العظيم
كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المهلكات |
ولقد ظهرت فينا بوادر الشر وكفران النعمة من تضييع الصلاة وفعل المحرمات في أولادنا وجيراننا فكثير من البيوت تمتلىء بالرجال الذين لا يشهدون الصلاة في المساجد، ومنهم من يترك الصلاة بالكلية، وهناك بيوت تمتلىء بآلات اللهو، والأفلام الخليعة، وترتفع فيها أصوات المطربين والمطربات بالأغاني الخليعة والأصوات الفاجرة، وهناك أناس كثيرون تساهلوا في أمر نسائهم ومحارمهم فتركوهن يخرجن للأسواق قطعاناً
الحمد لله الذي منّ علينا بنعمة الإيمان والأمن في الأوطان. والصحة في الأبدان. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له، كلّ يوم هو في شأن، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله واشكروه على ما منّ به عليكم من الأمن في أوطانكم والسعة في أرزاقكم بينما يتخطف الناس من حولكم وتهددهم المجاعات، واعلموا أنكم إذا لم تشكروا هذه النعمة وتقيدوها بالطاعة فإنها تسلب سريعاً وتحل محل النقمة، فيحل الخوف محل الأمن. ويحل الجوع محل الرزق. قال الله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).
وقد قصّ الله عليكم في كتابه الكريم ما عاقب به الأمم السابقة لمّا كفرت بنعمه فقال تعالى:(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) وقال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) قال الإمام ابن كثير رحمه الله: كانت سبأ ملوك اليمن وأهلها، وكانت التبابعة منهم. وبلقيس صاحبة سليمان عليه الصلاة والسلام من جملتهم. وكانوا في نعمة وغبطة في بلادهم وعيشهم واتساع أرزاقهم وزروعهم وثمارهم، وبعث الله تبارك وتعالى إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه ويشكروه بتوحيده وعبادته فكانوا كذلك ما شاء الله تعالى، ثم أعرضوا عما أمروا به فعوقبوا بإرسال السيل والتفرق في البلاد أيدي سبأ شذر مذر، وقال في تفسير قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ).
يذكر تعالى: ما كانوا فيه من النعمة والغبطة والعيش الهنيء الرغيد والبلاد المرضية والأماكن الآمنة والقرى المتواصلة المتقاربة بعضها من بعض مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زاد ولا ماء، بل حيث نزل وجد ماء وثمراً. ويقيل في قرية ويبيت في أخرى بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) وذلك أنهم بطروا هذه النعمة وأحبوا مفاوز ومهامه يحتاجون في قطعها إلى الزاد والرواحل والسير والمخاوف (وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) أي بكفرهم (فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ). أي جعلناهم حديثاً للناس وسمراً يتحدثون من خبرهم وكيف مكر الله بهم وفرق شملهم بعد الاجتماع والألفة والعيش الهنيء تفرقوا في البلاد ههنا وههنا.
عباد الله: قارنوا بين حالنا اليوم في هذه البلاد وما ننعم به من الأمن والرزق والراحة وسهولة الأسفار، وتقارب الأقطار، قارنوا بين ذلك وبين ما قص الله من حال هؤلاء، واخشوا أن يحل بنا ما حل بهم إن لم نشكر نعمة الله ونبعد عن معصيته، وأنتم تسمعون ما يحل بالأمم المجاورة لكم من النكبات والكوارث والفقر والجوع والتشريد والجلاء عن الديار وهلاك الأنفس، وتلف الأموال، وما يحصل في تلك البلاد من الترويع والإرهاب والتخريب والاغتيالات والاختطاف وتفجير القنابل المروعة التي تهدم المباني المشيدة وتهلك النفوس الكثيرة وتلحق الأضرار البالغة بالجراحات والتشويه بالمصابين ونشر المخاوف. كل ذلك يجري من حولكم وأنتم تنعمون بالأمن والاستقرار وسعة الأرزاق تحت ظل الإسلام وعقيدة التوحيد. إننا لم نحصل على هذه النعم بحولنا وقوتنا، بل نحن أضعف الأمم حولاً وقوة، وإنما حصلنا على هذه النعم بفضل الله وحده، ثم بالتمسك بدين الإسلام عقيدة وشريعة حيث وعد الله بذلك من تمسك بدينه وحكم بشريعته وأخلص العبادة له وحده –قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
لقد كانت هذه البلاد كما يحدثنا التاريخ مسرحاً للفتن والحروب والنهب والسلب حتى منَّ الله على أهلها بظهور دعوة التوحيد على يد الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب عليه رحمة الله ورضوانه وبقيام الحكم بشريعة الله على أيدي القادة الحكام من آل سعود أيَّدهم الله بنصره وتوفيقه حتى أصبحت هذه البلاد ولا تزال ولله الحمد مضرب المثل في الأمن والاستقرار، مما لم تظفر به أمة من الأمم التي تملك السلاح والقوة الفتاكة، ولن تزال هذه البلاد بحول الله بخير وأمان ما دامت متمسكة بعقيدة التوحيد ومحكمة لشريعة الله، ولكن الذي نشخاه أن يغير أهلها ما هم عليه من الدين ويكفروا نعمة الله فيغير الله عليهم نعمته كما قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
ولقد ظهرت فينا بوادر الشر وكفران النعمة من تضييع الصلاة وفعل المحرمات في أولادنا وجيراننا فكثير من البيوت تمتلىء بالرجال الذين لا يشهدون الصلاة في المساجد، ومنهم من يترك الصلاة بالكلية، وهناك بيوت تمتلىء بآلات اللهو، والأفلام الخليعة، وترتفع فيها أصوات المطربين والمطربات بالأغاني الخليعة والأصوات الفاجرة، وهناك أناس كثيرون تساهلوا في أمر نسائهم ومحارمهم فتركوهن يخرجن للأسواق قطعاناً وهناك من جلبوا إلى بلاد المسلمين قطعاناً من الرجال والنساء الأجانب وأدخلوهم في بيوتهم وخلطوهم مع عوائلهم باسم خديمين وخديمات ومربين وسائقين وقد يكون كثير من هؤلاء المجلوبين كفرة وملاحدة جاؤوا لإفساد عقائد المسلمين وأخلاقهم وتدمير بيوتهم، وكل هذه التصرفات المنكرة التي حدثت في بلادنا مؤذنة بزوال تلك النعم، إن لم نتدارك ونأخذ على أيدي سفهائنا بجد وحزم، ولنستمع إلى قول الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً).