البحث

عبارات مقترحة:

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

الواسع

كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...

فلا تقعدوا معهم

العربية

المؤلف عبد الله بن محمد البصري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. ظهور المنكرات وانتشارها في المجتمع .
  2. الانجراف مع تيار المنكر أسوأ ما يمكن أن يصاب به المجتمع .
  3. النهي عن غشيان أماكن المنكرات .
  4. المعنى الصحيح للإنكار بالقلب .

اقتباس

إِنَّ الانجِرَافَ مَعَ تَيَّارِ المُنكَرَاتِ وَالخَوضَ فِيهَا وَشُهُودَهَا وَتَكثِيرَ سَوَادِ أَهلِهَا، إِنَّهُ لَشَرُّ مَا يُصَابُ بِهِ المُجتَمَعُ، فَمَا هُوَ إِلاَّ التَّخَاذُلُ بِعَينِهِ، بَلِ المُنكَرُ العَظِيمُ وَالمُخَالَفَةُ الصَّرِيحَةُ لِقَولِ المَولى -جَلَّ وَعَلا-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ)، وَكَيفَ يُصَدَّقُ مَن يَقُولُ: إِنَّني أُنكِرُ المُنكَرَاتِ بِقَلبِي وَأُبغِضُهَا وَلا أَرضَاهَا، وَهُوَ مَا زَالَ يَرتَكِبُهَا بِنَفسِهِ، أَو يُمَكِّنُ مِنهَا أَهلَهُ وَأَبنَاءَهُ، بِحُجَّةِ أَنَّ النَّاسَ تَفعَلُ هَذَا أَو تَرضَاهُ؟!

الخطبة الأولى:

أَمَّا بَعدُ:

فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ).

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: مِمَّا بُلِيَت بِهِ المُجتَمَعَاتُ في هَذَا الزَّمَانِ، ظُهُورُ المُنكَرَاتِ وَانتِشَارُهَا، وَتَنَوُّعُهَا وَتَكَاثُرُهَا، وَوُجُودُ أَقوَامٍ مِن خَارِجِ المُجتَمَعِ وَدَاخِلِهِ، يُخَطِّطُونَ لِلإِفسَادِ وُيَنَظِّمُونَ، وَيُنَفِّذُونَ وَيُتَابِعُونَ، وَيَبذُلُونَ في سَبِيلِ البَاطِلِ ولا يَتَوَانَونَ.

وَإِنَّهُ وَإِن كَانَ ثَمَّةَ قِلَّةٌ مُحتَسِبُونَ مُوَفَّقُونَ، وَطَائِفَةٌ عَلَى الحَقِّ ظَاهِرُونَ، مَا زَالُوا وَلَن يَزَالُوا يُدَافِعُونَ وَيُنكِرُونَ، إِلاَّ أَنَّ قِلَّتَهُم مَعَ كَثرَةِ المُنكَرَاتِ، وَضَعفَ مَوقِفِهِم أَحيَانًا مَعَ قُوَّةِ كَيدِ الكَائِدِينَ، لا يَعني أَن يَستَسلِمَ المُجتَمَعُ لِلبَاطِلِ وَيَنجَرِفَ مَعَهُ وَيُسَايِرَهُ؛ لأَنَّ في يَدِهِ سُلطَةً يَتَقوَّى بها، بَل إِنَّ هَذَا الوَاقِعَ الأَلِيمَ لَيَزِيدُ مِنَ المَسؤُولِيَّةِ عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ، وَيُوجِبُ عَلَيهِم قَدرًا أَكبَرَ مِنَ المُسَاهَمَةِ في الإِنكَارِ، إِذْ إِنَّهُ وَاجِبٌ كِفَائِيٌّ تَتَّسِعُ دَائِرَتُهُ كُلَّمَا قَلَّ المُنكِرُونَ أَو زَادَتِ المُنكَرَاتِ.

وَقَد يَتَسَاءَلُ بَعضُ النَّاسِ وَيَقُولُ: وَمَاذَا يَفعَلُ العَامَّةُ وَلَيسَ لَهُم أَيدٍ تَدفَعُ وَلا أَلسِنَةٌ تُسمِعُ؟! فَيُقَالُ: إِنَّ إِنكَارَ المُنكَرِ ثَلاثُ دَرَجَاتٍ، ثِنتَانِ مِنهُمَا لا تَجِبَانِ إِلاَّ بِالقُدرَةِ وَالاستِطَاعَةِ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ، فَهِيَ وَاجِبُ الجَمِيعِ بِلا استِثنَاءٍ، وَإِذَا كَانَ تَغيِيرُ المُنكَرِ بِاليَدِ وَاللِّسَانِ وَاجِبٌ عَلَى مَنِ استَطَاعَ مِن أَهلِ الوِلايَةِ وَالعِلمِ، فَإِنَّ الإِنكَارَ القَلبيَّ بِبُغضِ المُنكَرِ وَمُجَانَبَةِ أَهلِهِ وَفِرَاقِ أَمَاكِنِهِ، وَاجِبٌ عَينيُّ لا يَسَعُ مَسلِمًا تَركُهُ، بَل لَيسَ بَعدَ تَركِهِ إِلاَّ خَلعُ رِدَاءِ الإِيمَانِ، وَتَمَكُّنُ المُنكَرَاتِ وَغَلَبَةُ الرَّانِ عَلَى القُلُوبِ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ الانجِرَافَ مَعَ تَيَّارِ المُنكَرَاتِ وَالخَوضَ فِيهَا وَشُهُودَهَا وَتَكثِيرَ سَوَادِ أَهلِهَا، إِنَّهُ لَشَرُّ مَا يُصَابُ بِهِ المُجتَمَعُ، فَمَا هُوَ إِلاَّ التَّخَاذُلُ بِعَينِهِ، بَلِ المُنكَرُ العَظِيمُ وَالمُخَالَفَةُ الصَّرِيحَةُ لِقَولِ المَولى -جَلَّ وَعَلا-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ)، وَكَيفَ يُصَدَّقُ مَن يَقُولُ: إِنَّني أُنكِرُ المُنكَرَاتِ بِقَلبِي وَأُبغِضُهَا وَلا أَرضَاهَا، وَهُوَ مَا زَالَ يَرتَكِبُهَا بِنَفسِهِ، أَو يُمَكِّنُ مِنهَا أَهلَهُ وَأَبنَاءَهُ، بِحُجَّةِ أَنَّ النَّاسَ تَفعَلُ هَذَا أَو تَرضَاهُ؟! إِنَّهُ لَولا أَنَّ فِينَا مَن رَضِيَ لِنَفسِهِ أَن يَكُونَ مِعوَلَ هَدمٍ في حَائِطِ المُمَانَعَةِ وَالمُدَافَعَةِ، وَلَولا أَنَّ المُفسِدِينَ وَالمُضِلِّينَ رَأَوُا المُجتَمَعَ يَخِفُّ مَعَ كُلِّ مُفسِدٍ، وَيَضعُفُ أَمَامَ كُلِّ شَهوَةٍ، وَلا يَستَنكِفُ أَن يَحضُرَ لأَمَاكِنِ المُنكَرَاتِ وَيتَفَاعَلَ مَعَ المُفسِدِينَ، سَوَاءٌ في أَسوَاقِهِم أَو مُنتَدَيَاتِهِم، أَو حَدَائِقِهِم وَمَهرَجَانَاتِهِم، لَمَا تَجَرَّؤُوا وَتَوَسَّعُوا، وَلَمَا صَارُوا يَأتُونَ بَينَ حِينٍ وَحِينٍ بِمُنكَرَاتٍ يُنسِي آخِرُهَا أَوَّلَهَا.

فَإِلى اللهِ المُشتَكَى مِن فِئَامٍ جَعَلُوا مِن أَنفُسِهِم مَطَايَا لِحَملِ الفَسَادِ وَالضَّلالِ، وَضَعُفُوا أَمَامَ المُفسِدِينَ وَإِغرَائِهِم، وَعَرَّضُوا أَنفُسَهُم لِشَرِّهِم وَبَلائِهِم، حَتى صَارَ النَّاصِحُونَ وَالمُصلِحُونَ، بَدَلاً مِن أَن يُرَكِّزُوا جُهُودَهُم فِيمَا هُوَ أَولى بِهِم مِنَ الدِّفَاعِ عَن دِينِهِم وَمُجتَمَعِهِم ضِدَّ الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ وَأَئِمَّةِ الفَسَادِ وَرُؤُوسِ الإِضلالِ، صَارُوا مَشغُولِينَ بِمَن طَعَنَهُم مِن خَلفِهِم وَخَانَهُم، مِن إِخوَانِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا يَنتَظِرُونَ مِنهُمُ الدَّعمَ وَالنَّصرَ وَالصَّبرَ، فَصَارَ حَالُهُم مَعَهُم كَحَالِ القَائِلِ:

وإخوَانٍ حَسِبتُهُمُ دُرُوعًا

فَكَانُوهَا وَلَكِنْ لِلأَعَادِي

وَخِلتُهُمُ سِهَامًا صَائِبَاتٍ

فَكَانُوهَا وَلَكِنْ في فُؤَادِي

أَلا فَمَا أَحرَى المُسلِمِينَ أَن يَعلَمُوا أَنَّ نَبِيَّهُم -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- نَهَى أَصحَابَهُ عَن غَشَيَانِ أَمَاكِنِ المُنكَرَاتِ أَوِ التَّعَرُّضِ لِمَوَاطِنِ الفِتَنِ، فَقَالَ: "إِيَّاكُم وَالجُلُوسَ في الطُّرُقَاتِ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: مَا لَنَا مِن مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا. فَقَالَ: "فَإِذَا أَبَيتُم إِلاَّ المَجلِسَ فَأَعطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ"، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: "غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأَمرُ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيُ عَنِ المُنكَرِ".

فَتَأَمَّلُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- كَيفَ نَهَى -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- عَنِ الجُلُوسِ في الطَّرِيقِ ابتِدَاءً، لِكَونِهِ سَبَبًا لِلوُقُوعِ في المُنكَرِ، فَلَمَّا اعتَذَرُوا بِأَنَّهُ لا بُدَّ لَهُم مِنَ الجُلُوسِ لِبَعضِ حَاجَاتِهِم، وَجَّهَهُم إِلى أَنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِشُرُوطٍ، لا بُدَّ لِلجَالِسِ في الطَّرِيقِ مِن تَحقِيقِهَا، فَأَينَ مِن ذَلِكَ اليَومَ مَن يَغشَونَ الأَسوَاقَ وَالمُنتَدَيَاتِ وَالمَهرَجَانَاتِ، وَالَّتي يُعصَى اللهُ فِيهَا وَتَعُجُّ بِالمُنكَرَاتِ، وَبَدَلاً مِن أَن يَكُونَ حُضُورُهُم مَصحُوبًا بِالأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ، إِذَا هُوَ لِشُهُودِ المُنكَرِ وَالمُشَارَكَةِ فِيهِ وَتَشجِيعِهِ، وَشَغلِ الآمِرِينَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ وَمُضَاعَفَةِ الحِملَ عَلَيهِم، وَتَشتِيتِ جُهُودِ الدُّعاَةِ وَإِرهَاقِ المُصلِحِينَ؟!

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لَقَد تَوَعَّدَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَئِمَّةَ الفَسَادِ وَالإِفسَادِ وَرُؤُوسَ الضَّلالِ وَالإِضلالِ، مِمَّن هَدَفُهُم إِشَاعَةُ الفَوَاحِشِ في مُجتَمَعَاتِ المُؤمِنِينَ، فَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ في الَّذِينَ آمَنُوا لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمُونَ)، غَيرَ أَنَّ هَذَا الوَعِيدَ الشَّدِيدَ لَيسَ مَقصُورًا عَلَيهِم، بَل يَشمَلُ مَن وَافَقَهُم وَجَلَسَ مَجَالِسَهُم وَشَهِدَ نَوَادِيَهُم وَرَضِيَ فِعلَهُم، قال -سبحانه-: (وَقَد نَزَّلَ عَلَيكُم في الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعتُم آيَاتِ اللهِ يُكفَرُ بها وَيُستَهزَأُ بها فَلا تَقعُدُوا مَعَهُم حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيرِهِ إِنَّكُم إِذًا مِثلُهُم إِنَّ اللهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالكَافِرِينَ في جَهَنَّمَ جَمِيعًا).

وَعَن أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهَا- قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "يَكُونُ عَلَيكُم أُمَرَاءُ تَعرِفُونَ وَتُنكِرُونَ، فَمَن أَنكَرَ فَقَد بَرِئَ، وَمَن كَرِهَ فَقَد سَلِمَ، وَلَكِنْ مَن رَضِيَ وَتَابَعَ...". الحَدِيثَ. رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَقَولُهُ: "وَلَكِنْ مَن رَضِيَ وَتَابَعَ" دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَن سَكَتَ عَلَى المُنكَرِ وَرَضِيَهُ وَأَعَانَ فِيهِ بِقَولٍ أَو فِعلٍ أَو مُتَابَعَةٍ، أَو كَانَ يَقدِرُ عَلَى تَغيِيرِهِ فَتَرَكَهُ، فَهُو شَرِيكٌ في الإِثمِ وَلا تَبرَأُ ذِمَّتُهُ.

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَلا تَكُونُوا عَونًا لأَهلِ المُنكَرِ عَلَى إِظهَارِ مُنكَرِهِم بِمُشَارَكَتِكُم فِيهِ، فَإِنَّ الإِنكَارَ بِالقَلبِ لا يُعذَرُ مِنهُ أَحَدٌ كَائِنًا مَن كَانَ، وَمَن زَعَمَ أَنَّهُ مُنكِرٌ بِقَلبِهِ وَهُوَ يَغشَى أَمَاكِنَ المُنكَرَاتِ وَيَقعُدُ مَعَ أَصحَابِهَا في مُنتَدَيَاتِهِم، فَمَا صَدَقَ في إِنكَارِهِ، أَعُوذُ بِاللهِ مَنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (وَإِذَا رَأَيتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا فَأَعرِضْ عَنهُم حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيطَانُ فَلا تَقعُدْ بَعدَ الذِّكرَى مَعَ القَومِ الظَّالمِينَ).

الخطبة الثانية:

أَمَّا بَعدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ فَخَافُوهُ، وَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا بِزَخَارِفِهَا فَتَنسَوا مَصِيرَكُم وَتَنجَرِفُوا، وَلا يَهُولَنَّكُمُ انتِفَاشُ البَاطِلِ أَو كَثرَةُ المُفسِدِينَ فَتَنحَرِفُوا؛ فَإِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ في خُسرٍ (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ)، فَاتَّقُوا اللهَ (وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ).

إِنَّهُ وَإِن كَانَتِ الأُمَّةُ لا تَختَلِفُ عَلَى أَنَّ الإِنكَارَ بِالقَلبِ وَاجِبٌ عَلَى الجَمِيعِ وَلا يُعذَرُ مُؤمِنٌ بِتَركِهِ، إِلاَّ أَنَّ الوَاقِعَ يَشهَدُ أَنَّ ثَمَّةَ خَللاً في الفَهمِ لَدَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، حَيثُ يَظُنُّ أَنَّ مَعنى الإِنكَارِ بِالقَلبِ أَن يَكرَهَ المُنكَرَ فِيمَا بَينَهُ وَبَينَ نَفسِهِ، دُونَ أَن يَبدُوَ لِهَذِهِ الكَرَاهَةِ أَيُّ أَثَرٍ في تَصَرُّفِهِ وَظَاهِرِهِ، وَهَذَا فَهمٌ سَقِيمٌ وَابتِعَادُ عَنِ المَقَاصِدِ الشَّرعِيَّةِ العَظِيمَةِ؛ لأَنَّ الإِنكَارَ بِالقَلبِ مُجَرَّدًا مِن كُلِّ مَظهَرٍ سُلُوكِيٍّ، لا يُسَمَّى تَغيِيرًا لِلمُنكَرِ، بَل هُوَ في الحَقِيقَةِ إِقرَارٌ سُكُوتيٌّ وَتَشجِيعٌ ضَمنيٌّ، بَل قَد يَأتي صَاحِبُهُ بِهِ شُعبَةً مِن شُعَبِ النِّفَاقِ العَمَلِيِّ، إِذْ كَيفَ يَدَّعِي كُرهَ المُنكَرِ وَبُغضَ أَهلِهِ، وَهُوَ يَشهَدُهُ وَيَبَشُّ بهم وَيَنبَسِطُ إِلَيهِم وَيُكَثِّرُ سَوَادَهُم؟!

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ وَحِزبِ اللهِ المُفلِحِينَ، الَّذِينَ لا يُوَادُّونَ مَن حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم أَو أَبنَاءَهُم أَو إِخوَانَهُم أَو عَشِيرَتَهُم؛ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ عَينُ الإِيمَانِ، وَسَبَبُ الفَلاحِ وَتَأيِيدِ الرَّحمَنِ، وَبِهِ حُصُولُ الرِّضوَانِ وَدُخُولُ الجِنَانِ.