الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
دم فاسد أصفر ثخين أصله دم يَكُون في القروح . ومن أمثلته ما ذكره الفقهاء عن طهارته، أو نجاسته، ونقضه للوضوء . ومن شواهده قول ابن قدامة : " والقيح نجس؛ لأنه دم استحال إلى نتن، وفساد، والصديد مثله، إلا أن أحمد قال : هما أخف حكماً من الدم، لوقوع الخلاف في نجاستهما، وعدم النص فيهما ".
دم فاسد أصفر ثخين أصله دم يَكُون في القروح.
التَّعْرِيفُ:
1 - الْقَيْحُ فِي اللُّغَةِ: الْمِدَّةُ الْخَالِصَةُ الَّتِي لاَ يُخَالِطُهَا دَمٌ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الصَّدِيدُ:
2 - الصَّدِيدُ هُوَ مَاءُ الْجُرْحِ الرَّقِيقُ الْمُخْتَلِطُ بِدَمٍ قَبْل أَنْ تَغْلُظَ الْمِدَّةُ (3) ، وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لَهُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الصَّدِيدَ يَكُونُ فِي الْجُرْحِ قَبْل الْقَيْحِ.
ب - الدَّمُ:
3 - الدَّمُ - بِالتَّخْفِيفِ - هُوَ ذَلِكَ السَّائِل الأَْحْمَرُ الَّذِي يَجْرِي فِي عُرُوقِ الْحَيَوَانَاتِ وَعَلَيْهِ تَقُومُ الْحَيَاةُ (4) .
وَيَسْتَعْمِل الْفُقَهَاءُ الدَّمَ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ بِمَعْنَى الْقِصَاصِ وَالْهَدْيِ (5) .
وَالدَّمُ بِالْمَعْنَى الأَْوَّل أَصْل الْقَيْحِ.
الأَْحْكَامُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْقَيْحِ:
(حُكْمُ الْقَيْحِ مِنْ حَيْثُ النَّجَاسَةُ وَالطَّهَارَةُ:)
4 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقَيْحَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَدَنِ الإِْنْسَانِ فَهُوَ نَجِسٌ؛ لأَِنَّهُ مِنَ الْخَبَائِثِ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} ، وَالطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ تَسْتَخْبِثُهُ، وَالتَّحْرِيمُ لاَ لِلاِحْتِرَامِ دَلِيل النَّجَاسَةِ؛ لأَِنَّ مَعْنَى النَّجَاسَةِ مَوْجُودٌ فِي الْقَيْحِ إِذِ النَّجِسُ اسْمٌ لِلْمُسْتَقْذَرِ وَهَذَا مِمَّا تَسْتَقْذِرُهُ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ لاِسْتِحَالَتِهِ إِلَى خَبَثٍ وَنَتْنِ رَائِحَةٍ؛ وَلأَِنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنَ الدَّمِ وَالدَّمُ نَجِسٌ (6) .
انْتِقَاضُ الْوُضُوءِ بِالْقَيْحِ:
5 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِالْقَيْحِ، فَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: لاَ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِخُرُوجِ الْقَيْحِ مِنَ الْبَدَنِ؛ لأَِنَّ النَّجَاسَةَ الَّتِي تَنْقُضُ الْوُضُوءَ عِنْدَهُمْ هِيَ مَا خَرَجَتْ مِنَ السَّبِيلَيْنِ فَقَطْ، فَلاَ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِالنَّجَاسَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ كَالْحِجَامَةِ وَالْقَيْحِ؛ لِمَا رُوِيَ: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ حَرَسَا الْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَقَامَ أَحَدُهُمَا يُصَلِّي فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنَ الْكُفَّارِ بِسَهْمٍ فَنَزَعَهُ وَصَلَّى وَدَمُهُ يَجْرِي (7) . وَعَلِمَ النَّبِيُّ ﷺ بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ (8) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ خُرُوجَ الْقَيْحِ مِنَ الْبَدَنِ إِلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، قَال السَّرَخْسِيُّ: لَوْ تَوَرَّمَ رَأْسُ الْجُرْحِ فَظَهَرَ بِهِ قَيْحٌ وَنَحْوُهُ لاَ يَنْقُضُ مَا لَمْ يَتَجَاوَزِ الْوَرَمَ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَجِبُ غَسْل مَوْضِعِ الْوَرَمِ فَلَمْ يَتَجَاوَزْ إِلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ؛ لأَِنَّ الدَّمَ إِذَا لَمْ يَسِل كَانَ فِي مَحَلِّهِ؛ لأَِنَّ الْبَدَنَ مَحَل الدَّمِ وَالرُّطُوبَاتِ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَتِرًا بِالْجِلْدَةِ وَانْشِقَاقُهَا يُوجِبُ زَوَال السُّتْرَةِ لاَ زَوَال الدَّمِ عَنْ مَحَلِّهِ وَلاَ حُكْمَ لِلنَّجِسِ مَا دَامَ فِي مَحَلِّهِ وَكَذَا هَاهُنَا، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ تَجُوزُ الصَّلاَةُ مَعَ مَا فِي الْبَطْنِ مِنَ الأَْنْجَاسِ (9) .
وَقَال زُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ سَوَاءٌ سَال الْقَيْحُ أَوْ لَمْ يَسِل؛ لأَِنَّ ظُهُورَ النَّجِسِ اعْتُبِرَ حَدَثًا فِي السَّبِيلَيْنِ سَال عَنْ رَأْسِ الْمَخْرَجِ أَوْ لَمْ يَسِل كَذَا فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ (10) .
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ انْتِقَاضُ الْوُضُوءِ بِالْقَيْحِ إِلاَّ أَنَّ الَّذِي يَنْقُضُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْكَثِيرُ مِنْ ذَلِكَ دُونَ الْيَسِيرِ، أَمَّا كَوْنُ الْكَثِيرِ يَنْقُضُ فَلِقَوْلِهِ ﵊ فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، فَتَوَضَّئِي لِكُل صَلاَةٍ (11) ؛ وَلأَِنَّهَا نَجَاسَةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْبَدَنِ أَشْبَهَتِ الْخَارِجَ مِنَ السَّبِيل، وَأَمَّا كَوْنُ الْيَسِيرِ مِنْ ذَلِكَ لاَ يَنْقُضُ فَلِمَفْهُومِ قَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ فِي الدَّمِ: إِذَا كَانَ فَاحِشًا فَعَلَيْهِ الإِْعَادَةُ.
قَال أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إِنَّ الْكَثِيرَ هُوَ مَا فَحُشَ فِي نَفْسِ كُل أَحَدٍ بِحَسْبِهِ، لِقَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄: " الْفَاحِشُ مَا فَحُشَ فِي قَلْبِكَ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يَنْقُضُ قَل أَوْ كَثُرَ (12) . صَلاَةُ مَنْ كَانَ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ قَيْحٌ:
6 - قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْل جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِنْ أَصَابَ بَدَنَ الإِْنْسَانِ أَوْ ثَوْبَهُ شَيْءٌ مِنَ الْقَيْحِ فَإِنَّهُ لاَ تَجُوزُ الصَّلاَةُ إِنْ كَانَ كَثِيرًا؛ لأَِنَّ مِنْ شُرُوطِ الصَّلاَةِ طَهَارَةَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْقَيْحُ يَسِيرًا فَإِنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ يُعْفَى عَنِ الْيَسِيرِ وَتَجُوزُ الصَّلاَةُ بِهِ؛ لأَِنَّ الإِْنْسَانَ غَالِبًا لاَ يَسْلَمُ مِنْ مِثْل هَذَا؛ وَلأَِنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَدْرِ الْيَسِيرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ، انْظُرْ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (صَدِيدٌ ف 17) .
__________
(1) لسان العرب مادة (قيح) .
(2) حاشية الدسوقي 1 / 56، والحطاب 1 / 104، ومغني المحتاج 1 / 79.
(3) المصباح المنير، والمعجم الوسيط، ولسان العرب مادة (صدد) .
(4) متن اللغة، ولسان العرب، ومختار الصحاح مادة (دمي) .
(5) الاختيار 1 / 30، 43، والقوانين الفقهية ص44، 137، وروضة الطالبين 1 / 134، 174.
(6) بدائع الصنائع 1 / 60، وحاشية الدسوقي 1 / 56 ط. دار الفكر، ومغني المحتاج 1 / 77 - 79 ط. مصطفى الحلبي، والمغني لابن قدامة 1 / 186 ط. الرياض، والإنصاف 1 / 325.
(7) حديث: " أن رجلين من أصحاب النبي ﷺ حرسا المسلمين في غزوة ذات الرقاع. . . ". أخرجه أبو داود (1 / 136) ، والحاكم (1 / 157) من حديث جابر بن عبد الله وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(8) حاشية الدسوقي 1 / 115، وشرح الزرقاني 1 / 43، والإقناع شرح أبي شجاع 1 / 54. ط. مصطفى الحلبي، والغاية القصوى 1 / 214. ط. دار الإصلاح، ومغني المحتاج 1 / 32.
(9) بدائع الصنائع 1 / 25، والعناية بهامش فتح القدير 1 / 25.
(10) المراجع السابقة.
(11) حديث: " إنما ذلك عرق. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 332) من حديث عائشة.
(12) كشاف القناع 1 / 124، والإنصاف 1 / 197، والمغني لابن قدامة 1 / 184.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 127/ 34