المقيت
كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...
العربية
المؤلف | محمد بن إبراهيم الشعلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - فقه النوازل |
وعلى الأسرة أن تراعي حال ولي أمرها؛ فلا تلوي عنقه أو تلوي ذراعه وتأتيه من باب الضعف، فتضطره إلى فعل ما لا يقدر عليه، بل قد يسبب له مشاكل مادية، ومشاكل نفسية؛ فالشواهد في مثل هذا موجودة في المجتمع؛ فالأسرة العاقلة الفاهمة هي التي لا تنظر إلى من فوقها في الدنيا، وإنما تنظر إلى من تحتها؛ فإن ذلك ..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- كما أمركم مولاكم -جل في علاه-، في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]. ولما أرد أحد الصحابة أن يسافر طلبَ من النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أوصيك بتقوى الله".
عباد الله: عندما ينتهي عام دراسي وتقفل المدارس أبوابها ويعرف الطلاب نتائجهم في اختباراتهم - تبدأ مهمة أخرى -ارتبطت عند كثير من الناس في هذا الزمان ارتباطا وثيقاً، بانتهاء العام الدراسي، بل وجعل لها بندا خاصا في الإنفاق، حتى عدها بعضهم من الضروريات ومن الحقوق التي عليه لأسرته- تلكم المهمة، هي: السياحة داخلية كانت أو خارجية.
وأعنى بالسياحة هنا السياحة في الاصطلاح العرفي عند الناس اليوم، لا في الاصطلاح الشرعي.
هذه السياحة -عباد الله- حفزت همم كثير من المؤسسات والشركات إلى إنفاق الأموال الباهضة في إنشاء مشروعات متعددة الأغراض، ومتنوعة الأشكال في نواحي كثيرة عن هذه المشروعات، ودعوة الناس إليها لقضاء إجازة نصف العام فيها، وإحاطة هذه الإعلانات بسياج الترغيب والمدح والتزيين والتمليح، وذلك لجلب الناس إليها، والاستفادة منهم في تنشيط السياحة؛ ليكثر الدخل المادي من هذه المشروعات، ولي هنا عدة وقفات:
الوقفة الأولى: أن السياحة في الأرض وفي البلاد أمر محبب للنفوس؛ لأن النفس تمل المكث والبقاء في مكان واحد، فقد نقل عن بشر الحافي -رحمه الله- أنه قال: "يا معشر القراء سيحوا تطيبوا؛ فإن الماء إذا ساح طاب، وإذا طال مقامه في موضع تغير".
وقد قال أحدهم:
تنقل فلذات الهوى في التنقل | ورد كل صاف لا تقف عند منهل |
ففي الأرض أحباب وفيها منازل | فلا تبك من ذكرى حبيب ومنزل |
الوقفة الثانية: الحرص على أن تكون السياحة داخل هذه البلاد؛ لما في ذلك من الأمن على العقيدة والإيمان، وعلى النفوس والأموال، وعلى العقول والأعراض، وأعز شيء وأغلاه عند الإنسان عقيدته ودينه؛ فلا يجعل من السياحة سبباً في ذهاب دينه وعقيدته أو ضعفها، بالسياحة في بلاد الكفر والإلحاد، أو في بلاد يكثر فيها الفسق وينتشر الفساد؛ ففي ذلك تعريض الدين والعقول والأعراض والأموال والنفوس للتلف والهلاك والضياع؛ فكم من أناس ساحوا في تلك البلاد، فعادوا بشر حال، وأسوأ عاقبة؛ نسأل الله السلامة والعافية.
ولهذا لم تكن سياحة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وصحابته الكرام إلا في الجهاد في سبيل الله، وطلب العلم الشرعي، والدعوة إلى الله -عز وجل-، والحج والعمرة، وما لابد منه؛ كالتجارة مع الدعوة إلى الله.
الوقفة الثالثة: نرى بعض الناس يحمل نفسه بالديون، ويبيع شيئاً من مستلزماته؛ من أجل أن يؤمن تكلفة السياحة نزولاً عند رغبة الأسرة التي تتزعمها -في الغالب- الأم الجاهلة التي لا تنظر إلا إلى شهوات نفسها وأولادها، دون مراعاة حال زوجها، فيكلف الزوج نفسه ما لا يطيق؛ هرباً من المشاكل التي قد تحدث له لو امتنع من تحقيق رغبة الأسرة، فيهرب من مشاكل الأسرة، ويقع في مشاكل أخرى مع الناس؛ وهذا من الخطأ وسوء التصرف؛ فلا يجمل بالإنسان أن يحمل نفسه ما لا تقدر عليه، ولا يليق به أن يشغل ذمته بحقوق الناس من أجل تحقيق رغبة نفسية، وشهوة مادية.
وعلى الأسرة أن تراعي حال ولي أمرها؛ فلا تلوي عنقه أو تلوي ذراعه وتأتيه من باب الضعف، فتضطره إلى فعل ما لا يقدر عليه، بل قد يسبب له مشاكل مادية، ومشاكل نفسية؛ فالشواهد في مثل هذا موجودة في المجتمع؛ فالأسرة العاقلة الفاهمة هي التي لا تنظر إلى من فوقها في الدنيا، وإنما تنظر إلى من تحتها؛ فإن ذلك أجدر ألا تزدري نعمة الله عليها، وأدعى إلى ترك الغيرة من الناس الذين يقدرون على تكاليف السياحة بلا عناء ولا مشقة، وقد قال -عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح-: "لا تنظروا إلى من فوقكم ولكن انظروا إلى من هو أسفل منكم؛ فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم".
الوقفة الرابعة: تكثر في هذه الأيام الدعوة إلى السياحة الخارجية في بلاد الكفر والفجور، أو بلاد يكثر فيها الفساد، وتقرن هذه الدعوة بالإغراءات الكاذبة؛ من رخص الأسعار وقلة التكاليف وطيب الهواء والمقام وتوفر المتعة والأنس؛ فلنحذر هذه الدعوات -عباد الله-؛ فلا خير في هذه السياحة، بل إن الضرر الديني والبدني والعقلي والمالي والخلقي غالب الوقوع من هذه السياحة في تلك البلاد؛ فكيف يدفع المسلم من ماله ما به ضرره وهلاكه، ولا يقل: إنني قوي الإيمان، صلبُ العقيدة؛ فالنفس ضعيفة والفتن شديدة؛ فالحديد إذا كثر الطرق عليه لان، والصخر إذا كثر الضرب عليه تهدهد.
ولا يقل: إن الأسعار في السياحة الخارجية أقل تكلفة من السياحة الداخلية إذا ما قورنت بها؛ لأنه لو تأنى وتدبر لخلص إلى أنها على خلاف ذلك، وأيضاً هل المال أغلى من الدين والخلق؟! أيهما أيسر وأهون أن يذهب المال أو ينقص، أو يذهب الدين والخلق أو ينقصا؟ لا شك أن ذهاب المال أو نقصه أيسر حالاً وأهون خطباً من ذهاب الدين والخلق، أو نقصانهما.
وأيضاً في السياحة الخارجية في تلك البلاد تقوية لاقتصادها، وإضعاف لاقتصاد دولتهم.
ولتعلموا -عباد الله- أن قوة الاقتصاد من أسباب بقاء أي دولة، وما أسقطت بعض الدول، وسيطر عليها إلا بعد أن ضعف اقتصادها، أو أضعف.
والأعداء عليهم -لعنة الله- يضربون بوتر على هذا الأمر الهام؛ أمر الاقتصاد؛ فهم يسعون بكل جد واهتمام إلى إضعاف اقتصاد الدول الإسلامية، وإغراقها بالديون الكثيرة التي تتضاعف مع طول الزمن، وتباطؤ التسديد؛ فكونوا على علم بذلك.
الوقفة الخامسة: على مسؤولي الإعلام -مرئياً كان أو مسموعاً أو مقروءاً- أن لا يجعلوا لأصحاب الدعوى للسياحة في الخارج مكاناً في وسائل الإعلام، فلا يحققوا مطلبهم بالإعلان عن دعواتهم فيها، حتى يسلم الناس من الاغترار بدعواتهم؛ فإن ذلك من باب التعاون على البر والتقوى.
الخطبة الثانية:
وقفة أخيرة، وهي: التناصح فيما بيننا على الحق والهدى، والتواصي بالخير، والتعاون على البر والتقوى؛ فإن هذا من خلق أهل الإيمان بالله والعمل الصالح، قال -جل ذكره-: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر: 1- 3].
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "الدين النصيحة " قالها ثلاثاً، قالت الصحابة: لمن يا رسول الله؟! قال: "لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين، وعامتهم".