النصير
كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...
العوض الَّذِي يُفْتَدَى بِهِ الأسِيرُ، وَنَحْوُهُ سواء كان مالاً، أو شخصاً . ومن أمثلته يجب تخليص الأسير المسلم، وفداؤه بالمال، أو بأسير للعدو إذَا وَقَعَ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ . ومن شواهده قوله تعَالَى : ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭼالنساء :٧٥ . ويراد في الآية الأسرى، والضعفاء الذين كانوا في مكة . ومن شواهده عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - قَالَ : "أَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا العَانِيَ ." قَالَ سُفْيَانُ : "وَالعَانِي الأَسِيرُ ." البخاري :5373.
العوض الَّذِي يُفْتَدَى بِهِ الأسِيرُ، وَنَحْوُهُ سواء كان مالاً، أو شخصاً.
التَّعْرِيفُ:
1 - الْفِدَاءُ - بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْمَدِّ، وَبِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ مَعَ الْقَصْرِ - فِي اللُّغَةِ: فَكَاكُ الأَْسِيرِ، يُقَال: فَدَاهُ يَفْدِيهِ، وَفَادَى الأَْسِيرَ: اسْتَنْقَذَهُ مِنَ الأَْسْرِ، وَفَدَتْ وَافْتَدَتْ وَفَادَتِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا: بَذَلَتْ لَهُ مَالاً لِيُطَلِّقَهَا، وَقَال ابْنُ بَرِّيٍّ نَقْلاً عَنِ الْوَزِيرِ بْنِ الْمَعَرِّيِّ: يُقَال: فَدَى: إِذَا أَعْطَى مَالاً وَأَخَذَ رَجُلاً، وَأَفْدَى: إِذَا أَعْطَى رَجُلاً وَأَخَذَ مَالاً، وَفَادَى: إِذَا أَعْطَى رَجُلاً وَأَخَذَ رَجُلاً، وَالْفِدَاءُ وَالْفِدْيَةُ وَالْفَدَى كُلُّهُ بِمَعْنًى، وَقَال بَعْضُهُمُ: الْفِدْيَةُ اسْمٌ لِلْمَال الَّذِي يُفْتَدَى بِهِ الأَْسِيرُ، وَنَحْوُهُ. (1)
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ) الْفِدْيَةُ:
2 - الْفِدْيَةُ: مَا يَقِي بِهِ الإِْنْسَانُ نَفْسَهُ مِنْ مَالٍ يَبْذُلُهُ فِي عِبَادَةٍ قَصَّرَ فِيهَا، كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَكَفَّارَةِ الصَّوْمِ، (2) نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} . (3) وَالْفِدْيَةُ أَعَمُّ مِنَ الْفِدَاءِ
ب - الْفَكَاكُ:
3 - الْفَكَاكُ: - بِالْفَتْحِ وَقَدْ يُكْسَرُ - مِنْ فَكَكْتُ الشَّيْءَ فَانْفَكَّ. وَفَكَّ الشَّيْءَ: خَلَّصَهُ، يُقَال: فَكَّ الرَّهْنَ يَفُكُّهُ فَكًّا، وَالأَْسِيرَ: خَلَّصَهُ، وَكُل شَيْءٍ أَطْلَقْتَهُ فَقَدْ فَكَكْتَهُ (4) .
وَبَيْنَ الْفِدَاءِ وَالْفَكَاكِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْفِدَاءِ:
فِدَاءُ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ:
4 - الأَْصْل أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ مُسْلِمٌ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ أَسِيرًا لَزِمَ الْمُسْلِمِينَ النُّهُوضُ لِتَخْلِيصِهِ مِنْ يَدِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلُوا دَارَنَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لأَِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وُجُوبَ عَيْنٍ النُّهُوضُ لِدَفْعِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا دَخَلُوا بَلَدًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَحُرْمَةُ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الدَّارِ، هَذَا إِنْ رُجِيَ إِمْكَانُ تَخْلِيصِهِ، (5) فَإِنْ تَعَذَّرَ تَخْلِيصُهُ بِالْقِتَال وَجَبَ فِدَاؤُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَال عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: إِنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي فَيْئِهِمْ أَنْ يُفَادُوا أَسِيرَهُمْ، وَيُؤَدُّوا عَنْ غَارِمِهِمْ (6) ، وَلأَِنَّ بَيْتَ الْمَال مَوْضُوعٌ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مِنْ أَهَمِّهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ فِدَاؤُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَال، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَالٌ، أَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُول إِلَيْهِ، فَمِنْ مَال الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ، وَيَتَوَلَّى الإِْمَامُ جِبَايَتَهُ، وَالأَْسِيرُ كَأَحَدِهِمْ، وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، (7) لِحَدِيثِ: أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ وَفُكُّوا الْعَانِيَ. (8)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا اضْطُرِرْنَا لِبَذْل مَالٍ لِفِدَاءِ أَسْرَى يُعَذِّبُونَهُمْ أَوْ لإِِحَاطَتِهِمْ بِنَا، وَخِفْنَا اسْتِئْصَالَهُمْ لَنَا وَجَبَ بَذْلُهُ، قَال الشُّبْرَامِلْسِيُّ: يُبْذَل مِنْ بَيْتِ الْمَال إِنْ وُجِدَ فِيهِ، وَإِلاَّ فَمِنْ مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَل ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَأْسُورِ مَالٌ، وَإِلاَّ قُدِّمَ عَلَى بَيْتِ الْمَال، وَقَالُوا يُنْدَبُ فَكُّ الأَْسْرَى غَيْرِ الْمُعَذَّبِينَ إِذَا أُمِنَ قَتْلُهُمْ. (9) فَإِنْ لَمْ يَفْدِ الإِْمَامُ وَالْمُسْلِمُونَ أَثِمُوا جَمِيعًا، لأَِنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ الَّتِي تَسْقُطُ بِقِيَامِ الْبَعْضِ بِهَا، وَعَلَى الأَْسِيرِ فِي هَذَا الْحَال أَنْ يَفُكَّ نَفْسَهُ مِنْ مَالِهِ، وَإِذَا افْتَدَاهُ مُسْلِمٌ بِأَمْرِ الأَْسِيرِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا افْتَدَاهُ بِهِ قَلِيلاً كَانَ أَمْ كَثِيرًا (10) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (أَسْرَى ف 56 - 61) .
فِدَاءُ أَسْرَى الْكُفَّارِ:
5 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الأَْسْرَى الرِّجَال الأَْحْرَارَ الْعُقَلاَءَ مِنَ الْكُفَّارِ يَجُوزُ لِلإِْمَامِ أَخْذُ الْفِدْيَةِ بِالْمَال عَنْهُمْ، إِذَا رَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} . (11)
أَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ مِنَ الْكُفَّارِ فَلاَ يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِدَاؤُهُمْ بِالْمَال، لأَِنَّهُمْ يَصِيرُونَ رَقِيقًا بِالسَّبْيِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ فِدَاءُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ بِالْمَال.
وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ فِدَاءُ الأَْسْرَى. وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: لاَ بَأْسَ بِالْفِدَاءِ إِذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ اسْتِدْلاَلاً بِأَسْرَى بَدْرٍ. (12)
فِدَاءُ الأَْسِيرِ الْمُسْلِمِ، بِآلاَتِ الْحَرْبِ، وَالْكُرَاعِ:
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ فِدَاءِ الأَْسِيرِ الْمُسْلِمِ بِسِلاَحٍ نَدْفَعُهُ لِلْعَدُوِّ.
فَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي أَصَحِّ وَجْهَيْنِ عِنْدَهُمْ: يَجُوزُ ذَلِكَ.
وَفِي جَوَازِهِ وَعَدَمِ جَوَازِهِ قَوْلاَنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، لاِبْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ: فَالْمَنْعُ لاِبْنِ الْقَاسِمِ، وَالْجَوَازُ لأَِشْهَب، مَا لَمْ يَكُنِ الْخَيْل وَالسِّلاَحُ أَمْرًا كَثِيرًا يَكُونُ لَهُمْ بِهِ الْقُدْرَةُ الظَّاهِرَةُ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا رَأْيَانِ. (13) وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ:
وَلاَ يَجُوزُ رَدُّ أَسْلِحَتِهِمُ الَّتِي اسْتَوْلَيْنَا عَلَيْهَا بِمَالٍ يَبْذُلُونَهُ لَنَا، لأَِنَّا لاَ نَبِيعُهُمْ سِلاَحًا، لَكِنَّهُ يَجُوزُ فِي الأَْوْجَهِ عِنْدَهُمْ مُفَادَاةُ أَسْرَانَا بِسِلاَحِهِمُ الَّذِي غَنِمْنَاهُ مِنْهُمْ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ لِلإِْمَامِ فِدَاءُ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ بِخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ، وَطَرِيقُ ذَلِكَ أَنْ يَأْمُرَ الإِْمَامُ أَهْل الذِّمَّةِ بِدَفْعِ ذَلِكَ لِلْعَدُوِّ، وَيُحَاسِبَهُمْ بِقِيمَةِ ذَلِكَ مِمَّا عَلَيْهِمْ مِنَ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ جَازَ شِرَاءُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لاِفْتِدَاءِ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ لِلضَّرُورَةِ، وَقَالُوا: وَمَحَل ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَرْضَوْا إِلاَّ بِذَلِكَ، أَمَّا إِذَا رَضُوا بِغَيْرِهِ فَلاَ يَجُوزُ الْفِدَاءُ بِهِمَا. (14)
فِدَاءُ أَسْرَى الْعَدُوِّ بِأَسْرَى مُسْلِمِينَ:
7 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ لِلإِْمَامِ فِدَاءَ أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ بِأَسْرَى مُسْلِمِينَ أَوْ ذِمِّيِّينَ، وَلَوْ وَاحِدًا فِي مُقَابِل جَمْعٍ مِنْ أَسْرَاهُمْ، قَال الشَّافِعِيَّةُ: رِجَالاً، أَوْ نِسَاءً، أَوْ خَنَاثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ، إِنْ رَأَى الإِْمَامُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ " (15) . لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} (16) . وَلِمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ ﵁، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ فَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ بِرَجُلَيْنِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي بَنِي عَقِيلٍ، وَصَاحِبَ الْعَضْبَاءِ بِرَجُلَيْنِ. (17)
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْهُ: لاَ مُفَادَاةَ بِالأَْسْرَى، لأَِنَّ فِي ذَلِكَ مَعُونَةً لِلْكُفْرِ، لأَِنَّ أَسْرَاهُمْ يَعُودُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا، وَدَفْعُ شَرِّ حِرَابَتِهِمْ خَيْرٌ مِنَ اسْتِنْقَاذِ الأَْسِيرِ الْمُسْلِمِ، لأَِنَّهُ إِذَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ كَانَ ابْتِلاَءً فِي حَقِّهِ غَيْرَ مُضَافٍ إِلَيْنَا، وَالإِْعَانَةُ بِدَفْعِ أَسِرْهُمْ إِلَيْهِمْ مُضَافٌ إِلَيْنَا، وَهُوَ مِنْ بَابِ تَحَمُّل الضَّرَرِ الْخَاصِّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَْشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (18) . وَفِي الْمُفَادَاةِ تَرْكُ الْقَتْل وَهُوَ فَرْضٌ، وَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ الْفَرْضِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ إِقَامَتِهِ بِحَالٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بِجَوَازِ ذَلِكَ. وَجَاءَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: وَهِيَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: أَنَّ تَخْلِيصَ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ وَاجِبٌ وَلاَ يُتَوَصَّل إِلَى ذَلِكَ إِلاَّ بِطَرِيقِ الْمُفَادَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ تَرْكِ قَتْل أَسَارَى الْمُشْرِكِينَ، وَذَلِكَ جَائِزٌ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ أَوْلَى مِنْ قَتْل الْكَافِرِ وَمِنَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ، لأَِنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ عَظِيمَةٌ. (19)
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (أَسْرَى ف 25)
8 - وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ مُفَادَاةِ الأَْسْرَى مِنْ صِبْيَانِ الْمُشْرِكِينَ بِمَالٍ أَوْ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ. وَوَجَّهَ الْحَنَابِلَةُ عَدَمَ الرَّدِّ بِأَنَّ الصَّبِيَّ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلاَمِ سَابِيهِ، فَلاَ يَجُوزُ رَدُّهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ. وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ ذَلِكَ بِمَا إِذَا أُسِرَ الصِّبْيَانُ وَحْدَهُمْ بِدُونِ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَأُخْرِجُوا إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ، لأَِنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْحَال يَصِيرُونَ مُسْلِمِينَ تَبَعًا لِلدَّارِ، فَلاَ يَجُوزُ رَدُّهُمْ لِدَارِ الْكُفْرِ لِذَلِكَ، إِلاَّ أَنَّ ابْنَ عَابِدِينَ قَال: وَلَعَل الْمَنْعَ فِيمَا إِذَا أُخِذَ الْبَدَل مَالاً وَإِلاَّ فَلاَ. (20)
فِدَاءُ أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَسْلَمُوا:
9 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ أَسْلَمَ أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ قَبْل أَنْ يُفَادَى بِهِمْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لاَ تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ، لأَِنَّهُمْ صَارُوا كَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْل الإِْسْلاَمِ، فَلاَ يَجُوزُ تَعْرِيضُهُمْ لِلْفِتْنَةِ بِطَرِيقِ الْمُفَادَاةِ، إِلاَّ إِذَا أُمِنَ عَلَى إِسْلاَمِهِمْ وَطَابَتْ أَنْفُسُهُمْ بِذَلِكَ. (21) وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ لِلإِْمَامِ مُفَادَاتُهُمْ بِالأَْسْرَى، وَبِالْمَال إِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، إِذَا كَانَ الأَْسِيرُ لَهُ ثَمَّ عَشِيرَةٌ يَأْمَنُ مَعَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَدِينِهِ، وَإِلاَّ فَلاَ يَجُوزُ، لِحُرْمَةِ الإِْقَامَةِ بِدَارِ الْحَرْبِ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ عَشِيرَةٌ تَمْنَعُ عَنْهُ. (22)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَسْلَمَ الأَْسِيرُ صَارَ رَقِيقًا كَالْمَرْأَةِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُفَادَى إِلاَّ بِإِذْنِ الْغَانِمِينَ، لأَِنَّهُ صَارَ مَالاً لَهُمْ، لأَِنَّهُ أَسِيرٌ يَحْرُمُ قَتْلُهُ فَصَارَ رَقِيقًا كَالْمَرْأَةِ، وَقِيل: يَحْرُمُ الْقَتْل، وَيُخَيَّرُ فِيهِمُ الأَْسِيرُ بَيْنَ رِقٍّ وَمَنٍّ وَفِدَاءٍ.
وَيَحْرُمُ رَدُّهُ إِلَى الْكُفَّارِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْ يَمْنَعُهُ مِنَ الْكُفَّارِ مِنْ عَشِيرَةٍ وَنَحْوِهَا، (23) وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ: أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺ: أَسَرُوا رَجُلاً فَأَسْلَمَ، وَفَادَى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ (24) .
وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لِلإِْمَامِ أَنْ يُفَادِيَ بِالأَْسِيرِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي سَهْمِ أَحَدِ الْغَانِمِينَ، رَضِيَ أَمْ أَبَى، وَيُعَوِّضَهُ قِيمَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَال، لأَِنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ مِنَ الأَْسْرِ فَرْضٌ عَلَيْهِ وَعَلَى كُل مُسْلِمٍ، بِحَسَبِ الْقُدْرَةِ وَالإِْمْكَانِ، فَإِنِ امْتَنَعَ عَنْهُ نَابَ عَنْهُ الأَْمِيرُ وَعَوَّضَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَال، كَمَا لَوِ اسْتُحِقَّ سَهْمٌ.
أَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَلاَ يُجِيزُ الْمُفَادَاةَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (25) .
فِدَاءُ الْمَمْلُوكِ الْجَانِي:
10 - إِذَا جَنَى مَمْلُوكٌ جِنَايَةَ خَطَأٍ أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، أَوْ عَمْدًا وَعُفِيَ عَلَى مَالٍ، فَلِسَيِّدِهِ الْخِيَارُ، بَيْنَ فِدَائِهِ بِالْمَال، وَتَسْلِيمِهِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَإِنِ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَدَاهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الْقَوْل الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ، وَإِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ إِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ.
وَفِي الْقَوْل الْجَدِيدِ لِلشَّافِعِيِّ يَفْدِيهِ بِالأَْقَل مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ فَمَا دُونَهَا فَالسَّيِّدُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ، أَوْ يُسَلِّمَهُ إِلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَفِيهِ عِنْدَهُمْ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ سَيِّدَهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ، إِلاَّ أَنْ يَفْدِيَهُ بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ (26) . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (رِقٌّ ف 120)
فِدَاءُ أُمِّ الْوَلَدِ:
11 - يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَوْلِدِ فِدَاءُ أُمِّ وَلَدِهِ إِذَا جَنَتْ بِمَا يُوجِبُ الْمَال، وَإِنْ مَاتَتْ عَقِبَ الْجِنَايَةِ لِمَنْعِهِ بَيْعَهَا بِالإِْيلاَدِ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِيلاَدٌ ف 14)
__________
(1) لسان العرب، ومتن اللغة، والمصباح المنير.
(2) المفردات للراغب الأصفهاني.
(3) المفردات للراغب الأصفهاني.
(4) القاموس المحيط.
(5) المنهج 5 / 192، ومغني المحتاج 4 / 220، والتاج والإكليل على هامش مواهب الجليل 3 / 190، والسير الكبير 1 / 207.
(6) حديث: " إن على المسلمين في فيئهم. . . " أخرجه سعيد بن منصور (2 / 317) من حديث حبان بن أبي جبلة مرسلاً.
(7) كشاف القناع 3 / 33، 53، 54، 55، ومغني المحتاج 4 / 212، والبحر الرائق 5 / 90، وفتح القدير 5 / 219 وابن عابدين جـ 3 / 229، والسير الكبير 4 / 1660، وحاشية الدسوقي 2 / 174، والتاج والإكليل على هامش مواهب الجليل 3 / 387.
(8) حديث: " أطعموا الجائع. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 112) من حديث أبي موسى الأشعري.
(9) نهاية المحتاج 8 / 102.
(10) التاج والإكليل على هامش مواهب الجليل 3 / 378، وشرح الزرقاني 3 / 150، وحاشية الدسوقي 2 / 207، والسير الكبير 4 / 1629، وفتح القدير 5 / 219 وابن عابدين 3 / 229.
(11) سورة محمد / 4.
(12) البحر الرائق 5 / 90، والزرقاني 3 / 120، ونهاية المحتاج 8 / 65، 66، والمغني 8 / 376، وحاشية ابن عابدين 3 / 230.
(13) روض الطالب 4 / 193، ونهاية المحتاج 8 / 68، وحاشية الدسوقي 2 / 208، وحاشية الزرقاني 3 / 150، والبحر الرائق 5 / 90.
(14) حاشية الدسوقي 2 / 208، وشرح الزرقاني 3 / 150، وأسنى المطالب 4 / 193، ونهاية المحتاج 8 / 65.
(15) روض الطالب 4 / 193، ونهاية المحتاج 8 / 65، 68، وكشاف القناع 3 / 53، والمغني 8 / 376، وحاشية الدسوقي 2 / 208، وشرح الزرقاني 3 / 150، وفتح القدير 5 / 219، وابن عابدين 3 / 229، والسير الكبير 4 / 1587.
(16) سورة محمد / 4.
(17) حديث عمران بن حصين " أن النبي ﷺ فدى رجلين. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1262 - 1263) .
(18) سورة التوبة / 5.
(19) فتح القدير5 / 220، والسير الكبير 4 / 1587، وابن عابدين 3 / 219.
(20) المصادر السابقة.
(21) حاشية ابن عابدين 3 / 230.
(22) نهاية المحتاج 8 / 66، وأسنى المطالب 4 / 193.
(23) كشاف القناع 3 / 54، والمغني 8 / 374.
(24) حديث: " أن أصحاب النبي ﷺ أسروا رجلاً فأسلم. . . ". تقدم ف7 من حديث عمران بن الحصين.
(25) فتح القدير 5 / 220، والسير الكبير 4 / 1660.
(26) حاشية الدسوقي 4 / 241، وفتح القدير 8 / 355، والقليوبي 4 / 158.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 59/ 32
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".