الشكور
كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
الإبقاء على الحياة . ومنه استحياء الأسير، وعدم قتله، ومنه قوله تعالى : ﭽﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭼالبقرة :49.
التَّعْرِيفُ:
1 - الاِسْتِحْيَاءُ يَأْتِي فِي اللُّغَةِ بِمَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْهَا:
أ - بِمَعْنَى الْحَيَاءِ، وَهُوَ: الاِنْزِوَاءُ وَالاِنْقِبَاضُ (1) ، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ هَذَا الاِنْقِبَاضَ لِيَكُونَ اسْتِحْيَاءً بِأَنْ يَكُونَ انْقِبَاضًا عَنِ الْقَبَائِحِ. وَقَدْ وَرَدَ الاِسْتِحْيَاءُ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي عَدَدٍ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، مِنْهَا قَوْلُهُ جَل شَأْنُهُ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوَك لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} (2) وَقَوْلُهُ ﷿ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} (3) وَقَوْلُهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ فِي سُورَةِ الأَْحْزَابِ {وَاَللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} (4)
وَالاِسْتِحْيَاءُ - بِهَذَا الْمَعْنَى - مُرَغَّبٌ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (حَيَاء) .
ب - بِمَعْنَى الإِْبْقَاءِ عَلَى الْحَيَاةِ، فَيُقَال: اسْتَحْيَيْتُ فُلاَنًا إِذَا تَرَكْتُهُ حَيًّا وَلَمْ أَقْتُلْهُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ الْقَصَصِ: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} (5) أَيْ يُبْقِيهِمْ أَحْيَاءً (6) .
وَاسْتَعْمَل الْفُقَهَاءُ كَلِمَةَ اسْتِحْيَاءٍ بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، فَقَالُوا فِي الْبِكْرِ: تُسْتَأْذَنُ فِي النِّكَاحِ، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا، لأَِنَّهَا تَسْتَحْيِي مِنَ النُّطْقِ.
وَقَالُوا فِي الأَْسْرَى يَقَعُونَ فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ: إِنْ شَاءَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَحْيَاهُمْ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ.
وَكَثِيرًا مَا يُعَبِّرُونَ عَنِ الاِسْتِحْيَاءِ بِلَفْظِ الإِْبْقَاءِ عَلَى الْحَيَاةِ، فَيَقُولُونَ فِي الصَّغِيرِ يَأْبَى الرَّضَاعَ مِنْ غَيْرِ أُمِّهِ: تُجْبَرُ أُمُّهُ عَلَى إِرْضَاعِهِ إِبْقَاءً عَلَى حَيَاتِهِ الاِسْتِحْيَاءُ بِمَعْنَى إِدَامَةِ الْحَيَاةِ:
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
إِحْيَاءٌ:
2 - كَلِمَةُ " إِحْيَاءٌ " تُسْتَعْمَل فِي إِيجَادِ الْحَيَاةِ فِيمَا لاَ حَيَاةَ فِيهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} . (7)
أَمَّا كَلِمَةُ " اسْتِحْيَاءٌ " فَإِنَّهَا تُسْتَعْمَل فِي إِدَامَةِ الْحَيَاةِ الْمَوْجُودَةِ، وَعَدَمِ إِعْدَامِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الأَْمْثِلَةِ السَّابِقَةِ. فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الإِْحْيَاءَ مَسْبُوقٌ بِالْعَدَمِ، بِخِلاَفِ الاِسْتِحْيَاءِ.
صِفَتُهُ (الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ) :
3 - لاَ يُمْكِنُ اطِّرَادُ الاِسْتِحْيَاءِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ، نَظَرًا لاِخْتِلاَفِ أَحْوَال الاِسْتِحْيَاءِ، بَل تَتَعَاقَبُهُ أَكْثَرُ الأَْحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ.
فَأَحْيَانًا يَكُونُ الاِسْتِحْيَاءُ وَاجِبًا، كَمَا هُوَ الْحَال فِي اسْتِحْيَاءِ مَنْ بَذَلْنَا لَهُ الأَْمَانَ (ر: أَمَان) ، وَاسْتِحْيَاءِ الصَّغِيرِ بِالإِْجْبَارِ عَلَى الرَّضَاعَةِ (ر: رَضَاع) ، وَاسْتِحْيَاءِ الإِْنْسَانِ الْعَاجِزِ عَنِ الْكَسْبِ، وَالْحَيَوَانِ الْمَحْبُوسِ بِالإِْنْفَاقِ عَلَيْهِ (ر: نَفَقَة) ، وَاسْتِحْيَاءِ الذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ مِنَ السَّبْيِ (ر: سَبْي) ، وَاسْتِحْيَاءِ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ (ر: إِجْهَاض) .
وَأَحْيَانًا يَكُونُ الاِسْتِحْيَاءُ مَكْرُوهًا، كَاسْتِحْيَاءِ الْحَيَوَانِ الْمُؤْذِي بِطَبْعِهِ. وَأَحْيَانًا يَكُونُ الاِسْتِحْيَاءُ مُحَرَّمًا، كَاسْتِحْيَاءِ مَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ فِي حَدٍّ (ر: حَدّ) ، وَاسْتِحْيَاءِ مَا يَسْتَفِيدُ مِنْهُ جُنُودُ الْعَدُوِّ قَطْعًا فِي حَرْبِهِمْ لَنَا، كَالْحَيَوَانَاتِ الَّتِي عَجَزْنَا عَنْ حَمْلِهَا إِلَى بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ (ر: جِهَاد) .
وَأَحْيَانًا يَكُونُ الاِسْتِحْيَاءُ مُبَاحًا، كَتَخْيِيرِ الإِْمَامِ فِي أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ بَيْنَ الْقَتْل أَوِ الْمَنِّ أَوِ الْفِدَاءِ أَوِ الاِسْتِرْقَاقِ.
الْمُسْتَحْيِي:
الْمُسْتَحْيِي: إِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ نَفْسَ الْمُسْتَحْيَا (كَاسْتِحْيَاءِ الإِْنْسَانِ نَفْسَهُ) أَوْ غَيْرَهُ.
اسْتِحْيَاءُ الإِْنْسَانِ نَفْسَهُ:
4 - يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَعْمَل عَلَى اسْتِحْيَاءِ نَفْسِهِ مَا اسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا: بِدَفْعِ التَّلَفِ عَنْهَا بِإِزَالَةِ سَبَبِهِ، كَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ (8) ، وَإِطْفَاءِ الْحَرِيقِ أَوِ الْهَرَبِ مِنْهُ، كَمَا إِذَا احْتَرَقَتْ سَفِينَةٌ وَلَمْ يُمْكِنْ إِطْفَاؤُهَا، وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ رِكَابَهَا لَوْ أَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَاءِ نَجَوْا، وَجَبَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ (9) .
وَلَيْسَ مِنْ هَذَا تَنَاوُل الدَّوَاءِ؛ لأَِنَّ الْمَرَضَ غَيْرُ مُفْضٍ إِلَى الْمَوْتِ حَتْمًا؛ وَلأَِنَّ الشِّفَاءَ بِتَنَاوُل الدَّوَاءِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ (10) ، لَكِنِ التَّدَاوِي مَطْلُوبٌ شَرْعًا؛ لِحَدِيثِ تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ (11)
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي دَفْعِ التَّلَفِ عَنْ نَفْسِهِ إِتْلاَفٌ لِلْغَيْرِ، أَوْ لِعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، أَوْ كَانَ فِيهِ إِتْلاَفٌ لِنَفْسٍ غَيْرِ مُحْتَرَمَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِحْيَاءُ نَفْسِهِ، كَمَا هُوَ الْحَال فِي طَلَبِ الزَّادِ مِمَّنْ هُوَ مَعَهُ وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ، أَوْ فِي دَفْعِ الصَّائِل عَلَى النَّفْسِ (12) .
وَإِنْ كَانَ فِي إِحْيَاءِ نَفْسِهِ إِتْلاَفٌ لِنَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ الإِْقْدَامُ عَلَى هَذَا الإِْتْلاَفِ إِحْيَاءً لِنَفْسِهِ؛ لأَِنَّ الضَّرَرَ لاَ يُزَال بِضَرَرٍ مِثْلِهِ.
ثَانِيهُمَا: عَدَمُ الإِْقْدَامِ عَلَى إِمَاتَةِ نَفْسِهِ بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ أَوْ غَيْرِ مُبَاشِرٍ، أَمَّا إِمَاتَةُ نَفْسِهِ بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ كَمَا إِذَا بَعَجَ بَطْنَهُ بِحَدِيدَةٍ، أَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ مِنْ شَاهِقٍ لِيَمُوتَ، فَمَاتَ، لِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، يَتَرَدَّى خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَسُمُّهُ بِيَدِهِ، يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ وَجَأَ بَطْنَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ، يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا (13) وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ، أَوْ كِتَابِ الْحَظْرِ وَالإِْبَاحَةِ، عِنْدَ كَلاَمِهِمْ عَلَى الاِنْتِحَارِ (ر: انْتِحَار) .
وَأَمَّا إِمَاتَةُ نَفْسِهِ بِشَكْلٍ غَيْرِ مُبَاشِرٍ، كَمَا إِذَا اقْتَحَمَ عَدُوًّا، أَوْ مَجْمُوعَةً مِنَ اللُّصُوصِ، وَهُوَ مُوقِنٌ أَنَّهُ مَقْتُولٌ لاَ مَحَالَةَ، دُونَ أَنْ يَقْتُل مِنْهُمْ أَحَدًا، أَوْ يُوقِعَ فِيهِمْ نِكَايَةً، أَوْ يُؤَثِّرَ فِيهِمْ أَثَرًا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ؛ لأَِنَّ هَذَا إِلْقَاءٌ لِلنَّفْسِ فِي التَّهْلُكَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُول: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (14) ، وَمَحَل تَفْصِيل ذَلِكَ كِتَابُ الْجِهَادِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ (ر: جِهَاد) .
5 - وَاسْتِحْيَاءُ نَفْسِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى اسْتِحْيَاءِ غَيْرِهِ؛ لأَِنَّ حُرْمَةَ نَفْسِهِ عَلَيْهِ فَوْقَ حُرْمَةِ نَفْسٍ أُخْرَى (15) ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ قَتَل نَفْسَهُ كَانَ إِثْمُهُ أَكْثَرَ مِمَّنْ قَتَل غَيْرَهُ (16) ، وَمِنْ هُنَا قَرَّرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الْمَرْءَ يُكَلَّفُ بِالإِْنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ أَوَّلاً، ثُمَّ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي النَّفَقَاتِ (ر: نَفَقَة) ، وَكَمَنْ اضْطُرَّ إِلَى طَعَامِ غَيْرِهِ اسْتِحْيَاءً لِنَفْسِهِ، وَصَاحِبُ الطَّعَامِ مُضْطَرٌّ لِطَعَامِهِ اسْتِحْيَاءً لِنَفْسِهِ أَيْضًا، فَصَاحِبُ الطَّعَامِ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ (17) .
اسْتِحْيَاءُ الإِْنْسَانِ غَيْرَهُ:
6 - يُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَحْيِي لِغَيْرِهِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الاِسْتِحْيَاءُ مَا يَلِي:
1 - أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحْيِي مُكَلَّفًا عَالِمًا بِحَاجَةِ الْمُسْتَحْيَا إِلَى الاِسْتِحْيَاءِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ عَلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ.
2 - أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الاِسْتِحْيَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لاَ يُكَلَّفُ بِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (18) ، قَال فِي الْمُغْنِي: " كُل مَنْ رَأَى إِنْسَانًا فِي مُهْلِكَةٍ فَلَمْ يُنَجِّهِ مِنْهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ وَقَدْ أَسَاءَ " وَقَال أَبُو الْخَطَّابِ: يَضْمَنُهُ لأَِنَّهُ لَمْ يُنَجِّهِ مِنَ الْهَلاَكِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ مَنَعَهُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ (19) ، فَالْخِلاَفُ وَاقِعٌ فِي الضَّمَانِ، لاَ فِي الاِسْتِحْيَاءِ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْجِنَايَاتِ (ر: جِنَايَة) .
فَإِذَا تَحَقَّقَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي مَجْمُوعَةٍ مِنَ النَّاسِ وَجَبَ الاِسْتِحْيَاءُ عَلَى الأَْقْرَبِ مِنْهُمْ إِلَى الْمُسْتَحْيَا فَالأَْقْرَبِ، عَلَى حَسَبِ تَرْتِيبِهِمْ فِي النَّفَقَةِ (ر: نَفَقَة) .
فَإِذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمْ عَنْ الاِسْتِحْيَاءِ انْتَقَل الْوُجُوبُ إِلَى مَنْ يَلِيهِ، إِنْ كَانَ الْوَقْتُ لاَ يَتَّسِعُ إِلَى إِجْبَارِهِ عَلَى الاِسْتِحْيَاءِ، وَكَذَا إِنِ اخْتَل فِيهِ شَرْطٌ مِنَ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ، إِلَى أَنْ يَصِل الْوُجُوبُ إِلَى مَنْ عَلِمَ مِنَ النَّاسِ.
الْمُسْتَحْيَا:
7 - يُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَحْيَا حَتَّى يَجِبَ اسْتِحْيَاؤُهُ أَنْ يَكُونَ ذَا حَيَاةٍ مُحْتَرَمَةٍ - سَوَاءٌ أَكَانَ إِنْسَانًا أَمْ حَيَوَانًا - وَتَبْدَأُ الْحَيَاةُ الْمُحْتَرَمَةُ بِنَفْخِ الرُّوحِ فِي الْجَنِينِ بِلاَ خِلاَفٍ (20) . وَفِي ابْتِدَائِهَا قَبْل نَفْخِ الرُّوحِ خِلاَفٌ (21) . (ر: إِجْهَاض) .
وَتُهْدَرُ هَذِهِ الْحُرْمَةُ لِلْحَيَاةِ وَيَسْقُطُ وُجُوبُ الاِسْتِحْيَاءِ بِمَا يَلِي:
أ - بِإِهْدَارِ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا أَصْلاً، كَمَا هُوَ الْحَال فِي إِهْدَارِ حُرْمَةِ حَيَاةِ الْخِنْزِيرِ.
ب - أَوْ بِتَصَرُّفِهِ تَصَرُّفًا اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ مُوجِبًا لإِِهْدَارِ دَمِهِ، كَقِتَال الْمُسْلِمِينَ (ر: بَغْي) (وَجِهَاد) وَالْقَتْل (ر: جِنَايَة) وَالرِّدَّةِ (ر: رِدَّة) وَزِنَى الْمُحْصَنِ (ر: إِحْصَان) وَالسِّحْرِ عِنْدَ الْبَعْضِ (رَ: سِحْرٍ) . ج - أَوْ بِالضَّرَرِ، بِأَصْل خِلْقَتِهِ، كَالْحَيَوَانَاتِ الْمُؤْذِيَةِ بِأَصْل خِلْقَتِهَا، كَالْخَمْسِ الْفَوَاسِقِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ بِقَوْلِهِ: خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ: الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ (22) وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ السَّبُعُ الْعَادِي (الْمُتَعَدِّي) وَنَحْوَ ذَلِكَ.
د - أَوْ بِالضَّرَرِ وُقُوعًا إِذَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ ضَرَرِهِ إِلاَّ بِقَتْلِهِ، كَالصَّائِل مِنَ الْحَيَوَانِ وَالإِْنْسَانِ.
وَسَائِل الاِسْتِحْيَاءِ:
8 - لاَ تَخْرُجُ وَسَائِل الاِسْتِحْيَاءِ عَنْ كَوْنِهَا عَمَلاً، أَوِ امْتِنَاعًا عَنْ عَمَلٍ:
أ - أَمَّا الْعَمَل، فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ تَعْتَبِرُ كُل عَمَلٍ مَشْرُوعًا - عَدَا قَتْل الْبَرِيءِ - إِذَا تَعَيَّنَ لاِسْتِحْيَاءِ نَفْسٍ مُشْرِفَةٍ عَلَى الْهَلاَكِ، سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْعَمَل مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ، أَوْ بَذْل الطَّعَامِ أَوِ الشَّرَابِ لِلْمُضْطَرِّ إِلَيْهِ. أَوْ تَمْدِيدِ إِجَارَةِ السَّفِينَةِ الَّتِي انْتَهَتْ مُدَّةُ إِجَارَتِهَا وَهِيَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ (ر: إِجَارَة) ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَمْ كَانَ مُحَرَّمًا بِأَصْلِهِ كَأَكْل الْمَيْتَةِ مِنْ مَخْمَصَةٍ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ لِدَفْعِ غُصَّةٍ، وَالْكَذِبِ لِدَفْعِ ظَالِمٍ عَنْ بَرِيءٍ يُرِيدُ قَتْلَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ (23) .
ب - أَمَّا الاِمْتِنَاعُ عَنْ عَمَلٍ، كَالاِمْتِنَاعِ عَنْ قَتْل النَّفْسِ، وَالاِمْتِنَاعِ عَنْ قَتْل الْغَيْرِ فَهُوَ وَاجِبٌ. الإِْجْبَارُ عَلَى الاِسْتِحْيَاءِ:
9 - إِذَا تَعَيَّنَ وُجُوبُ الاِسْتِحْيَاءِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَوَفُّرِ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ وَتَعَيَّنَ لِذَلِكَ، كَمَا إِذَا رَفَضَ الصَّغِيرُ الرَّضَاعَ مِنْ ثَدْيٍ غَيْرِ ثَدْيِ أُمِّهِ، فَإِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى إِرْضَاعِهِ اسْتِحْيَاءً لَهُ. (ر: رَضَاع) .
وُجُوبُ الاِسْتِحْيَاءِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَتَّسِعُ لَهُ:
10 - يَجِبُ الاِسْتِحْيَاءُ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَقَّقَ بِهِ الاِسْتِحْيَاءُ، وَأَوَّلُهُ وَقْتُ الْحَاجَةِ إِلَى الاِسْتِحْيَاءِ، وَآخِرُهُ هُوَ الْفَرَاغُ مِنَ الاِسْتِحْيَاءِ، فَإِنْقَاذُ الْغَرِيقِ حَدَّدَ لَهُ الشَّرْعُ الزَّمَانَ، فَأَوَّلُهُ: مَا يَلِي زَمَنَ السُّقُوطِ، وَآخِرُهُ الْفَرَاغُ مِنْ إِنْقَاذِهِ (1) .
__________
(1) المصباح المنير.
(2) سورة القصص / 25
(3) سورة البقرة / 26
(4) سورة الأحزاب / 53
(5) سورة القصص / 4
(6) انظر في ذلك لسان العرب، ومفردات الراغب الأصفهاني، وتفسير النسفي للآية 53 من سورة الأحزاب، والآية 4 من سورة القصص.
(7) سورة البقرة / 28
(8) حاشية عميرة 4 / 207. والمبسوط 30 / 265 و271 ط دار المعرفة.
(9) الفتاوى الهندية 5 / 361
(10) الفتاوى الهندية 5 / 254 طبع بولاق.
(11) حديث (تداووا عباد الله) أخرجه الترمذي (6 / 190 تحفة الأحوذي نشر السلفية) وقال: حسن صحيح.
(12) المغني 8 / 328
(13) حديث (من تردى. . .) أخرجه مسلم 1 / 103 - 104 ط عيسى الحلبي.
(14) سورة البقرة / 195، وانظر تفسبر القرطبي لهذه الآية الكريمة 2 / 363 - 364 طبع دار الكتب المصربة.
(15) المبسوط 30 / 270
(16) الفتاوى الهندية 5 / 361
(17) المغني 8 / 834
(18) سورة البقرة 286
(19) الفروق للقرافي 2 / 56 طبع دار المعرفة.
(20) البحر الرائق 8 / 33 طبع المطبعة العلمية، وحاشية الرهوني على الزرقاني 3 / 264 طبع بولاق، وحاشية الجمل على شرح المنهاج 5 / 490 طبع المطبعة الميمنية، والمغني 8 / 418 طبع مكتبة القاهرة.
(21) البحر الرائق 8 / 233، وحاشية الدسوقي 2 / 266 طبع عيسى البابي الحلبي، وحاشية الرهوني على الزرقاني 3 / 263، وبداية المجتهد 2 / 453 طبع مكتبة الكليات الأزهرية سنة 1386 هـ.
(22) حديث خمس من الدواب. . .) أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 34 ط السلفية) في الحج باب ما يقتله المحرم من الدواب، ومسلم 2 / 858 ط عيسى الحلبي في الحج باب ما يندب للمحرم وغيره قتله، وأبو داود (عون المعبود 2 / 108 ط المطبعة الأنصارية) .
(23) البحر الرائق 8 / 233، وحاشية ابن عابدين 1 / 602
الموسوعة الفقهية الكويتية: 237/ 3
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".