البحث

عبارات مقترحة:

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

الحوادث المرورية العرض والعلاج - 1

العربية

المؤلف خالد بن سعود الحليبي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. تأملات في الإحصاءات الرسمية لعدد حوادث الطرق وخسائرها .
  2. الآثار الاجتماعية السلبية لحوادث الطرق في مجتمعنا .
  3. أهمية الاحتياطات اللازمة في التفاعل مع السيارة .
  4. أبرز أسباب الحوادث المروعة .
  5. ضرورة احترام أنظمة المرور وقواعده .
  6. جوانب الاستفادة من نعمة السيارة. .

اقتباس

كم تركت من أرملة في ربيع الشباب تمزقها الحسرة! وكم تركت من أيتام ربما لم يجدوا من يربيهم وينشئهم نشأة لائقة صالحة؛ فيعيشوا محرومين من حنان أب أو أم! وكم حرقت من قلوب على فقد عزيز حبيب! وكم تركت من فجائع حين تخسر الأمة عالمًا كبيرًا أو طبيبًا مجيدًا أو داعيًا مخلصًا أو نحو ذلك ممن هي في أمس الحاجة إليهم وهي تعيش هذه المرحلة الحرجة! إن الأمر خطير جدًّا, ويحتاج من كل واحد منا حزمًا مع نفسه في عدد من الاحتياطات اللازمة في التفاعل مع السيارة...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي سخر لنا ما في السموات وما في الأرض جميعًا نعمة منه وفضلاً, أحمده تعالى على آلائه الجسيمة وأشكره على مننه الجزيلة, حمدًا يملأ السماوات والأرض، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لله عبد.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, لا خير إلا دل أمته عليه ولا شر إلا حذرها منه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فأوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله وطاعته, كما أمرنا بذلك الله جل وعلا فقال في محكم كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].

عباد الله, أيها الأحبة في الله: وتأتي الإجازات لتفتح بوابة السفر على مصاريعها؛ حيث تتسابق وسائل المواصلات بشتى أنواعها لاجتذاب أكبر عدد ممكن من الناس لتنقلهم إلى حيث يقضون جزءًا من إجازتهم في جو آخر, يجددون نشاطهم, ويروحون عن أنفسهم. وتبقى السيارة الأوسع استيعابًا، والأيسر استخدامًا، ولكنها تبقى - كذلك - الأكثر خطرًا!

بل إن خطرها أصبح يهدِّد الأمن النفسي للإنسان، وهو يعيش القلق وهو ينتظر حبيبًا، أو يسافر لحاجة ما، ومن يطلع على الإحصاءات الرسمية لعدد الحوادث وخسائرها التي لا تعرف المبالغة والتهويل، قد يظن بأنها خسائر حرب عسكرية طاحنة تدور رحاها في شوارعنا لا قدر الله، ولكنها نتائج عدم الوعي لدى عدد من أفراد المجتمع, ونتائج كفران النعمة لدى أفراد آخرين, ونتائج التصرفات العاطفية في بذل هذه السيارة إلى الأفراد المنحرفين سلوكيًّا، أو غير الناضجين عمرًا.

تقول الإحصاءات الرهيبة: إن نحوًا من سبعة آلاف قتيل كل عام في بلادنا؛ بلد الأمن والأمان، وعشرات الآلاف من المعاقين والمصابين سنويًّا، أي أن عشرين إنسانًا يموتون كل يوم، مئات الأكباد تنفلق حزنًا كل ساعة تقريبًا، في كل يوم أم تَثْكُل، وزوجة تُرمل، وأب يُفجع، وصديق يحترق، وأقارب يشربون الماء المكدر بالألم والعجز التام حيال حبيبهم المفجوع في حبيبه!!

إن حوادث المرور في المملكة تؤدي إلى عشرات الآلاف من المصابين والعاجزين والمشلولين كل عام، نتيجة ثلاثمائة ألف حادث، تركت 1481 إعاقة مستديمة نتيجة إصابات حوادث.

وتشير الإحصاءات أن معظم سائقي السيارات المرتكبين للحوادث المرورية تتراوح أعمارهم ما بين 18 و39 سنة، و78% من المتوفين تقل أعمارهم عن 45 عامًا!! معظمهم من المتزوجين والمتعلمين, إذ تبلغ نسبتهم 6.%، وخمس المتوفين هم من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا.

وثلث أسرة المستشفيات في المملكة مشغولة بمصابي الحوادث المرورية, وتكلفة الحادث المروري تبلغ في المتوسط ثمانية وخمسين ألفًا ومائة وثلاثة وستين ريالاً، بينما تحسب الخسائر المادية بالمليارات وليس بالملايين.

ومع أن النظم تأخذ في زيادة الصرامة في الأخذ على أيدي المخالفين والجزم في معاقبتهم إلا أن الزيادة المطردة في عدد السكان من مواطنين ومقيمين, إلى جانب زيادة الاستهتار من قبل الشباب الذي يقلد ما يراه على شاشات القنوات التلفازية المضللة, وألعاب الفيديو الخادعة، ويفاخر بين زملائه على ما يقوم به من بطولات عنترية فارغة, وزيادة نسبة السفر بين المدن كل ذلك ومعه العوامل الطبيعية في وقوع الحوادث كإهمال تغيير العجلات, وعدم مراقبة الأجزاء الرئيسة في السيارة، وتجول الحيوانات البرية، بجانب الخطوط الخارجية، ولاسيما الجمال أدى ذلك كله إلى زيادة مخيفة لا تزال في زيادة.

وهذه الخسائر البشرية الفادحة تنعكس سلبًا على اقتصادنا الوطني, لاسيما أن الشريحة العظمى من ضحايا تلك الحوادث المرورية هم من الفئة العمرية المنتجة, أي من تلك الشريحة التي تنتظرها أمتنا, وينتظرها وطننا, وينتظرها الإنسان في كل مكان.

وتصور معي هذه الأعداد التي تموت كم تركت من الآثار الاجتماعية السلبية في مجتمعنا, كم تركت من أرملة في ربيع الشباب تمزقها الحسرة! وكم تركت من أيتام ربما لم يجدوا من يربيهم وينشئهم نشأة لائقة صالحة؛ فيعيشوا محرومين من حنان أب أو أم.

ولذلك آثار سلبية أيضًا على نفسياتهم وسلوكهم في المستقبل, مما يعود بالآثار الخطيرة على المجتمع, وكم حرقت من قلوب على فقد عزيز حبيب! وكم تركت من فجائع حين تخسر الأمة عالمًا كبيرًا أو طبيبًا مجيدًا أو داعيًا مخلصًا أو نحو ذلك ممن هي في أمس الحاجة إليهم وهي تعيش هذه المرحلة الحرجة!

إن الأمر خطير جدًّا, ويحتاج من كل واحد منا حزمًا مع نفسه في عدد من الاحتياطات اللازمة في التفاعل مع السيارة, بدءًا بالعناية بإصلاح أي عطل منها, واستبدال أي جزء غير موثوق بأداء وظيفته، فالأرواح أغلى من أن تفدى بالأموال.

ثم بالتقليل قدر المستطاع من السفر إلا لمصلحة لا يمكن أن تُقضى في البلاد التي يقيم فيها. ثم باتباع أسباب السلامة, واستصحاب آداب السفر؛ ليكون الله معه، وعدم القيادة والنوم قد دنا من عينيه, فإن غفوة واحده قد تحرم أسرة كاملة من عائلتها، وتحرم أُمًّا حبيبها، وتحرم امرأة زوجها، وتحرم مسلمًا من الاستزادة من العمل الصالح، وتحرم عاصيًا من فرصة التوبة، كل ذلك بعد تقدير الله, فهل يحب أحدنا أن يكون سببًا في شيء من ذلك.

والحذر كل الحذر من السرعة, فهي أبرز أسباب الحوادث المروعة التي تذهب ضحيتها النفوس أو تؤدي إلى حالات مرضية مقعدة مستدامة. ولمن أحب السرعة في السفر مشغوفًا بمتعتها الخطيرة أقول: إذا وثقت في قيادتك فلا تثق في قيادة الآخرين، فكم قائد سيارة تفاجأ بانحراف السيارة التي في الشارع المقابل ومواجهتها له في سرعة جنونية فلا تسل بعد ذلك عن أشلاء البشر الممزوجة بأشلاء الحديد.

وإذا وثقت في سيارتك فلا تثق في مفاجآت الطريق، ومن أين لقائد السيارة أن يتحكم في وقود سيارة تطير من سرعتها, وإذا كنت حريصًا على الوصول في أقرب وقت ممكن فالزم التأني, ففي التأني السلامة, وكم مستعجل لزم السرير الأبيض سنوات بسبب تهوره، وإنه الخطأ الذي لا يفيد معه الندم.

يقول الله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) [الفرقان: 63].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم, وأقول هذا القول, وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

أما بعد: فقد روى البخاري ومسلم -رحمهما الله- في صحيحهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والجلوس على الطرقات، فإن أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها، قال وما حق الطريق؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (رواه البخاري).

أيها المؤمن المحب لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ألا فتعال معي نعرض تصرفات بعضنا على هذا الحديث العظيم إذا ركبنا السيارة, لا شك أن هناك من يطبِّق حقوق الطريق أو معظمهما, فهو يغض بصره عن محارم المسلمين, ويكف أذاه عنهم, ويسلم ويرد السلام ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, ولكن هناك من إذا ركب سيارته نسي الله وأخذته نشوة العجب والخيلاء, فيا لمحارم المسلمين من نظراته المريضة, وألفاظه البذيئة ومغازلاته السمجة, بتفحيطاته التي تثير الإشفاق على عقله, وربما يودي بحياة أحدهم غير مكترث به ولا ينسى أن يثير الغبار على الناس, ويزعجهم بأصوات الغناء المحرم دون مراعاة لدين أو مروءة.

وأما السلام في قاموسه فهو السباب والشتائم والصراخ, وإذا كان لا بد فملؤه الكبر والغطرسة, متناسيًا قول الله –تعالى-: (وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً) [الإسراء: 37]، (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [لقمان: 18], (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان: 19].

أين المفحطون من هذه التحذيرات القرآنية؟! وقد أضروا غيرهم وأضروا أنفسهم؛ حيث الإتلاف الذي يلحق بالسيارة والله تعالى يقول: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا) [الإسراء: 26], ويقول سبحانه: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [الأحزاب: 58].

ومن آداب الطريق احترام أنظمة المرور وإشاراته، فهي لم تُوضع إلا من أجل المصالح العامة, ولا يجوز مخالفتها؛ لكونها مما أمر به ولي الأمر، إلى جانب ما في قطعها من إيذاء للمسلمين وتعريضهم للترويع وربما الخسائر المادية والبشرية.

ثم اعلم -حماك الله من كل مكروه- أن السيارة نعمة عظيمة, فاشكر الله -تعالى- عليها, وإن من شكرها خدمة الأهل والأصحاب بها, واستعمالها فيما يرضي الله –تعالى-، فلا تسر بها إلى معصية, فتستخدم نعمة الله في معصيته ولا تكن ممن يعق والديه ويبر صديقه, وقد سمعت إحدى الأمهات وهي تبكي وتقول: إنها طلبت من ابنها الوحيد بين عدد من البنات أن يأتي لها بطلب ما، فوعدها ولم يفِ بوعده، فدعت عليه عصر يوم الجمعة، فوقع له حادث ومات وبقيت هي تلوك حسراتها، وإذا كان في هذا تحذير من الدعاء على الولد، فهو تحذير للولد أن يخرج عن طاعة والديه، فيضطرهما لذلك.

وفي السيارة مجال رائع لاستماع القرآن الكريم والدروس النافعة, والأشرطة النافعة الموثقة, بل يمكنك أن ترتب برنامجًا منوعًا مفيدًا إذا كنت مسافرًا مع مجموعة من أهلك أو أصدقائك.

بل ألا تحيي سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن تصلي نافلة وأنت على كرسيك بشرط أن لا تكون قائد السيارة؛ لخطورة ذلك، فقد كان الرسول صلى عليه وسلم يتنفل وهو على بعيره دون أن يشترط استقبال القبلة. والمؤمن المحب لشريعته لا يدع سنة إلا عمل بها ولو مرة واحدة ليكون من أهلها.

نسأل الله -تعالى- أن يجعلنا جميعًا من أهل الإيمان, وأن يقينا وجميع المسلمين من كل شر, وأن يحفظنا بحفظه ويكلؤنا برعايته.. إنه سميع مجيب.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين واحم حوزة الدين, ودمر كفرة اليهود والنصارى والوثنيين والملحدين المحارِبين, وكل من عادى دينك ونبيك محمدًا -صلى الله عليه وسلم- والصالحين.

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ونعوذ بك اللهم من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين, وأيد بالحق ولاة أمورنا, واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.

ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه الطيبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معم برحمتك يا أرحم الراحمين.