السيد
كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...
سَدُّ الْحَاجَاتِ الأْصْلِيَّةِ لِلشَّخْصِ؛ مِنْ مَطْعَمٍ، وَمَلْبَسٍ، وَمَسْكَنٍ، وَغَيْرِهَا، بحسب حَالِهِ، وَحَال مَنْ فِي نَفَقَتِهِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَلاَ تَقْتِيرٍ . ومن شواهده حديث عَائِشَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْه ا - قَالَتْ : " دَخَلَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ امْرَأَةُ أَبِى سُفْيَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - فَقَالَتْ :... فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : " خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ، وَيَكْفِى بَنِيكِ ." البخاري :5364 ، قال ابن حجر : " القدر الذي عرف بالعادة أنه الكفاية ".
سَدُّ الْحَاجَاتِ الأْصْلِيَّةِ لِلشَّخْصِ؛ مِنْ مَطْعَمٍ، وَمَلْبَسٍ، وَمَسْكَنٍ، وَغَيْرِهَا، بحسب حَالِهِ، وَحَال مَنْ فِي نَفَقَتِهِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَلاَ تَقْتِيرٍ.
التَّعْرِيفُ:
1 - الْكِفَايَةُ لُغَةً: مِنْ كَفَى يَكْفِي كِفَايَةً.
وَمِنْ مَعَانِيهَا: مَا يَحْصُل بِهِ الاِسْتِغْنَاءُ عَنْ غَيْرِهِ، وَيُقَال: اكْتَفَيْتُ بِالشَّيْءِ: أَيِ اسْتَغْنَيْتُ بِهِ (1) ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ ﷺ: مَنْ قَرَأَ بِالآْيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ (2) .
وَمِنْهَا: الْقِيَامُ بِالأَْمْرِ. فَيُقَال: اسْتَكْفَيْتُهُ أَمْرًا فَكَفَانِيهِ: أَيْ قَامَ بِهِ مَقَامِي، وَيُقَال: كَفَاهُ الأَْمْرَ إِذَا قَامَ مَقَامَهُ فِيهِ فَهُوَ كَافٍ وَكَفِيٌّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} (3) .
وَمِنْهَا: سَدُّ الْخُلَّةِ أَيِ الْحَاجَةِ وَبُلُوغُ الأَْمْرِ فِي الْمُرَادِ، فَيُقَال: كَفَاهُ مَئُونَتَهُ يَكْفِيه كِفَايَةً، وَمِنْهُ الْكَفِيَّةُ: وَهِيَ مَا يَكْفِي الإِْنْسَانَ مِنَ الْعَيْشِ.
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ لِلْكِفَايَةِ عِدَّةُ اسْتِعْمَالاَتٍ مِنْهَا:
الْكِفَايَةُ بِمَعْنَى: الأَْفْعَال الْمُهِمَّةِ الَّتِي قَصَدَ الشَّارِعُ وُجُودَهَا دُونَ النَّظَرِ إِلَى شَخْصِ فَاعِلِهَا، وَذَلِكَ لِتَعَلُّقِهَا بِمَصَالِحِ الأُْمَّةِ، وَيُطْلَقُ عَلَى تِلْكَ الأَْفْعَال فُرُوضُ الْكِفَايَاتِ كَالْجِهَادِ فِي سَبِيل اللَّهِ وَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ.
وَبِمَعْنَى: أَهْلِيَّةُ الشَّخْصِ لِلْقِيَامِ بِالأَْفْعَال الْمُهِمَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَصَالِحِ الأُْمَّةِ، كَالْوِلاَيَاتِ الْعَامَّةِ وَالْوَظَائِفِ الْخَاصَّةِ، وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ مَقْصُودِ الْوِلاَيَةِ وَوَسَائِل تَحْقِيقِ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ.
وَبِمَعْنَى: سَدُّ الْحَاجَاتِ الأَْصْلِيَّةِ لِلشَّخْصِ مِنْ مَطْعَمٍ وَمَلْبَسٍ وَمَسْكَنٍ وَغَيْرِهَا، مِمَّا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَحَال مَنْ فِي نَفَقَتِهِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ تَقْتِيرٍ (4) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتِ الصِّلَةِ:
أ - الْكَفَافُ
2 - الْكَفَافُ لُغَةً مِنْ كَفَّ بِمَعْنَى: تَرَكَ، يُقَال: كَفَّ عَنِ الشَّيْءِ كَفًّا: تَرَكَهُ، وَيُقَال: كَفَفْتُهُ كَفًّا: مَنَعْتُهُ، وَيُقَال: قُوتُهُ كَفَافٌ: أَيْ مِقْدَارُ حَاجَتِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلاَ نَقْصٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَِنَّهُ يَكُفُّ عَنْ سُؤَال النَّاسِ وَيُغْنِي عَنْهُمْ، وَيُقَال: اسْتَكَفَّ وَتَكَفَّفَ إِذَا أَخَذَ بِبَطْنِ كَفِّهِ، أَوْ سَأَل كَفًّا مِنَ الطَّعَامِ، أَوْ مَا يَكُفُّ بِهِ الْجُوعَ (5) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَعَلَى ذَلِكَ عَرَّفَهُ الشَّرِيفُ الْجُرْجَانِيُّ بِأَنَّهُ: (مَا كَانَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَلاَ يَفْضُل مِنْهُ شَيْءٌ، وَيَكُفُّ عَنِ السُّؤَال (2)) .
وَيَخْتَلِفُ حَدُّ الْكَفَافِ فِي الإِْنْسَانِ عَنْ حَدِّ الْكِفَايَةِ، مِنْ أَنَّ حَدَّ الْكَفَافِ يَقْتَصِرُ عَلَى سَدِّ الضَّرُورِيَّاتِ الْقُصْوَى مِنْ مَطْعَمٍ وَمَسْكَنٍ وَمَلْبَسٍ، أَمَّا حَدُّ الْكِفَايَةِ فَيَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى مَا لاَ بُدَّ لِلإِْنْسَانِ مِنْهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ، مِنْ نِكَاحٍ وَتَعْلِيمٍ وَعِلاَجٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ، وَمَا يَتَزَيَّنُ بِهِ مِنْ مَلاَبِسَ وَحُلِيٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
ب - الْحَاجَةُ
3 - الْحَاجَةُ لُغَةً: الاِفْتِقَارُ إِلَى الشَّيْءِ وَالاِضْطِرَارُ إِلَيْهِ، جَمْعُهَا حَاجَاتٌ وَحَوَائِجُ (6) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الْحَاجَةُ مَا يَفْتَقِرُ الإِْنْسَانُ إِلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ يَبْقَى بِدُونِهِ (7) .
وَعَرَّفَهَا عُلَمَاءُ الأُْصُول بِأَنَّهَا: مَا يُفْتَقَرُ إِلَيْهَا مِنْ حَيْثُ التَّوْسِعَةِ وَرَفْعِ الضِّيقِ الْمُؤَدِّي فِي الْغَالِبِ إِلَى الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ اللاَّحِقَةِ بِفَوْتِ الْمَطْلُوبِ، فَإِذَا لَمْ تُرَاعَ دَخَل عَلَى الْمُكَلَّفِينَ - فِي الْجُمْلَةِ - الْحَرَجُ وَالْمَشَقَّةُ (8) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْحَاجَةِ وَالْكِفَايَةِ التَّضَادُّ.
الْكِفَايَةُ فِي حَاجَاتِ الأُْمَّةِ وَمَصَالِحِهَا الْعَامَّةِ:
4 - نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى حَاجَاتِ الأُْمَّةِ وَمَصَالِحِهَا، وَطَلَبَ مِنَ النَّاسِ الْقِيَامَ بِهَا دُونَ النَّظَرِ إِلَى شَخْصِ مَنْ يَقُومُ بِهَا، وَهِيَ تُسَمَّى (الأَْمْرَ الْكِفَائِيَّ) ، وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيل لِذَلِكَ.
أَقْسَامُ الأَْمْرِ الْكِفَائِيِّ
الْكِفَايَةُ فِي حَاجَاتِ الأُْمَّةِ كَمَا تُتَصَوَّرُ فِي الْفُرُوضِ وَالْوَاجِبَاتِ تُتَصَوَّرُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ وَالسُّنَنِ، وَلِذَلِكَ يَنْقَسِمُ الأَْمْرُ الْكِفَائِيُّ إِلَى: فَرْضِ كِفَايَةٍ، وَسُنَّةِ كِفَايَةٍ.
أ - فَرْضُ الْكِفَايَةِ:
5 - فَرْضُ الْكِفَايَةِ هُوَ: أَمْرٌ مُهِمٌّ كُلِّيٌّ تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ لاَ يَنْتَظِمُ الأَْمْرُ إِلاَّ بِحُصُولِهَا، قَصَدَ الشَّارِعُ حُصُولَهَا مِنْ مَجْمُوعِ الْمُكَلَّفِينَ لاَ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَلَيْسَ مِنْ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، فَإِذَا قَامَ بِهِ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ (9) .
وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى يَخْتَلِفُ عَنْ (فَرْضِ الْعَيْنِ) ، وَهُوَ: مَا طَلَبَ الشَّارِعُ حُصُولَهُ مِنْ كُل فَرْدٍ مِنَ الأَْفْرَادِ الْمُكَلَّفِينَ بِهِ (10) ، مِثْل الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ لاَ يَسْقُطُ الإِْثْمُ عَنِ الْبَاقِينَ.
وَأَهَمُّ وُجُوهِ الاِخْتِلاَفِ بَيْنَهُمَا
أ - أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ، كَصَلاَةِ الظُّهْرِ مَثَلاً، فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا الْخُضُوعُ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمُهُ وَمُنَاجَاتُهُ وَالتَّذَلُّل إِلَيْهِ وَالْمُثُول بَيْنَ يَدَيْهِ وَالتَّفَهُّمُ لِخِطَابِهِ وَالتَّأَدُّبُ بِأَدَبِهِ، وَهَذِهِ مَصَالِحُ تَتَكَرَّرُ كُلَّمَا تَكَرَّرَتِ الصَّلاَةُ فَتَجِبُ عَلَى كُل مُكَلَّفٍ.
أَمَّا فَرْضُ الْكِفَايَةِ فَلاَ تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ كَنُزُول الْبَحْرِ لإِِنْقَاذِ الْغَرِيقِ، فَإِنَّ مَصْلَحَتَهُ لاَ تَتَكَرَّرُ بِنُزُول كُل مُكَلَّفٍ، فَإِذَا أَنْقَذَ الْغَرِيقَ إِنْسَانٌ تَحَقَّقَتِ الْمَصْلَحَةُ بِنُزُولِهِ، وَالنَّازِل بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْبَحْرِ لاَ تَحْصُل مِنْهُ مَصْلَحَةُ إِنْقَاذِ ذَلِكَ الْغَرِيقِ، فَجَعَلَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَى الْكِفَايَةِ نَفْيًا لِلْعَبَثِ فِي الأَْفْعَال (11) .
ب - فَرْضُ الْعَيْنِ يُقْصَدُ مِنْهُ امْتِحَانُ الْمُكَلَّفِينَ بِهِ فِي حِينِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ حُصُول الْفِعْل دُونَ النَّظَرِ إِلَى الْفَاعِل (12) .
ج - فَرْضُ الْعَيْنِ يُؤَدِّي إِلَى تَحْقِيقِ مَصْلَحَةِ الْفَرْدِ وَرَفْعِ شَأْنِهِ فِي مَجَال الأَْمْرِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ، فِي حِينِ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يُؤَدِّي إِلَى تَحْقِيقِ مَصْلَحَةِ الْمُجْتَمَعِ وَرَفْعِ شَأْنِهِ (13) .
د - فَرْضُ الْعَيْنِ يُطَالَبُ بِهِ جَمِيعُ الْمُكَلَّفِينَ، وَلاَ يَسْقُطُ الإِْثْمُ عَنِ التَّارِكِينَ لَهُ بِأَدَاءِ الْبَعْضِ، لِبَقَاءِ التَّكْلِيفِ بِهِ عَلَى التَّارِكِينَ لَهُ، فِي حِينِ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَسْقُطُ عَنِ التَّارِكِينَ لَهُ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ وَكَانَ كَافِيًا (14) .
ب - سُنَّةُ الْكِفَايَةِ:
6 - سُنَّةُ الْكِفَايَةِ مِثْل ابْتِدَاءِ السَّلاَمِ مِنْ جَمَاعَةٍ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ مِنْ جَمَاعَةٍ وَهِيَ تَخْتَلِفُ عَنْ سُنَّةِ الْعَيْنِ كَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَصِيَامِ الأَْيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَالطَّوَافِ فِي غَيْرِ النُّسُكِ (15) . الْمَصَالِحُ الَّتِي تَتَحَقَّقُ بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ
مِنْ مَصَالِحِ الأُْمَّةِ مَا يَتَحَقَّقُ بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ وَهُوَ أَقْسَامٌ
أَوَّلاً: الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةُ
7 - مِنْهَا الاِشْتِغَال بِالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ كَطَلَبِ الْعِلْمِ وَتَصْنِيفِ كُتُبِهِ، وَحِفْظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَحِفْظِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَإِقَامَةِ الْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينِ عَلَى الْعَقِيدَةِ الإِْسْلاَمِيَّةِ، وَدَفْعِ الشُّبُهَاتِ وَحَل الْمُشْكِلاَتِ وَالاِجْتِهَادِ فِي الْقَضَايَا الْمُسْتَجَدَّةِ.
وَمِنْهَا إِقَامَةُ الشَّعَائِرِ الدِّينِيَّةِ كَصَلاَةِ الْجَمَاعَةِ، وَصَلاَةِ التَّرَاوِيحِ فِي جَمَاعَةٍ، وَالأَْذَانِ وَصَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَصَلاَةِ الْعِيدَيْنِ وَصَلاَةِ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ، وَصَلاَةِ الاِسْتِسْقَاءِ وَالاِعْتِكَافِ وَإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّلاَةِ وَالطَّوَافِ وَالأُْضْحِيَةِ.
وَمِنْهَا الْجِهَادُ فِي سَبِيل اللَّهِ وَالأَْمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاسْتِنْقَاذُ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ وَإِفْشَاءُ السِّلاَمِ وَرَدُّهُ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ.
ثَانِيًا: الْمَصَالِحُ الدُّنْيَوِيَّةُ
8 - مِنْهَا الاِشْتِغَال بِالْعُلُومِ الْحَيَاتِيَّةِ وَتَعَلُّمُ أُصُول الصِّنَاعَاتِ وَالْحِرَفِ كَالصَّنَاعَةِ وَالزِّرَاعَةِ.ثَالِثًا: الْمَصَالِحُ الْمُشْتَرَكَةُ
9 - بِالإِْضَافَةِ إِلَى الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ تُوجَدُ مَصَالِحُ مُشْتَرَكَةٌ تَجْمَعُ بَيْنَ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ طَلَبَ الشَّرْعُ مِنَ الأُْمَّةِ فِعْلَهَا.
مِنْهَا تَحَمُّل الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا، وَالْتِقَاطُ اللَّقِيطِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَغُسْل الْمَيِّتِ وَتَكْفِينُهُ، وَالْقِيَامُ بِالْوِلاَيَاتِ وَالْوَظَائِفِ، وَبَيَانُهَا كَالتَّالِي:
أ - تَحَمُّل الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا
10 - تَحَمُّل الشَّهَادَةِ: هُوَ الْعِلْمُ بِمَا يُشْهَدُ بِهِ مِنَ الْحُقُوقِ كَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَحَمُّل الشَّهَادَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، إِذَا كَانَ الشُّهُودُ جَمَاعَةً، فَلَوِ امْتَنَعَ الْجَمِيعُ عَنِ التَّحَمُّل أَثِمُوا جَمِيعًا، لأَِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الشَّاهِدُ وَاحِدًا فَيَتَعَيَّنُ التَّحَمُّل فِيهِ وَيَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ، لأَِنَّ التَّحَمُّل يَفْتَقِرُ إِلَيْهِ وَيُخْشَى ضَيَاعُ الْحُقُوقِ (16) ، قَال تَعَالَى: {وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} (17) ، فَقَدْ جَمَعَتْ هَذِهِ الآْيَةُ الأَْمْرَيْنِ: التَّحَمُّل وَالأَْدَاءَ. وَأَمَّا أَدَاءُ الشَّهَادَةِ مِنَ الْمُتَحَمِّل إِذَا طَلَبَهَا الْمُدَّعِي فَفَرْضُ كِفَايَةٍ إِذَا كَانَ الْمُتَحَمِّلُونَ جَمَاعَةً، فَإِذَا امْتَنَعُوا أَثِمُوا جَمِيعًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (18) ، وَإِذَا كَانَ الْمُتَحَمِّل وَاحِدًا تَعَيَّنَ الأَْدَاءُ فِيهِ وَيَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ، وَدَلِيل الْفَرْضِيَّةِ قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} (19) .
وَالتَّفْصِيل فِي (شَهَادَةٌ ف 5) .
ب - الْتِقَاطُ اللَّقِيطِ
11 - اللَّقِيطُ: هُوَ الطِّفْل الْمَنْبُوذُ الَّذِي لاَ قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ نَفْسِهِ، وَهُوَ نَفْسٌ مُحْتَرَمَةٌ فِي الشَّرْعِ الإِْسْلاَمِيِّ تَسْتَحِقُّ الْحِفْظَ وَالرِّعَايَةَ، وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْتِقَاطَهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِذَا كَانَ الْوَاجِدُونَ لَهُ جَمَاعَةً، أَمَّا إِذَا كَانَ الْوَاجِدُ فَرْدًا وَاحِدًا وَخَافَ عَلَيْهِ الْهَلاَكَ إِنْ تَرَكَهُ صَارَ الْتِقَاطُهُ فَرْضَ عَيْنٍ وَلاَ يَحِل لَهُ تَرْكُهُ (20) .
وَالتَّفْصِيل فِي (لَقِيطٌ) .
ج - عِيَادَةُ الْمَرِيضِ:
12 - الْمَرِيضُ: هُوَ الَّذِي أُصِيبَ بِمَرَضٍ يُضْعِفُ جِسْمَهُ وَيُؤَثِّرُ فِي نَفْسِهِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى مَنْ يُوَاسِيهِ وَيُطَيِّبُ نَفْسَهُ وَيَقُومُ عَلَى خِدْمَتِهِ وَتَمْرِيضِهِ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ لِحَدِيثِ: حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ، قِيل: وَمَا هِيَ يَا رَسُول اللَّهِ؟ قَال: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ (21) .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ.
وَذَهَبَ الإِْمَامُ الْبُخَارِيُّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّ الْعِيَادَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الأَْعْيَانِ، لأَِنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمَرِيضِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَال بِهِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَصَوَّبَهُ (22) . وَالتَّفْصِيل فِي (عِيَادَةٌ ف 2 وَمَا بَعْدَهَا) .
د - غُسْل الْمَيِّتِ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِ وَتَشْيِيعُهُ وَدَفْنُهُ:
13 - غُسْل الْمَيِّتِ غَيْرِ الشَّهِيدِ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (23) ، لِقَوْلِهِ ﷺ - فِي الَّذِي سَقَطَ عَنْ بَعِيرِهِ فَمَاتَ -: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ (24) .
وَالتَّفْصِيل فِي (تَغْسِيل الْمَيِّتِ ف 2) .
وَأَمَّا تَكْفِينُ الْمَيِّتِ غَيْرِ الشَّهِيدِ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (25) ، لِقَوْلِهِ ﷺ فِي الَّذِي سَقَطَ عَنْ بَعِيرِهِ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلاَ تُمِسُّوهُ طِيبًا وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا (26) .
وَالتَّفْصِيل فِي (تَكْفِينٌ ف 2، 3) . وَأَمَّا الصَّلاَةُ عَلَى الْمَيِّتِ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (27) ، لِقَوْلِهِ ﷺ: صَلُّوا عَلَى مَنْ قَال: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ (28) .
وَالتَّفْصِيل فِي (جَنَائِزُ ف 20) .
وَأَمَّا تَشْيِيعُ الْجِنَازَةِ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (29) ، لِحَدِيثِ: حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ. . . وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ (30) .
وَالتَّفْصِيل فِي (جَنَائِزُ ف 14) .
وَأَمَّا دَفْنُ الْمَيِّتِ فَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ.
بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (31) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} (32) .
وَالتَّفْصِيل فِي (دَفْنٌ ف 2) . الْكِفَايَةُ فِي الْوِلاَيَاتِ وَالْوَظَائِفِ
14 - الْوِلاَيَةُ ضَرُورِيَّةٌ لِلإِْنْسَانِ لِتَنْظِيمِ مَا يَنْشَأُ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ تَعَاوُنٍ، وَمَنْعِ التَّظَالُمِ، وَحِفْظِ الْحُقُوقِ لأَِصْحَابِهَا، وَإِعَانَةِ الضَّعِيفِ وَحِمَايَتِهِ، وَوَقْفِ الْمُعْتَدِي عَنْ عُدْوَانِهِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّ نَصْبَ الإِْمَامِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَيَجِبُ عَلَى الأُْمَّةِ الإِْسْلاَمِيَّةِ أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهَا مِنْ أَهْل الْحَل وَالْعَقْدِ تَنْصِيبُ إِمَامٍ لِلْمُسْلِمِينَ يَقُومُ بِحِرَاسَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا (33) ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ} (34) ، وَقَوْلِهِ ﷺ: إِذَا كَانَ ثَلاَثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ (35) .
الْمُكَلَّفُ بِتَحْقِيقِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فِي الإِْمَامَةِ الْعُظْمَى
15 - إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الإِْمَامَةَ الْعُظْمَى فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا قَامَ بِهَا مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ سَقَطَ الإِْثْمُ عَنِ الْبَاقِينَ، وَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهَا أَحَدٌ حُرِّجَ النَّاسُ جَمِيعًا، وَيُطَالَبُ بِهَا فَرِيقَانِ مِنَ النَّاسِ هُمَا: أ - أَهْل الاِخْتِيَارِ، أَوْ أَهْل الْحَل وَالْعَقْدِ: وَهُمُ الَّذِينَ يَنُوبُونَ عَنِ الأُْمَّةِ فِي اخْتِيَارِ الْخَلِيفَةِ.
ب - أَهْل الإِْمَامَةِ: وَهُمُ الَّذِينَ تَوَافَرَتْ فِيهِمُ الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الإِْمَامَةِ (36) .
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْوِلاَيَاتِ الأُْخْرَى وَالْوَظَائِفِ الْعَامَّةِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحَاتِ (إِمَارَةٌ ف 4، وَإِمَامَةُ الصَّلاَةِ ف 5 وَمَا بَعْدَهَا، وَالإِْمَامَةُ الْكُبْرَى ف 6 وَمَا بَعْدَهَا، وَقَضَاءٌ، وَفَتْوَى) .
الْكِفَايَةُ فِي حَاجَاتِ الأَْفْرَادِ الْخَاصَّةِ:
16 - تَكُونُ كِفَايَةُ الإِْنْسَانِ بِسَدِّ حَاجَاتِهِ الأَْصْلِيَّةِ، وَهِيَ مَا يَدْفَعُ عَنِ الإِْنْسَانِ الْهَلاَكَ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا مِمَّا لاَ بُدَّ مِنْهُ، عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَحَال مَنْ فِي نَفَقَتِهِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ تَقْتِيرٍ (37) .
وَتَوْفِيرُ حَدِّ الْكِفَايَةِ لِلأَْفْرَادِ مَطْلُوبٌ شَرْعًا، وَذَلِكَ عَلَى الْفَرْدِ نَفْسِهِ أَوَّلاً ثُمَّ عَلَى أَقَارِبِهِ ثُمَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
وَتَوْفِيرُ الْكِفَايَةِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا قِوَامُ الْعَيْشِ وَسَدَادُ الْخُلَّةِ مُعْتَبَرٌ فِي كُل إِنْسَانٍ بِحَسَبِ حَالِهِ وَمَعِيشَتِهِ وَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ (38) . أ - تَوْفِيرُ الْكِفَايَةِ مِنْ قِبَل الْفَرْدِ نَفْسِهِ:
17 - بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الإِْنْسَانَ جُبِل عَلَى الاِهْتِمَامِ بِنَفْسِهِ وَتَوْفِيرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ إِلاَّ أَنَّ النُّصُوصَ الشَّرْعِيَّةَ بَيَّنَتْ وُجُوبَ النَّفَقَةِ وَحُدُودَهَا عَلَى النَّفْسِ فَقَال تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (39) ، وَقَال ﷺ: ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا (40) ، وَقَال ﷺ: إِنَّ لِنَفْسِك عَلَيْك حَقًّا (41) .
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْغَنِيَّ أَوِ الْقَادِرَ عَلَى الْعَمَل يُكَلَّفُ بِالْقِيَامِ بِسَدِّ حَاجَاتِهِ الأَْصْلِيَّةِ بِنَفْسِهِ وَلاَ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ (42) لِقَوْلِهِ ﷺ: لاَ تَحِل الصَّدَقَةُ لِغَنِيِّ وَلاَ لِذِي مِرَّةٍ قَوِيٍّ (43) .
ب - تَوْفِيرُ الْكِفَايَةِ مِنْ قِبَل الأَْقَارِبِ:
18 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ الْوَاجِبَةَ عَلَى قَرِيبِهِ هِيَ نَفَقَةُ كِفَايَةٍ بِحَسَبِ حَاجَتِهِ وَمَا يَلِيقُ بِحَالِهِ، لِقَوْلِهِ ﷺ لِهِنْدِ زَوْجَةِ أَبِي سُفْيَانَ: خُذِي مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ (44) ، فَيَجِبُ لَهُ بِذَلِكَ الْمَأْكَل وَالْمَشْرَبُ وَالْمَلْبَسُ وَالسُّكْنَى وَالرَّضَاعُ إِنْ كَانَ رَضِيعًا وَالْخَادِمُ إِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى خِدْمَةٍ (45) .
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ عَلَى مَذَاهِبَ.
وَالتَّفْصِيل فِي (نَفَقَةٌ) .
ج - تَوْفِيرُ كِفَايَةِ الزَّوْجَةِ:
19 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ (46) وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ مَنْ تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ فِي مِقْدَارِهَا لِقَوْلِهِ لِهِنْدَ زَوْجَةِ أَبِي سُفْيَانَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ (47) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْمُوسِرِ لِزَوْجَتِهِ مُدَّانِ، وَعَلَى الْمُعْسِرِ مُدٌّ وَاحِدٌ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مُدٌّ وَنِصْفٌ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ، فَإِنِ اخْتَلَفَ وَجَبَ اللاَّئِقُ بِالزَّوْجِ، وَيَجِبُ أُدْمُ غَالِبِ الْبَلَدِ وَكِسْوَةٌ تَكْفِيهَا، وَمَا تَقْعُدُ عَلَيْهِ أَوْ تَنَامُ عَلَيْهِ، وَإِخْدَامُهَا إِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لاَ يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا، وَيَجِبُ مَسْكَنٌ يَلِيقُ بِهَا، وَيَجِبُ فِي الْمَسْكَنِ إِمْتَاعٌ لاَ تَمْلِيكٌ (48) .
وَلِلتَّفْصِيل (ر: نَفَقَةٌ) .
طُرُقُ تَوْفِيرِ الْكِفَايَةِ:
تَتَعَدَّدُ طُرُقُ تَوْفِيرِ الْكِفَايَةِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
أ - تَوْفِيرُ الْكِفَايَةِ عَنْ طَرِيقِ الزَّكَاةِ:
20 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْفَقِيرَ يُعْطَى أَقَل مِنَ النِّصَابِ، فَإِذَا أُعْطِيَ نِصَابًا جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَال زُفَرُ: لاَ يَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ نِصَابًا، لأَِنَّ الْغِنَى قَارَنَ الأَْدَاءَ فَكَأَنَّ الأَْدَاءَ حَصَل لِلْغِنَى وَهُوَ لاَ يَجُوزُ.
وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ صَاحِبَ الْعِيَال بِحَيْثُ لَوْ فُرِّقَ عَلَيْهِمْ لاَ يَخُصُّ كُلًّا مِنْهُمْ نِصَابًا وَكَذَلِكَ الْمَدْيُونُ (49) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ كَالْغَزَالِيِّ وَالْبَغَوِيِّ إِلَى أَنَّهُ يُعْطَى مَا يَكْفِيهِ مُدَّةَ سَنَةٍ وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنَ النِّصَابِ، لأَِنَّ الزَّكَاةَ تَتَكَرَّرُ كُل سَنَةٍ فَيَحْصُل كِفَايَتُهُ مِنْهَا سَنَةً بِسَنَةٍ (50) ، وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَحْبِسُ لأَِهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ (51) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ - وَهِيَ الْمَذْهَبُ - وَأَبُو عُبَيْدٍ إِلَى أَنَّ الْفَقِيرَ يُعْطَى كِفَايَةَ الْعُمْرِ الْغَالِبِ بِحَيْثُ يَخْرُجُ مِنَ الْفَقْرِ إِلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ الْغِنَى وَلاَ يَرْجِعُ إِلَى أَخْذِ الزَّكَاةِ مَرَّةً أُخْرَى (52) .
ب - تَوْفِيرُ الْكِفَايَةِ عَنْ طَرِيقِ بَيْتِ الْمَال:
21 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْفُقَرَاءَ الَّذِينَ لاَ يُعْطَوْنَ مِنَ الزَّكَاةِ لِعَدَمِ كِفَايَتِهَا أَوْ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شُرُوطِ اسْتِحْقَاقِهِمْ لَهَا كَفُقَرَاءِ أَهْل الذِّمَّةِ يُصْرَفُ لَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَال (53) .
ج - تَوْفِيرُ الْكِفَايَةِ عَنْ طَرِيقِ تَوْظِيفِ الضَّرَائِبِ عَلَى الأَْغْنِيَاءِ:
22 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ لِلإِْمَامِ فَرْضَ ضَرَائِبَ عَلَى الْقَادِرِينَ لِوُجُوهِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَلِسَدِّ حَاجَاتِ الْمُسْلِمِينَ. قَال القرطبي: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ بَعْدَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ صَرْفُ الْمَال إِلَيْهَا (54) .
__________
(1) لسان العرب لابن منظور، والمصباح المنير للفيومي، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس مادة (كفى) ، والمفردات في غريب القرآن للأصفهاني ص437، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير 4 / 193، وبصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي 4 / 368.
(2) حديث: " من قرأ بالآيتين من آخر. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 55) ، ومسلم (1 / 555) من حديث أبي مسعود، واللفظ للبخاري.
(3) سورة الزمر / 36.
(4) مغني المحتاج للشربيني 3 / 106، والأحكام السلطانية للماوردي ص22، والغياثي ص90، 91.
(5) معجم مقاييس اللغة لابن فارس، والمصباح المنير للفيومي مادة (كفّ) .
(6) لسان العرب، ومعجم مقاييس اللغة مادة (حوج) .
(7) قواعد الفقه للبركتي.
(8) الموافقات للشاطبي 2 / 10.
(9) حاشية ابن عابدين 4 / 123، الدر المنتقي بحاشية مجمع الأنهر للحلبي 1 / 632، وتهذيب الفروق 1 / 127، والمنثور في القواعد للزركشي 3 / 33، والبحر المحيط للزركشي 1 / 242، والأشباه والنظائر للسيوطي 410، وكشاف القناع للبهوتي 3 / 33.
(10) الإحكام للآمدي 1 / 76، وشرح البدخشي 1 / 45
(11) الفروق للقرافي 1 / 166، والأشباه والنظائر للسبكي 2 / 89.
(12) البحر المحيط للزركشي 1 / 242.
(13) الدر المنتقي على هامش مجمع الأنهر 1 / 632.
(14) حاشية ابن عابدين 1 / 538، 4 / 123، وكشاف القناع 3 / 33.
(15) حاشية ابن عابدين 1 / 538، والبحر المحيط 1 / 243، والفروق للقرافي 1 / 177، ومغني المحتاج 4 / 214، ونهاية المحتاج 8 / 53.
(16) الهداية 3 / 16، ومجمع الأنهر 2 / 115، 186، والشرح الصغير 4 / 284، والقوانين الفقهية 339، وأسهل المدارك 3 / 212، والمهذب 2 / 324، وأدب القضاء لابن أبي الدم 322، والأشباه للسيوطي 414، والإنصاف 12 / 3، والكافي لابن قدامة 3 / 515.
(17) سورة البقرة / 282.
(18) المراجع السابقة.
(19) سورة البقرة / 283.
(20) الدر المنتقى مع مجمع الأنهر 1 / 710، والهداية 2 / 173، والشرح الصغير 4 / 178، والقوانين الفقهية 372، والمهذب 1 / 441، والمنثور 3 / 73، والأشباه للسيوطي 413، والكافي لابن قدامة 2 / 363.
(21) حديث: " حق المسلم على المسلم ست. . . ". أخرجه مسلم (4 / 1705) .
(22) الهداية 3 / 103، والشرح الصغير 4 / 763، ومغني المحتاج 1 / 329، والمغني 2 / 449، والإنصاف 2 / 461، والآداب الشرعية 3 / 554، وصحيح البخاري 7 / 3 باب وجوب عيادة المريض.
(23) مجمع الأنهر 1 / 182، والقوانين الفقهية 108، والشرح الصغير 1 / 543، 2 / 273، وأسهل المدارك 1 / 351، والمهذب 1 / 134، والمنثور 3 / 37، والأذكار للنووي 141، ورحمة الأمة 64، والإفصاح 1 / 182، الإنصاف 2 / 470، والفتاوى لابن تيمية 28 / 80.
(24) حديث: " اغسلوه بماء وسدر ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 137) ، ومسلم (2 / 866) من حديث ابن عباس.
(25) المراجع السابقة.
(26) حديث: " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين. . . ". # أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 137) ، ومسلم (2 / 866) من حديث ابن عباس، واللفظ للبخاري.
(27) مجمع الأنهر والدر المنتقى 1 / 182، والشرح الصغير 1 / 543، 2 / 273، والمنثور 3 / 37، والمهذب 1 / 139، والأذكار 141، والأشباه للسيوطي 411، ورحمة الأمة 64، والإفصاح لابن هبيرة 1 / 182، والإنصاف 2 / 472، والفتاوى لابن تيمية 28 / 80.
(28) حديث: " صلوا على من قال: لا إله إلا الله ". أخرجه الدارقطني (2 / 56) من حديث ابن عمر، وذكر ابن حجر في التلخيص (2 / 35) أن في إسناده راويًا اتهم بالكذب.
(29) الهداية 3 / 103، والفواكه الدواني 1 / 339، والأشباه للسيوطي 411، والآداب الشرعية 3 / 554.
(30) حديث: " حق المسلم على المسلم ست. . . وإذا مات فاتبعه ". سبق تخريجه ف (12) .
(31) مجمع الأنهر 1 / 182، والمقدمات لابن رشد 1 / 176، والأشباه للسيوطي 411، والإنصاف 2 / 470، والفتاوى لابن تيمية 28 / 80.
(32) سورة عبس / 21.
(33) البدائع 7 / 2، والشرح الصغير 2 / 273، والأحكام السلطانية للماوردي 5، والأشباه للسيوطي 414، والأحكام السلطانية للفراء 19، والآداب الشرعية 3 / 554.
(34) سورة النساء / 59.
(35) حديث: " إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ". أخرجه أبو داود (3 / 81) من حديث أبي هريرة.
(36) الأحكام السلطانية للماوردي 5، 6، والأحكام السلطانية للفراء 19، 20.
(37) ابن عابدين 2 / 262، وتبيين الحقائق 1 / 253، والزرقاني على خليل 2 / 174، والمغني لابن قدامة 3 / 222، ومغني المحتاج 3 / 106.
(38) حاشية ابن عابدين 2 / 377، وفتاوى الشاطبي 186، وحاشية القليوبي 4 / 215، وكشاف القناع 2 / 273.
(39) سورة الفرقان / 67.
(40) حديث: " ابدأ بنفسك فتصدق عليها ". أخرجه مسلم (2 / 693) من حديث جابر بن عبد الله.
(41) حديث: " إن لنفسك عليك حقا ". أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 209) من حديث أبي جحيفة.
(42) ابن عابدين 2 / 59، 64، والمجموع 6 / 135، 191، حاشية الدسوقي 1 / 454، 494، والمغني 2 / 661، 6 / 423.
(43) حديث: " لا تحل الصدقة لغني ولا. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 42) من حديث عبد الله بن عمرو قال: حديث حسن.
(44) حديث: " خذي من ماله ما يكفيك وولدك. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 405) ومسلم (3 / 1338) من حديث عائشة، واللفظ لمسلم.
(45) بدائع الصنائع 4 / 38، وفتح القدير 3 / 346، وحاشية الدسوقي 2 / 509، ونهاية المحتاج 7 / 210، وكشاف القناع 5 / 482 - 483، والمغني 7 / 595.
(46) مجمع الأنهر 1 / 490، وقوانين الأحكام ص 245، والمهذب 2 / 160، والمغني لابن قدامة 7 / 564.
(47) الحديث سبق تخريجه فقرة 18.
(48) مغني المحتاج 3 / 426، وما بعدها.
(49) تبيين الحقائق 1 / 35، والهداية 2 / 28، ومجمع الأنهر 1 / 235، وأحكام القرآن للجصاص 3 / 138، وابن عابدين 2 / 68.
(50) حاشية الدسوقي 1 / 494، ومواهب الجليل 2 / 348، والمجموع 6 / 140، وكشاف القناع 2 / 272، والمبدع 2 / 426.
(51) حديث: " كان يحبس لأهله قوت. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 502) ، ومسلم (3 / 1379) من حديث ابن عمر.
(52) المجموع 6 / 139، والأحكام السلطانية 205، والإنصاف 3 / 238، والأموال لأبي عبيد 750.
(53) بدائع الصنائع 2 / 68، 89، والشهب اللامعة لابن رضوان 372، والأحكام السلطانية للماوردي 140، والأحكام السلطانية للفراء 138.
(54) القرطبي 2 / 242، وابن عابدين 2 / 57.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 5/ 35