الملك
كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...
الثناء على الغير بالوصف الحسن الجميل . ولا يستلزم محبة الممدوح . ومن أمثلته النَّهْيَ عن مدح مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ مِنْ إِعْجَابٍ، ونَحْوِهِ إِذَا سَمِعَ الْمَدْحَ. يشهد له حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ : أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم - فَقَالَ : "وَيْلَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ أَخِيكَ -ثَلاَثًا - مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا لاَ مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ : أَحْسِبُ فُلاَنًا، واللَّهُ حَسِيبُهُ، ولاَ أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ." البخاري :6162.
المَدْحُ: الثَّناءُ الـحَسَنِ، وقِيلَ: الثَّناءُ بِاللِّسانِ على الـجَمِيلِ الاخْتِيارِي قَصْداً، وهو نَقِيضُ الهِجاءِ والذَّمِّ، يُقالُ: مَدَحْتُهُ مَدْحاً، أيْ: أَثْنَيْتُ عَلَيْهِ بِـما فِيهِ مِن الصِّفاتِ الـجَمِيلَةِ، خِلْقِيَّةً كانَت أو اخْتِيارِيَّةً.
يَرِد مُصطلَحُ (مَدْح) في كتابِ الجامِعِ للآداب، باب: آفات اللِّسانِ. ويُطلَق في كتاب الجنائِزِ، ويُراد به: الثَّناءُ على المَيِّتِ بِذِكْرِ محاسِنِه.
مدح
الثَّناءُ على الشَّخْصِ بِذِكْرِ أوصافِ الكَمالِ والأفْضالِ خِلْقِيَّةً كانت أو اخْتِيارِيَّةً.
الـمَدْحُ: الثَّناءُ الـحَسَنِ، وقِيلَ: الثَّناءُ بِاللِّسانِ على الـجَمِيلِ الاخْتِيارِي قَصْداً، وهو نَقِيضُ الهِجاءِ والذَّمِّ.
الثناء على الغير بالوصف الحسن الجميل. ولا يستلزم محبة الممدوح.
* مقاييس اللغة : (5/308)
* لسان العرب : (13/49)
* تاج العروس : (7/111)
* التعريفات للجرجاني : (ص 265)
* التوقيف على مهمات التعاريف : (ص 645)
* كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم : (1/712)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (3/244) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَدْحُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الثَّنَاءُ بِذِكْرِ أَوْصَافِ الْكَمَال وَالأَْفْضَال خُلُقِيَّةً كَانَتْ أَوِ اخْتِيَارِيَّةً،.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (1) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
التَّقْرِيظُ:
2 - التَّقْرِيظُ فِي اللُّغَةِ: الْمَدْحُ وَالثَّنَاءُ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْقَرْظِ، وَهُوَ شَيْءٌ يُدْبَغُ بِهِ الأَْدِيمُ، وَإِذَا دُبِغَ بِهِ حَسُنَ وَصَلُحَ وَزَادَتْ قِيمَتُهُ، فَشُبِّهَ مَدْحُكَ لِلإِْنْسَانِ الْحَيِّ بِذَلِكَ، كَأَنَّكَ تَزِيدُ فِي قِيمَتِهِ بِمَدْحِكَ إِيَّاهُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدْحِ: أَنَّ الْمَدْحَ يَكُونُ لِلْحَيِّ وَالْمَيِّتِ، وَالتَّقْرِيظَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ لِلْحَيِّ (2) . الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَدْحِ:
مِنَ الأَْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَدْحِ مَا يَأْتِي:
مَدْحُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ:
3 - وَرَدَ فِي مَدْحِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ (3) وَالْمِدْحَةُ - كَمَا قَال عُلَمَاءُ اللُّغَةِ - مَا يُمْدَحُ بِهِ (4) ، وَنَقَل ابْنُ حَجَرٍ عَنِ ابْنِ بَطَّالٍ قَوْلَهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ: أَرَادَ بِهِ الْمَدْحَ مِنْ عِبَادِهِ - أَيْ عِبَادِ اللَّهِ - بِطَاعَتِهِ وَتَنْزِيهِهِ عَمَّا لاَ يَلِيقُ بِهِ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِنِعَمِهِ لِيُجَازِيَهُمْ عَلَى ذَلِكَ (5) .
مَدْحُ النَّبِيِّ ﷺ:
4 - دَأَبَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَدْحِ النَّبِيِّ ﷺ بِعَظِيمِ قَدْرِهِ عِنْدَ رَبِّهِ وَمَنْزِلَتِهِ وَمَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ فِي الدَّارَيْنِ مِنْ كَرَامَتِهِ، قَال الْقَاضِي عِيَاضٌ: لاَ خِلاَفَ أَنَّهُ ﷺ أَكْرَمُ الْبَشَرِ وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَأَفْضَل النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأَعْلاَهُمْ دَرَجَةً وَأَقْرَبُهُمْ زُلْفَى، ثُمَّ سَاقَ أَحَادِيثَ فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ ﷺ عِنْدَ رَبِّهِ وَالاِصْطِفَاءِ وَرِفْعَةِ الذِّكْرِ وَالتَّفْضِيل وَسِيَادَةِ وَلَدِ آدَمَ وَمَا خَصَّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَزَايَا الرُّتَبِ وَبَرَكَةِ اسْمِهِ الطَّيِّبِ (6) ، فَرَوَى عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَْسْقَعِ ﵁ : أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيل، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمَ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمَ (7) .
وَقَال اللَّهُ تَعَالَى فِي نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى ﷺ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (8) وَقَال جَل شَأْنُهُ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (9) وَقَال سُبْحَانَهُ: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (10) .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ فِي مَعْنَى هَذِهِ الآْيَةِ: لاَ ذُكِرْتُ إِلاَّ ذُكِرْتَ مَعِي فِي الأَْذَانِ وَالإِْقَامَةِ وَالتَّشَهُّدِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمَنَابِرِ وَيَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الأَْضْحَى وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ وَعِنْدَ الْجِمَارِ، وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَفِي خُطْبَةِ النِّكَاحِ، وَفِي مَشَارِقِ الأَْرْضِ وَمَغَارِبِهَا (11) .
وَكَانَ ﷺ لَهُ شُعَرَاءُ يُصْغِي إِلَيْهِمْ (12) ، مِنْهُمْ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَقَدْ مَدَحَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ ﵁ النَّبِيَّ ﷺ بِقَصِيدَتِهِ الَّتِي مَطْلَعُهَا " بَانَتْ سُعَادُ. . . " فَأَثَابَهُ عَلَى مَدْحِهِ بِبُرْدَتِهِ ﷺ (13) . إِلاَّ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ لاَ يَصِل مَدْحُهُ ﷺ إِلَى حَدِّ الإِْطْرَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِقَوْلِهِ ﷺ: لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ (14) .
قَال الْقُرْطُبِيُّ فِي مَعْنَاهُ: لاَ تَصِفُونِي بِمَا لَيْسَ فِيَّ مِنَ الصِّفَاتِ، تَلْتَمِسُونَ بِذَلِكَ مَدْحِي، كَمَا وَصَفَتِ النَّصَارَى عِيسَى بِمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ، فَنَسَبُوهُ إِلَى أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ فَكَفَرُوا بِذَلِكَ وَضَلُّوا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ رَفَعَ أَمْرًا فَوْقَ حَدِّهِ وَتَجَاوَزَ مِقْدَارَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَمُعْتَدٍ آثِمٌ، لأَِنَّ ذَلِكَ لَوْ جَازَ فِي أَحَدٍ لَكَانَ أَوْلَى الْخَلْقِ بِذَلِكَ رَسُول اللَّهِ ﷺ (15) .
مَدْحُ النَّاسِ:
5 - الأَْصْل أَنَّ مَدْحَ الْغَيْرِ - كَمَا قَال الرَّاغِبُ الأَْصْفَهَانِيُّ - لَيْسَ فِي نَفْسِهِ بِمَحْمُودٍ وَلاَ مَذْمُومٍ، وَإِنَّمَا يُحْمَدُ وَيُذَمُّ بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ، فَمَنْ قَصْدُهُ طَلَبُ مَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الثَّنَاءُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ فَذَلِكَ مَحْمُودٌ، وَالْمَذْمُومُ مِنْهُ: أَنْ يَمِيل إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَحَرِّيهِ لِفِعْلٍ مَا يَقْتَضِيهِ، وَقَدْ تَوَعَّدَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ طَلَبَ الْمَحْمَدَةَ مِنْ غَيْرِ فِعْل حَسَنَةٍ تَقْتَضِيهَا (16) فَقَال تَعَالَى: {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} (17) .
وَقَال الْغَزَالِيُّ: وَالْمَدْحُ تَدْخُلُهُ سِتُّ آفَاتٍ: أَرْبَعٌ فِي الْمَادِحِ، وَاثْنَتَانِ فِي الْمَمْدُوحِ.
فَأَمَّا الْمَادِحُ فَالأُْولَى: أَنَّهُ قَدْ يُفْرِطُ فَيَنْتَهِي بِهِ إِلَى الْكَذِبِ، قَال خَالِدُ بْنُ مَعْدَانٍ: مَنْ مَدَحَ إِمَامًا أَوْ أَحَدًا بِمَا لَيْسَ فِيهِ عَلَى رُءُوسِ الأَْشْهَادِ بَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَتَعَثَّرُ بِلِسَانِهِ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُهُ الرِّيَاءُ، فَإِنَّهُ بِالْمَدْحِ مُظْهِرٌ لِلْحُبِّ، وَقَدْ لاَ يَكُونُ مُضْمِرًا لَهُ وَلاَ مُعْتَقِدًا لِجَمِيعِ مَا يَقُولُهُ، فَيَصِيرُ بِهِ مُرَائِيًا مُنَافِقًا.
وَالثَّالِثَةُ: أَنَّهُ قَدْ يَقُول مَا لاَ يَتَحَقَّقُهُ وَلاَ سَبِيل لَهُ إِلَى الاِطِّلاَعِ عَلَيْهِ.
رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً مَدَحَ رَجُلاً عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَال لَهُ ﵊: وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ ثُمَّ قَال: إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا لاَ مَحَالَةَ فَلْيَقُل: أَحَسُبَ كَذَا وَكَذَا، إِنْ كَانَ يَرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَاللَّهُ حَسِيبُهُ، وَلاَ يُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا (18) . وَهَذِهِ الآْفَةُ تَتَطَرَّقُ إِلَى الْمَدْحِ بِالأَْوْصَافِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي تُعْرَفُ بِالأَْدِلَّةِ كَقَوْلِهِ: إِنَّهُ مُتَّقٍ وَوَرِعٌ وَزَاهِدٌ وَخَيِّرٌ وَمَا يُجْرَى مُجْرَاهُ، فَأَمَّا إِذَا قَال: رَأَيْتُهُ يُصَلِّي بِاللَّيْل وَيَتَصَدَّقُ، وَيَحُجُّ فَهَذِهِ أُمُورٌ مُسْتَيْقَنَةٌ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: إِنَّهُ عَدْلٌ رِضًا، فَإِنَّ ذَلِكَ خَفِيٌّ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَجْزِمَ الْقَوْل فِيهِ إِلاَّ بَعْدَ خَبِرَةٍ بَاطِنَةٍ، سَمِعَ عُمَرُ ﵁ رَجُلاً يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ فَقَال: أَسَافَرْتَ مَعَهُ؟ قَال: لاَ، قَال: أَخَالَطْتُهُ فِي الْمُبَايَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ؟ قَال: لاَ، قَال: فَأَنْتَ جَارُهُ صَبَاحَهُ وَمَسَاءَهُ؟ قَال: لاَ، قَال: وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لاَ أَرَاكَ تَعْرِفُهُ.
الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ قَدْ يَفْرَحُ الْمَمْدُوحُ وَهُوَ ظَالِمٌ أَوْ فَاسِقٌ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ ﷿ يَغْضَبُ إِذَا مُدِحَ الْفَاسِقُ (19) .
وَقَال الْحَسَنُ: مَنْ دَعَا لِظَالِمٍ بِطُول الْبَقَاءِ فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يُعْصَى اللَّهُ تَعَالَى فِي أَرْضِهِ.
وَالظَّالِمُ الْفَاسِقُ يَنْبَغِي أَنْ يُذَمَّ لِيَغْتَمَّ، وَلاَ يُمْدَحَ لِيَفْرَحَ.
وَأَمَّا الْمَمْدُوحُ فَيَضُرُّهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يُحْدِثُ فِيهِ كِبْرًا وَإِعْجَابًا وَهُمَا مُهْلِكَانِ، قَال الْحَسَنُ: كَانَ عُمَرُ ﵁ جَالِسًا وَمَعَهُ الدِّرَّةُ وَالنَّاسُ حَوْلَهُ، إِذْ أَقْبَل الْجَارُودُ بْنُ الْمُنْذِرِ فَقَال رَجُلٌ: هَذَا سَيِّدُ رَبِيعَةَ، فَسَمِعَهَا عُمَرُ ﵁ وَمَنْ حَوْلَهُ وَسَمِعَهَا الْجَارُودُ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ خَفَقَهُ بِالدِّرَّةِ فَقَال: مَالِي وَلَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَال: مَالِي وَلَكَ أَمَا لَقَدْ سَمِعْتُهَا؟ قَال: سَمِعْتُهَا فَمَهْ قَال: خَشِيتُ أَنْ يُخَالِطَ قَلْبَكَ مِنْهَا شَيْءٌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُطَاطِئَ مِنْكَ.
الثَّانِي: هُوَ أَنَّهُ إِذَا أَثْنَى عَلَيْهِ بِالْخَيْرِ فَرِحَ بِهِ وَفَتَرَ وَرَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ، وَمِنْ أُعْجِبَ بِنَفْسِهِ قَل تَشَمُّرُهُ، وَإِنَّمَا يَتَشَمَّرُ لِلْعَمَل مَنْ يَرَى نَفْسَهُ مُقَصِّرًا، فَأَمَّا إِذَا انْطَلَقَتِ الأَْلْسُنُ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ.
أَمَّا إِذَا سَلِمَ الْمَدْحُ مِنْ هَذِهِ الآْفَاتِ فِي حَقِّ الْمَادِحِ وَالْمَمْدُوحِ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، بَل رُبَّمَا كَانَ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ (20) .
وَقَال الْخَادِمِي: مِنَ السِّتَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِآفَاتِ اللِّسَانِ - فِيمَا الأَْصْل فِيهِ الإِْذْنُ وَالإِْبَاحَةُ مِنْ جَانِبِ الشَّرْعِ - الْمَدْحُ، وَهُوَ جَائِزٌ تَارَةً وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ تَارَةً عَلَى اخْتِلاَفِ الأَْحْوَال وَالأَْوْقَاتِ، فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَسَائِرِ الأَْنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ يَجِبُ تَعْظِيمُهُ فَهُوَ مِنَ الْقُرْبِ وَأَعْلَى الرُّتَبِ، وَجَازَ الْمَدْحُ - أَيْ لِغَيْرِهِمْ كَمَا صَرَّحَ ابْنُ أَحْمَدَ - لأَِنَّهُ يُورِثُ زِيَادَةَ الْمَحَبَّةِ وَالأُْلْفَةِ وَاجْتِمَاعَ الْقُلُوبِ.
ثُمَّ قَال الْخَادِمِي: لَكِنْ جَوَازُهُ بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ:
الأَْوَّل: أَنْ لاَ يَكُونَ الْمَدْحُ لِنَفْسِهِ لأَِنَّ تَزْكِيَةَ النَّفْسِ لاَ تَجُوزُ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (21) لَكِنْ إِنْ كَانَ يَقْصِدُ التَّحْدِيثَ بِالنِّعْمَةِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ جَائِزٌ بَل قَدْ يُسْتَحَبُّ، وَفِي حُكْمِ مَدْحِ النَّفْسِ مَدْحُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنَ الأَْوْلاَدِ وَالآْبَاءِ وَالتَّلاَمِذَةِ وَالتَّصَانِيفِ وَنَحْوِهَا بِحَيْثُ يَسْتَلْزِمُ مَدْحَ الْمَادِحِ.
وَالثَّانِي: الاِحْتِرَازُ عَنِ الإِْفْرَاطِ فِي الْمَدْحِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْكَذِبِ وَالرِّيَاءِ، وَعَنِ الْقَوْل بِمَا لاَ يَتَحَقَّقُهُ، وَلاَ سَبِيل لَهُ إِلَى الاِطِّلاَعِ عَلَيْهِ كَالتَّقْوَى وَالْوَرَعِ وَالزُّهْدِ لِكَوْنِهَا مِنْ أَحْوَال الْقُلُوبِ، فَلاَ يَجْزِمُ الْقَوْل بِمِثْلِهَا بَل يَقُول: أَحْسَبُ وَنَحْوُهُ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ لاَ يَكُونَ الْمَمْدُوحُ فَاسِقًا، فَعَنْ أَنَسٍ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِنَّ اللَّهَ يَغْضَبُ إِذَا مُدِحَ الْفَاسِقُ وَإِنَّمَا يَغْضَبُ اللَّهُ لأَِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِمُجَانَبَتِهِ وَإِبْعَادِهِ، فَمَنْ مَدَحَهُ فَقَدْ وَصَل مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُقْطَعَ وَوَادَّ مَنْ حَادَّ اللَّهَ، مَعَ مَا فِي مَدْحِهِ مِنِ اسْتِحْسَانِ فِسْقِهِ وَإِغْرَائِهِ عَلَى إِدَامَتِهِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَدْحَ لاَ يُحْدِثُ فِي الْمَمْدُوحِ كِبْرًا أَوْ عُجْبًا أَوْ غُرُورًا، فَإِنَّ لِلْوَسَائِل حُكْمَ الْمَقَاصِدِ، وَمَا يُفْضِي إِلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ.
وَأَمَّا إِذَا أَحْدَثَ فِي الْمَمْدُوحِ كَمَالاً وَزِيَادَةَ مُجَاهَدَةٍ وَسَعَى طَاعَةً فَلاَ مَنْعَ بَل لَهُ اسْتِحْبَابٌ.
وَالْخَامِسُ: أَنْ لاَ يَكُونَ الْمَدْحُ لِغَرَضٍ حَرَامٍ، أَوْ مُفْضِيًا إِلَى فَسَادٍ، مِثْل مَدْحِ الأُْمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ لِيَتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْمَال الْحَرَامِ الْمُجَازَى بِهِ مِنْهُمْ أَوِ التَّسَلُّطِ عَلَى النَّاسِ وَظُلْمِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ (22) .
وَقَال الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: لاَ يُكْثِرُ مِنَ الْمَدْحِ الْمُبَاحِ، وَلاَ يَتَقَاعَدُ عَنِ الْيَسِيرِ مِنْهُ عِنْدَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ، تَرْغِيبًا لِلْمَمْدُوحِ فِي الإِْكْثَارِ مِمَّا مُدِحَ بِهِ، أَوْ تَذْكِيرًا لَهُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ لِيَشْكُرَهَا وَلِيَذْكُرَهَا بِشَرْطِ الأَْمِنِ عَلَى الْمَمْدُوحِ مِنَ الْفِتْنَةِ (23) .
وَقَدْ عَقَدَ النَّوَوِيُّ بَابًا فِي كِتَابِهِ (رِيَاضِ الصَّالِحِينَ) بِعِنْوَانِ (كَرَاهَةُ الْمَدْحِ فِي الْوَجْهِ لِمَنْ خِيفَ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ مِنْ إِعْجَابٍ وَنَحْوِهِ، وَجَوَازُهُ - أَيْ بِلاَ كَرَاهَةٍ - لِمَنْ أُمِنَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ) أَوْرَدَ فِيهِ أَحَادِيثَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمَدْحِ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو مُوسَى ﵁ قَال: سَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلاً يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي الْمِدْحَةِ فَقَال: أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُل (24) وَمَا رَوَاهُ هَمَّامُ بْنُ الْحَارِثِ عَنِ الْمِقْدَادِ ﵁ أَنَّ رَجُلاً جَعَل يَمْدَحُ عُثْمَانَ ﵁ فَعَمَدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَجَعَل يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ، فَقَال لَهُ عُثْمَانُ: مَا شَأْنُكَ، فَقَال إِنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ (25) وَوَرَدَ أَنَّهُ ﷺ قَال لِعُمَرَ: مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ (26) ثُمَّ قَال النَّوَوِيُّ: قَال الْعُلَمَاءُ: وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ الأَْحَادِيثِ - أَيْ فِي النَّهْيِ وَالإِْبَاحَةِ - أَنْ يُقَال: إِنْ كَانَ الْمَمْدُوحُ عِنْدَهُ كَمَال إِيمَانٍ وَيَقِينٌ وَرِيَاضَةُ نَفْسٍ وَمَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ بِحَيْثُ لاَ يُفْتَتَنُ وَلاَ يَغْتَرُّ بِذَلِكَ وَلاَ تَلْعَبُ بِهِ نَفْسُهُ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَلاَ مَكْرُوهٍ، وَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الأُْمُورِ كُرِهَ مَدْحُهُ فِي وَجْهِهِ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيل تَنْزِل الأَْحَادِيثُ الْمُخْتَلِفَةُ (27) . وَقَال الْقُرْطُبِيُّ: تَأَوَّل الْعُلَمَاءُ قَوْلَهُ ﷺ احْثُوا التُّرَابَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَدَّاحُونَ فِي وُجُوهِهِمْ بِالْبَاطِل وَبِمَا لَيْسَ فِيهِمْ حَتَّى يَجْعَلُوا ذَلِكَ بِضَاعَةً يَسْتَأْكِلُونَ بِهِ الْمَمْدُوحَ وَيَفْتِنُونَهُ (28) .
مَا يَفْعَلُهُ الْمَمْدُوحُ:
6 - قَال الْغَزَالِيُّ: عَلَى الْمَمْدُوحِ أَنْ يَكُونَ شَدِيدَ الاِحْتِرَازِ عَنْ آفَةِ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَآفَةِ الْفُتُورِ، وَلاَ يَنْجُو مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ بِأَنْ يَعْرِفَ نَفْسَهُ، وَيَتَأَمَّل مَا فِي خَطَرِ الْخَاتِمَةِ، وَدَقَائِقِ الرِّيَاءِ وَآفَاتِ الأَْعْمَال، فَإِنَّهُ يَعْرِفُ مِنْ نَفْسِهِ مَا لاَ يَعْرِفُهُ الْمَادِحُ، وَلَوِ انْكَشَفَ لَهُ جَمِيعُ أَسْرَارِهِ وَمَا يَجْرِي عَلَى خَوَاطِرِهِ لِكَفِّ الْمَادِحُ عَنْ مَدْحِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُظْهِرَ كَرَاهَةَ الْمَدْحِ بِإِذْلاَل الْمَادِحِ (29) ، قَال ﷺ: إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ (30) .
وَنَقَل ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلاَنِيُّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ (31) : أَنَّهُ إِذَا مُدِحَ الرَّجُل فِي وَجْهِهِ فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لاَ يَعْلَمُونَ، وَاجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ (32) . مَدْحُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِ:
7 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلإِْنْسَانِ فِي الْجُمْلَةِ أَنْ يَمْدَحَ نَفْسَهُ وَأَنْ يُزْكِيَهَا قَال الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: وَمَدْحُكَ نَفْسَكَ أَقْبَحُ مِنْ مَدْحِكَ غَيْرِكَ، فَإِنَّ غَلَطَ الإِْنْسَانِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَكْثَرُ مِنْ غَلَطِهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَإِنَّ حُبَّكَ الشَّيْءَ يَعْمِي وَيَصُمُّ، وَلاَ شَيْءَ أَحَبُّ إِلَى الإِْنْسَانِ مِنْ نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ يَرَى عُيُوبَ غَيْرِهِ وَلاَ يَرَى عُيُوبَ نَفْسِهِ، وَيَعْذِرُ بِهِ نَفْسَهُ بِمَا لاَ يَعْذِرُ بِهِ غَيْرَهُ وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى: {فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (33) وَقَال {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَل اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} (34) . وَلاَ يَمْدَحُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ إِلاَّ إِذَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى ذَلِكَ، مِثْل أَنْ يَكُونَ خَاطِبًا إِلَى قَوْمٍ فَيُرَغِّبَهُمْ فِي نِكَاحِهِ، أَوْ لِيُعَرِّفَ أَهْلِيَّتَهُ لِلْوِلاَيَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ، لِيَقُومَ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ عَيْنًا أَوْ كِفَايَةً كَقَوْل يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَْرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (35) .
وَقَدْ يَمْدَحُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ لِيُقْتَدَى بِهِ فِيمَا مَدَحَ نَفْسَهُ بِهِ، وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِالأَْقْوِيَاءِ الَّذِينَ يَأْمَنُونَ التَّسْمِيعَ وَيُقْتَدَى بِأَمْثَالِهِمْ (36) ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرَ (37) وَقَوْلُهُ ﷺ: أَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي وَلاَ فَخْرَ (38) .
وَقَوْل عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَاللَّهِ مَا آيَةٌ إِلاَّ وَأَنَا أَعْلَمُ بِلَيْلٍ نَزَلَتْ أَمْ بِنَهَارٍ وَقَوْل عُثْمَانَ ﵁: مَا تَعَنَّيْتُ وَلاَ تَمَنَّيْتُ وَلاَ مَسِسْتُ ذَكَرِي بِيَمِينِي مُنْذُ بَايَعْتُ بِهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ (39) .
قَال ابْنُ الأَْثِيرِ: التَّعَنِّي: التَّطَلِّي بِالْعِينَةِ، وَهُوَ بَوْلٌ فِيهِ أَخْلاَطٌ تُطْلَى بِهَا الإِْبِل الْجَرْبَى (40) ، وَالتَّمَنِّي: التَّكَذُّبُ، تَفَعُّلٌ مِنْ مَنَى يَمْنِي إِذَا قَدَرَ، لأَِنَّ الْكَاذِبَ يَقْدِرُ الْحَدِيثَ فِي نَفْسِهِ ثُمَّ يَقُولُهُ (41) .
قَال ابْنُ مُفْلِحٍ فَهَذِهِ الأَْشْيَاءُ خَرَجَتْ مَخْرَجَ الشُّكْرِ لِلَّهِ وَتَعْرِيفُ الْمُسْتَفِيدِ مَا عِنْدَ الْمَفِيدِ (42) .
وَقَال: اعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ مَحَاسِنِ نَفْسِهِ ضَرْبَانِ: مَذْمُومٌ وَمَحْبُوبٌ، فَالْمَذْمُومُ: أَنْ يَذْكُرَهُ لِلاِفْتِخَارِ وَإِظْهَارِ الاِرْتِفَاعِ وَالتَّمَيُّزِ عَلَى الأَْقْرَانِ وَشِبْهُ ذَلِكَ، وَالْمَحْبُوبُ: أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ آمِرًا بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَاهِيًا عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ نَاصِحًا، أَوْ مُشِيرًا بِمَصْلَحَةٍ، أَوْ مُعَلِّمًا، أَوْ مُؤَدِّبًا، أَوْ وَاعِظًا، أَوْ مُذَكِّرًا، أَوْ مُصْلِحًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَوْ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ شَرًّا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَيَذْكُرُ مَحَاسِنَهُ نَاوِيًا بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَقْرَبَ إِلَى قَبُول قَوْلِهِ وَاعْتِمَادِ مَا يَذْكُرُهُ، أَوْ أَنَّ هَذَا الْكَلاَمَ الَّذِي أَقُولُهُ لاَ تَجِدُونَهُ عِنْدَ غَيْرِي فَاحْتُفِظُوا بِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (43) .
مَدْحُ الْمَيِّتِ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ:
8 - نَقَل ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلاَنِيُّ عَنِ الزَّيْنِ بْنِ الْمُنِيرِ: أَنَّ ثَنَاءَ النَّاسِ عَلَى الْمَيِّتِ مَشْرُوعٌ وَجَائِزٌ مُطْلَقًا، بِخِلاَفِ الْحَيِّ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إِذَا أَفْضَى إِلَى الإِْطْرَاءِ خَشْيَةً عَلَيْهِ مِنَ الزَّهْوِ (44) .
وَقَال النَّوَوِيُّ: يُسْتَحَبُّ الثَّنَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِ.
وَقَال: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَرَّ بِهِ جِنَازَةٌ أَوْ رَآهَا أَنْ يَدْعُوَ لَهَا وَيُثْنِيَ عَلَيْهَا بِالْخَيْرِ إِنْ كَانَتْ أَهْلاً لِلثَّنَاءِ، وَلاَ يُجَازِفُ فِي الثَّنَاءِ.
وَنَقَل فِي الْمَجْمُوعِ عَنِ الْبَنْدَنِيجِيِّ نَحْوَ ذَلِكَ (45) . وَقَدْ رَوَى أَنَسٌ ﵁ قَال: مَرُّوا بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: وَجَبَتْ ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَال: وَجَبَتْ فَقَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁: مَا وَجَبَتْ؟ قَال: هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَْرْضِ (46) .
قَال الدَّاوُدِيُّ: الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ أَهْل الْفَضْل وَالصِّدْقِ، لاَ الْفَسَقَةُ لأَِنَّهُمْ قَدْ يُثْنُونَ عَلَى مَنْ يَكُونُ مِثْلَهُمْ، وَلاَ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ عَدَاوَةٌ، لأَِنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ لاَ تُقْبَل (47) .
وَقَال النَّوَوِيُّ: قَال بَعْضُهُمْ: مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ الثَّنَاءَ بِالْخَيْرِ لِمَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ أَهْل الْفَضْل - وَكَانَ ذَلِكَ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ - فَهُوَ مِنْ أَهْل الْجَنَّةِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ فَلاَ، وَكَذَا عَكْسُهُ قَال: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى عُمُومِهِ وَأَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَأَلْهَمَ اللَّهُ تَعَالَى النَّاسَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ بِخَيْرٍ كَانَ دَلِيلاً عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْل الْجَنَّةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ أَفْعَالُهُ تَقْتَضِي ذَلِكَ أَمْ لاَ، فَإِنَّ الأَْعْمَال دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ، وَهَذَا إِلْهَامٌ يُسْتَدَل بِهِ عَلَى تَعْيِينِهَا، وَبِهَذَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ الثَّنَاءِ.
قَال ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلاَنِيُّ: وَهَذَا فِي جَانِبِ الْخَيْرِ وَاضِحٌ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَشْهَدُ لَهُ أَرْبَعَةٌ مِنْ جِيرَانِهِ الأَْدْنَيْنَ وَفِي رِوَايَةٍ: ثَلاَثَةٌ مِنْ جِيرَانِهِ الأَْدْنَيْنَ أَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مِنْهُ إِلاَّ خَيْرًا إِلاَّ قَال اللَّهُ تَعَالَى: قَدْ قَبِلْتُ قَوْلَكُمْ وَغَفَرْتُ لَهُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (48) وَأَمَّا جَانِبُ الشَّرِّ فَظَاهِرُ الأَْحَادِيثِ أَنَّهُ كَذَلِكَ، لَكِنْ إِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ غَلَبَ شَرُّهُ عَلَى خَيْرِهِ (49) لِحَدِيثِ: إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً تَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَةِ بَنِي آدَمَ بِمَا فِي الْمَرْءِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ (50) .
قَال فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَكَرِهَ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْل الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الإِْفْرَاطِ فِي مَدْحِ الْمَيِّتِ عِنْدَ جِنَازَتِهِ حَتَّى كَانُوا يَذْكُرُونَ مَا هُوَ يُشْبِهُ الْمُحَال، وَأَصْل الثَّنَاءِ وَالْمَدْحِ عَلَى الْمَيِّتِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَإِنَّمَا الْمَكْرُوهُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ بِمَا لَيْسَ فِيهِ (51) .
__________
(1) المصباح المنير، والتعريفات للجرجاني، وفتح الباري 13 / 400.
(2) الفروق في اللغة ص42. نشر دار الآفاق الجديدة، والمعجم الوسيط.
(3) حديث: " ولا أحد أحب إليه المدحة من الله ". أخرجه البخاري (الفتح 13 / 399) من حديث المغيرة بن شعبة.
(4) المعجم الوسيط.
(5) فتح الباري 13 / 400.
(6) الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1 / 215 - 217.
(7) حديث: " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل. . . ". أخرجه مسلم (7 / 58) .
(8) سورة الأنبياء / 107.
(9) سورة ن / 4.
(10) سورة الشرح / 4.
(11) الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1 / 23، 216 - 217.
(12) مغني المحتاج 4 / 430.
(13) حديث: " إثابة النبي ﷺ كعب بن زهير. . . ". أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (5 / 207 - 211) قال ابن كثير في البداية والنهاية (4 / 373) وهذا من الأمور المشهورة جداً ولكن لم أر ذلك في شيء من الكتب المشهورة بإسناد أرتضيه فالله أعلم.
(14) حديث: " لا تطروني كما أطرت النصارى. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 478) من حديث عمر بن الخطاب ﵁.
(15) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5 / 247 ص 277.
(16) الذريعة إلى مكارم الشريعة ص 277.
(17) سورة آل عمران / 188.
(18) حديث: " ويحك قطعت عنق صاحبك. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 476) ، ومسلم (4 / 2296) من حديث أبي بكرة ﵁ واللفظ للبخاري.
(19) حديث: " إن الله ﷿ يغضب إذا مدح الفاسق ". أخرجه البيهقي في شعب الإِيمان (4 / 230) من حديث أنس ﵁، وقال العراقي: (إتحاف السادة المتقين 5 / 515) . إسناده ضعيف.
(20) إحياء علوم الدين 3 / 233 - 235.
(21) سورة النجم / 32.
(22) بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية 4 / 19 - 25.
(23) قواعد الأحكام 2 / 177.
(24) حديث: " أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 476) ، ومسلم (4 / 2297) من حديث أبي موسى الأشعري.
(25) حديث: " إذا رأيتم المداحين. . . ". أخرجه مسلم (4 / 2297) .
(26) حديث: " ما لقيك الشيطان سالكاً ". أخرجه البخاري (الفتح 7 / 41) .
(27) دليل الفالحين 4 / 584 - 588.
(28) تفسير القرطبي 5 / 247.
(29) إحياء علوم الدين 3 / 236.
(30) تقدم تخريجه ف 5.
(31) فتح الباري 10 / 478.
(32) أثر: " اللهم لا تؤاخذني بما يقولون. . . ". أخرجه البيهقي في شعب الإِيمان (4 / 288) .
(33) سورة النجم / 32.
(34) سورة النساء / 49.
(35) سورة يوسف / 55.
(36) قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام 2 / 177 - 178.
(37) حديث: " أنا سيد ولد آدم ولا فخر ". أخرجه مسلم (4 / 1782) .
(38) حديث: " أنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر ". أخرجه الترمذي (5 / 585) من حديث أنس ﵁، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
(39) الأثر: " ما تعنيت ولا تمنيت. . . ". أخرجه ابن ماجه (1 / 113) .
(40) النهاية في غريب الحديث 3 / 315.
(41) النهاية في غريب الحديث: 4 / 367.
(42) الآداب الشرعية لابن مفلح 3 / 474 - 475.
(43) الأذكار للنووي ص246 - 248.
(44) فتح الباري 3 / 229.
(45) الأذكار ص105، 146، والمجموع 5 / 281، وفتح الباري 3 / 228 - 229.
(46) حديث: " مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 228) ، ومسلم (2 / 655) من حديث أنس واللفظ للبخاري.
(47) فتح الباري 3 / 230 - 231.
(48) حديث: " ما من مسلم يموت فيشهد. . . ". أخرجه الرواية الأولى أحمد في المسند (2 / 408) ، وأخرج الرواية الثانية أيضًا أحمد (3 / 242) من حديث أنس - قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3 / 4) : ورجال أحمد رجال الصحيح.
(49) فتح الباري 3 / 288 - 231، والأذكار للنووي ص146، 150 - 151.
(50) حديث: " إن لله ملائكة. . . ". أخرج الحاكم في المستدرك (1 / 377) من حديث أنس وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
(51) الفتاوى الهندية 5 / 319.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 275/ 36