المليك
كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...
صفة توجب للحي حالًا يقع منه الفعل على وجهٍ دون وجه . وشاهده قوله تعالى : ﭽﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸﭼالنساء / ٢٩ . ويعتد بما يفعله المكلف بإرادته، ورضاه، لا بما يكره عليه .
التَّعْرِيفُ:
1 - الإِْرَادَةُ فِي اللُّغَةِ الْمَشِيئَةُ. وَيَسْتَعْمِلُهَا الْفُقَهَاءُ بِمَعْنَى الْقَصْدِ إِلَى الشَّيْءِ وَالاِتِّجَاهِ إِلَيْهِ (1) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - النِّيَّةُ:
2 - إِذَا كَانَتِ الإِْرَادَةُ مَا سَبَقَ، فَإِنَّ النِّيَّةَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَصْدُ الشَّيْءِ مُقْتَرِنًا بِفِعْلِهِ (2) ، وَعِنْدَ الأَْئِمَّةِ الثَّلاَثَةِ: عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى إِيجَادِ الْفِعْل جَزْمًا (3) وَعَلَى هَذَا فَإِنَّهُ يُلْحَظُ فِي النِّيَّةِ ارْتِبَاطُهَا بِالْعَمَل، وَهِيَ بِغَيْرِ هَذَا الاِرْتِبَاطِ لاَ تُسَمَّى نِيَّةً، بَيْنَمَا لاَ يُلاَحَظُ ذَلِكَ فِي الإِْرَادَةِ.
ب - الرِّضَا:
3 - الرِّضَا هُوَ الرَّغْبَةُ فِي الْفِعْل وَالاِرْتِيَاحُ إِلَيْهِ، فَلاَ تَلاَزُمَ بَيْنَ الإِْرَادَةِ وَالرِّضَا، فَقَدْ يُرِيدُ الْمَرْءُ شَيْئًا مَعَ أَنَّهُ لاَ يَرْضَاهُ - أَيْ لاَ يَرْتَاحُ إِلَيْهِ وَلاَ يُحِبُّهُ - وَمِنْ هُنَا كَانَ تَفْرِيقُ عُلَمَاءِ الْعَقِيدَةِ بَيْنَ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرِضَاهُ، وَكَذَلِكَ تَفْرِقَةُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَهُمَا فِي بَابِ الإِْكْرَاهِ وَغَيْرِهِ.
ج - الاِخْتِيَارُ:
4 - الاِخْتِيَارُ لُغَةً: تَفْضِيل الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِهِ. وَاصْطِلاَحًا: الْقَصْدُ إِلَى أَمْرٍ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ بِتَرْجِيحِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الآْخَرِ. فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِْرَادَةِ أَنَّهَا تُتَّجَهُ إِلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ، وَمَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
5 - أ - لاَ تُعْتَبَرُ الإِْرَادَةُ صَحِيحَةً إِلاَّ إِذَا صَدَرَتْ عَنْ ذِي أَهْلِيَّةٍ وَقَدْ تَنَاوَل الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ، عِنْدَمَا حَكَمُوا بِفَسَادِ تَبَرُّعَاتِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، وَالسَّفِيهِ وَالْمُفْلِسِ وَنَحْوِهِمْ، وَاعْتَبَرُوا إِرَادَتَهُمْ الصَّادِرَةَ بِذَلِكَ لاَغِيَةً لِصُدُورِهَا عَنْ غَيْرِ ذِي أَهْلِيَّةٍ، أَوْ عَنْ مُقَيَّدِ الأَْهْلِيَّةِ، أَوْ نَاقِصِهَا.
ب الأَْصْل فِي الإِْرَادَةِ أَنْ تَصْدُرَ عَنِ الأَْصِيل، وَلَكِنْ قَدْ تَنُوبُ عَنْ إِرَادَةِ الأَْصِيل إِرَادَةُ غَيْرِهِ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ، حَيْثُ تَنُوبُ إِرَادَةُ الْوَكِيل عَنْ إِرَادَةِ الْمُوَكِّل، كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.
وَقَدْ تَنُوبُ إِرَادَةُ غَيْرِ الأَْصِيل عَنْ الأَْصِيل جَبْرًا كَالْوِلاَيَةِ أَوِ الْوِصَايَةِ فَيَلْزَمُ الأَْصِيل بِمَا أَمْضَاهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ مِنْ تَصَرُّفَاتٍ (4) فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلاَمُ عَنْهُ فِي مُصْطَلَحِ (إِجْبَار) .
مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الإِْرَادَةِ:
6 - الأَْصْل أَنْ يُعَبَّرَ عَنِ الإِْرَادَةِ بِاللَّفْظِ الصَّادِرِ عَنْ أَهْلِهِ، وَتَقُومُ مَقَامَهُ الإِْشَارَةُ مِنَ الْعَاجِزِ عَنِ اللَّفْظِ، أَوِ الرِّسَالَةُ، أَوِ السُّكُوتُ، أَوِ التَّعَاطِي، أَوِ الْقَرَائِنُ الْقَوِيَّةُ (5) . وَذَلِكَ مَنْثُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فِي أَبْوَابٍ شَتَّى: كَالطَّلاَقِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْبُيُوعِ، وَمِنْ هُنَا اعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ إِشَارَةَ الأَْخْرَسِ كَعِبَارَتِهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأُْمُورِ.
الإِْرَادَةُ وَالتَّصَرُّفَاتُ:
7 - هُنَاكَ تَصَرُّفَاتٌ لاَ تُنْتِجُ آثَارَهَا إِلاَّ بِمُطَابَقَةِ الْقَبُول لِلإِْيجَابِ، كَالْعُقُودِ، لأَِنَّ الْعَقْدَ مَأْخُوذٌ مِنْ عَقَدَ طَرَفَيِ الْحَبْل، وَقَدْ شَبَّهَ الْفُقَهَاءُ الْعَقْدَ بِالْحَبْل، لاِحْتِيَاجِهِ إِلَى طَرَفَيْنِ، وَبِالتَّالِي إِلَى إِرَادَتَيْنِ، نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْعَ، وَالإِْجَارَةَ، وَالرَّهْنَ، وَالصُّلْحَ، وَالشَّرِكَةَ، وَالْمُضَارَبَةَ، وَالْمُزَارَعَةَ، وَالنِّكَاحَ، وَالْخُلْعَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَهُنَاكَ تَصَرُّفَاتٌ تُنْتِجُ آثَارَهَا بِالإِْرَادَةِ الْمُنْفَرِدَةِ وَهِيَ عَلَى نَوْعَيْنِ:
النَّوْعُ الأَْوَّل: مَا لاَ تَرِدُ فِيهِ الإِْرَادَةُ بِالرَّدِّ كَالْوَقْفِ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي أَبْوَابِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: مَا تَرِدُ فِيهِ الإِْرَادَةُ بِالرَّدِّ، كَالإِْقْرَارِ (6) ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي أَبْوَابِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ أَيْضًا. 8 - إِنَّ إِرَادَةَ الْعَاقِدَيْنِ تُنْشِئُ الْعَقْدَ، وَالإِْرَادَةُ الْمُنْفَرِدَةُ تُنْشِئُ التَّصَرُّفَاتِ غَيْرَ الْعَقْدِيَّةِ. أَمَّا أَحْكَامُ الْعُقُودِ، وَآثَارُهَا فَإِنَّهَا مِنْ تَرْتِيبِ الشَّارِعِ لاَ الْعَاقِدِ (1) .
9 - إِذَا وَقَعَ فِي تَصَرُّفٍ مَا الْغَلَطُ أَوِ التَّغْرِيرُ أَوِ التَّدْلِيسُ أَوِ الإِْكْرَاهُ كَانَ هَذَا التَّصَرُّفُ قَابِلاً لِلإِْبْطَال فِي الْجُمْلَةِ، بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ لِمَنْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي إِرَادَتِهِ (2) .
__________
(1) المقنع 3 / 143 طبع المطبعة السلفية، والبحر الرائق 3 / 322 طبع المطبعة العلمية، وحاشية البجيرمي على منهج الطلاب 4 / 5، طبع المكتبة الإسلامية ديار بكر - تركيا.
(2) نهاية المحتاج 1 / 143، طبع مصطفى محمد.
(3) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 117، طبع المطبعة العثمانية، وحاشية الصفتي على الجواهر الزكية ص 47 و 48 طبع مصطفى البابي الحلبي، والمغني مع الشرح الكبير 3 / 26
(4) مواهب الجليل 4 / 248
(5) بدائع الصنائع 5 / 135 و270 طبع شركة المطبوعات العلمية بمصر، وحاشية ابن عابدين 4 / 13 طبعة بولاق الأولى، وحاشية الدسوقي 3 / 3 طبع عيسى البابي الحلبي، ونهاية المحتاج 6 / 426 والكافي 2 / 802 الطبعة الأولى، وفتح القدير 5 / 77 طبع بولاق 1316، والأشباه والنظائر لابن نجيم بحاشية الحموي ص 184 وما بعدها طبع دار الطباعة العامرة، والمبسوط 11 / 150
(6) انظر المبسوط 13 / 12 - 13 وانظر المدخل الفقهي للزرقا ف / 183 وما بعدها ومصادر الحق في الفقه الإسلامي للسنهوري 2 / 103 طبع لجنة البيان العربي.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 5/ 3