البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
ما يأخذه المقاتلُ المسلم من قتيله الكافر في الحرب، مما عليه من ثيابٍ، وآلاتِ حرب، ومركوبٍ، ونحوه، زيادةً على سهمه من أربعة أخماس الغنيمة . ومن أمثلته مشروعية أخذ المقاتل المسلم سلب قتيله في المعركة . ومن شواهده في الحديث الشريف : "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَلَهُ سَلَبُهُ ". البخاري :4321.
عمل ذهنيّ قوامه رفض قضيّة، أو فكرة.
التَّعْرِيفُ:
1 - السَّلَبُ مَا يَأْخُذُهُ أَحَدُ الْقِرْنَيْنِ فِي الْحَرْبِ مِنْ قِرْنِهِ، مِمَّا يَكُونُ عَلَيْهِ وَمَعَهُ مِنْ ثِيَابٍ وَسِلاَحٍ وَدَابَّةٍ، وَهُوَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ؛ أَيْ: مَسْلُوبٍ.
وَيُقَال: أَخَذَ سَلَبَ الْقَتِيل وَأَسْلاَبَ الْقَتْلَى.
وَالْمَصْدَرُ السَّلْبُ، وَمَعْنَاهُ: الاِنْتِزَاعُ قَهْرًا. وَلاَ يَخْرُجُ مَعْنَاهُ الاِصْطِلاَحِيُّ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ (1) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الرَّضْخُ:
2 - الرَّضْخُ لُغَةً: هُوَ الْعَطَاءُ الْقَلِيل. وَيُقَال: رَضَخْتُ لَهُ رَضَخًا؛ أَيْ أَعْطَيْتُهُ شَيْئًا لَيْسَ بِالْكَثِيرِ.
وَشَرْعًا: هُوَ مَالٌ يُعْطِيهِ الإِْمَامُ مِنَ الْخُمُسِ، كَالنَّفْل، مَتْرُوكٌ قَدْرُهُ لاِجْتِهَادِهِ. وَعَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ شَيْءٌ دُونَ سَهْمِ الرَّاجِل، يَجْتَهِدُ الإِْمَامُ فِي قَدْرِهِ، وَهُوَ مِنَ الأَْرْبَاعِ الْخَمْسَةِ، وَقِيل: مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ (2) .
ب - الْغَنِيمَةُ:
3 - الْغَنِيمَةُ: فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، مِنَ الْغُنْمِ، وَهُوَ لُغَةً: الرِّبْحُ وَالْفَضْل، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَِنَّهَا فَائِدَةٌ مَحْضَةٌ.
وَشَرْعًا: مَالٌ حَصَل لَنَا مِنْ كُفَّارٍ أَصْلِيِّينَ حَرْبِيِّينَ بِقِتَالٍ مِنَّا، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ إِيجَافِ خَيْلٍ وَنَحْوِهِ. زَادَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ فِيهِ إِعْلاَءُ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَيَدْخُل فِيهِ السَّلَبُ وَالرَّضْخُ وَالنَّفَل (3) .
ج - الأَْنْفَال:
4 - الأَْنْفَال: هِيَ أَمْوَال الْحَرْبِيِّينَ الَّتِي آلَتْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ بِقِتَالٍ، كَالْغَنِيمَةِ أَوْ بِغَيْرِ قِتَالٍ كَالْفَيْءِ، وَتُطْلَقُ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى السَّهْمِ لِمَصْلَحَةٍ، وَهُوَ مَا يُجْعَل لِمَنْ عَمِل عَمَلاً زَائِدًا فِي الْحَرْبِ ذَا أَثَرٍ وَنَفْعٍ (4) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
5 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَهُمْ: الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا قَتَل أَحَدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْمَعْرَكَةِ مُقْبِلاً عَلَى الْقِتَال فَلَهُ سَلَبُهُ، قَال ذَلِكَ الإِْمَامُ أَوْ لَمْ يَقُل؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ قَتَل كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ (5) . وَلِقَوْل عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ: " اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي رَجُلاً شَدِيدًا، إِلَى أَنْ قَال: حَتَّى أَقْتُلَهُ وَآخُذَ سَلَبَهُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقَاتِل لاَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ إِلاَّ إِذَا اشْتَرَطَ لَهُ الإِْمَامُ ذَلِكَ. كَأَنْ يَقُول قَبْل إِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ، وَقَبْل أَنْ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا: مَنْ قَتَل قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ. وَإِلاَّ كَانَ السَّلَبُ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ.
وَقَال الطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: أَمْرُ السَّلَبِ مَوْكُولٌ لِلإِْمَامِ فَيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ؛ لِمَا رَوَى عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ - ﵁ - أَنَّ مَدَدِيًّا اتَّبَعَهُمْ فَقَتَل عِلْجًا، فَأَخَذَ خَالِدٌ بَعْضَ سَلَبِهِ، وَأَعْطَاهُ بَعْضَهُ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَال: لاَ تَرُدُّهُ عَلَيْهِ يَا خَالِدُ (6) وَلِمَا وَرَدَ فِي قِصَّةِ قَتْل أَبِي جَهْلٍ، حَيْثُ أَعْطَى سَلَبُهُ لِمُعَاذِ ابْنِ عَفْرَاءَ مَعَ قَوْلِهِ: كِلاَكُمَا قَتَلَهُ (7) . .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّ الْقَاتِل لاَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ إِلاَّ أَنْ يَقُول لَهُ الإِْمَامُ ذَلِكَ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُول الإِْمَامُ ذَلِكَ إِلاَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، حَتَّى لاَ يُشَوِّشَ نِيَّتَهُ، وَلاَ يَصْرِفَهَا لِقِتَال الدُّنْيَا؛ لأَِنَّ السَّلَبَ عِنْدَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ النَّفْل فَيُعْطِيهِ الإِْمَامُ لِلْمَصْلَحَةِ حَسَبَ اجْتِهَادِهِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْمُتَقَدِّمِ.
كَمَا رُوِيَ عَنْ شُبَّرِ بْنِ عَلْقَمَةَ قَال: بَارَزْتُ رَجُلاً يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَقَتَلْتُهُ، وَأَخَذْتُ سَلَبَهُ، فَأَتَيْتُ بِهِ سَعْدًا، فَخَطَبَ سَعْدٌ أَصْحَابَهُ وَقَال: إِنَّ هَذَا سَلَبُ شُبَّرٍ خَيْرٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَإِنَّا قَدْ نَفَّلْنَاهُ إِيَّاهُ (8) . مَنْ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ:؟
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَهُمْ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّ السَّلَبَ لِكُل قَاتِلٍ يَسْتَحِقُّ السَّهْمَ أَوِ الرَّضْخَ كَالْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالصَّبِيِّ، وَالتَّاجِرِ، وَالذِّمِّيِّ، لِعُمُومِ الْحَدِيثِ: مَنْ قَتَل قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ (9) وَلِمَا رَوَاهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِل (10) . وَهُوَ حُكْمٌ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِشَيْءٍ مِنَ الأَْشْيَاءِ.
إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ يَسْتَثْنُونَ الذِّمِّيَّ فَيَرَوْنَ أَنَّهُ لاَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ وَإِنْ حَضَرَ الْقِتَال بِإِذْنِ الإِْمَامِ، أَمَّا إِذَا حَضَرَ بِغَيْرِ إِذْنِ الإِْمَامِ فَلاَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ بِاتِّفَاقٍ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالذِّمِّيَّ وَالصَّبِيَّ وَكُل مَنْ لاَ يُسْهَمُ لَهُ لاَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ. هَذَا الْقَوْل الْمَرْجُوحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. قَال الْمَالِكِيَّةُ: إِلاَّ إِذَا أَجَازَ الإِْمَامُ لَهُمْ، أَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِمُ الْجِهَادُ بِدُخُول الْكُفَّارِ إِلَى بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَيَأْخُذُونَ السَّلَبَ عِنْدَ ذَلِكَ. أَمَّا الَّذِي لاَ يَسْتَحِقُّ سَهْمًا وَلاَ رَضْخًا كَالْمُرْجِفِ وَالْمُخَذِّل وَالْخَائِنِ وَالْمُعِينِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِهِ فَلاَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (11) .
7 - وَمِنْ شُرُوطِ اسْتِحْقَاقِ السَّلَبِ أَنْ يُغَرِّرَ الْقَاتِل بِنَفْسِهِ فِي قَتْل الْكَافِرِ؛ أَيْ يُخَاطِرَ بِحَيَاتِهِ وَيُوَاجِهَ احْتِمَال الْمَوْتِ، فَإِنْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ صَفِّ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ حِصْنٍ يَتَحَصَّنُ فِيهِ فَلاَ سَلَبَ لَهُ.
وَإِنِ اشْتَرَكَ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي قَتْل الْكَافِرِ حَال الْحَرْبِ، فَالسَّلَبُ لَهُمْ جَمِيعًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي يَعْلَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ: مَنْ قَتَل قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ حَيْثُ يَتَنَاوَل الْوَاحِدَ وَالاِثْنَيْنِ وَالْجَمَاعَةَ؛ وَلأَِنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِي السَّبَبِ - وَهُوَ الْقَتْل - فَيَجِبُ أَنْ يَشْتَرِكُوا فِي السَّلَبِ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ - وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - إِلَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بَيْنَ جَمَاعَةٍ لاَ يُرْجَى نَجَاتُهُ مِنْهُمْ لَمْ يَخْتَصَّ قَاتِلُهُ بِسَلَبِهِ لأَِنَّهُ لَمْ يُغَرِّرْ بِنَفْسِهِ، وَلأَِنَّ شَرَّ الْكَافِرِ زَال بِالْوُقُوعِ بَيْنَهُمْ. وَأَضَافَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لَوْ حَمَل جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنَ الْكَافِرِينَ، فَقَتَلُوهُ فَسَلَبُهُ لَيْسَ لَهُمْ. بَل يَكُونُ غَنِيمَةً؛ لأَِنَّهُمْ لَمْ يُغَرِّرُوا بِأَنْفُسِهِمْ فِي قَتْلِهِ، وَكَذَا لَوِ اشْتَرَكَ فِي قَتْلِهِ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَبْلَغَ فِي قَتْلِهِ مِنَ الآْخَرِ؛ لأَِنَّ السَّلَبَ إِنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمُخَاطَرَةِ فِي قَتْلِهِ، وَلاَ يَحْصُل ذَلِكَ بِقَتْل الاِثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فَلَمْ يُسْتَحَقَّ بِهِ السَّلَبُ. قَالُوا: وَلأَِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَشْرَكَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي سَلَبٍ، وَلأَِنَّ أَبَا جَهْلٍ ضَرَبَهُ مُعَاذُ ابْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ - ﵁ - وَمُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ - ﵁ - وَأَتَيَا النَّبِيَّ ﷺ فَأَخْبَرَاهُ فَقَال: كِلاَكُمَا قَتَلَهُ، وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ الْجَمُوحِ (12) .
8 - وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَقْتُول الَّذِي يَأْخُذُ قَاتِلُهُ سَلَبَهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ الَّذِينَ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ شَرْعًا، أَمَّا إِذَا قَتَل امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ شَيْخًا فَانِيًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ رَاهِبًا مُنْعَزِلاً فِي صَوْمَعَتِهِ أَوْ نَحْوَهُمْ مِمَّنْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِهِمْ، فَلاَ يَسْتَحِقُّ قَاتِلُهُ السَّلَبَ مَا لَمْ يَشْتَرِكْ فِي الْقِتَال. فَإِنِ اشْتَرَكَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ فِي الْقِتَال اسْتَحَقَّ قَاتِلُهُ سَلَبَهُ، لِجَوَازِ قَتْلِهِ حِينَئِذٍ.
9 - وَمِنْ شُرُوطِ اسْتِحْقَاقِ السَّلَبِ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يُثْخِنَهُ بِجِرَاحٍ تَجْعَلُهُ فِي حُكْمِ الْمَقْتُول، بِحَيْثُ يَكُونُ قَدْ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ وَأَزَال امْتِنَاعَهُ كُلِّيًّا؛ كَأَنْ يَفْقَأَ عَيْنَيْهِ أَوْ يُعْمِيَ بَصَرَهُ أَوْ يَقْطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. قَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ: وَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ أَسَرَهُ أَوْ قَطَعَ يَدًا وَرِجْلاً لِضَعْفِ حَرَكَتِهِ فِي الْقَطْعِ؛ وَلأَِنَّ الأَْسْرَ أَبْلَغُ فِي الْقَهْرِ وَأَصْعَبُ مِنَ الْقَتْل؛ وَلأَِنَّ الإِْمَامَ يَتَخَيَّرُ فِي الأَْسِيرِ بَيْنَ الْقَتْل وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَنَحْوِهَا.
قَال مَكْحُولٌ: لاَ يَكُونُ السَّلَبُ إِلاَّ لِمَنْ أَسَرَ عِلْجًا (13) أَوْ قَتَلَهُ، وَقَال الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِذَا أَسَرَ رَجُلاً فَقَتَلَهُ الإِْمَامُ صَبْرًا فَسَلَبُهُ لِمَنْ أَسَرَهُ، وَإِنِ اسْتَبَقَاهُ الإِْمَامُ كَانَ لَهُ فِدَاؤُهُ أَوْ رَقَبَتُهُ وَسَلَبُهُ لأَِنَّهُ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَمِنْ بَيْنِهِمُ السُّبْكِيُّ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ إِلاَّ الْقَاتِل لِظَاهِرِ قَوْلِهِ ﷺ: مَنْ قَتَل قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ (14) وَلأَِنَّ غَيْرَ الْقَتْل لاَ يُزِيل الاِمْتِنَاعَ، فَرُبَّ أَعْمَى شَرٌّ مِنَ الْبَصِيرِ، وَمَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ يَحْتَال عَلَى الأَْخْذِ بِثَأْرِ نَفْسِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْقَاطِعَ لِلرِّجْلَيْنِ أَوِ الْيَدَيْنِ أَوِ الْيَدِ وَالرِّجْل لاَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ لأَِنَّهُ لَمْ يَكُفَّ شَرَّهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ.
وَكَذَا إِنْ أَسَرَهُ؛ لأَِنَّ الَّذِي أَسَرَهُ لَمْ يَقْتُلْهُ سَوَاءٌ قَتَلَهُ الإِْمَامُ أَوِ اسْتَبَقَاهُ بِرِقٍّ أَوْ فِدَاءٍ أَوْ مَنٍّ، وَيَكُونُ سَلَبُهُ وَفِدَاؤُهُ إِنْ فُدِيَ، وَرِقُّهُ إِنْ رُقَّ، غَنِيمَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ؛ لأَِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَسَرُوا أَسْرَى بَدْرٍ، فَقَتَل النَّبِيُّ ﷺ مِنْهُمْ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَاسْتَبْقَى سَائِرَهُمْ (15) . فَلَمْ يُعْطِ مَنْ أَسَرَهُمْ أَسْلاَبَهُمْ وَلاَ فِدَاءَهُمْ، بَل كَانَ فِدَاؤُهُمْ غَنِيمَةً لِلْمُسْلِمِينَ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْظْهَرِ.
وَإِنْ عَانَقَ رَجُلاً فَقَتَلَهُ آخَرُ فَسَلَبُهُ لِلْقَاتِل عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ قَتَل قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ وَلأَِنَّهُ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرًّا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُعَانِقْهُ الآْخَرُ.
وَذَهَبَ الأَْوْزَاعِيُّ إِلَى أَنَّ سَلَبَهُ لِلْمُعَانِقِ. وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ الْكَافِرُ مُقْبِلاً عَلَى رَجُلٍ يُقَاتِلُهُ فَجَاءَ آخَرُ مِنْ وَرَائِهِ، فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ فَسَلَبُهُ لِقَاتِلِهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ ﵁ قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلاَ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَدَرْتُ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْتُهُ عَلَى حَبْل عَاتِقِهِ ضَرْبَةً، وَأَقْبَل عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رَائِحَةَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ. . . ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا وَجَلَسَ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَال: مَنْ قَتَل قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ، قَال: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ . . . إِلَى أَنْ قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟ فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ. فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُول اللَّهِ، سَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيل عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنْ حَقِّهِ، فَقَال أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لاَهَا اللَّهِ إِذًا لاَ يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ تَعَالَى يُقَاتِل عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: صَدَقَ فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ، قَال: فَأَعْطَانِيهِ (16) .
قَال أَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ أَمْسَكَهُ وَاحِدٌ وَقَتَلَهُ آخَرُ فَالسَّلَبُ بَيْنَهُمَا لاِنْدِفَاعِ شَرِّهِ بِهِمَا. وَهَذَا فِيمَا إِذَا مَنَعَهُ الْهَرَبَ وَلَمْ يَضْبِطْهُ. فَأَمَّا الإِْمْسَاكُ الضَّابِطُ فَهُوَ أَسْرٌ. وَقَتْل الأَْسِيرِ لاَ يُسْتَحَقُّ بِهِ السَّلَبُ (17) .
10 - وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي اسْتِحْقَاقِ السَّلْبِ: أَنْ يَقْتُل الْكَافِرَ وَهُوَ مُقْبِلٌ عَلَى الْقِتَال وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ. فَإِذَا انْهَزَمَ جَيْشُ الْمُشْرِكِينَ وَاتَّبَعَهُمْ فَقَتَل كَافِرًا مِنْهُمْ فَلاَ يَسْتَحِقُّ سَلَبَهُ لأَِنَّ بِهَزِيمَتِهِمُ انْدَفَعَ شَرُّهُمْ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَل كَافِرًا وَهُوَ أَسِيرٌ فِي يَدِهِ، أَوْ وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ مَشْغُولٌ بِأَكْلٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ مُثْخَنٌ زَائِل الاِمْتِنَاعِ؛ لأَِنَّ الْقَاتِل لَمْ يُغَرِّرُ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِهِ وَلَمْ يَكُفَّ الْمُسْلِمِينَ شَرَّ الْمَقْتُول.
وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يُعْطِ ابْنَ مَسْعُودٍ سَلَبَ أَبِي جَهْلٍ لأَِنَّهُ ذَبَحَهُ بَعْدَ أَنْ أَثْخَنَهُ مُعَاذُ بْنُ الْجَمُوحِ، (18) وَأَمَرَ بِقَتْل عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ مِنْ أُسَارَى بَدْرٍ صَبْرًا، وَلَمْ يُعْطِ سَلَبَهُمَا مَنْ قَتَلَهُمَا، (19) وَقَتَل رِجَال بَنِي قُرَيْظَةَ صَبْرًا فَلَمْ يُعْطِ مَنْ قَتَلَهُمْ سِلاَبَهُمْ (20) . وَذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ إِلَى أَنَّ السَّلَبَ يَسْتَحِقُّهُ كُل مَنْ قَتَل كَافِرًا لِعُمُومِ حَدِيثِ: مَنْ قَتَل قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ (21)
وَلأَِنَّ سَلَمَةَ بْنَ الأَْكْوَعِ ﵁ قَتَل طَلِيعَةً لِلْكُفَّارِ، وَهُوَ مُنْهَزِمٌ، فَقَال النَّبِيُّ ﷺ مَنْ قَتَلَهُ؟ قَالُوا: سَلَمَةُ بْنُ الأَْكْوَعِ، قَال: لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ (22) .
أَمَّا إِذَا انْهَزَمَ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ، وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، فَسَلَبُهُ لِقَاتِلِهِ لأَِنَّ الْحَرْبَ فَرٌّ وَكَرٌّ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُ مُقْبِلاً أَوْ مُدْبِرًا مَا دَامَتِ الْحَرْبُ قَائِمَةً، فَالشَّرُّ مُتَوَقَّعٌ وَالْمُوَلِّي لاَ تُؤْمَنُ كَرَّتُهُ.
وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يَرَوْنَ أَنَّ الْقَاتِل فِي الصُّفُوفِ الْمُلْتَحِمَةِ يَسْتَحِقُّ سَلَبَ مَنْ قَتَلَهُ لِعُمُومِ خَبَرِ: مَنْ قَتَل قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ وَلِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقِ قَال فِيهِ: فَلَمَّا الْتَقَيْنَا رَأَيْتُ رَجُلاً مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلاَ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْحَدِيثَ، وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ ﵁ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ ﵁: قَتَل يَوْمَ هَوَازِنَ عِشْرِينَ رَجُلاً وَأَخَذَ أَسْلاَبَهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْتِقَاءِ الزَّحْفَيْنِ (23) وَلِحَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ الْمَدَدِيِّ الَّذِي قَتَل رَجُلاً مِنْ الرُّومِ، حَيْثُ قَال فِيهِ: فَقَضَى لَنَا أَنَّا لَقِينَا عَدُوَّنَا فَقَاتَلُونَا قِتَالاً شَدِيدًا (24) . الْحَدِيثَ. وَمَعَ ذَلِكَ أَخَذَ الْمَدَدِيُّ سَلَبَ الرَّجُل الَّذِي قَتَلَهُ.
وَذَهَبَ الأَْوْزَاعِيُّ وَمَسْرُوقٌ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ إِلَى أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِل مَا لَمْ يَلْتَقِ الزَّحْفَانِ، وَلَمْ تَمْتَدَّ الصُّفُوفُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلاَ سَلَبَ لأَِحَدٍ.
وَهَل يُشْتَرَطُ إِذْنُ الإِْمَامِ؟ قَال أَحْمَدُ وَالأَْوْزَاعِيُّ: لاَ يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْخُذَ الْقَاتِل السَّلَبَ إِلاَّ بِإِذْنِ الإِْمَامِ؛ لأَِنَّهُ فِعْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَمْ يَنْفُذْ أَمْرُهُ فِيهِ إِلاَّ بِإِذْنِ الإِْمَامِ بِأَخْذِ سَهْمِهِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ أَحْمَدَ عَلَى سَبِيل الاِسْتِحْبَابِ لاَ عَلَى سَبِيل الإِْيجَابِ، لِيَخْرُجَ مِنَ الْخِلاَفِ. فَعَلَى هَذَا إِنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الإِْمَامِ يَكُونُ قَدْ تَرَكَ الْفَضِيلَةَ وَلَهُ أَخْذُهُ (25) .
وَقَال الشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَهُ أَخْذُ السَّلَبِ بِغَيْرِ إِذْنِ الإِْمَامِ؛ لأَِنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِجَعْل النَّبِيِّ ﷺ لَهُ ذَلِكَ، وَلاَ يُؤْمَنُ إِنْ أَظْهَرَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُعْطِيَهُ (26) . هَل تَلْزَمُ الْبَيِّنَةُ فِي اسْتِحْقَاقِ السَّلَبِ؟
11 - اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ تُقْبَل الدَّعْوَى فِي اسْتِحْقَاقِ السَّلَبِ إِلاَّ بِشَهَادَةٍ، لِوُرُودِ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِلَفْظِ: مَنْ قَتَل قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ (27) . وَقَال مَالِكٌ وَالأَْوْزَاعِيُّ: يُعْطَى السَّلَبَ إِذَا قَال: أَنَا قَتَلْتُهُ، وَلاَ يُسْأَل عَنْ بَيِّنَةٍ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ قَبِل قَوْل أَبِي قَتَادَةَ وَمُعَاذِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْجُمُوحِ وَغَيْرِهِمَا وَأَعْطَاهُمُ السَّلَبَ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ شَهَادَةٍ وَلاَ حَلِفٍ. وَيَرَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ اشْتَرَطُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لاَ تُقْبَل إِلاَّ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ؛ لأَِنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ الْبَيِّنَةَ، وَإِطْلاَقُهَا يَنْصَرِفُ إِلَى شَاهِدَيْنِ. وَلأَِنَّهَا كَشَهَادَةِ الْقَتْل الْعَمْدِ، وَمِنْ بَيْنِ هَؤُلاَءِ أَحْمَدُ. وَذَهَبَ الْبَعْضُ الآْخَرُ إِلَى قَبُول شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَيَمِينٍ؛ لأَِنَّهَا دَعْوَى فِي الْمَال فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ كَسَائِرِ الأَْمْوَال. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْل الْحَدِيثِ (28) . وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى قَبُول شَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، لأَِنَّ النَّبِيَّ قَبِل قَوْل الَّذِي شَهِدَ لأَِبِي قَتَادَةَ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ (29) . هَل يُخَمَّسُ السَّلَبُ؟
12 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَخْمِيسِ السَّلَبِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ إِلَى أَنَّ السَّلَبَ لاَ يُخَمَّسُ، لَمَا رَوَاهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ: قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِل وَلَمْ يُخَمِّسِ السَّلَبَ (30) . وَلِقَوْل عُمَرَ ﵁: (إِنَّا كُنَّا لاَ نُخَمِّسُ السَّلَبَ) .
وَذَهَبَ الأَْوْزَاعِيُّ وَمَكْحُولٌ - وَهُوَ مُقَابِل الْمَشْهُورِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - إِلَى أَنَّ السَّلَبَ يُخَمَّسُ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُول} (31) . الآْيَةَ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَال إِسْحَاقُ: إِنِ اسْتَكْثَرَ الإِْمَامُ السَّلَبَ خَمَّسَهُ وَذَلِكَ إِلَيْهِ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ سِيرِينَ ﵀: أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ ﵁ بَارَزَ مَرْزُبَانَ الزَّارَةِ بِالْبَحْرَيْنِ فَطَعَنَهُ فَدَقَّ صُلْبَهُ وَأَخَذَ سِوَارَيْهِ وَسَلَبَهُ، فَلَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ أَتَى أَبَا طَلْحَةَ فِي دَارِهِ فَقَال: إِنَّا كُنَّا لاَ نُخَمِّسُ السَّلَبَ، وَإِنَّ سَلَبَ الْبَرَاءِ قَدْ بَلَغَ مَالاً، وَأَنَا خَامِسٌ، فَكَانَ أَوَّل سَلَبٍ خُمِّسَ فِي الإِْسْلاَمِ سَلَبَ الْبَرَاءِ، وَقَدْ بَلَغَ سَلَبُهُ ثَلاَثِينَ أَلْفًا (32) .
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فَيَرَوْنَ أَنَّ سَلَبَ الْمَقْتُول كَسَائِرِ الْغَنِيمَةِ، لاَ يَخْتَصُّ بِهِ الْقَاتِل وَأَنَّ الْقَاتِل وَغَيْرَهُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَيُنَفِّلُهُ الإِْمَامُ. وَمَحَل التَّنْفِيل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الأَْرْبَعَةُ الأَْخْمَاسِ قَبْل الإِْحْرَازِ بِدَارِ الإِْسْلاَمِ، وَمِنَ الْخُمُسِ بَعْدَ الأَْحْرَازِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَكُونُ مِنَ الْخُمُسِ يُنَفِّلُهُ الإِْمَامُ لِلْمُقَاتِل إِنْ رَأَى مَصْلَحَةً فِي ذَلِكَ (33) .
السَّلَبُ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْقَاتِل:
13 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ السَّلَبَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْقَاتِل هُوَ مَا عَلَى الْقَتِيل مِنْ ثِيَابٍ وَعِمَامَةٍ وَقَلَنْسُوَةٍ وَخُفٍّ وَرَانٍ (34) وَطَيْلَسَانٍ، وَكَذَا مَا عَلَيْهِ مِنْ سِلاَحٍ وَآلاَتِ حَرْبٍ كَالدِّرْعِ وَالْمِغْفَرِ وَالرُّمْحِ وَالسِّكِّينِ، وَالسَّيْفِ واللَّسْتِ وَالْقَوْسِ وَالنُّشَّابِ وَنَحْوِهَا، وَمَا عَلَى دَابَّتِهِ مِنْ سَرْجٍ وَلِجَامٍ وَمِقْوَدٍ وَنَحْوِهَا.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مِنَ السَّلَبِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الشَّرَفِيَّةِ كَالتَّاجِ وَالسِّوَارِ وَالْخَاتَمِ وَالطَّوْقِ وَالْمِنْطَقَةِ وَلَوْ مُذَهَّبَةً، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَذَا الْهِمْيَانُ (35) الَّذِي لِلنَّفَقَةِ وَمَا فِيهِ مِنَ النَّفَقَةِ؛ لأَِنَّهُ يَدْخُل فِي عُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ: مَنْ قَتَل قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ، وَلِحَدِيثِ الْبَرَاءِ الْمُتَقَدِّمِ، وَأَنَّهُ كَانَ فِي السَّلَبِ سِوَارُهُ وَمِنْطَقَتُهُ. وَمِنَ السَّلَبِ الدَّابَّةُ الَّتِي يَرْكَبُهَا، لِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْمَدَدِيِّ أَنَّهُ قَتَل عِلْجًا فَحَازَ فَرَسَهُ وَسِلاَحَهُ (36) . وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الأَْوْزَاعِيُّ وَمَكْحُولٌ.
قَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: وَكَذَا الدَّابَّةُ الَّتِي يُمْسِكُهَا هُوَ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ غُلاَمِهِ لِلْقِتَال، وَخَالَفَهُمْ فِي هَذَا الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، إِذْ قَالُوا: إِنَّ الدَّابَّةَ الَّتِي يُمْسِكُهَا غُلاَمُهُ، أَوْ مَا تُسَمَّى بِالْجَنِيبَةِ، وَهِيَ الَّتِي تُقَادُ مَعَهُ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَمَامَهُ أَمْ خَلْفَهُ أَمْ بِجَنْبِهِ، لاَ تَدْخُل فِي السَّلَبِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الدَّابَّةَ الَّتِي يَرْكَبُهَا لَيْسَتْ مِنَ السَّلَبِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ؛ لأَِنَّ السَّلَبَ مَا كَانَ عَلَى بَدَنِهِ، وَالدَّابَّةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الدَّابَّةُ الَّتِي فِي مَنْزِلِهِ، أَوْ فِي خَيْمَتِهِ، أَوْ كَانَتْ مُنْفَلِتَةً فَلَيْسَتْ مِنَ السَّلَبِ بِاتِّفَاقٍ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ مُقَابِل الأَْظْهَرِ لَدَى الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ التَّاجَ وَالطَّوْقَ وَالسِّوَارَ وَالْقُرْطَ الَّذِي فِي الأُْذُنِ، وَالْخَاتَمَ وَالْعَيْنَ وَالصَّلِيبَ وَالْهِمْيَانَ وَمَا فِيهِ مِنَ النَّفَقَةِ، لَيْسَتْ مِنَ السَّلَبِ لأَِنَّ هَذِهِ الأَْشْيَاءَ لَيْسَتْ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهَا فِي الْحَرْبِ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيمَا يَحْمِل مَعَهُ مِنَ الْمَال الْمَوْجُودِ فِي حَقِيبَتِهِ وَخَرِيطَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ السَّلَبِ لأَِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ لِبَاسِهِ، وَلاَ مِنْ حُلِيِّهِ وَلاَ حِلْيَةِ فَرَسِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا مِنَ السَّلَبِ وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوءَةً مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ، وَعَلَيْهِ ذَهَبَ السُّبْكِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ لأَِنَّهُ حَمَلَهَا لِتَوَقُّعِ الاِحْتِيَاجِ إِلَيْهَا (1) .
__________
(1) لسان العرب، وأساس البلاغة، المغرب في ترتيب المعرب، المعجم الوسيط، مادة: سلب.
(2) لسان العرب والمصباح المنير مادة: رضخ: ابن عابدين 3 / 235، الفواكه الدواني 1 / 172، مغني المحتاج 3 / 105، التعريفات للجرجاني.
(3) لسان العرب، المصباح المنير، المعجم الوسيط مادة (غنم) ، المغني لابن قدامة 6 / 402، مغني المحتاج 3 / 99، ابن عابدين 3 / 228، التعريفات للجرجاني.
(4) كشاف القناع 3 / 86، وغريب القرآن للأصفهاني
(5) حديث: " من قتل كافرا فله سلبه ". أخرجه أبو داود (3 / 162 - تحقيق عزت عبيد دعاس) والحاكم (3 / 353 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث أنس بن مالك. وصححه ووافقه الذهبي.
(6) حديث عوف بن مالك أخرجه أحمد (6 / 26 - ط الميمنية) أصله في مسلم (3 / 1373 - ط الحلبي) .
(7) قصة قتل أبي جهل: أخرجها البخاري (الفتح 6 / 246 - 247 - ط. السلفية) ومسلم (3 / 1372 - ط الحلبي) من حديث عبد الرحمن بن عوف.
(8) حاشية ابن عابدين 3 / 238، حاشية العدوي 2 / 14، الشرح الصغير 2 / 176، القوانين الفقهية ص 99، روضة الطالبين 6 / 372، مغني المحتاج 3 / 99، المغني لابن قدامة 8 / 392، سبل السلام 4 / 52، المهذب في فقه الإمام الشافعي 2 / 238.
(9) حديث: " من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ". أخرجه البخاري (الفتح 6 / 247 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1371 ط. الحلبي) .
(10) حديث: أن رسول الله صلى الله عليه سلم قضى بالسلب للقاتل. أخرجه أبو داود (3 / 165 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث عوف بن مالك وخالد بن الوليد، وقال ابن حجر في التلخيص (3 / 105 - ط شركة الطباعة الفنية) وهو ثابت في صحيح مسلم من حديث طويل، وهو في صحيح مسلم (3 / 1373 - ط الحلبي) .
(11) حاشية ابن عابدين 3 / 239، سبل السلام 4 / 52، الخرشي 3 / 130، الشرح الصغير 2 / 177، جواهر الإكليل 1 / 261، مغني المحتاج 3 / 99، روضة الطالبين 6 / 374، المغني لابن قدامة 8 / 387، حاشية العدوي 2 / 14، فتح القدير 5 / 249، كشاف القناع 3 / 71.
(12) سبق تخريجه ف5.
(13) الرجل الضخم من كفار العجم.
(14) سبق تخريجه ف5.
(15) قصة أسرى بدر ومقتل عقبة والنضر أوردها ابن كثير في السيرة النبوية (2 / 473 - نشر دار إحياء التراث العربي) وعزاها إلى ابن إسحاق في سيرته.
(16) حديث أبي قتادة: أخرجه البخاري (الفتح 6 / 247 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1370 - 1371 - ط. الحلبي) .
(17) المغني لابن قدامة 8 / 386، روضة الطالبين 6 / 263، مغني المحتاج 3 / 100، كشاف القناع 3 / 71، سبل السلام 4 / 53.
(18) الحديث سبق تخريجه ف5.
(19) الحديث سبق تخريجه ف9.
(20) قصة مقتل رجال بني قريظة صبرا. أوردها ابن كثير في السيرة (3 / 248 - 242 - نشر دار إحياء التراث العربي) نقلا عن ابن إسحاق في سيرته.
(21) الحديث سبق تخريجه ف5.
(22) حديث: قتل سلمة بن الأكوع رجلا من طليعة الكفار. أخرجه مسلم (3 / 1375 - ط. الحلبي) .
(23) حديث أنس. أن أبا طلحة قتل يوم هوازن عشرين رجلا. تقدم بعضه ف (5) وتقدم تخريجه.
(24) حديث عوف بن مالك تقدم تخريجه ف (5) .
(25) المغني لابن قدامة 8 / 388.
(26) المصدر نفسه.
(27) الحديث تقدم ف6.
(28) سبل السلام 4 / 53، كشاف القناع 3 / 72، المغني لابن قدامة 8 / 396.
(29) المغني لابن قدامة 8 / 396، كشاف القناع 3 / 72، سبل السلام 4 / 53.
(30) الحديث تقدم ف (6) .
(31) سورة الأنفال / 41.
(32) المصادر السابقة، مغني المحتاج 3 / 101، روضة الطالبين 6 / 375، فتح القدير 5 / 249.
(33) فتح القدير 5 / 249، القوانين الفقهية ص 99، سبل السلام 4 / 58.
(34) الران كالخف إلا أنه لا قدم له (القاموس) .
(35) الهميان: كيس للنفقة يشد في الوسط
(36) الحديث سبق تخريجه ف (10) .
الموسوعة الفقهية الكويتية: 176/ 25