الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن ناصر السعدي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | السيرة النبوية |
فهذا النور العظيم الذي فاض على العالم برسالته, أعظم من نور الشمس والقمر، وأنفع للعباد من الغيث الكثير المنهمر.. ملأ الله به القلوب علماً ويقيناً وإيماناً، وشمل البسيطة عدلاً ورحمة وخيراً ..
فلما استبدلوا بهذا النور الظلم والظلمات، وانفصلوا, أو كادوا أن ينفصلوا من حبله المتين، وتقاطعوا وتدابروا، وتباغضوا وتنافروا، جاءهم ما كانوا يوعدون به من العقوبات العاجلة، وتكالبت ...
الحمد لله الذي منَّ علينا بالنبي الكريم، وهدانا به إلى الصراط المستقيم، واستنقذنا به من الضلال والعذاب الأليم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, الملك العظيم.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, الذي قال الله فيه: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128].
اللهم صل وسلم على محمد, وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم في هديهم القويم.
أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله حق تقاته، وذلك بكمال محبة النبي صلى الله عليه وسلم, وإتباع هداه، فلقد بعثه الله رحمة للعالمين، وهدى للمتقين، وحجة على العالمين.
وكانت ولادته, وهجرته, ووفاته, في شهر ربيع الأول، فقال صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبركم بأول أمري, أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي".
دعوة أبي إبراهيم قال: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [البقرة:129].
وبشارة عيسى، إذ يقول الله عنه: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) [الصف: من الآية6].
ورؤيا أمي: رأت أمه آمنة بنت وهب، كأنه خرج منها نور عظيم, أضاءت به قصور الشام، وذلك تنبيه على عظيم منة الله به، وعموم رسالاته، وشمول نفعه للعالمين، قال تعالى: ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [المائدة:15-16].
فهذا النور العظيم الذي فاض على العالم برسالته, أعظم من نور الشمس والقمر، وأنفع للعباد من الغيث الكثير المنهمر، نور استنارت منه المشارق والمغارب, والأقطار، ملأ الله به القلوب علماً ويقيناً وإيماناً، وشمل البسيطة عدلاً ورحمة وخيراً وحناناً، طهر الله به الأخلاق من جميع الرذائل، واستكملت به جميع الفضائل.
استبدل به المؤمنون بعد الشرك, إخلاصاً لله وتوحيداً، وبعد الانحراف عن الحق, هداية واستقامة وتوفيقاً، وبعد الفتن والافتراق, ألفة واعتصاماً بحبل الله، وبعد القطيعة والعقوق, براً وصلة ورحمة بعباد الله، وبعد الظلم والجور وسوء المعاملات، عدلاً ووفاء بجميع الحقوق والمعاملات، نوراً كتب به العباد بعد الفساد صلاحاً، وبعد الشقاء والهلاك, فلاحاً ونجاحاً.
نور نشر عدله ورحمته على الأقطار, فصلحت به الأحوال, وكثرت الخيرات, وانجلت به الشرور والهلكات، لم يزل ذلك النور سراجاً وهاجاً، إذ أهله به متمسكون، وبنوره مقتدون.
فلما استبدلوا بهذا النور الظلم والظلمات، وانفصلوا, أو كادوا أن ينفصلوا من حبله المتين، وتقاطعوا وتدابروا، وتباغضوا وتنافروا، وذهبت عنهم الغيرة الدينية، والنخوة القومية، وتباينت الأغراض، وكثرت الأضرار، جاءهم ما كانوا يوعدون به من العقوبات العاجلة، وتكالبت عليهم الأعداء، وتشتت الأصدقاء، فلم يزالوا في نزول مضطرد ماداموا معرضين عن تعاليم هذا الدين، ولا يزالون في هبوط ما داموا متعشقين لأحوال المنحرفين، ولا –والله- ينقذهم مما هم فيه من الشقاء إلا الرجوع إلى دينهم, الكفيل لهم بكل خير وصلاح، ولا ينجيهم مما وقعوا فيه إلا التمسك بحبل الله، والاجتماع على القيام بدين الله.
فاتقوا الله عباد الله، وقوموا لله حق القيام بدين الله؛ فمن اتقى الله وقاه، ومن توكل عليه -قائماً بالأسباب النافعة- كفاه، ومن اعتصم به وبحبله, حفظه من الشرور وحماه، ومن أخلص له الأعمال بلغه من كل خير غايته ومنتهاه، ومن أعرض عن أمره فلا يلومن إلا نفسه إذا لقي حتفه, وذلك بما قدمت يداه.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.