البحث

عبارات مقترحة:

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

تنبيه الغافل للتزود من النوافل

العربية

المؤلف عبد الله بن محمد البصري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. تفريط كثير من المسلمين في نوافل العبادات .
  2. فضائل النوافل وعظم أجورها .
  3. حرص السلف الصالح على النوافل وإكثارهم منها .
  4. ذم الإعراض عن السنن والنوافل .
  5. الحث على الإكثار من النوافل. .

اقتباس

صَارَ أَحَدُهُم لا يَرفَعُ بِالسُّنَنِ رَأسًا، وَلا يُقِيمُ لِلنَّوَافِلِ وَزنًا، يَدخُلُ المَسجِدَ وَقَد فَاتَتهُ مِنَ الفَرِيضَةِ رَكَعَاتٌ، ثم يَقُومُ بَعدَ سَلامِ الإِمَامِ فَيَنقُرُ مَا فَاتَهُ نَقرَ الغُرَابِ، ثم لا يَكَادُ يُسَلِّمُ حتى يُطلِقَ لِسَاقَيهِ العِنَانَ خَارِجًا مِن بَيتِ اللهِ، هَارِبًا مِن أَحَبِّ البِقَاعِ إِلى مَولاهُ، لم يَذكُرِ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً، وَلم يَتَزَوَّدْ قَبلَ صَلاتِهِ بِنَافِلَةٍ، وَلا أَقَامَ بَعدَهَا سُنَّةً، وَكَأَنَّمَا كَانَ في سِجنٍ فَأُطلِقَ مِنهُ، وَمِن ثَمَّ فَلا عَجَبَ أَن لَحِقَ النَّقصُ بِصَلاةِ الفَرِيضَةِ، وَنَالَهَا مِنَ التَّقصِيرِ مَا نَالَهَا...

الخطبة الأولى:

أَمَّا بَعدُ، فَـ(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ) [البقرة: 21].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: مِن فَضلِ اللهِ عَلَينَا -وَنَحنُ الخَطَّاؤُونَ المُقَصِّرُونَ- أَن يَسَّرَ لَنَا مَعَ مَا أَوجَبَ مِنَ الفَرَائِضِ المُتَحَتِّمَاتِ، نَوَافِلَ مِن جِنسِهَا وَسُنَنًا مُستَحَبَّاتٍ، تُكَمِّلُ نَقصَنَا، وَتُتِمُّ تَقصِيرَنَا، وَتَرفَأُ خَلَلَنَا، وَنَفرَحُ بها (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى) [النازعات: 35]، يَومَ يَتَمَنَّى المُفَرِّطُ أَن يَعُودَ إِلى الدُّنيَا لِيَعمَلَ صَالِحًا، فَلا يُجَابَ إِلى هَذَا وَلا يُمَكَّنَ مِنهُ.

كَانَ السَّابِقُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَمَن بَعدَهُم مِنَ سَلَفِ الأُمَّةِ الصَّالِحِينَ، يَحرِصُونَ عَلَى النَّوَافِلِ كَمَا يَحرِصُونَ عَلَى الفَرَائِضِ، حَتى إِنَّهُ كَانَ يَكفِي أَحَدَهُم أَن يَعلَمَ أَنَّ النَّبيَّ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - أَمَرَ بِعَمَلٍ أَو سَنَّهُ بِقَولٍ أَو فِعلٍ، فَتَرَاهُ بَعدُ لا يُفَرِّطُ فِيهِ وَلا يَترُكُهُ، وَلا يَتَهَاوَنُ بِهِ وَلا يَدَعُهُ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِعِلمِهِم وَيَقِينِهِم أَنَّ الخَيرَ كُلَّ الخَيرِ وَالبَرَكَةَ كُلَّ البَرَكَةِ، في اتِّبَاعِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – وَالسَّيرِ عَلَى هَديِهِ، وَتَتَبُّعِ مَا كَانَ يَحرِصُ عَلَيهِ وَالاقتِدَاءِ بِهِ.

فَلَمَّا قَلَّ عِلمُ النَّاسِ بِدِينِهِم، وَانتَشَرَ فِيهِمُ الجَهلُ بِالسُّنَنِ، وَرَضُوا بِالحَيَاةِ الدُّنيَا وَاطمَأَنُّوا بها، وَتَعَلَّقُوا بِزَخَارِفِهَا وَمَلَكَت قُلُوبَهُم شَهَوَاتُهَا، صَارَ أَحَدُهُم لا يَرفَعُ بِالسُّنَنِ رَأسًا، وَلا يُقِيمُ لِلنَّوَافِلِ وَزنًا، يَدخُلُ المَسجِدَ وَقَد فَاتَتهُ مِنَ الفَرِيضَةِ رَكَعَاتٌ، ثم يَقُومُ بَعدَ سَلامِ الإِمَامِ فَيَنقُرُ مَا فَاتَهُ نَقرَ الغُرَابِ، ثم لا يَكَادُ يُسَلِّمُ حتى يُطلِقَ لِسَاقَيهِ العِنَانَ خَارِجًا مِن بَيتِ اللهِ، هَارِبًا مِن أَحَبِّ البِقَاعِ إِلى مَولاهُ، لم يَذكُرِ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً، وَلم يَتَزَوَّدْ قَبلَ صَلاتِهِ بِنَافِلَةٍ، وَلا أَقَامَ بَعدَهَا سُنَّةً، وَكَأَنَّمَا كَانَ في سِجنٍ فَأُطلِقَ مِنهُ!!

وَمِن ثَمَّ فَلا عَجَبَ أَن لَحِقَ النَّقصُ بِصَلاةِ الفَرِيضَةِ، وَنَالَهَا مِنَ التَّقصِيرِ مَا نَالَهَا، فَعَادَتِ المَسَاجِدُ تَشكُو قِلَّةَ المُصَلِّينَ، وَصَارَت صَلاةُ الكَثِيرِينَ جَوفَاءَ خَالِيَةً مِن رُوحِهَا وَلُبِّهَا، قَد نُزِعَت مِنهَا مَادَّةُ تَأثِيرِهَا، يَخرُجُ أَحَدُهُم مِنهَا كَمَا دَخَلَ فِيهَا، وَيَقتَرِفُ قَبلَهَا وَبَعدَهَا مِنَ الكَبَائِرِ وَيَأتي مِنَ المُوبِقَاتِ مَا لَو كَانَت صَلاتُهُ كَامِلَةً مُكَمَّلَةً، لَنَهَتهُ عَنهَا وَحَالَت بَينَهُ وَبَينَهَا.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ لِلنَّوَافِلِ فَضَائِلَ مُتَعَدِّدَةً، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنهَا كَفِيلَةٌ بِأَن تَبعَثَ في نَفسِ المُسلِمِ الصَّادِقِ مِنَ الهِمَّةِ وَالنَّشَاطِ وَالرَّغبَةِ، مَا يَدعُوهُ لأَن يُحَافِظَ عَلَيهَا وَيُوَاظِبَ عَلَى فِعلِهَا، أَوَّلُهَا وَهُوَ أَعظَمُهَا أَنَّهَا سَبَبٌ لِنَيلِ مَحَبَّةِ اللهِ – تَعَالى – فَفِي الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيُّ قَالَ اللهُ – تَعَالى -: "مَن عَادَى لي وَلِيًّا فَقَد آذَنتُهُ بِالحربِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِليَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِليَّ مِمَّا افتَرَضتُ عَلَيهِ، وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتي يَبطِشُ بها، وَرِجلَهُ الَّتي يَمشِي بها، وَإِنْ سَأَلَني لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ استَعَاذَني لأُعِيذَنَّهُ".

مَا أَعظَمَهُ مِن فَضلٍ! الرَّحمَنُ الرَّحِيمُ يَتَحَبَّبُ إِلى عِبَادِهِ وَهُوَ غَنيٌّ عَنهُم، وَيَدُلُّهُم بِفَضلِهِ عَلَى مَا يَرفَعُ قَدرَهُم، فَهَل تَخَيَّلتَ يَا عَبدَ اللهِ جَمَالَ الفَضلِ وَكَمَالَ الشَّرَفِ وَعُلُوَّ المَنزِلَةِ؟! بَل هَل تَصَوَّرتَ كَم سَتَكُونُ حَيَاتُكَ هَانِئَةً وَسَعَادَتُكَ بَالِغَةً، حِينَ تَحرِصُ عَلَى النَّوَافِلِ وَتُؤَدِّيهَا مُخلِصًا لِرَبِّكَ، فَيُحِبَّكَ الَّذِي خَلَقَكَ وَبِيَدِهِ كُلُّ أَمرِكَ!

مَاذَا تَتَوَقَّعُ إِذَا أَحَبَّكَ رَبُّكَ؟! أَتُرَاهُ يُصِيبُكَ مِنهُ حِينَئِذٍ إِلاَّ كُلُّ خَيرٍ؟! إِنَّهُ – تَعَالى – لَيُحسِنُ إِلى كُلِّ عِبَادِهِ حَتى المُعرِضُونَ مِنهُم، فَكَيفَ بِمَن يُحِبُّهُم؟! إِنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللهُ لِمُحَافَظَتِهِم عَلَى النَّوَافِلِ مُوَفَّقُونَ سَائِرِ جَوَارِحِهِم، فَلا يَسمَعُونَ إِلاَّ خَيرًا، وَلا يَنظُرُونَ إِلاَّ إِلى مَا يَسُرُّ، وَلا يَتَنَاوَلُونَ إِلاَّ مَا يَنفَعُ، ثم هُم مَوعُودُونَ مِن رَبِّهِم وَمِن نَبِيِّهِم بِجَوَائِزَ عَظِيمَةٍ، جَوَائِزُ لَو أُعطِيَت لأَحَدِنَا في دُنيَاهُ لَبَذَلَ مِن أَجلِهَا كُلَّ غَالٍ وَنَفِيسٍ، فَكَيفَ وَهِيَ في الجَنَّةِ؟!

 أَلا فَتَعَالَ وَاسمَعْ بِقَلبِكَ قَبلَ أُذُنِكَ قَولَ نَبِيِّكَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "مَا مِن عَبدٍ مُسلِمٍ يُصَلِّي للهِ – تَعَالى - في كُلِّ يَومٍ ثِنتَي عَشرَةَ رَكعَةً تَطَوُّعًا غَيرَ فَرِيضَةٍ، إِلاَّ بَنى اللهُ – تَعَالى - لَهُ بَيتًا في الجَنَّةِ، أَو إِلاَّ بُنِيَ لَهُ بَيتٌ في الجَنَّةِ" (رَوَاهُ مسلِمٌ).

 وَعَن رَبِيعَةَ بنِ كَعبٍ – رضي الله عنه - قَالَ: كُنتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَيتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لي: "سَلْ" فَقُلتُ: أَسأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ. قَالَ: "أَوَ غَيرَ ذَلِكَ؟!" قُلتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: "فَأَعِنِّي عَلَى نَفسِكَ بِكَثرَةِ السُّجُودِ" (رَوَاهُ مُسلِمٌ).

أَفَلا تُحِبُّ يَا عَبدَ اللهِ أَن يَبنيَ اللهُ لَكَ بَيتًا في الجَنَّةِ، الدَّارِ الَّتي كَتَبَ اللهُ عَلَى أَهلِهَا البَقَاءَ أَبَدَ الآبَادِ، في نَعِيمٍ لا يَحُولُ وَلا يَزُولُ، وَالجَارُ مُحَمَّدٌ – صلى الله عليه وسلم – وَمَن كَتَبَ اللهُ لَهُ السَّعَادَةَ وَأَنعَمَ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ؟! أَلا تَفعَلُ كَمَا فَعَلَ العُقَلاءُ الأَتقِيَاءُ وَقَد سَمِعُوا هَذَا الفَضلَ وَعَرَفُوهُ؟!

رَوَى مُسلِمٌ عَن أُمِّ حَبِيبَةَ زَوجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَت: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: "مَا مِن عَبدٍ مُسلِمٍ يُصَلِّي للهِ كُلَّ يَومٍ ثِنتَي عَشرَةَ رَكعَةً تَطَوُّعًا غَيرَ فَرِيضَةٍ، إِلاَّ بَنَى اللهُ لَهُ بَيتًا في الجَنَّةِ".

قَالَت أَمُّ حَبِيبَةَ: "فَمَا بَرِحتُ أُصَلِّيهِنَّ". فَرَضِيَ اللهُ عَنهَا مَا أَعقَلَهَا وَأَشَدَّ إِيمَانَهَا وَحِرصَهَا عَلَى مَا يَنفَعُهَا! سَمِعَت بِهَذَا الفَضلِ وَصَدَّقَت بِهِ تَمَامَ التَّصدِيقِ، فَلَم تَزَلْ تُصَلِّي هَذِهِ النَّوَافِلَ وَتَتَعَاهَدُهَا وَتُحَافِظُ عَلَيهَا.

وَهَكَذَا كَانَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ –رضي الله عنهم– فَقَد رَوَى مُسلمٌ عَن أَنَسٍ –رضي الله عنه– قَالَ: كُنَّا بِالمَدِينَةِ، فَإِذَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ المَغرِبِ ابتَدَرُوا السَّوَارِيَ فَرَكَعُوا رَكعَتَينِ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الغَرِيبَ لَيَدخُلُ المَسجِدَ، فَيَحسَبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَد صُلِّيَت مِن كَثرَةِ مَن يُصَلِّيهمَا. وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ – رضي الله عنهم –لأَنَّهُم سَمِعُوا الحَبِيبَ– صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: "صَلُّوا قَبلَ المَغرِبِ، صَلُّوا قَبلَ المَغرِبِ، صَلُّوا قَبلَ المَغرِبِ" قَالَ في الثَّالِثَة: "لِمَن شَاءَ" (رَوَاهُ البُخَارِيُّ).

هَكَذَا كَانُوا - رضي الله عنهم – مَعَ صَلاحِهِم وَمَا قَدَّمُوهُ في سَبِيلِ اللهِ مِن جِهَادٍ وَتَعلِيمِ عِلمٍ وَدَعوَةٍ إِلى اللهِ وَبَذلٍ، إِلاَّ أَنَّهُم لم يَفتَؤُوا يَتَقَرَّبُونَ إِلى رَبِّهِم وَيَتَزَوَّدُونَ لآخِرَتِهِم، فَكَيفَ بِنَا وَقَد فَرَّطنَا في كَثِيرٍ مِنَ الشَّعَائِرِ وَالشَّرَائِعِ، وَظَهَرَ فِينَا الخَلَلُ وَالنَّقصُ، أَلَسنَا في حَاجَةٍ إِلى مَا يَجبُرُ كَسرَنَا وَيَسُدُّ خَلَلَنَا؟!

أَينَ عُقُولُنَا – أَيُّهَا المُسلِمُونَ -؟! أَوَ يَصعُبُ عَلَى أَحَدِنَا أَن يُؤَدِّيَ رَكَعَاتٍ طَيِّبَاتٍ مُبَارَكَاتٍ، لا تَستَغرِقُ مِنهُ إِلاَّ دَقَائِقَ مَعدُودَاتٍ، يَنطَلِقُ بَعدَهَا في دُنيَاهُ مَكلُوءًا بِرِعَايَةِ اللهِ؟! هَلِ استَغنَينَا عَن بَيتٍ في الجَنَّةِ نُجَاوِرُ فِيهِ الحَبِيبَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -؟ مَا هَذِهِ القَسوَةُ وَأَيُّ جَفَاءٍ هَذَا؟!

 ثم أَلَم تَعلَمْ - أَيُّهَا الفَقِيرُ إِلى رَحمَةِ مَولاهُ - أَنَّ الصَّلاةَ هِيَ عَمُودُ الإِسلامِ، وَأَنَّهَا أَوَّلُ مَا يُسأَلُ عَنهُ العَبدُ يَومَ القِيَامَةِ ؛ فَإِن صَلَحَت صَلَحَ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِن فَسَدَت فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ؟! قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبدُ يَومَ القِيَامَةِ مِن عَمَلِهِ صَلاتُهُ، فَإِن صَلَحَت فَقَد أَفلَحَ وَأَنجَحَ، وَإِن فَسَدَت فَقَد خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنِ انتَقَصَ مِن فَرِيضَتِهِ شَيءٌ قَالَ الرَّبُّ -تَبَارَكَ وَتَعَالى-: اُنظُرُوا هَل لِعَبدِي مِن تَطَوُّعٍ؟ فَيُكَمَّلُ بها مَا انتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).

وَمِن فَضَائِلِ النَّوَافِلِ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – أَنَّها تُنجِي العَبدَ مِنَ النَّارِ بِرَحمَةِ اللهِ، وَتَحُطُّ عَنهُ الخَطَايَا وَتَرفَعُ دَرَجَاتِهِ في الجَنَّةِ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ –: "مَن حَافَظَ عَلَى أَربَعِ رَكَعَاتٍ قَبلَ الظُّهرِ وَأَربَعٍ بَعدَهَا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ" (رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائيُّ وَابنُ مَاجَه).

وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "عَلَيكَ بِكَثرَةِ السُّجُودِ للَّهِ ؛ فَإِنَّكَ لا تَسجُدُ للَّهِ سَجدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ اللَّهُ بها دَرَجَةً وَحَطَّ عَنكَ بها خَطِيئَةً" (رَوَاهُ مُسلِمٌ).

وَمِن فَضَائِلِ النَّوَافِلِ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – أَنَّهَا تَعدِلُ صَدَقَاتٍ كَثِيرَةً، فَفِي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "يُصبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِن أَحَدِكُم صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمرٌ بِالمَعرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهيٌ عَنِ المُنكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجزِئُ مِن ذَلِكَ رَكعَتَانِ يَركَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى"، يَا لَهُ مِن أَجرٍ عَظِيمٍ وَفَضلٍ كَبِيرٍ، يَركَعُ المُسلِمُ في أَيِّ وَقتٍ مِنَ الضُّحَى رَكعَتَينِ، فَتُجزِئَانِهِ عَن ثَلاثِ مِئَةٍ وَسِتِّينَ صَدَقَةً!

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنُقَدِّمْ لأَنفُسِنَا مَا دُمنَا قَادِرِينَ، قَبلَ أَن يَتَمَنَّى أَحَدُنَا رَكعَتَينِ يُثقِلُ بهما مِيزَانَهُ فَلا يَستَطِيعُ، قَالَ – صلى الله عليه وسلم -: "رَكعَتَا الفَجرِ خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فِيهَا" رَوَاهُ مُسلِمٌ، وَعَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِقَبرٍ فَقَالَ: " مَن صَاحِبُ هَذَا القَبرِ؟ " فَقَالُوا: فُلانٌ. فَقَالَ: "رَكعَتَانِ أَحَبُّ إِلى هَذَا مِن بَقِيَّةِ دُنيَاكُم" (رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَقَالَ الأَلبَانيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ).

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اركَعُوا وَاسجُدُوا وَاعبُدُوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ) [الحج: 77].

الخطبة الثانية:

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى وَأَطِيعُوهُ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوَى) [البقرة: 195].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ عَدُوَّكُمُ الشَّيطَانُ قَد أَخَذَ عَلَى نَفسِهِ عَهدًا أَن يُغوِيَ بَني آدَمَ وَيَأخُذَ بهم مَعَهُ إِلى جَهَنَّمَ (قَالَ رَبِّ بما أَغوَيتَني لأُزَيِّنَنَّ لَهُم في الأَرضِ وَلأُغوِيَنَّهُم أَجمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنهُمُ المُخلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُستَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ) [الحجر: 39- 42]

وَأَمَّا مَلائِكَةُ الرَّحمَنِ وَعِبَادُهُ المُكرَمُونَ، فَإِنَّهُم يَدعُونَ لِلمُصَلِّينَ وَيَستَغفِرُونَ لَهُم، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "المَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُم مَا دَامَ في مُصلاَّهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لم يُحدِثٍ أَو يَقُمْ، اللَّهُمَّ اغفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارحَمْهُ" (أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ).

فَإِذَا لم تَكُنْ مَوَاظِبًا عَلَى النَّوَافِلِ - يَا عَبدَ اللهِ - فَاعلَمْ أَنَّ هَذِهِ خَطوَةٌ مِن خَطَوَاتِ الشَّيطَانِ الَّتي يُحَاوِلُ بها أَن يُبعِدَكَ عَن رَبِّكَ، وَمِعوَلٌ يَهدِمُ بِهِ سُورَ هِدَايَتِكَ.

فَاحذَر -يَا رَعَاكَ اللهُ- أَن يَبقَى سُورَكَ ضَعِيفًا بِتَهَاوُنِكَ بِالسُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ، أَزِلْ عَن قَلبِكَ غُبَارَ الغَفلَةِ، وَاستَيقِظْ مِنَ السِّنَةِ وَاتَّبِعِ السُّنَّةَ، وَاعلَمْ أَنَّكَ لا تَزَالُ بِخَيرٍ مَا دُمتَ في مُصَلاَّكَ، فَلِمَ العَجَلَةُ بِالخُرُوجِ مِنَ المَسجِدِ؟ إِنَّكَ في الغَالِبِ لَن تَخرُجَ لِجِهَادِ عَدُوٍّ وَلا لِتَعَلُّمِ عِلمٍ أَو تَعلِيمِهِ، وَلَكِنْ لِتَرتَعَ في دُنيَاكَ وَتَنغَمِسَ في غَفلَتِكَ، أَفَتَشِحُّ عَلَى نَفسِكَ بِدَقَائِقَ تَقرَأُ فِيهَا ذِكرًا وَتُؤَدِّي نَافِلَةً وَتُحَصِّلُ أَجرًا؟!

قَالَ – صلى الله عليه وسلم -: "اِستَقِيمُوا وَلَن تُحصُوا، وَاعلَمُوا أَنَّ خَيرَ أَعمَالِكُمُ الصَّلَاةُ، وَلا يُحَافِظُ عَلَى الوُضُوءِ إِلاَّ مُؤمِنٌ" (رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).

 وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "مَن سَبَّحَ اللهَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثَا وَثَلاثِينَ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، فَتِلكَ تِسعٌ وَتِسعُونَ، ثم قَالَ تَمَامَ المِائَةِ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَت لَهُ خَطَايَاهُ وَإِن كَانَت مِثلَ زَبَدِ البَحرِ" (رَوَاهُ مُسلِمٌ).