التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
التَّعْرِيفُ:
1 - الاِسْتِيلاَدُ لُغَةً: مَصْدَرُ اسْتَوْلَدَ الرَّجُل الْمَرْأَةَ إِذَا أَحْبَلَهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ حُرَّةً أَمْ أَمَةً. (1) وَاصْطِلاَحًا كَمَا عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ: تَصْيِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ. (2) وَعَرَّفَ غَيْرُهُمْ أُمَّ الْوَلَدِ بِتَعَارِيفَ مِنْهَا: قَوْل ابْنِ قُدَامَةَ: إِنَّهَا الأَْمَةُ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فِي مِلْكِهِ. (3) فَأُمُّ الْوَلَدِ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الرَّقِيقِ الَّذِي لَهُ فِي الْفِقْهِ أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ مِنْ حَيْثُ نُشُوءُهُ وَمَا يَتْلُوهُ، وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ (اسْتِرْقَاق وَرِقّ) ، وَالْكَلاَمُ هُنَا مُنْحَصِرٌ فِيمَا تَنْفَرِدُ بِهِ أُمُّ الْوَلَدِ عَنْ سَائِرِ الرَّقِيقِ مِنْ أَحْكَامٍ خَاصَّةٍ، وَكَذَلِكَ أَحْكَامُ وَلَدِهَا.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْعِتْقُ:
2 - مِنْ مَعَانِي الْعِتْقِ فِي اللُّغَةِ: السَّرَاحُ وَالاِسْتِقْلاَل.
وَشَرْعًا: رَفْعُ مِلْكِ الآْدَمِيِّينَ عَنْ آدَمِيٍّ مُطْلَقًا تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ يَجْتَمِعُ مَعَ الاِسْتِيلاَدِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَبَبٌ لِلْحُرِّيَّةِ، غَيْرَ أَنَّ الْعِتْقَ قَدْ يَكُونُ مُنْجَزًا، أَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَتَصِيرُ حُرَّةً بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا غَالِبًا، إِذْ يَجُوزُ عِتْقُهَا وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ حَال حَيَاةِ السَّيِّدِ.
التَّدْبِيرُ:
3 - التَّدْبِيرُ: تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ، كَأَنْ يَقُول السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ: أَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتِ حُرَّةٌ دُبُرَ مَوْتِي أَيْ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ مَا شَابَهُ ذَلِكَ مِنَ الأَْلْفَاظِ، فَهُوَ يَجْتَمِعُ مَعَ الاِسْتِيلاَدِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَبَبٌ لِلْحُرِّيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، لَكِنَّ التَّدْبِيرَ بِالْقَوْل، وَالاِسْتِيلاَدَ بِالْفِعْل.
الْكِتَابَةُ:
4 - الْكِتَابَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ: بَيْعُ السَّيِّدِ نَفْسَ رَقِيقِهِ مِنْهُ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ، فَيُعْتَقُ الْعَبْدُ أَوِ الأَْمَةُ بَعْدَ أَدَاءِ مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ، فَكُلٌّ مِنْ الاِسْتِيلاَدِ وَالْمُكَاتَبَةِ سَبَبٌ لِلْحُرِّيَّةِ إِلاَّ أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ عَقْدٌ بِعِوَضٍ.
التَّسَرِّي:
5 - التَّسَرِّي إِعْدَادُ الرَّجُل أَمَتَهُ لأََنْ تَكُونَ مَوْطُوءَةً، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الاِسْتِيلاَدِ حُصُول الْوِلاَدَةِ (4) .
صِفَةُ الاِسْتِيلاَدِ، وَحُكْمُهُ التَّشْرِيعِيُّ، وَحِكْمَةُ التَّشْرِيعِ:
6 - قَال صَاحِبُ الْمُغْنِي: لاَ خِلاَفَ فِي إِبَاحَةِ التَّسَرِّي وَوَطْءِ الإِْمَاءِ، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (5) وَقَدْ كَانَتْ مَارِيَةُ الْقِبْطِيَّةُ أُمَّ وَلَدِ النَّبِيِّ ﷺ حَيْثُ وَلَدَتْ لَهُ إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَتْ هَاجَرُ أُمَّ إِسْمَاعِيل سُرِّيَّةَ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أُمَّهَاتُ أَوْلاَدٍ، وَكَذَلِكَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَلِكَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ﵃، وَكَانَ عَلِيٌّ زَيْنُ الْعَابِدِينَ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، مِنْ أُمَّهَاتِ الأَْوْلاَدِ،
وَرُوِيَ أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَرْغَبُونَ فِي أُمَّهَاتِ الأَْوْلاَدِ حَتَّى وُلِدَ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ الأَْوْلاَدِ، فَرَغِبَ النَّاسُ فِيهِنَّ. (6)
وَيُقْصَدُ بِالاِسْتِيلاَدِ الْوَلَدُ، فَقَدْ يَرْغَبُ الشَّخْصُ فِي الأَْوْلاَدِ وَلاَ يَتَيَسَّرُ لَهُ ذَلِكَ مِنَ الْحَرَائِرِ، وَأَبَاحَ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَتَسَرَّى مَنْ تَلِدُ لَهُ.
وَمَنْ تَحْمِل مِنْ سَيِّدِهَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ مِنْ كُل مَالِهِ تَبَعًا لِوَلَدِهَا. (7)
وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ قَوْل النَّبِيِّ أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ (8) . وَالاِسْتِيلاَدُ وَسِيلَةٌ لِلْعِتْقِ، وَالْعِتْقُ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرَبِ. (9)
حُكْمُ وَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا:
7 - إِذَا صَارَتِ الأَْمَةُ أُمَّ وَلَدٍ بِوِلاَدَتِهَا مِنْ سَيِّدِهَا، ثُمَّ وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِهِ، كَانَ لِذَلِكَ الْوَلَدِ حُكْمُ أُمِّهِ فِي الْعِتْقِ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، وَغَيْرُهُ مِنْ أَحْكَامِهَا، وَأَمَّا أَوْلاَدُهَا الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ قَبْل ثُبُوتِ حُكْمِ الاِسْتِيلاَدِ لَهَا فَلاَ يَتَّبِعُونَهَا، وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ حُكْمُ أُمِّهِمْ. (10)
مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الاِسْتِيلاَدُ وَشَرَائِطُهُ:
8 - يَتَحَقَّقُ الاِسْتِيلاَدُ (بِمَعْنَى أَنْ تَصِيرَ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ) بِوِلاَدَةِ الْوَلَدِ الْحَيِّ أَوِ الْمَيِّتِ، لأَِنَّ الْمَيِّتَ وَلَدٌ، بِهِ تَتَعَلَّقُ أَحْكَامُ الْوِلاَدَةِ فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَتَصِيرُ الْمَرْأَةُ نُفَسَاءَ، وَكَذَا إِذَا أَسْقَطَتْ سَقْطًا مُسْتَبِينًا خَلْقُهُ أَوْ بَعْضُ خَلْقِهِ وَأَقَرَّ السَّيِّدُ بِوَطْئِهَا، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحَيِّ الْكَامِل الْخِلْقَةِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا ثُبُوتُ النَّسَبِ إِذَا أَقَرَّ السَّيِّدُ بِالْوَطْءِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ اشْتَرَطُوا إِقْرَارَهُ بِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ.
وَإِذَا تَزَوَّجَ الشَّخْصُ أَمَةَ غَيْرِهِ فَأَوْلَدَهَا أَوْ أَحْبَلَهَا ثُمَّ مَلَكَهَا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِذَلِكَ، سَوَاءٌ مَلَكَهَا حَامِلاً فَوَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ، أَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ وِلاَدَتِهَا، وَبِهَذَا قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، لأَِنَّهَا عَلِقَتْ مِنْهُ بِمَمْلُوكٍ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الاِسْتِيلاَدِ.
وَنُقِل عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ فِي الْحَالَيْنِ، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ، لأَِنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ وَهُوَ مَالِكٌ لَهَا، فَثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الاِسْتِيلاَدِ، كَمَا لَوْ حَمَلَتْ فِي مِلْكِهِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ اشْتَرَاهَا حَامِلاً فَإِنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِهَذَا الْحَمْل (11) .
مَا يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ:
9 - إِذَا حَبِلَتِ الأَْمَةُ مِنْ سَيِّدِهَا وَوَلَدَتْ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الإِْمَاءِ فِي حِل وَطْءِ سَيِّدِهَا لَهَا، وَاسْتِخْدَامِهَا، وَمِلْكِ كَسْبِهَا، وَتَزْوِيجِهَا، وَإِجَارَتِهَا، وَعِتْقِهَا، وَهَذَا قَوْل أَكْثَرِ أَهْل الْعِلْمِ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَجُوزُ لِسَيِّدِهَا تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا، فَإِنْ رَضِيَتْ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ، قَالُوا: لأَِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الأَْخْلاَقِ، وَقَالُوا: إِنَّ إِجَارَتَهَا كَذَلِكَ لاَ تَجُوزُ إِلاَّ بِرِضَاهَا وَإِلاَّ فُسِخَتْ، وَلِلسَّيِّدِ قَلِيل خِدْمَتِهَا. (12)
مَا لاَ يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ:
10 - جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ التَّابِعِينَ - (13) عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ لاَ يَجُوزُ لَهُ فِي أُمِّ وَلَدِهِ التَّصَرُّفُ بِمَا يَنْقُل الْمِلْكَ، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَلاَ وَقْفُهَا، وَلاَ رَهْنُهَا، وَلاَ تُورَثُ، بَل تَعْتِقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ مِنْ كُل الْمَال وَيَزُول الْمِلْكُ عَنْهَا. رُوِيَ عَنْ عُبَيْدَةَ قَال: خَطَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ، فَقَال: " شَاوَرَنِي عُمَرُ فِي أُمَّهَاتِ الأَْوْلاَدِ فَرَأَيْتُ أَنَا وَعُمَرُ أَنْ أَعْتِقَهُنَّ، فَقَضَى بِهِ عُمَرُ حَيَاتَهُ، وَعُثْمَانُ حَيَاتَهُ، فَلَمَّا وُلِّيتُ رَأَيْتُ أَنْ أَرِقَّهُنَّ. قَال عُبَيْدَةُ: فَرَأْيُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِ عَلِيٍّ وَحْدَهُ. (14) وَرُوِيَ الْقَوْل بِهَذَا أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ، وَرُوِيَ الْخِلاَفُ فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ قَالُوا بِإِبَاحَةِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ.
وَالأَْصْل فِي الْبَابِ حَدِيثُ أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ (15) وَخَبَرُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الأَْوْلاَدِ، لاَ يُوهَبْنَ وَلاَ يُورَثْنَ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا سَيِّدُهَا مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ (16) .
أَثَرُ اخْتِلاَفِ الدِّينِ فِي الاِسْتِيلاَدِ:
11 - قَال الْفُقَهَاءُ: يَصِحُّ اسْتِيلاَدُ الْكَافِرِ، ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا أَوْ مُرْتَدًّا، كَمَا يَصِحُّ مِنْهُ الْعِتْقُ.
وَإِذَا اسْتَوْلَدَ الذِّمِّيُّ أَمَتَهُ الذِّمِّيَّةَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ لَمْ تَعْتِقْ فِي الْحَال عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْمُعْتَمَدَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَعْتِقُ إِذْ لاَ سَبِيل إِلَى بَيْعِهَا، وَلاَ إِلَى إِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَيْهَا، لِمَا فِيهِ مِنْ إِثْبَاتِ مِلْكِ الْكَافِرِ عَلَى مُسْلِمَةٍ، فَلَمْ يَجُزْ كَالأَْمَةِ.
وَعَنْ الإِْمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهَا تُسْتَسْعَى، فَإِنْ أَرَادَتْ عَتَقَتْ، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا لَمْ يُسْلِمْ مَالِكُهَا، لأَِنَّ فِي الاِسْتِسْعَاءِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ: حَقِّهَا فِي أَلاَّ تَبْقَى مِلْكًا لِلْكَافِرِ، وَحَقِّهِ فِي حُصُول عِوَضٍ عَنْ مِلْكِهِ، فَأَشْبَهَ بَيْعَهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ، وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدٍ لِكَافِرٍ مُنِعَ مِنْ وَطْئِهَا أَوِ التَّلَذُّذِ بِهَا، وَيُحَال بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَيُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهَا فَإِذَا أَسْلَمَ حَلَّتْ لَهُ. (17)
مَا تَخْتَصُّ بِهِ الْمُسْتَوْلَدَةُ:
الأَْصْل فِي أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الأَْوْلاَدِ أَنَّهَا كَأَحْكَامِ الإِْمَاءِ فِي جَمِيعِ الأُْمُورِ، إِلاَّ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تَخْتَصُّ بِمَا يَلِي:
أ - الْعِدَّةِ:
12 - إِذَا مَاتَ السَّيِّدُ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ، وَأَمَّا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ فَلاَ يُكْتَفَى بِحَيْضَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ فِي الْمَوْتِ وَغَيْرِهِ كَتَفْرِيقِ الْقَاضِي لأَِنَّ عِدَّتَهَا لِتَعْرِفَ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ، وَهَذَا إِذَا كَانَتْ غَيْرَ يَائِسَةٍ وَغَيْرَ حَامِلٍ، فَإِنَّ عِدَّةَ الْيَائِسَةِ شَهْرَانِ، وَعِدَّةَ الْحَامِل وَضْعُ الْحَمْل، وَلاَ نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ عِنْدَ كُل الْفُقَهَاءِ، لأَِنَّهَا عِدَّةُ وَطْءٍ لاَ عِدَّةُ عَقْدٍ. (18)
ب - الْعَوْرَةُ:
13 - عَوْرَةُ أُمِّ الْوَلَدِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَالظَّهْرُ وَالْبَطْنُ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهَا لاَ تُصَلِّي إِلاَّ بِقِنَاعٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ عَوْرَتَهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. (19)
جِنَايَةُ أُمِّ الْوَلَدِ:
14 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إِذَا جَنَتْ جِنَايَةً أَوْجَبَتِ الْمَال، أَوْ أَتْلَفَتْ شَيْئًا، فَعَلَى السَّيِّدِ فِدَاؤُهَا بِأَقَل الأَْمْرَيْنِ: مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْحُكْمِ عَلَى أَنَّهَا أَمَةٌ بِدُونِ مَالِهَا، أَوِ الأَْرْشِ، حَتَّى وَإِنْ كَثُرَتِ الْجِنَايَاتُ.
وَحُكِيَ قَوْلٌ آخَرُ عَنِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ عَلَى السَّيِّدِ فِدَاءَهَا بِأَرْشِ جِنَايَتِهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، كَالْقِنِّ (20) .
إِقْرَارُ أُمِّ الْوَلَدِ بِجِنَايَةٍ:
15 - إِذَا أَقَرَّتْ أُمُّ الْوَلَدِ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَال لَمْ يَجُزْ إِقْرَارُهَا، لأَِنَّهُ إِقْرَارٌ عَلَى السَّيِّدِ، وَهَذَا بِخِلاَفِ الإِْقْرَارِ بِالْقَتْل عَمْدًا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ إِقْرَارُهَا عَلَى نَفْسِهَا فَتُقْتَل بِهِ. وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ. (21)
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الْعَبْدَ - وَأُمُّ الْوَلَدِ مِثْلُهُ - يَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، لأَِنَّ الْحَقَّ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ.
وَأَمَّا إِقْرَارُهُ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لاَ يُقْبَل، وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، لأَِنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّ سَيِّدِهِ بِإِقْرَارِهِ، وَلأَِنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي أَنَّهُ يُقِرُّ لِرَجُلٍ لِيَعْفُوَ عَنْهُ وَيَسْتَحِقَّ أَخْذَهُ، فَيَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ سَيِّدِهِ.
وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِهِ، لأَِنَّهُ أَحَدُ فَرْعَيِ الْقِصَاصِ، فَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِمَا دُونَ النَّفْسِ. (22)
الْجِنَايَةُ عَلَى جَنِينِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ سَيِّدِهَا:
16 - تَقَدَّمَ أَنَّ حَمْل أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ سَيِّدِهَا حُرٌّ، فَلَوْ ضَرَبَهَا أَحَدٌ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا فَفِيهِ دِيَةُ جَنِينِ الْحُرَّةِ، اُنْظُرْ مُصْطَلَحَ (إجْهَاض) .
الْجِنَايَةُ عَلَيْهَا:
17 - إِذَا قَتَل الْمُسْتَوْلَدَةَ حُرٌّ، فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرَّةِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: دِيَةُ الْعَبْدِ قِيمَتُهُ. فَإِنْ بَلَغَتْ دِيَةُ الْحُرِّ، أَوْ بَلَغَتْ قِيمَةُ الأَْمَةِ قِيمَةَ دِيَةِ الْحُرَّةِ يُنْقَصُ كُلٌّ مِنْ دِيَةِ الْعَبْدِ أَوِ الأَْمَةِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، إِظْهَارًا لاِنْحِطَاطِ مَرْتَبَةِ الرَّقِيقِ عَنِ الْحُرِّ. وَتَعْيِينُ الْعَشَرَةِ بِأَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ (23) . أَمَّا إِذَا قَتَلَهَا رَقِيقٌ فَيُقْتَل بِهَا لأَِنَّهَا أَكْمَل مِنْهُ. (24)
أَثَرُ مَوْتِ الْمُسْتَوْلَدَةِ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهَا عَلَيْهَا، وَعَلَى وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ:
18 - إِذَا مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ قَبْل سَيِّدِهَا لاَ يَبْطُل حُكْمُ الاِسْتِيلاَدِ فِي الْوَلَدِ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ بَعْدَ ثُبُوتِ حُكْمِ الاِسْتِيلاَدِ لَهَا، بَل يَعْتِقُونَ بِمَوْتِ السَّيِّدِ. (25)
الْوَصِيَّةُ لِلْمُسْتَوْلَدَةِ وَإِلَيْهَا:
19 - تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لأُِمِّ الْوَلَدِ، قَال صَاحِبُ الْمُغْنِي: لاَ نَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ الْقَائِلِينَ بِثُبُوتِ حُكْمِ الاِسْتِيلاَدِ. فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ " أَوْصَى لأُِمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ، أَرْبَعَةِ آلاَفٍ لِكُل امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ (26) وَلأَِنَّ أُمَّ الْوَلَدِ حُرَّةٌ فِي حَال نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ لأَِنَّ عِتْقَهَا يَتَنَجَّزُ بِمَوْتِهِ، فَلاَ تَقَعُ الْوَصِيَّةُ لَهَا إِلاَّ فِي حَال حُرِّيَّتِهَا، وَذَلِكَ إِذَا احْتَمَلَهَا الثُّلُثُ، فَمَا زَادَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَجَازُوهُ جَازَ إِلاَّ رُدَّ إِلَيْهِمْ.
وَكَذَلِكَ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ إِلَى الْمُسْتَوْلَدَةِ بَعْدَ وَفَاةِ سَيِّدِهَا إِذَا كَانَتْ صَالِحَةً لِذَلِكَ، لأَِنَّهَا بَعْدَ عِتْقِهَا بِمَوْتِ سَيِّدِهَا كَسَائِرِ الْحَرَائِرِ، فَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ إِلَيْهَا. (1)
__________
(1) المصباح مادة (ولد) ، وانفرد الحنفية بهذا العنوان (استيلاد) أما غيرهم من فقهاء المذاهب فقد عنونوا لذلك بـ (أمهات الأولاد) .
(2) البدائع 4 / 123.
(3) المغني 9 / 527 ط الرياض.
(4) حاشية البجيرمي على المنهج 4 / 412، 423، 427، وابن عابدين 3 / 113.
(5) سورة المؤمنون / 5، 6.
(6) المغني 9 / 527، 528.
(7) شرح المنهج 4 / 442، 443.
(8) حديث " أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبر منه " أخرجه الحاكم من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ " أيما امرأة ولدت من سيدها فهي حرة بعد موته " قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله: وفيه حسين وهو متروك. وأخرجه ابن ماجه بلفظ مقارب. وقال الحافظ البوصيري في الزوائد: في إسناده الحسين بن عبد الله بن عباس، تركه ابن المديني وغيره، وضعفه أبو حاتم وغيره، وقال البخاري: إنه كان يتهم بالزندقة (المستدرك 2 / 19 نشر دار الكتاب العربي، وسنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 2 / 841 ط عيسى الحلبي 1373 هـ) .
(9) الدسوقي 4 / 359.
(10) البدائع 4 / 131، والمغني 9 / 542.
(11) المغني 9 / 528، 534، ورد المحتار 3 / 36 ط بولاق، والقليوبي 4 / 62، والكافي لابن عبد البر 9 / 981.
(12) الدسوقي 4 / 410، 411، والمغني 9 / 527، 528، والبدائع 4 / 130.
(13) المراجع السابقة.
(14) والأثر عن علي ﵁ أخرجه عبد الرزاق والبيهقي، ولفظ عبد الرزاق: " اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد ألا يبعن، قال: ثم رأيت بعد أن يبعن، قال عبيدة: فقلت له فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة - أو قال في الفتنة - قال: فضحك علي " قال الشوكاني: وهذا الإسناد معدود في أصح ال وسنن البيهقي 10 / 348 ط الهند، ونيل الأوطار 6 / 223 - 224 ط دار الجيل) .
(15) سبق تخريج الحديث (ف / 6)
(16) أثر " أمهات الأولاد لا يوهبن، ولا يورثن، يستمتع بها سيدها ما دام حيا، فإذا مات فهي حرة ". أخرجه الدارقطني مرفوعا وموقوفا. قال ابن القطان: وعندي أن الذي أسنده خير ممن وقفه (سنن الدارقطني 3 / 134 - 135 ط دار المحاسن للطباعة 1386 هـ، ونصب الراية 3 / 288 ط دار المحاسن) .
(17) ابن عابدين 5 / 398، والشرح الكبير 4 / 412، والمغني 9 / 544.
(18) ابن عابدين 2 / 608، والشرح الكبير 4 / 465، والمغني 9 / 546.
(19) الهداية 1 / 229، والدسوقي 1 / 213، والمجموع 3 / 167، وكشاف القناع 1 / 266.
(20) البدائع 4 / 131، 132، والدسوقي 4 / 411، والبجيرمي على المنهج 4 / 160، والمغني 9 / 545.
(21) ابن عابدين 5 / 398، والدسوقي 3 / 398.
(22) المغني 5 / 151، 152 ط الرياض.
(23) أثر ابن مسعود في " نقص عشرة دراهم من دية العبد والأمة " أورده صاحب الدر المختار، ولم نعثر عليه فيما لدينا من مراجع السنن والآثار، وإنما أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال لي عبد الكريم عن علي وابن مسعود وشريح: " دية المملوك ثمنه، وإن خلّف دية الحر " (مصنف عبد الرزاق 10 / 10 نشر المجلس العلمي) .
(24) بداية المجتهد 2 / 451، والدر 5 / 396.
(25) المغني والشرح الكبير 11 / 506، 507.
(26) الأثر عن عمر بن الخطاب ﵁. أخرجه الدارمي واللفظ له، وسعيد بن منصور (سنن الدارمي 2 / 423 ط المطبعة الحديثة بدمشق 1349 هـ، وكتاب السنن لسعيد بن منصور - القسم الأول من المجلد الثالث ص 110 رقم 438 ط مطبعة علمي بريس (ماليكاؤن) 1387 هـ) .
الموسوعة الفقهية الكويتية: 164/ 4