الْكُرْهُ
من معجم المصطلحات الشرعية
نفور النَّفْسِ عَنِ الشَّيْءِ، وهو ضِدُّ الْحُبِّ . ومن أمثلته وجوب كُرْهِ المسلم للْكُفْرِ، وَكُرْهِه للْمَعْصِيَةِ . ومن شواهده قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : "ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ؛ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ، وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ." البخاري :16.
من موسوعة المصطلحات الإسلامية
التعريف
من ألفاظ الكراهة، وقد يدل على التحريم، وقيل يرجع في دلالته إلى القرائن.
من الموسوعة الكويتية
التَّعْرِيفُ:
1 - الْكُرْهُ فِي اللُّغَةِ - بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا - الْمَشَقَّةُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ كَرِهْتُ الشَّيْءَ أَكْرَهُهُ كُرْهًا - بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ - ضِدُّ أَحْبَبْتُهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ.
وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْل اللُّغَةِ إِلَى أَنَّ الْكُرْهَ وَالْكَرْهَ لُغَتَانِ، فَبِأَيِّ لُغَةٍ وَقَعَ فَهُوَ جَائِزٌ، إِلاَّ الْفَرَّاءَ فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الْكُرْهَ - بِالضَّمِّ - مَا أَكْرَهْتَ نَفْسَكَ عَلَيْهِ، وَالْكَرْهُ - بِالْفَتْحِ - مَا أَكْرَهَكَ غَيْرُكَ عَلَيْهِ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ: الْكَرْهُ - بِالْفَتْحِ - الْمَشَقَّةُ، وَبِالضَّمِّ: الْقَهْرُ، وَقِيل: بِالْفَتْحِ: الإِْكْرَاهُ، وَبِالضَّمِّ الْمَشَقَّةُ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لَهُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (2) . الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْبُغْضُ:
2 - الْبُغْضُ فِي اللُّغَةِ: نَقِيضُ الْحُبِّ، وَبَغَضَ الشَّيْءَ بُغْضًا: مَقَتَهُ وَكَرِهَهُ، وَبَغُضَ الرَّجُل - بِالضَّمِّ - بَغَاضَةً، أَيْ صَارَ بَغِيضًا، وَبَغَّضَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ تَبْغِيضًا فَأَبْغَضُوهُ، أَيْ مَقَتُوهُ.
وَفِي الْمُفْرَدَاتِ: الْبُغْضُ: نِفَارُ النَّفْسِ عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي تَرْغَبُ عَنْهُ، وَهُوَ ضِدُّ الْحُبِّ (3) .
وَقَدْ فَرَّقَ أَبُو هِلاَلٍ الْعَسْكَرِيُّ بَيْنَ الْكَرَاهَةِ وَالْبُغْضِ فَقَال: إِنَّهُ قَدِ اتَّسَعَ بِالْبُغْضِ مَا لَمْ يَتَّسِعْ بِالْكَرَاهَةِ، فَقِيل: أَبْغَضُ زَيْدًا أَيْ أَبْغَضُ إِكْرَامَهُ وَنَفْعَهُ، وَلاَ يُقَال: أَكْرَهُهُ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ الْكَرَاهَةَ تُسْتَعْمَل فِيمَا لاَ يُسْتَعْمَل فِيهِ الْبُغْضُ، فَيُقَال: أَكْرَهُ هَذَا الطَّعَامَ وَلاَ يُقَال أَبْغَضُهُ، وَالْمُرَادُ أَنِّي أَكْرَهُ أَكْلَهُ (4) .
ب - الْحُبُّ:
3 - الْحُبُّ فِي اللُّغَةِ: نَقِيضُ الْبُغْضِ، وَالْحُبُّ: الْوِدَادُ وَالْمَحَبَّةُ، وَأُحِبُّهُ فَهُوَ مُحَبٌّ وَحَبَّهُ يَحِبُّهُ - بِالْكَسْرِ - فَهُوَ مَحْبُوبٌ، وَتَحَبَّبَ إِلَيْهِ: تَوَدَّدَ (5) .
وَالْحُبُّ نَقِيضُ الْكُرْهِ.
أَنْوَاعُ الْكُرْهِ:
4 - جَاءَ فِي الْمُفْرَدَاتِ: الْكُرْهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا يُعَافُ مِنْ حَيْثُ الطَّبْعُ.
وَالثَّانِي: مَا يُعَافُ مِنْ حَيْثُ الْعَقْل أَوِ الشَّرْعُ.
وَلِهَذَا يَصِحُّ أَنْ يَقُول الإِْنْسَانُ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ: إِنِّي أُرِيدُهُ وَأَكْرَهُهُ، بِمَعْنَى أَنِّي أُرِيدُهُ مِنْ حَيْثُ الطَّبْعُ، وَأَكْرَهُهُ مِنْ حَيْثُ الْعَقْل أَوِ الشَّرْعُ، وَأُرِيدُهُ مِنْ حَيْثُ الْعَقْل أَوِ الشَّرْعُ، وَأَكْرَهُهُ مِنْ حَيْثُ الطَّبْعُ، وقَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَال وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} (6) ، أَيْ تَكْرَهُونَهُ مِنْ حَيْثُ الطَّبْعُ (7) .
وَقَدْ قَال الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآْيَةِ: كَانَ الْجِهَادُ كُرْهًا لأَِنَّ فِيهِ إِخْرَاجَ الْمَال وَمُفَارَقَةَ الأَْهْل وَالْوَطَنِ، وَالتَّعَرُّضَ بِالْجَسَدِ لِلشِّجَاجِ وَالْجِرَاحِ وَذَهَابِ النَّفْسِ فَكَانَتْ كَرَاهِيَتُهُمْ لِذَلِكَ، لاَ أَنَّهُمْ كَرِهُوا فَرْضَ اللَّهِ (8) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
5 - الْكُرْهُ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا كَكُرْهِ الْكُفْرِ وَكُرْهِ الْمَعْصِيَةِ وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ فَضْل اللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ كَرَّهَ إِلَيْهِمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ.
وَيَقُول النَّبِيُّ ﷺ: ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِْيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ (9) .
وَقَدْ يَكُونُ الْكُرْهُ حَرَامًا كَكُرْهِ الإِْسْلاَمِ أَوِ الرَّسُول ﷺ أَوِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَوِ الصَّالِحِينَ، وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ كَرَاهَةُ النِّعْمَةِ عِنْدَ الْغَيْرِ وَحُبُّ زَوَالِهَا عَنِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ (10) .
وَقَدْ يَكُونُ الْكُرْهُ مُبَاحًا كَكَرَاهَةِ الْمَقْضِيِّ بِهِ إِنْ كَانَ مَعْصِيَةً؛ لأَِنَّ الإِْنْسَانَ مُطَالَبٌ بِالرِّضَا بِالْقَضَاءِ مُطْلَقًا، أَمَّا الْمَقْضِيُّ بِهِ فَإِنْ كَانَ طَاعَةً فَالْوَاجِبُ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالْمَقْضِيِّ بِهِ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ الْمَقْضِيُّ بِهِ مَعْصِيَةً فَلْيَرْضَ بِالْقَضَاءِ وَلاَ يَرْضَى بِالْمَقْضِيِّ بِهِ بَل يَكْرَهُهُ (11) .
يَقُول الْقَرَافِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ السَّخَطَ بِالْقَضَاءِ حَرَامٌ إِجْمَاعًا وَالرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَاجِبٌ إِجْمَاعًا بِخِلاَفِ الْمَقْضِيِّ بِهِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا ابْتُلِيَ الإِْنْسَانُ بِمَرَضٍ فَتَأَلَّمَ مِنَ الْمَرَضِ بِمُقْتَضَى طَبْعِهِ فَهَذَا لَيْسَ عَدَمَ رِضَا بِالْقَضَاءِ بَل عَدَمَ رِضَا بِالْمَقْضِيِّ وَنَحْنُ لَمْ نُؤْمَرْ بِأَنْ تَطِيبَ لَنَا الْبَلاَيَا وَالرَّزَايَا وَمُؤْلِمَاتُ الْحَوَادِثِ، وَلَمْ تَرِدَ الشَّرِيعَةُ بِتَكْلِيفِ أَحَدٍ بِمَا لَيْسَ فِي طَبْعِهِ، وَلَمْ يُؤْمَرَ الأَْرْمَدُ بِاسْتِطَابَةِ الرَّمَدِ الْمُؤْلِمِ وَلاَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَرَضِ، بَل ذَمَّ اللَّهُ قَوْمًا لاَ يَتَأَلَّمُونَ وَلاَ يَجِدُونَ لِلْبَأْسَاءِ وَقْعًا فَذَمَّهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} (12) ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَكِنْ وَلَمْ يَذِل لِلْمُؤْلِمَاتِ وَيُظْهِرُ الْجَزَعَ مِنْهَا وَيَسْأَل رَبَّهُ إِقَالَةَ الْعَثْرَةِ مِنْهَا فَهُوَ جَبَّارٌ عَنِيدٌ بَعِيدٌ عَنْ طُرُقِ الْخَيْرِ، فَالْمَقْضِيُّ وَالْمَقْدُورُ أَثَرُ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، فَالْوَاجِبُ هُوَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ فَقَطْ، أَمَّا الْمَقْضِيُّ فَقَدْ يَكُونُ الرِّضَا بِهِ وَاجِبًا كَالإِْيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَالْوَاجِبَاتُ إِذَا قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلإِْنْسَانِ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا فِي الْمَنْدُوبَاتِ وَحَرَامًا فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَمُبَاحًا فِي الْمُبَاحَاتِ، وَأَمَّا الرِّضَا بِالْقَضَاءِ فَوَاجِبٌ عَلَى الإِْطْلاَقِ، وَقَدْ حَزِنَ رَسُول اللَّهِ ﷺ لِمَوْتِ وَلَدِهِ إِبْرَاهِيمَ (13) وَرَمْيِ السَّيِّدَةِ عَائِشَة بِمَا رُمِيَتْ بِهِ (14) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ لأَِنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنَ الْمَقْضِيِّ، وَالأَْنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ طِبَاعُهُمْ تَتَأَلَّمُ وَتَتَوَجَّعُ مِنَ الْمُؤْلِمَاتِ وَتُسَرُّ بِالْمَسَرَّاتِ، وَإِذَا كَانَ الرِّضَا بِالْمَقْضِيِّ بِهِ غَيْرَ حَاصِلٍ فِي طَبَائِعِ الأَْنْبِيَاءِ فَغَيْرُهُمْ بِطَرِيقِ الأَْوْلَى (15) .
وَمِنَ الْكُرْهِ الْمُبَاحِ مَا يَنْقُصُ الإِْنْسَانَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ، يَقُول الْغَزَالِيُّ: لاَ حَرَجَ عَلَى مَنْ يَكْرَهُ تَخَلُّفَ نَفْسِهِ وَنُقْصَانَهَا فِي الْمُبَاحَاتِ (16) .
أَثَرُ الْكُرْهِ فِي الْعَقِيدَةِ:
6 - مَنْ كَرِهَ الإِْسْلاَمَ، أَوْ كَرِهَ الرَّسُول ﷺ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ كَافِرًا وَيُقْتَل مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَتُبْ.
أَمَّا بُغْضُ الأَْنْصَارِ وَالصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَإِذَا كَانَ كُرْهُهُ لَهُمْ مِنْ حَيْثُ إِعْزَازُهُمُ الدِّينَ وَبَذْلُهُمُ النَّفْسَ وَالْمَال فِي نُصْرَةِ الإِْسْلاَمِ وَنُصْرَةِ النَّبِيِّ ﷺ فَمَنْ كَرِهَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فَهُوَ كَافِرٌ، أَمَّا مَنْ كَرِهَهُمْ لِذَوَاتِهِمْ فَهُوَ عَاصٍ (17) . أَثَرُ الْكُرْهِ فِي الإِْمَامَةِ فِي الصَّلاَةِ:
7 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى كَرَاهَةِ التَّصَدِّي لِلإِْمَامَةِ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ يَكْرَهُونَهُ لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: ثَلاَثَةٌ لاَ تُجَاوِزُ صَلاَتُهُمْ آذَانَهُمْ: الْعَبْدُ الآْبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ (18) .
قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ كَانَ الْقَوْمُ يَكْرَهُونَهُ لِفَسَادٍ فِيهِ أَوْ لأَِنَّهُمْ أَحَقُّ بِالإِْمَامَةِ مِنْهُ كُرِهَ ذَلِكَ تَحْرِيمًا، وَإِنْ كَانَ هُوَ الأَْحَقَّ بِالإِْمَامَةِ فَلاَ يُكْرَهُ وَالْكَرَاهَةُ عَلَيْهِمْ (19) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ كَرِهَهُ أَقَل الْقَوْمِ وَلَوْ غَيْرُ ذَوِي الْفَضْل مِنْهُمْ لِتَلَبُّسِهِ بِالأُْمُورِ الْمُزْرِيَةِ الْمُوجِبَةِ لِلزُّهْدِ فِيهِ وَالْكَرَاهَةِ لَهُ أَوْ لِتَسَاهُلِهِ فِي تَرْكِ السُّنَنِ كَالْوِتْرِ وَالْعِيدَيْنِ وَتَرْكِ النَّوَافِل كُرِهَتْ إِمَامَتُهُ، أَمَّا إِذَا كَرِهَهُ كُل الْقَوْمِ أَوْ جُلُّهُمْ أَوْ ذَوُو الْفَضْل مِنْهُمْ وَإِنْ قَلُّوا فَتَحْرُمُ إِمَامَتُهُ لِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَلِقَوْل عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لأََنْ تُضْرَبَ عُنُقِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ (20) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُكْرَهُ تَنْزِيهًا أَنْ يَؤُمَّ الرَّجُل قَوْمًا أَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ لأَِمْرٍ مَذْمُومٍ شَرْعًا كَوَالٍ ظَالِمٍ أَوْ مُتَغَلِّبٍ عَلَى إِمَامَةِ الصَّلاَةِ وَلاَ يَسْتَحِقُّهَا أَوْ لاَ يَحْتَرِزُ مِنَ النَّجَاسَةِ، أَوْ يَمْحُو هَيْئَاتِ الصَّلاَةِ، أَوْ يَتَعَاطَى مَعِيشَةً مَذْمُومَةً، أَوْ يُعَاشِرُ الْفَسَقَةَ أَوْ نَحْوَهُمْ وَإِنْ نَصَبَهُ لَهَا الإِْمَامُ الأَْعْظَمُ، لِحَدِيثِ: ثَلاَثَةٌ لاَ تُجَاوِزُ صَلاَتُهُمْ آذَانَهُمْ. . . وَمِنْهُمْ: إِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ.
وَالأَْكْثَرُ فِي حُكْمِ الْكُل، وَإِنَّمَا كَانَ الْحُكْمُ لِكُرْهِ الأَْكْثَرِ لاَ الأَْقَل لأَِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ هَل يَتَّصِفُ الإِْمَامُ بِمَا يَجْعَلُهُ مَكْرُوهًا أَمْ لاَ، فَيُعْتَبَرُ قَوْل الأَْكْثَرِ لأَِنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ، أَمَّا إِذَا كَرِهَهُ دُونَ الأَْكْثَرِ لاَ لأَِمْرٍ مَذْمُومٍ فَلاَ تُكْرَهُ لَهُ الإِْمَامَةُ.
وَنَقَل الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُوَلِّيَ الإِْمَامُ الأَْعْظَمُ عَلَى قَوْمٍ رَجُلاً يَكْرَهُهُ أَكْثَرُهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَلاَ يُكْرَهُ إِنْ كَرِهَهُ دُونَ الأَْكْثَرِ بِخِلاَفِ الإِْمَامَةِ الْعُظْمَى فَإِنَّهَا، تُكْرَهُ إِذَا كَرِهَهَا الْبَعْضُ (21) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ رَجُلٌ قَوْمًا أَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ إِذَا كَانَتْ كَرَاهَتُهُمْ لَهُ بِحَقٍّ كَخَلَلٍ فِي دِينِهِ أَوْ فَضْلِهِ لِلْحَدِيثِ، فَإِنْ كَرِهُوهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يُكْرَهْ أَنْ يَؤُمَّهُمْ، وَذَلِكَ بِأَنْ كَانَ ذَا دِينٍ وَسُنَّةٍ، قَال مَنْصُورٌ: إِنَّا سَأَلْنَا أَمْرَ الإِْمَامَةِ فَقِيل لَنَا: إِنَّمَا عَنَى بِهَذَا الظَّلَمَةَ، فَأَمَّا مَنْ أَقَامَ السُّنَّةَ فَإِنَّمَا الإِْثْمُ عَلَى مَنْ كَرِهَهُ.
وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلأَْكْثَرِ مِنَ الْقَوْمِ أَمَّا الأَْقَل فَقَدْ قَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ: إِذَا كَرِهَهُ وَاحِدٌ أَوِ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ فَلاَ بَأْسَ حَتَّى يَكْرَهَهُ أَكْثَرُ الْقَوْمِ (22) .
أَثَرُ كُرْهِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلآْخَرِ:
8 - إِذَا كَرِهَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ لِدَمَامَةٍ أَوْ سُوءِ خُلُقٍ أَوْ سُوءِ عِشْرَةٍ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ فَاحِشَةٍ أَوْ نُشُوزٍ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ احْتِمَالُهَا وَعَدَمُ فِرَاقِهَا لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَل اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (23) . أَيْ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ صَبْرُكُمْ فِي إِمْسَاكِهِنَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِيهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ؛ إِذْ عَسَى أَنْ يَؤُول الأَْمْرُ إِلَى أَنْ يَرْزُقَهُ اللَّهُ مِنْهَا أَوْلاَدًا صَالِحِينَ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ (24) أَيْ لاَ يَبْغُضُهَا بُغْضًا كُلِّيًّا يَحْمِلُهُ عَلَى فِرَاقِهَا، بَل يَغْفِرُ سَيِّئَتَهَا لِحَسَنَتِهَا وَيَتَغَاضَى عَمَّا يَكْرَهُ لِمَا يُحِبُّ.
أَمَّا إِذَا كَرِهَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ لِكَوْنِهَا غَيْرَ عَفِيفَةٍ أَوْ لِتَفْرِيطِهَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاجِبَةِ عَلَيْهَا مِثْل الصَّلاَةِ وَنَحْوِهَا وَلاَ يُمْكِنُهُ إِجْبَارُهَا عَلَيْهَا، فَلاَ يَنْبَغِي لَهُ إِمْسَاكُهَا لأَِنَّ فِيهِ نَقْصًا لِدِينِهِ وَلاَ يَأْمَنُ إِفْسَادَهَا لِفِرَاشِهِ وَإِلْحَاقَهَا بِهِ وَلَدًا لَيْسَ هُوَ مِنْهُ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَال: إِنَّ امْرَأَتِي لاَ تَرُدُّ يَدَ لاَمِسٍ فَقَال لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: طَلِّقْهَا (25) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ بَأْسَ بِعَضْلِهَا فِي هَذِهِ الْحَال وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهَا لِتَفْتَدِي مِنْهُ (26) ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (27) .
وَإِذَا كَرِهَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا لِقُبْحِ مَنْظَرٍ أَوْ سُوءِ عِشْرَةٍ أَوْ كِبَرِهِ أَوْ ضَعْفِهِ وَخَشِيَتْ أَلاَّ تُؤَدِّيَ حَقَّ اللَّهِ فِي طَاعَتِهِ جَازَ لَهَا أَنْ تُخَالِعَهُ بِعِوَضٍ تَفْتَدِي بِهِ نَفْسَهَا مِنْهُ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (28) ، وَقَدْ وَرَدَ: أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ مَا أَنْقِمُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلاَ خُلُقٍ، إِلاَّ أَنِّي أَخَافُ الْكُفْرَ فِي الإِْسْلاَمِ فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَفَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَرَدَّتْ عَلَيْهِ وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا (1) ، فَإِنْ خَالَعَتْهُ لِغَيْرِ بُغْضٍ كُرِهَ لَهَا ذَلِكَ (2) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (خُلْعٌ ف 9) .
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير.
(2) القرطبي 3 / 38 - 39.
(3) لسان العرب، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط، والمفردات في غريب القرآن.
(4) الفروق في اللغة لأبي هلال العسكري.
(5) لسان العرب، والمصباح المنير، والمفردات في غريب القرآن.
(6) سورة البقرة / 216.
(7) المفردات في غريب القرآن.
(8) القرطبي 3 / 38 - 39.
(9) فتح الباري 1 / 58، وقواعد الأحكام 1 / 188 - 189، والقرطبي 6 / 216 - 217، 9 / 108. وحديث: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 60) من حديث أنس ابن مالك.
(10) حاشية ابن عابدين 3 / 291، والزواجر 1 / 102، 2 / 218، وشرح العقيدة الطحاوية ص 467، وإحياء علوم الدين 3 / 189.
(11) قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 1 / 188.
(12) سورة المؤمنون / 76.
(13) حديث: " حزن النبي ﷺ لموت ولده إبراهيم ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 172 - 173) من حديث أنس بن مالك.
(14) حديث: " تألم النبي ﷺ لرمي السيدة عائشة بما رميت به " أخرجه البخاري (فتح البخاري 7 / 453) .
(15) الفروق للقرافي 4 / 229 - 231.
(16) إحياء علوم الدين 3 / 190 - 192.
(17) حاشية ابن عابدين 3 / 291، وشرح العقيدة الطحاوية ص 467، والأبي والسنوسي شرح صحيح مسلم 1 / 183 - 184.
(18) حديث أبي أمامة: " ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم. . " أخرجه الترمذي (2 / 193) وقال: حديث حسن.
(19) حاشية ابن عابدين 1 / 376.
(20) حاشية الدسوقي 1 / 330.
(21) مغني المحتاج 1 / 245.
(22) المغني 2 / 229 ط. الرياض، وشرح منتهى الإرادات 1 / 261 - 262.
(23) سورة النساء / 19.
(24) حديث أبي هريرة: " لا يفرك مؤمن مؤمنة. . . " أخرجه مسلم (2 / 1091) .
(25) حديث: " أن رجلاً أتى النبي ﷺ فقال: إن امرأتي لا ترد يد لامس. . " أخرجه النسائي (6 / 67) ، وصححه ابن حجر في التلخيص (3 / 225) .
(26) تفسير القرطبي 5 / 98، ومختصر تفسير ابن كثير 1 / 369، وبدائع الصنائع 3 / 95، والاختيار 3 / 121، والمهذب 2 / 79، والمغني 7 / 97.
(27) سورة النساء / 19.
(28) سورة البقرة / 229.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 228/ 34