيِّ. (23)
أَخْذُ مَال الْغَيْرِ بِسَبَبِ الْحَيَاءِ:
7 - صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ: إِذَا أَخَذَ مَال غَيْرِهِ بِالْحَيَاءِ كَأَنْ يَسْأَل غَيْرَهُ مَالاً فِي مَلأٍَ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ بِبَاعِثِ الْحَيَاءِ فَقَطْ، أَوْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ حَيَاءً هَدِيَّةً يَعْلَمُ الْمُهْدَى لَهُ أَنَّ الْمُهْدِي أَهْدَى إِلَيْهِ حَيَاءً لَمْ يَمْلِكْهُ، وَلاَ يَحِل لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُل طَلَبٌ مِنَ الآْخِذِ، فَالْمَدَارُ مُجَرَّدُ الْعِلْمِ بِأَنَّ صَاحِبَ الْمَال دَفَعَهُ إِلَيْهِ حَيَاءً، وَلاَ مُرُوءَةً، وَلاَ لِرَغْبَةٍ فِي خَيْرٍ، وَمِنْ هَذَا: لَوْ جَلَسَ عِنْدَ قَوْمٍ يَأْكُلُونَ طَعَامًا، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَأْكُل مَعَهُمْ، وَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لِمُجَرَّدِ حَيَائِهِمْ، لاَ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ مِنْ طَعَامِهِمْ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الضَّيْفِ أَنْ يُقِيمَ فِي بَيْتِ مُضِيفِهِ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ الضِّيَافَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ فَيُطْعِمُهُ حَيَاءً. فَلِلْمَأْخُوذِ بِالْحَيَاءِ حُكْمُ الْمَغْصُوبِ، وَعَلَى الآْخِذِ رَدُّهُ، أَوِ التَّعْوِيضُ عَنْهُ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ التَّعْوِيضُ بِقِيمَةِ مَا أَخَذَ أَوْ أَكَل مِنْ زَادِهِمْ، وَقَال ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هَذَا كَلاَمٌ حَسَنٌ لأَِنَّ الْمَقَاصِدَ فِي الْعُقُودِ مُعْتَبَرَةٌ (24) .
وَلَمْ نَطَّلِعْ عَلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ.
__________
(1) المصباح المنير وفتح الباري 1 / 74، وعمدة القاري 1 / 152، وتفسير الرازي ج1 في تفسير آية (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة) .
(2) لسان العرب المحيط.
(3) حديث: " إذا جعتن وقعتن وإذا شبعتن خجلتن ". أورده أبو هلال العسكري في الفروق ص 203 نشر دار الكتب العلمية، كما ذكر ابن الأثير الشطر الثاني منه في النهاية (خجل) ولم نعثر عليه فيما لدينا من مراجع السنن والآثار.
(4) الفروق ص 239.
(5) حديث: " الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاءة الجفاء، والجفاء في النار " أخرجه الترمذي. (4 / 365 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
(6) حديث: " ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه " أخرجه الترمذي (4 / 349 - ط الحلبي) من حديث أنس، وقال الترمذي: " هذا حديث حسن غريب ".
(7) سورة البقرة / 26.
(8) تفسير الرازي 1 / 131 وما بعدها. وحديث: " إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل يديه ". أخرجه الترمذي (5 / 557 - ط الحلبي) وقال: " هذا حديث حسن غريب ".
(9) حديث: " دعه، فإن الحياء من الإيمان ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 74 - ط السلفية) ، ومسلم (1 / 63 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر.
(10) حديث: " الحياء لا يأتي إلا بخير ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 521 - ط السلفية) ، ومسلم (1 / 64 - ط الحلبي) من حديث عمران بن حصين.
(11) حديث: " الإيمان بضع وسبعون شعبة ". أخرجه مسلم (1 / 63 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(12) حديث: " الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر ". أخرجه الحاكم (1 / 22 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث عبد الله بن عمر، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(13) حديث: " إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء " أخرجه ابن ماجه (2 / 1399 - الحلبي) من حديث أنس، وضعفه البوصيري كما في مصباح الزجاجة (4 / 230 - ط دار العربية) .
(14) حديث: كان النبي ﷺ: " أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 513 - ط السلفية) ، ومسلم (4 / 1809 - ط الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري.
(15) حديث: " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 523 - ط السلفية) من حديث عبد الله بن مسعود
(16) مدارج السالكين 2 / 259.
(17) حديث: " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 114 - ط السلفية) ومسلم (1 / 39 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(18) حديث: " استحوا من الله حق الحياء ". أخرجه الترمذي (4 / 637 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن مسعود وهو حديث حسن طرقه.
(19) مدارج السالكين 2 / 259 - 260.
(20) عمدة القاري 1 / 152 فتح الباري 1 / 74.
(21) حديث عائشة: " نعم النساء نساء الأنصار. . . ". أخرجه مسلم (1 / 261 - ط الحلبي) .
(22) حديث أم سلمة: " جاءت أم سليم. . . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 388 - ط السلفية) ، ومسلم 1 / 251 - ط الحلبي) .
(23) عمدة القاري 1 / 152.
(24) نهاية المحتاج 5 / 146، حاشية الجمل 3 / 469، مطالب أولي النهى 4 / 380 - 381.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 259/ 18