المجيب
كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...
ماء الجرح الرقيق المختلط بالدم، وهو أشبه بالقيح . ومن أمثلته اختلاف الفقهاء في نقضه الوضوء، ومقدار المعفو عن حمله في الصلاة .
ماء الجرح الرقيق المختلط بالدم، وهو أشبه بالقيح.
التَّعْرِيفُ:
1 - فِي اللُّغَةِ: صَدِيدُ الْجُرْحِ: مَاؤُهُ الرَّقِيقُ الْمُخْتَلِطُ بِالدَّمِ قَبْل أَنْ يَغْلُظَ فَإِنْ غَلُظَ سُمِّيَ مِدَّةً (بِكَسْرِ الْمِيمِ) . وَالصَّدِيدُ فِي الْقُرْآنِ: مَا يَسِيل مِنْ جُلُودِ أَهْل النَّارِ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لَهُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْقَيْحُ:
2 - الْقَيْحُ: الْمِدَّةُ الْخَالِصَةُ الَّتِي لاَ يُخَالِطُهَا دَمٌ (2) .
الأَْحْكَامُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالصَّدِيدِ:
حُكْمُهُ مِنْ حَيْثُ النَّجَاسَةُ وَالطَّهَارَةُ:
3 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إِلَى أَنَّ الصَّدِيدَ نَجِسٌ كَالدَّمِ، لأَِنَّهُ مِنَ الْخَبَائِثِ، وَالطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ تَسْتَخْبِثُهُ (3) .
انْتِقَاضُ الْوُضُوءِ بِهِ:
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِخُرُوجِ الصَّدِيدِ مِنَ الْجُرْحِ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ: لاَ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِخُرُوجِ الصَّدِيدِ مِنَ الْجُرْحِ؛ لأَِنَّ النَّجَاسَةَ الَّتِي تَنْقُضُ الْوُضُوءَ عِنْدَهُمْ هِيَ: مَا خَرَجَتْ مِنَ السَّبِيلَيْنِ فَقَطْ، أَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ (4) .
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ حَرَسَا الْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَقَامَ أَحَدُهُمَا يُصَلِّي، فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنَ الْكُفَّارِ بِسَهْمٍ فَنَزَعَهُ وَصَلَّى وَدَمُهُ يَجْرِي، وَعَلِمَ النَّبِيُّ ﷺ بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ (5) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِخُرُوجِ النَّجِسِ مِنَ الآْدَمِيِّ الْحَيِّ، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ السَّبِيلَيْنِ أَوْ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، لِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - ﵁ - أَنَّهُ قَال: دَخَل رَسُول اللَّهِ ﷺ عَلَى صَفِيَّةَ فَقَرَّبَتْ لَهُ عِرْقًا فَأَكَل فَأَتَى الْمُؤَذِّنُ فَقَال: الْوُضُوءَ الْوُضُوءَ، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِنَّمَا عَلَيْنَا الْوُضُوءُ فِيمَا يَخْرُجُ وَلَيْسَ عَلَيْنَا فِيمَا يَدْخُل (6) ، عَلَّقَ الْحُكْمَ بِكُل مَا يَخْرُجُ، أَوْ بِمُطْلَقِ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمَخْرَجِ، إِلاَّ أَنَّ خُرُوجَ الطَّاهِرِ لَيْسَ بِمُرَادٍ فَبَقِيَ خُرُوجُ النَّجِسِ مُرَادًا.
وَعَنْ عَائِشَةَ - ﵂ - أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ، أَوْ رُعَافٌ، أَوْ قَلْسٌ، أَوْ مَذْيٌ، فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلاَتِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ لاَ يَتَكَلَّمُ (7) ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ بِخُرُوجِ النَّجِسِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ.
وَعَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَال لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ لَمَّا اسْتُحِيضَتْ: تَوَضَّئِي فَإِنَّهُ دَمُ عِرْقٍ انْفَجَرَ (8) ، أَمَرَهَا بِالْوُضُوءِ وَعَلَّل بِانْفِجَارِ دَمِ الْعِرْقِ لاَ بِالْمُرُورِ عَلَى الْمَخْرَجِ، وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَال: الْوُضُوءُ مِنْ كُل دَمٍ سَائِلٍ (9) وَالأَْخْبَارُ فِي هَذَا الْبَابِ وَرَدَتْ مَوْرِدَ الاِسْتِفَاضَةِ، حَتَّى وَرَدَ عَنِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا مِثْل ذَلِكَ، مِنْهُمْ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ (10) .
5 - وَعَلَى ذَلِكَ إِنْ سَال الصَّدِيدُ عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ وَالْقُرْحِ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ لِوُجُودِ الْحَدَثِ وَخُرُوجِ النَّجِسِ، وَهُوَ انْتِقَال النَّجِسِ مِنَ الْبَاطِنِ إِلَى الظَّاهِرِ، لَكِنَّهُ لاَ يَنْقُضُ إِلاَّ إِذَا سَال وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ، فَلَوْ ظَهَرَ الصَّدِيدُ عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ وَلَمْ يَسِل لَمْ يَكُنْ حَدَثًا؛ لأَِنَّهُ إِذَا لَمْ يَسِل كَانَ فِي مَحَلِّهِ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَتِرًا بِالْجِلْدَةِ، وَانْشِقَاقُهَا يُوجِبُ زَوَال السُّتْرَةِ لاَ زَوَال الصَّدِيدِ عَنْ مَحَلِّهِ، وَلاَ حُكْمَ لِلنَّجَسِ مَا دَامَ فِي مَحَلِّهِ، فَإِذَا سَال عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ فَقَدِ انْتَقَل عَنْ مَحَلِّهِ فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ.
وَعِنْدَ زُفَرَ: يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ سَوَاءٌ سَال عَنْ مَحَلِّهِ أَمْ لَمْ يَسِل؛ لأَِنَّ الْحَدَثَ الْحَقِيقِيَّ عِنْدَهُ هُوَ ظُهُورُ النَّجِسِ مِنَ الآْدَمِيِّ الْحَيِّ، وَقَدْ ظَهَرَ؛ وَلأَِنَّ ظُهُورَ النَّجِسِ اعْتُبِرَ حَدَثًا فِي السَّبِيلَيْنِ، سَال عَنْ رَأْسِ الْمَخْرَجِ أَوْ لَمْ يَسِل، فَكَذَا فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ (11) .
6 - وَالْحَنَابِلَةُ كَالْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ الأَْصْل انْتِقَاضُ الْوُضُوءِ بِخُرُوجِ النَّجِسِ مِنَ الْبَدَنِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ السَّبِيلَيْنِ أَمْ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا اسْتَدَل بِهِ الْحَنَفِيَّةُ، إِلاَّ أَنَّ الَّذِي يَنْقُضُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْكَثِيرُ مِنْ ذَلِكَ دُونَ الْيَسِيرِ، قَال الْقَاضِي: الْيَسِيرُ لاَ يَنْقُضُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الصَّحَابَةِ - ﵃، قَال ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الدَّمِ: إِذَا كَانَ فَاحِشًا فَعَلَيْهِ الإِْعَادَةُ، وَابْنُ أَبِي أَوْفَى بَزَقَ دَمًا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، وَابْنُ عُمَرَ عَصَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ دَمٌ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، قَال أَحْمَدُ: عِدَّةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ تَكَلَّمُوا فِيهِ.
وَحَدُّ الْكَثِيرِ الَّذِي يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فِي نَصِّ أَحْمَدَ: هُوَ مَا فَحُشَ فِي نَفْسِ كُل أَحَدٍ بِحَسَبِهِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ: الْفَاحِشُ مَا فَحُشَ فِي قَلْبِكَ، قَال الْخَلاَّل: إِنَّهُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ، قَال فِي الشَّرْحِ: لأَِنَّ اعْتِبَارَ حَال الإِْنْسَانِ بِمَا يَسْتَفْحِشُهُ غَيْرُهُ فِيهِ حَرَجٌ فَيَكُونُ مَنْفِيًّا، وَقَال ابْنُ عَقِيلٍ: إِنَّمَا يُعْتَبَرُ مَا يَفْحُشُ فِي نُفُوسِ أَوْسَاطِ النَّاسِ، وَلَوِ اسْتَخْرَجَ كَثِيرَهُ بِقُطْنَةٍ نَقَضَ أَيْضًا؛ لأَِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمُعَالَجَةٍ لاَ أَثَرَ لَهُ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ وَعَدَمِهِ، وَقَدْ نُقِل عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِل: كَمِ الْكَثِيرُ؟ فَقَال: شِبْرٌ فِي شِبْرٍ، وَفِي مَوْضِعٍ قَال: قَدْرُ الْكَفِّ فَاحِشٌ، وَفِي مَوْضِعٍ قَال: الَّذِي يُوجِبُ الْوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ مِقْدَارَ مَا يَرْفَعُهُ الإِْنْسَانُ بِأَصَابِعِهِ الْخَمْسِ مِنَ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ وَالْقَيْءِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ، فَقِيل لَهُ: إِنْ كَانَ مِقْدَارَ عَشَرَةِ أَصَابِعَ؟ فَرَآهُ كَثِيرًا (12)
صَلاَةُ مَنْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ أَوْ بَدَنُهُ بِالصَّدِيدِ:
7 - مِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الصَّلاَةِ: طَهَارَةَ الثَّوْبِ، وَالْبَدَنِ، وَالْمَكَانِ مِنَ النَّجَاسَةِ، فَإِذَا أَصَابَ الْبَدَنَ أَوِ الثَّوْبَ شَيْءٌ مِنَ الصَّدِيدِ فَإِنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ يُعْفَى عَنِ الْيَسِيرِ وَتَجُوزُ الصَّلاَةُ بِهِ؛ لأَِنَّ الإِْنْسَانَ غَالِبًا لاَ يَسْلَمُ مِنْ مِثْل هَذَا؛ وَلأَِنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
8 - لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الْيَسِيرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ غَيْرِ زُفَرَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ، فَإِنْ زَادَ لَمْ تَجُزِ الصَّلاَةُ بِهِ، وَقَال زُفَرُ: لاَ يُعْفَى عَنْهُ؛ لأَِنَّ قَلِيل النَّجَاسَةِ وَكَثِيرَهَا سَوَاءٌ.
وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُعْفَى عَمَّا دُونَ الدِّرْهَمِ، أَمَّا قَدْرُ الدِّرْهَمِ فَقَدْ قِيل: إِنَّهُ مِنَ الْكَثِيرِ وَقِيل: إِنَّهُ مِنَ الْقَلِيل.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قِيل: يُعْفَى عَنِ الْقَلِيل وَالْكَثِيرِ عَلَى الرَّاجِحِ مَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ؛ لأَِنَّ الإِْنْسَانَ لاَ يَخْلُو مِنْهَا غَالِبًا، فَلَوْ وَجَبَ الْغُسْل فِي كُل مَرَّةٍ لَشَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، أَمَّا مَا خَرَجَ مِنْهَا بِفِعْلِهِ فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ فَقَطْ، وَقِيل: يُعْفَى عَنِ الْيَسِيرِ فَقَطْ، وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَتَعَافَاهُ النَّاسُ فِي الْعَادَةِ،
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: الْيَسِيرُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ هُوَ الَّذِي لَمْ يُنْقِضِ الْوُضُوءَ، أَيْ: مَا لاَ يَفْحُشْ فِي النَّفْسِ (1) .
__________
(1) لسان العرب والمصباح المنير مادة (صدد) .
(2) المعجم الوسيط ولسان العرب والحطاب مع المواق 1 / 104 - 105.
(3) البدائع 1 / 60 والدسوقي 1 / 56، ومغني المحتاج 1 / 79، وكشاف القناع 1 / 124، والمغني 1 / 186.
(4) مغني المحتاج 1 / 32، والدسوقي 1 / 114 - 115.
(5) حديث: " أن رجلين من أصحاب النبي ﷺ حرسا المسلمين. . . ". أخرجه أبو داود (1 / 136 - ط. عزت عبيد دعاس) من حديث جابر بن عبد الله، وصححه ابن خزيمة (1 / 24 - ط. المكتب الإسلامي) .
(6) حديث أبي أمامة: إنما علينا الوضوء. أخرجه الطبراني (8 / 249 - ط وزارة الأوقاف العراقية) وأورده الهيثمي في المجمع (2 / 152 - ط. القدسي) وأعله بضعف راويين فيه.
(7) حديث: " من أصابه قيء أو رعاف أو قلس ". أخرجه ابن ماجه (1 / 385، 389 ط. الحلبي) من حديث عائشة، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 223 ط دار الجنان) " هذا إسناد ضعيف ".
(8) حديث قوله لفاطمة بنت أبي حبيش: " توضئي. . . . ". حديث عائشة بلفظ: " إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي " ولم نهتد إلى اللفظ الوارد في البحث.
(9) حديث تميم الداري: " الوضوء من كل دم سائل ". أخرجه الدارقطني (1 / 157 - ط دار المحاسن) وأعله بانقطاع في سنده وبجهالة راويين فيه.
(10) البدائع 1 / 24.
(11) البدائع 1 / 25.
(12) كشاف القناع 1 / 124 - 125، والمغني 1 / 184 - 186.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 344/ 26