الأعلى
كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...
الغنى، والسعة في المال . ومن شواهده قول الله تَعَالَى : ﱫﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﱪ البقرة :280، ومن أمثلته قولهم : "شَرْطُ نَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ، وَالْوَلَدِ الْيَسَارُ . وَتَسْقُطُ عَنْ الْمُوسِرِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ إلَّا أَنْ يَفْرِضَهَا الْحَاكِمُ، أَوْ يُنْفِقَ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ . "
اسْمُ مَصْدَرٍ، ومعناه: السَّعَةُ والغِنى والثَّرْوَة، يُقال: أيْسَرَ الرَّجُلُ، يُوسِرُ، إِيساراً: إذا اغْتَنَى وصارَ ذا مالٍ. وضِدُّه: الإعْسارُ، وهو: الفَقْرُ والشِّدَّةُ. وأصلُ الكلِمَة يَدلُّ على انْفِتاحِ شَيْءٍ وخِفَّتِهِ. ومِن مَعانِيه أيضاً: الجارِحَةُ، كاليَدِ اليُسرى، أو الرِّجْلِ اليُسرى، وخِلافُها: اليَمِينُ.
يَرِد مُصطَلح (يَسار) في الفقه في عِدَّة مواطِن، منها: كتاب الزَّكاة، باب: شروط وجوب الزَّكاة، وفي كتاب الحجّ، باب: شروط وجوب الحجّ، وفي كتاب النِّكاح، باب: النَّفقات، وفي كتاب الكفّارات عند الكلام على حُكم العَتْقِ لِمَن كان مُوسِراً غَنِيّاً في كفّارة الظِّهار، وقَتْلِ النَّفْسِ، والإفْطارِ بِالجِماعِ في نَهارِ رَمَضانَ، وفي كتاب الدِّيات عند الكلام على مَن يَتَحمَّل الدِّيَةَ مِن العاقِلَةِ، وفي كتاب الهدي والأضاحي، وفي كتاب الجهاد، باب: أحكام أهل الذِّمَّة عند الكلام على إنظارِ المُعسرِين مِمَّن يؤدُّون الجِزيَة إلى وقت السَّعَة والغِنى. ويُطلَق في باب: أحكام الدَّين عند الكلام على المَيسرَة، ويُراد به: القُدرة على وَفاء الدَّيْنِ. ويُطلَق في كتاب الطَّهارَة، باب: صِفة الوضوء والغُسل، وباب: صفة التَّيمُّم، وباب: آداب قضاء الحاجة، ويُراد به: العًضْوُ الأيسَر، وخِلافُه: اليَمِين.
يسر
الغنى، والسعة في المال.
* العين : (7/296)
* تهذيب اللغة : (13/41)
* مقاييس اللغة : (6/155)
* المحكم والمحيط الأعظم : (8/574)
* مختار الصحاح : (ص 349)
* لسان العرب : (5/296)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (2/680)
* الهداية في شرح بداية المبتدي : (2/39)
* جواهر الإكليل : (1/402)
* مغني الـمحتاج فـي شرح الـمنهاج : (3/426)
* شرح منتهى الإرادات : (3/243)
* طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : (ص 46)
* التوقيف على مهمات التعاريف : (ص 347)
* التعريفات الفقهية : (ص 244)
* الكليات : (ص 985)
* القاموس الفقهي : (ص 393)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 514) -
التَّعْرِيفُ:
1 ـ يُطْلَقُ الْيَسَارُ فِي اللُّغَةِ عَلَى الْغِنَى وَالسَّعَةِ، يُقَال: أَيْسَرَ الرَّجُل إِيسَارًا: صَارَ ذَا مَالٍ، وَجَاءَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: الْيَسَارُ وَالْيُسْرُ وَالْمَيْسَرَةُ كُل هَذَا بِمَعْنَى: الْغِنَى وَالسَّعَةُ. وَفِي التَّنْزِيل: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ (1) } ، وَالْيُسْرُ ضِدُّ الْعُسْرِ، وَفِي التَّنْزِيل: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (2) } .
كَمَا يُطْلَقُ الْيَسَارُ عَلَى الْجَارِحَةِ أُخْتِ الْيَمِينِ (3) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (4) . الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أـ الْغِنَى:
2 ـ الْغِنَى فِي اللُّغَةِ: السَّعَةُ فِي الْمَال، يُقَال: أَغْنَى اللَّهُ الرَّجُل حَتَّى غَنِيَ: صَارَ ذَا مَالٍ (5) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلْيَسَارِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْيَسَارِ وَالْغِنَى: الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ.
ب ـ الإِْعْسَارُ:
3 ـ الإِْعْسَارُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ أَعْسَرَ وَهُوَ ضِدُّ الْيَسَارِ.
وَالْعُسْرَةُ: قِلَّةُ ذَاتِ الْيَدِ، وَكَذَلِكَ الإِْعْسَارُ (6) .
والإِْعْسَارُ فِي الاِصْطِلاَحِ: عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى النَّفَقَةِ أَوْ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ بِمَالٍ وَلاَ كَسْبٍ.
وَقِيل: هُوَ زِيَادَةُ خَرْجِهِ عَنْ دَخْلِهِ (7) .
وَالْيَسَارُ بِأَحَدِ مَعَانِيهِ ضِدُّ الإِْعْسَارِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْيَسَارِ:
أَوَّلاً: الْيَسَارُ بِمَعْنَى الْغِنَى وَالسَّعَةِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْيَسَارِ بِهَذَا الْمَعْنَى أَحْكَامٌ مِنْهَا: الأَْوَّل: طَلَبُ الْيَسَارِ وَالسَّعْيُ لِتَحْصِيلِهِ:
4 ـ طَلَبُ الْيَسَارِ وَالسَّعْيُ لِتَحْصِيلِهِ مَشْرُوعٌ، وَفِي التَّنْزِيل آيَاتٌ تَحُثُّ الْمُسْلِمَ عَلَى السَّعْيِ لِطَلَبِ الرِّزْقِ وَكَسْبِ الْمَال بِالْوَسَائِل الْمَشْرُوعَةِ، قَال تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَْرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْل اللَّهِ (8) } .
وَقَال عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ (9) } .
وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: عَلَى كُل مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ، قِيل: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَال: يَعْتَمِل بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ، قَال: قِيل: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَال: يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ، قَال: قِيل لَهُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَال: يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ الْخَيْرِ، قَال: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَل؟ قَال: يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ (10) .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ قَال: سُئِل رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنْ أَطْيَبِ الْكَسْبِ، قَال: عَمَل الرَّجُل بِيَدِهِ، وَكُل بَيْعٍ مَبْرُورٍ. (11) وَعَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلاَدَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ (12) .
وَالأَْصْل فِي طَلَبِ الْيَسَارِ الإِْبَاحَةُ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا أَوْ مَكْرُوهًا (13) .
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (اكْتِسَابٌ ف 4 ـ 6، وَغِنًى ف 6 ـ 8، كَسْبٌ 7 - 8) .
الثَّانِي: اعْتِبَارُ الْيَسَارِ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ:
5 ـ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِ الْيَسَارِ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ ـ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الأَْذْرَعِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ ـ إِلَى اعْتِبَارِ الْيَسَارِ فِي الْكَفَاءَةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْيَسَارِ فِي الْكَفَاءَةِ (14) . (ر: كَفَاءَةٌ ف 11، وَغِنًى ف 23) .
الثَّالِثُ: أَثَرُ الْيَسَارِ فِي النَّفَقَةِ:
أ - أَثَرُ الْيَسَارِ فِي النَّفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ:
6 ـ يُعْتَبَرُ الْيَسَارُ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَنَوْعِهَا، فَيَخْتَلِفُ قَدْرُهَا وَنَوْعُهَا بِيُسْرِ الزَّوْجِ وَعُسْرِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ (15) } .
وَقَوْلِهِ جَل شَأْنُهُ: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ (16) } .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَةٌ ف 1، غِنًى ف 16) .
ب - أَثَرُ الْيَسَارِ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ:
7 ـ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ عَلَى الْقَرِيبِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ مُوسِرًا بِفَاضِلٍ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ.
وَالتَّفْصِيل فِي (نَفَقَةٌ ف 50 - 55، 60) .
الرَّابِعُ: أَثَرُ الْيَسَارِ فِي الْكَفَّارَاتِ الْمُرَتَّبَةِ:
8 ـ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْعِتْقِ فِي كَفَّارَاتِ الظِّهَارِ، وَقَتْل النَّفْسِ، وَالإِْفْطَارِ بِالْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَنْ يَكُونَ الْمُكَفِّرُ مُوسِرًا، بِأَنْ يَمْلِكَ رَقَبَةً تُجْزِئُهُ لِلْكَفَّارَةِ أَوْ ثَمَنَهَا فَاضِلاً عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ: نَفَقَةً وَكُسْوَةً وَسُكْنَى وَأَثَاثًا لاَ بُدَّ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ مَا ذُكِرَ تَنْتَقِل إِلَى الْخِصَال الأُْخْرَى، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (17) .
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُظَاهِرَ إِذَا عَجَزَ عَنِ الْعِتْقِ وَقْتَ الأَْدَاءِ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.
أَمَّا الْقَادِرُ وَقْتَ الأَْدَاءِ عَلَى عِتْقِ الرَّقَبَةِ، بِأَنْ كَانَ عِنْدَهُ ثَمَنُهَا أَوْ مَا يُسَاوِي ثَمَنَ رَقَبَةٍ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى ذَلِكَ لأَِجْل مَرَضٍ أَوْ لِمَنْصِبٍ، كَمَا إِذَا كَانَ مِثْلُهُ لاَ يَخْدِمُ نَفْسَهُ، أَوْ سُكْنَى مَسْكَنٍ، فَلاَ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ حِينَئِذٍ، وَلاَ يُتْرَكُ لَهُ قُوتُهُ وَلاَ النَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ، وَلاَ يُعْذَرُ بِالاِحْتِيَاجِ تَشْدِيدًا عَلَيْهِ، حَيْثُ ارْتَكَبَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْل وَزُورًا (18) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (كَفَارَّاتٌ ف 68، غِنًى ف 15) .
حَدُّ الْيَسَارِ:
أـ حَدُّ الْيَسَارِ فِي الزَّكَاةِ:
9 ـ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَدَّ الْيَسَارِ " الْغِنَى) الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ هُوَ أَنْ يَمْلِكَ الْمُكَلَّفُ نِصَابًا مِنَ الْمَال الْفَاضِل عَنْ حَاجَتِهِ الأَْصْلِيَّةِ.
وَانْظُرْ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (زَكَاةٌ ف 28، 31، غِنًى ف 14، زَكَاةُ الْفِطْرِ ف 6) .
ب ـ حَدُّ الْيَسَارِ فِي تَحْرِيمِ السُّؤَال:
10 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّ الْغِنَى الَّذِي لاَ يُشْرَعُ مَعَهُ السُّؤَال.
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (غِنًى ف 12، سُؤَالٌ ف 9) .
ج - حَدُّ الْيَسَارِ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ:
11 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ الْقَائِلُونَ بِاعْتِبَارِ الْيَسَارِ فِي الْكَفَاءَةِ فِي حَدِّهِ، وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (كَفَاءَةٌ ف 11، غِنًى ف 23) .
د ـ حَدُّ الْيَسَارِ فِي النَّفَقَاتِ:
حَدُّ يَسَارِ الزَّوْجِ فِي فَرْضِ نَفَقَةِ الْمُوسِرِينَ لِزَوْجَتِهِ:
12 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ تَحْدِيدَ يَسَارِ الزَّوْجِ الَّذِي تُقَدَّرُ مَعَهُ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ لِلزَّوْجَةِ مَوْكُولٌ إِلَى الْعُرْفِ، وَالنَّظَرِ إِلَى الْحَال مِنَ التَّوَسُّعِ فِي الإِْنْفَاقِ وَعَدَمِهِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: صَرَّحُوا بِبَيَانِ الْيَسَارِ وَالإِْعْسَارِ فِي نَفَقَةِ الأَْقَارِبِ، وَلَمْ أَرَ مَنْعَرَّفَهُمَا فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، وَلَعَلَّهُمْ وَكَلُوا ذَلِكَ إِلَى الْعُرْفِ وَالنَّظَرِ إِلَى الْحَال مِنَ التَّوَسُّعِ فِي الإِْنْفَاقِ وَعَدَمِهِ (19) .
وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي تَحْدِيدِ يَسَارِ الزَّوْجِ وَإِعْسَارِهِ الَّذَيْنِ يَخْتَلِفُ قَدْرُ الْوَاجِبِ مِنَ النَّفَقَةِ بِاخْتِلاَفِهِمَا أَوْجُهٌ (20) :
أَحَدُهَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ: أَنَّ الْمُعْسِرَ هُوَ مِسْكِينُ الزَّكَاةِ، وَهُوَ مَنْ قَدَرَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَسْبٍ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ وَلاَ يَكْفِيهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ فَقِيرَهَا كَذَلِكَ بِطَرِيقِ الأَْوْلَى، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمنْ فَوْقِ الْمِسْكِينِ إِنْ كَانَ لَوْ كُلِّفَ إِنْفَاقَ مَدِينٍ رَجَعَ مِسْكِينًا فَمُتَوَسِّطٌ، وَإِلاَّ بِأَنْ لَمْ يَرْجِعْ مِسْكِينًا فَمُوسِرٌ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالرُّخْصِ وَالرَّخَاءِ وَقِلَّةِ الْعِيَال وَكَثْرَتِهِمْ (21) .
وَفِي وَجْهٍ آخَرَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الْمُوسِرَ مَنْ يَزِيدُ دَخْلُهُ عَلَى خَرْجِهِ، وَالْمُعْسِرُ عَكْسُهُ، وَالْمُتَوَسِّطُ مَنْ تَسَاوَى خَرْجُهُ وَدَخْلُهُ.
وَبِهِ قَال الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَحَكَاهُ الْبَغَوِيُّ. وَفِي وَجْهٍ عِنْدَهُمْ أَيْضًا: أَنَّ الاِعْتِبَارَ بِالْكَسْبِ، فَمَنْ قَدَرَ عَلَى نَفَقَةِ الْمُوسِرِينَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَمَنْ فِي نَفَقَتِهِ مِنْ كَسْبِهِ لاَ مِنْ أَصْل مَالِهِ فَهُوَ مُوسِرٌ، وَمَنْ لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ مِنْ كَسْبِهِ فَمُعْسِرٌ، وَمَنْ قَدَرَ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ كَسْبِهِ نَفَقَةَ الْمُتَوَسِّطِينَ فَمُتَوَسِّطٌ، وَبِهِ قَال الْمَاوَرْدِيُّ (22) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: الْمُوسِرُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى النَّفَقَةِ بِمَالِهِ أَوْ كَسْبِهِ، وَالْمُعْسِرُ: مَنْ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا لاَ بِمَالِهِ وَلاَ بِكَسْبِهِ، وَقِيل: الْمُعْسِرُ مَنْ لاَ شَيْءَ لَهُ، وَلاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
وَالْمُتَوَسِّطُ: مَنْ يَقْدِرُ عَلَى بَعْضِ النَّفَقَةِ بِمَالِهِ أَوْ كَسْبِهِ.
وَقَال صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: مِسْكِينُ الزَّكَاةِ مُعْسِرٌ، وَمَنْ فَوْقَهُ مُتَوَسِّطٌ، وَإِلاَّ فَهُوَ مُوسِرٌ (23) .
وَلِلتَّفْصِيل فِيمَا يُرَاعَى فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ مِنْ حَال الزَّوْجَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْيَسَارُ وَالإِْعْسَارُ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (غِنًى ف 16، وَنَفَقَةٌ ف 9) .
حَدُّ الْيَسَارِ فِي نَفَقَةِ الأَْقَارِبِ:
13 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّ الْيَسَارِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ نَفَقَةِ الأَْقَارِبِ.
وَالتَّفْصِيل فِي (نَفَقَةٌ ف 52، 55، 66) . هـ ـ حَدُّ الْيَسَارِ فِي الأُْضْحِيَّةِ:
14 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ الْغِنَى فِيمَنْ تُسَنُّ لَهُ الأُْضْحِيَّةُ أَوْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَفِي حَدِّ الْغِنَى عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُهُ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (غِنًى ف 21، أُضْحِيَّةٌ ف 7، 16) .
وـ حَدُّ يَسَارِ مَنْ يَتَحَمَّل الدِّيَةَ مِنَ الْعَاقِلَةِ:
15 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّ الْيَسَارِ الْمُشْتَرَطِ فِيمَنْ يَتَحَمَّل الدِّيَةَ مِنَ الْعَاقِلَةِ.
وَالتَّفْصِيل يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (غِنًى ف 18) .
ثَانِيًا: الْيَسَارُ بِمَعْنَى الْعُضْوِ الأَْيْسَرِ لِلإِْنْسَانِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْيَسَارِ بِهَذَا الْمَعْنَى أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أـ مَا يُنْدَبُ تَقْدِيمُ الْيَسَارِ فِيهِ:
16 - الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي تَقْدِيمِ الْيَسَارِ عَلَى الْيَمِينِ: أَنَّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّشْرِيفِ وَالتَّكْرِيمِ يُنْدَبُ فِيهِ التَّيَامُنُ، وَمَا كَانَ بِضِدِّهِ يُنْدَبُ فِيهِ التَّيَاسُرُ.
16 - فَمِمَّا يُنْدَبُ فِيهِ التَّيَاسُرُ دُخُول الْخَلاَءِ: فَيُنْدَبُ لِدَاخِل الْخَلاَءِ " الْمِرْحَاضِ) أَنْ يُقَدِّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي الدُّخُول فِيهِ، وَأَنْ يُؤَخِّرَهَا فِي الْخُرُوجِ مِنْهُ، وَبِمَعْنَى الرِّجْل بَدَلُهَا مِنْ فَاقِدِهَا.وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْخَلاَءِ وَبِالدُّخُول جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَلاَ مَفْهُومَ لَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ} . (24)
فَالَّذِي يَرْغَبُ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي الصَّحْرَاءِ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَأَنْ يُؤَخِّرَهَا عِنْد الاِنْصِرَافِ مِنْهُ، وَقَالُوا: فَدَنَاءَةُ الْمَوْضِعِ قَبْل قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِيهِ تَحْصُل بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ قَبْل قَضَاءِ الْحَاجَةِ كَالْخَلاَءِ الْجَدِيدِ قَبْل أَنْ يَقْضِيَ أَحَدٌ فِيهِ حَاجَةً، وَمِثْل مَا ذُكِرَ: كُل مَكَانٍ مُتَقَذِّرٍ وَدَنِيءٍ (25) .
(ر: قَضَاءُ الْحَاجَةِ ف 8، 32) .
18 - وَيُسَنُّ الاِسْتِنْجَاءُ بِالْيَسَارِ بَعْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِلاِتِّبَاعِ (26) ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ عَنْ سَلْمَانَ ﵁: نَهَانَا ـ يَعْنِي رَسُول اللَّهِ ﷺ ـ أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ. (27)
وَلِلتَّفْصِيل (ر: اسْتِنْجَاءٌ ف 30) . ب ـ مَا يُنْدَبُ تَأْخِيرُ الْيَسَارِ فِيهِ:
19 - الأَْصْل اسْتِحْبَابُ تَأْخِيرِ الْيَسَارِ عَنِ الْيَمِينِ فِي كُل مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ وَالتَّشْرِيفِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الأَْصْل اسْتِحْبَابُ تَأْخِيرِ الْيَسَارِ عَنِ الْيَمِينِ فِي الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ وَالْوُضُوءِ وَاللِّبَاسِ وَخِصَال الْفِطْرَةِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ مِنَ الأُْمُورِ.
(ر: تَيَامُنٌ ف 4 ـ 13) .
__________
(1) سورة البقرة / 280.
(2) سورة الشرح / 6.
(3) لسان العرب، والمصباح المنير، وتفسير القرطبي 3 / 373، 20 / 107.
(4) القليوبي 4 / 70.
(5) لسان العرب، والمصباح المنير
(6) لسان العرب.
(7) المهذب 2 / 1662، والقليوبي وعميرة 4 / 70.
(8) سورة الجمعة / 10.
(9) سورة الملك / 15.
(10) حديث: " على كل مسلم صدقة. . . " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 447) ومسلم (2 / 699) واللفظ لمسلم.
(11) حديث: " سئل رسول الله - ﷺ - عن أطيب الكسب. . " أخرجه الطبراني في الأوسط (3 / 82 ـ ط المعارف) ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (4 / 61) قوال رواه الطبراني في الأوسط الكبير، ورجاله ثقات.
(12) حديث: " إن أطيب ما أكلتم من كسبكم. . " أخرجه الترمذي (3 / 630) وقال: حديث حسن صحيح.
(13) انظر الاختيار 4 / 172.
(14) تبيين الحقائق 2 / 130، وحاشية الدسوقي 2 / 249، والخرشي 3 / 250، ومغني المحتاج 3 / 167، والإنصاف 8 / 108، والمغني لابن قدامة 6 / 484 ـ 485.
(15) سورة الطلاق / 11.
(16) سورة البقرة / 236.
(17) البدائع 5 / 97 ـ 98، ومغني المحتاج 3 / 364، وكشاف القناع 5 / 376، والقرطبي 17 / 282.
(18) الخرشي 4 / 116، والشرح الصغير 3 / 486.
(19) حاشية ابن عابدين 2 / 645، وروضة الطالبين 9 / 40 ـ 41، وتفسير القرطبي 18 / 170، والقوانين الفقهية ص 226، والدسوقي 20 / 509.
(20) روضة الطالبين 9 / 40 ـ 41، وانظر حاشية الرملي بهامش أسنى المطالب 2 / 192، وحاشية الشرواني على تحفة المحتاج 8 / 303.
(21) مغني المحتاج 3 / 426.
(22) روضة الطالبين 9 / 41.
(23) الإنصاف 9 / 355، والمبدع 8 / 189.
(24) سورة النساء / 22.
(25) مغني المحتاج 1 / 39، وتحفة المحتاج 1 / 157 ـ 158، والشرح الصغير 1 / 93، وكشاف القناع 1 / 95، والمغني 1 / 167.
(26) مغني المحتاج 1 / 40 ـ 46، وكشاف القناع 1 / 60ـ61، والشرح الصغير 1 / 96.
(27) حديث سلمان: " نهانا أي رسول الله - ﷺ - أن يستنجي أحدنا بيمينه. " أخرجه مسلم (1 / 224) .
الموسوعة الفقهية الكويتية: 277/ 45