الحافظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | فواز بن خلف الثبيتي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | السيرة النبوية |
لا يوجد في العالم كله أشد عداوة لنا من اليهود، وهي عداوة قديمة قدم الرسالات والأنبياء، يتوارثها اليهود جيلاً إثر جيل؛ فكم عانى منهم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ فلم يكتف اليهود بحروب الجدل التي حاربوا بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا بحروب الدس الوقيعة، ومحاولة إثارة الفتنة بين أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة، والحمد لله الذي جعلنا من خير أمة، لم يجعلنا مشركين نجثوا عند أصنام، ولم يجعلنا نصارى نغدوا إلى كنائس، ولم يجعلنا يهوداً نغدوا إلى بيع، ولكن جعلنا مسلمين على ملة أبينا إبراهيم.
والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أنقذنا الله به من الظلمات، وفتح لنا باب الهدى، فلا يغلق إلى يوم الميقات، أرانا من نوره أهل الضلال وهم في ضلالهم يتخبطون، وفي سكرتهم يعمهون، وفي جهالتهم يتقلبون، وفي ريبهم يترددون؛ بالطاغوت يؤمنون، وللصليب والوثن يسجدون: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الروم 7]. (وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [آل عمران: 54].
اللهم صل على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعنا معهم بعفوك وكرمك ورحمتك، يا رب العالمين.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-.
عباد الله: يقول تعالى: (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا) [النساء: 45].
وقال الله تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) [المائدة: 82].
فلا يوجد في العالم كله أشد عداوة لنا من اليهود، وهي عداوة قديمة قدم الرسالات والأنبياء، يتوارثها اليهود جيلاً إثر جيل؛ فكم عانى منهم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ فلم يكتف اليهود بحروب الجدل التي حاربوا بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا بحروب الدس الوقيعة، ومحاولة إثارة الفتنة بين أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا بإظهارهم الإسلام في أول النهار، وكفرهم به في آخره، ولا بتحالفهم مع كل بعض للإسلام والمسلمين، ولا باستهزائهم بالدين وشعائره.
لم يكتفوا بكل ذلك من أجل القضاء على الإسلام، ودعوة الإسلام، وإنما لجاؤوا وهم قتلة الأنبياء، إلى وسيلة أنكى، لا يجرؤ عليها إلا النفوس الغادرة، والقلوب الجاحدة؛ إنها محاولتهم قتل النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-.
ففي أواخر شهر محرم، من العام السابع للهجرة، وبعد أن فتح النبي -صلى الله عليه وسلم- حصون خيبر التي نقضت العهد، وخانت الوعد، وألبت وجمّعت الأحزاب على قتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقعت محاولة ماكرة، بالغة في الإثم والمقت، تدل على الخسة والدناءة، لاغتيال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ففي صحيح البخاري -رحمه الله-: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "لما فتحت خيبر أهديت للنبي -صلى الله عليه وسلم- شاة فيها سمّ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: اجمعوا لي من كان ههنا من يهود، فقالوا: نعم، قال لهم النبي: من أبوكم؟ قالوا: أبونا فلان، فقال: كذبتم، بل أبوكم فلان، قالوا: صدقت، قال: هل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فقال لهم رسول الله: من أهل النار؟ قالوا: نكون فيها يسيراً ثم تخلفونا فيها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: اخسئوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبداً، ثم قال: هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟ قالوا: نعم يا أبا القاسم، قال: هل جعلتم في هذه الشاة سماً؟ قالوا: نعم، قال: من حملكم على ذلك؟ قالوا: إن كنت كاذباً نستريح، وإن كنت صادقا نبياً لم يضرك.
وفي صحيح مسلم: ما يدل على اعتراف هذه المرأة بجريمتها، وأنها أرادت بذلك قتله صلى الله عليه وسلم؛ فعن أنس -رضي الله عنه-: أن امرأة يهودية أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله، فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك، قال: ما كان الله ليسلطك على ذاك، قالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا، قال أنس: فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ أي العلامة، فكأنه بقي للسم علامة، وآثر من سواد، أو غيره، يرى في لهاة النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا ضحك أو تكلم.
وأخرج أبو داود في سننه والدرامي، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-:أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية -أي مشوية، وهكذا تقدم-، ثم أهدتها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسألت: أي عضو من الشاة أحب إليه؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها من السم، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الشاة الذراع، فأكل منها، وأكل رهط من أصحابه معه، ثم قال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ارفعوا أيديكم، وأرسل عليه الصلاة والسلام إلى اليهودية، فدعاها، فقال لها: أسممت هذه الشاة؟ فقالت: نعم، ومن أخبرك؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرتني هذه في يدي-للذراع- وهذا من دلائل نبوته -صلى الله عليه وسلم- فقالت: نعم، قال: فما أردت من ذلك؟ قالت: قلت إن كان نبياً لم يضره، وإن لم يكن نبياً استرحنا منه، فعفا عنها رسول الله ولم يعاقبها، وتوفي بعض الصحابة الذين أكلوا من الشاة، منهم بشر بن البراء مات منها، فلما مات بشر من تلك الأكلة، قتلت هذه اليهودية، أما في بادئ الآمر، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- صفح عنها؛ لأنه ما كان ينتقم لنفسه قط -صلى الله عليه وسلم-.
وسرى السم اليهودي في جسد النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وبقي ثلاث سنوات، حتى قال في وجعه الذي مات فيه: "مازلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر، فهذا أوان انقطاع الأبهر مني".
قال الزهري: "فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهيداً".
أيها المسلمون: إن محاولة اغتيال النبي -صلى الله عليه وسلم- بوضع السم له في الطعام كانت دنيئة للغاية، بالغة في الآثم والخداع.
ولم يكن عجباً أن يعمل اليهودي -عليهم لعائن الله- على أن يلقي رسول الله -فداه أبي وأمي- مصرعه بأية وسيله يرونها؛ ليروا ما في قلوبهم من حقد وحسد، بطريقة المكر والغدر.
ولم تكن هذه الحادثة ومحاولة القتل هذه هي الأولى، بل سبقها حالات حاول فيها أحفاد القردة والخنازير قتل النبي -صلى الله عليه وسلم-، والقضاء على دينه وهديه.
الأولى: بعد غزوة بدر الكبرى، فقد أرسل بنو النضير إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يخرج إليهم في ثلاثين رجلاً من أصحابه، ووعدوا أن يخرجوا بمثلهم من أحبارهم إلى موضع وسط؛ ليستمعوا منه؛ فإن صدقوه آمنت يهود، فلما اقتربوا اقترح اليهود أن يجتمع النبي ومعه ثلاثة من الصحابة، وثلاثة من أحبارهم؛ فإن أقنعهم آمنت بنو النضير، وقد حمل الثلاثة خناجرهم، ولكن امرأة منهم أفشت خبرهم لأخ لها مسلم، فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فرجع ولم يقابلهم، ثم حاصرهم بالكتائب وقاتلهم.
أما المحاولة الثانية: فتتلخص في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذهب إلى بني النضير يستعين بهم على دفع دية رجلين معاهدين، قتلها خطأً عمرو بن أمية الضمري، في أعقاب حادثة بئر معونة، فجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى جدار، وحدثهم بما أراد، فقالوا: نعم، يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه، ثم خلا بعضهم ببعض، وتحركت في نفوسهم كواهن الغل الدفين، وأزمعوا الغدر برسول الله، وهو في منازلهم، فقال بعضهم لبعض: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه؛ فمن رجل يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرة، فيريحنا منه؟
فقال أحدهم: أنا لذلك، فصعد ليلقي على النبي -صلى الله عليه وسلم- صخرة، ورسول الله في نفر من أصحابه، فيهم أبو بكر وعمر وعلي -رضي الله عنهم-، فأتى رسول الله الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج مسرعاً إلى المدينة، ثم أمر بالتهيؤ لحربهم، والمسير إليهم.
وبالفعل حاصرهم، حتى نزلوا على أمره وحكمه، وأجلاهم عن ديارهم، وكسر شوكتهم.
وتوالت أحداث الغدر والخيانة، واستمر الحقد يعمل في تلك النفوس الخبيثة، وإلى اليوم فاليهود في كل زمان ومكان هم أهل الكذب والغدر والمكر، قتلة الأنبياء، أخبث الأمم طوية، وأرداهم سجية، وأبعدهم من الرحمة والرأفة، عادتهم البغضاء، وديدنهم العداوة، لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ولا يرون لمن خالفهم في دينهم حرمة.
هم أشد الناس عداوة للمسلمين، بيوتهم مظلمة، وأفنيتهم منتنة، وقلوبهم موحشة، وألسنتهم قذرة، وتحيتهم اللعنة.
هؤلاء هم اليهود الذين يجب أن نغرس بغضهم وعداوتهم في صدور الصغار والكبار، الرجال والنساء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة: 51].
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم...
أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين.
أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون-.
أيها الإخوة في الله: إننا عندما نتذكر في هذه الأيام ما كيد به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من اليهود، وما دبر له عن طريق الشاة المسمومة، لنقف على حقائق مهمة، ودروس خطيرة، وعبر أكيدة، عن حالنا وحال أعدائنا معنا؛ فمن ذلك: أن يهود اليوم هم يهود الأمس، بل يهود اليوم أسوء خلف ليهود الأمس، وصدق الله: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ) [المائدة: 82].
اليهود وإن اعترفوا للرسول بوضع السم في الشاة، وصدقوه في ذلك، إلا أنهم قرنوا صدقهم بمكرهم وحيلهم، فعللوا فعلهم بتعليل يهودي خبيث، واعتذروا اعتذاراً أسوأ وأخبث من فعلهم، فكان قولهم دون حياء، أو أثارة من خجل: "إن كنت كاذباً نستريح منك، وان كنت نبياً لم يضرك".
فيا سبحان الله! ذلكم هو منهج إبليس، جريمة نكراء، مع برود سخيف!.
ألا ما أحوجنا -أيها المسلمون- أن نستفيد من هذه الواقعة وفقهها!.
فاليهود يزاولون أبشع الجرائم، ويعتذرون بأعذار أشنع من الجرائم نفسها، جراءة على الله، وعلى الدين، وعلى المسلمين، لا تكاد تصدر إلا عن هؤلاء النتنى، الذين أثقلتهم أوزارهم، وأظلمت قلوبهم.
"هاهم يواجهون الحق بالباطل، والصدق بالكذب، والعدل والإحسان بالظلم والعدوان -إلا لعنة الله على اليهود- ".
ومن أعظم وأهم دروس هذه الحادثة التي ما هي إلا واحدة في سلسلة الجنايات والجرائم ضد المسلمين: أن ندرك أن السم الذي وضع قبل أربعة عشر قرنا في الشاة المصلية للنبي -صلى الله عليه وسلم-، يوضع للمسلمين اليوم أضعاف أضعافه، ولكن على الصور التي تتناسب مع العصر.
وإن كان اليهود قد سألوا: ما الذي يحبه النبي من الشاة؟ فقيل: الذراع، فزادوا له السم فيها.
فهم اليوم على علم ودراية بما يجب المسلمون من أعمال وأخلاق وسلوكيات، وما يفضلونه من أزياء وأجهزة وبرامج وقنوات، فدسوا لنا السم اليوم في التعليم والأعلام والصحافة والفن والتربية والاقتصاد، والعلوم السياسة والاجتماعية، بل وحتى جوانب الرياضة والترفيه والملابس الأزياء، وفي كل ما يحب المسلمون ويهوون، وخاصة الشباب والنساء.
زينوا لنا -معاشر المسلمين- الباطل، وحببوا لنا اللهو واللعب، وغزونا بالأفلام والقنوات، ونشروا في كثير من البلاد الإسلامية الخمور والمخدرات، والفواحش والمنكرات، ودور الزنا والموبقات، وخصصوا النساء للخلاعة والانحلال والرذيلة والإفساد لشباب المسلمين في دور السينما، فقل بلد مسلم لا يتعامل بالربا، أو لا توجد فيه بنوك الربا.
حببوا وزينوا لشباب المسلمين الدخان والمجلات والأفلام والصور والكرة والمباريات، حتى في أحلك الظروف التي تمر بها الآمة مباريات وأندية؟!
حببوا وزينوا-كما زينوا تلك الشاة فكانت مشوية- زينوا اليوم للمرأة المسلمة السفور والتبرج، ومتابعة الموضات، والمكياجات، وملاحقة الجديد من الأزياء والعطورات، واسمعوا -أيها المسلمون أيها المستهدفون- إلى شي يسير من أقوالهم:
"إن علينا لكي نبعد المسلمين عن كشف خططنا المتجددة أن نلهيهم بكل أنواع الملاهي والألعاب، وما يشغل فراغهم، ويرضي أمزجتهم من المباريات والفن والرياضة، وما إليها من المتع التي تلهي لشعب حتما عن المسائل التي سنختلف معه فيها: "وصدقوا وهم أهل البهت والكذب".
ومن أقوالهم: "علينا أن نكسب المرأة، ففي أي يوم مدت إلينا يدها ربحنا القضية".
وقالوا: "كأس وغانية تفعلان في الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوها في حب المادة والشهوات".
والبغاء، وفي الحانات والفنادق والمنتزهات، فاليهود هم آهل الزنا والربا من قديم الزمن، وإلى اليوم، فهم دهاقنة الربا في العالم، وهم قادة التبرج والعهر، ونسوتهم لا يرددن يد لامس إلا ما ندر منهن، أنشئوا والمسارح والمراقص والملاهي، وبيوت الدعارة في أغلب دول العالم، ولكنها بتسويق عالمي تديره يد اليهود، منهم سادة تجارب الويسكي في أمريكا، وهم أصحاب النقود البالغ في تجارة السجائر وبيعها.
غزوا المسلمين في اقتصادهم.
يعتذرون ويبررون أعمالهم الوحشية، ومجازرهم الجماعية، وهدمهم المساكن على أهلها، بحجة محاربة الإرهاب، والقضاء على الإرهابيين، ذوي التخطيط والعمليات الانتحارية، وأمريكا الظالمة الطاغية، أمريكا الراعية للإرهاب الدولي، تبارك هذه الأعمال الإجرامية، تمدها وتغذيها.
فكم صنعت في أفغانستان وشعبها الأعزل؟ وكم صنعت في العراق والصومال وغيرها وتهديداتها تتوالى على دولة تلو الأخرى؛ لأنها كذبت توسط بين نعاج يبتز منها منافعها وخيرها، ويقتل منها ما يشاء، وهم اليهود وجهان لعملة واحدة؟
أيها المسلمون: ما أشبه الليلة بالبارحة، فها هي السموم اليهودية تسري في أجساد المسلمين رجالاً ونساء، شباباً وأطفالا، والمسلمونمتفاوتون في تجرعهم لهذه السموم، فمن أدخل الدش في بيته وعلى أولاده وبناته، فقد جرعهم من السم ما يقتل إيمانهم وحياتهم وأخلاقهم وعقيدتهم، وما يطمس مفاهيمهم، ويفسد أفكارهم وعقائدهم، ومن أهمل زوجته وبناته تجاه هذه الحرب المسمومة، فإنه شريك في الإثم والوزر.
ويا للأسف ويا للعار ويا للخزي: يوم أن استقدم مسلم السموم اليهودية واستوردها وجرعها أبناءنا المسلمين دعن اليهود ومخططاتهم أولا ونفذها ويسرها ثانياً.
يبيع الدخان وما شاكله، يبيع المجلات الهابطة، ويعلقها في بقالته، يبيع الأشرطة المنحرفة الفاسدة في محل الفيديو وتسجيلات الغناء، يبيع الملابس الفاضحة على نساء المسلمين، ويتاجر بها، وكأنه يبيعها على يهوديات.
فكم عليه وكم على من أجره محله، وكم على من استورد هذه السموم اليهودية، كم عليهم من الوزر والآثم، يوم يقفون بين يدي الله، في يوم لا ينتفع فيه الندم، يوم أن يحشروا مع اليهود الذين بثوا سمومهم وأطعمهم المسلمين بأيديهم وأموالهم، فقولوا لي بربكم متى ندرك حقيقة عدائنا مع اليهود؟
والنصارى والرافضة وغيرهم ؟!
أما آن لنا أن نفيق، وأن نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية؟
أما آن لنا أن ندرك حجم الخطر المتزايد يوما بعد يوم؟
أما آن لنا أن نرفع عن أعيننا حجب العمى والوهن والغفلة والجهل والبلادة كما يضعفنا اليهود؟
إن القضية مع يهود ليست غامضة ولا ملتوية، وما هي بالمستعصية ولا الشائكة، ولكنها تحتاج إلى شيء من التذوق القرآني والإلمام بطبائع الأشياء واستعراض النواميس الإلهية والسنن الأزلية: أن إزالة أسباب الخذلان أهم وأولى من إزالة آثار العدوان وطغيان اليهود لا يوقفه إلا الإسلام.
وإن ميل الميزان لا يعدله إلا القران الحل بين والحق واضح، فهل يفيق الذين في سكراتهم يعمهون؟
لابد من رد القضية إلى خطها الأصيل، فتصبح قضية قوية تتأبى على الوأد والاحتواء لابد أن تعود القضية إلى امتدادها الإسلامي بكل أفاقة وأعماقه، وهذا أمر فصل ليس بالهزل، إنه صراع عقائد ومعركة، مع أشد الناس عداوة للذين آمنوا.
كتاب ربنا لا يزال غضا كما نزل، ولا يزال قادراً على أن يجدد أمرنا كله.
على الأمة أن تدرك أن تفوق يهود سيظل خنجراً هامزاً غامزاً في لحوم الشاردين وجنوبهم، حتى يؤوبوا إلى القرآن شرعة ومنهاجا.
إذا عاد الشاردون إلى الحق عاد اليهود -بإذن الله- إلى حجمهم وذلتهم المضروبة عليهم, وينقطع بهم حبل الناس، ويبطل السحر والساحر، ويأتي وعد الحق، فلا ينفع اليهودي شيء، ولا ستره خلف حصى، ولا يقيه حجر، ولا يحميه سلاح ولا شجر: "يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي، تعال فاقتله".
هذا هو خبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، وهذا هو النداء: يا مسلم، يا عبد الله، وليس يا عربي، يا قومي، بل يا مسلم، يا عبد الله، ولا نداء غيره، هذا هو محور القضية.
وليستيقن الجاهلون: أنهم لن يروا نصرا، ولن يحفظوا أرضاً، ماداموا مصرين على الألقاب الضالة، ومناهج الإلحاد الصارفة، أن هذا الزكام كله نبت الشيطان، وغرس الكفار، وهذا هو الذي يحجب نصر الله، ويمد في حبال اليهود وحمايتهم، وكأنه الغرقد شجر اليهود.
يا مسلم، يا عبد الله، يا جند القرآن، يا جند الله: هذا هو كتاب ربكم، وهذا هو حديثه إليكم: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
يا أصحاب سورة البقرة وآل عمران، يا قراء التوبة والأنفال، ويا مرتلي الصف والقتال: أحسنوا التلقي عن كتاب ربكم، افهموا طبيعة يهود وأشياعهم، فهما قرآنيا، وتعاملوا معهم تعاملاً قرآنيا، ليس تقريرا سياسيا، يتلون بالمنافع والمتغيرات، وليس بحثاً اجتماعياً يخضع لاستنتاجات وإحصاءات، ولا تحليلاً نفسيا خاضعاً لتقويم البشر بأخطائهم وتخبطاتهم، حكم قرآني لا تشوبه شهوات، ولا شبهات، حقائق اليقين من رب العالمين: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ).
نعم، مهما حصل من تطبيع، ومهما قدمت الأمة المسلمة الذليلة اليوم مع تنازلات وبادرت بمبادرات.
خطاب قرآني يخاطب المسلم في وجدانه وعقله وحسه وعصبه وفكره وجسده: (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ).
ولقد أكدت الأحداث، وأثبتت الوقائع، أنهم ينصاعون لمساومات ولا يصدقون في محادثات، وتبين لكل ذي لبس.
إنها معركة حياة ومصير، يتقرر بها وجود، أو عدم، وانتصار أو اندثار: ( كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )، (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)، (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)
صدق الله العظيم، وبلغ رسوله الكريم، ونحن على ذلك من الشاهدين.
اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط، وأسكنا في حزبك المفلحين، وجندك الغالبين.
ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وأسرفنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
إياك نعبد وإياك نستعين.
وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.