عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «إنكم سَتَحْرِصُونَ على الإِمَارَة، وستكون نَدَامَةً يوم القيامة، فَنِعْمَ المُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ».
[صحيح.] - [رواه البخاري.]
شرح الحديث :
هذا الحديث ينبه على عظم شأن الإمارة -وما هو في حكمها كالقضاء- وكثرة تبعاتها ومسؤولياتها في الدار الآخرة, والتحذير من طلبها والحرص عليها, وهذا مقيد بمن دخل فيها بسعي منه وحرص عليها وكان غير أهلٍ لها, بخلاف من وُكِلت إليه ولم يسعَ لها وكان أهلا لها وعدل فيها فإنه سيُعان عليها كما جاء في أحاديث أخرى, وقد شبهت الإمارة في الحديث بأنها نعم المرضعة بما تدر من منافع المال والجاه ونفاذ الحكم، وبئس الفاطمة بتبعاتها يوم القيامة وحسراتها.
معاني الكلمات :
ستحرصون | ستشتد رغبتكم في الإمارة. |
الإمارة | بكسر الهمزة، هي منصب الأمير, ويدخل فيها الإمارة العظمى, وهي الخلافة وولاية أمر الأمة, والصغرى وهي الولاية على بعض البلاد, كما يدخل في ذلك ولاية القضاء. |
ندامة | أسفًا وحزنًا وأسىً. |
فنعم - بئس | : نعم وبئس فعلان ماضيان، وهما جامدان لا يتصرفان، جاءا لإفادة المدح أو الذم. |
المرضعة | وصف المرأة إذا كان لها ولدٌ ترضعه، ورضع الثدي إذا مصَّه، والمراد هنا تشبيه منافع الإمارة العاجلة الزَّائلة بالرضاع في مدته القصيرة. |
الفاطمة | يُقال: فطمت المرأة الرضيع تفطمه فطماً، أي: فصلت المرضعة الرضيع عن الرضاع، شبَّه انقطاع منافع الإمارة بالفطام. |
فوائد من الحديث :
- طالب ولاية القضاء أو غيرها من الولايات له إحدى حالتين: إحداهما: أنْ يقصد من الحصول عليها الجاه والرئاسة والمال، فهذا هو المذموم، وهو الَّذي وردت الأحاديث الصحيحة بذمِّه ومنعه، ومنع طالب الولاية فيها.
- الثانية: أنْ يطلب القضاء أو الولاية؛ لأنَّها متعينة عليه؛ لأَنَّه لا يوجد من هو أهل لها وللقيام بها، وإذا تركها تولاَّها من لا يقوم بها، ولا يحسنها، فيطلبها بهذه النية، وهو القصد الحسن؛ فهذا مثاب مأجور معان عليها..
- أن ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- من الحرص بعده على الإمارة والتقاتل عليها قد حصل كما أخبر, وذلك من أعلام نبوته -صلى الله عليه وسلم-.
- الحرص على الولاية هو السبب في اقتتال الناس عليها، حتى سفكت الدماء، واستبيحت الأموال والفروج، وعظم الفساد في الأرض بذلك، ووجه الندم أنه قد يقتل أو يعزل أو يموت، فيندم على الدخول فيها؛ لأنه يطالب بالتبعات التي ارتكبها، وقد فاته ما حرص عليه بمفارقته.