البحث

عبارات مقترحة:

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

المؤمن

كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

في الحث على لزوم الصدق

العربية

المؤلف صالح بن فوزان الفوزان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. الحث على الصدق .
  2. فوائد الصدق .
  3. أنواع الصدق .
  4. التحذير من الكذب .

اقتباس

بالصدق تبرم العهود الوثيقة. وتطمئن له القلوب على الحقيقة. من صدق في حديثه مخاطباً ومجيباً وآمراً وناهياً. وتالياً وذاكراً ومعطياً وآخذاً كان عند الله وعند الناس صادقاً محبوباً مكرماً موثوقاً به. شهادته بر. وحكمه عدل. ومعاملته نفع. ومجالسته بركة. ومن صدق في عمله بَعُد من الرياء والسمعة لا يريد بفعله وتركه إلا الله عز وجل. صلاته وزكاته وصومه وحجه ووصله وهجره وصمته ونطقه وحركته وسكونه لله وحده لا شريك له. لا يريد بإحسانه غشاً ولا خديعة ..

 

 

 

الحمد لله الذي أمر بالصدق في كتابه المبين. وأثنى على الصادقين فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) أحمده على نعمه الظاهرة والباطنة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حث على الصدق ورغب فيه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها المسلمون: اتقوا الله واعلموا أن الصدق صفة حميدة قد أثنى الله على أهلها ووعدهم بجزيل الثواب.

والصدق يكون مع الله ويكون مع الناس ويكون بين العبد وبين نفسه، فقد صح في الحديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً. وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً".

وإنما حث النبي –صلى الله عليه وسلم- على الصدق؛ لأنه مقدمة الأخلاق الجميلة والداعي إليها. كما نص على ذلك الرسول –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث بقوله: "فإن الصدق يهدي على البر" والبر اسم جامع لكل خير وطاعة لله وإحسان إلى الخلق.

والصدق عنوان الإسلام. وميزان الإيمان. وأساس الدين. وعلامة على كمال المتصف به. وله المقام الأعلى في الدين والدنيا. وبالصدق يصل العبد إلى منازل الأبرار. وبه تحصل النجاة من جميع الشرور. وإن البركة مقرونة بالصدق. قال –صلى الله عليه وسلم-: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما. وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما" متفق عليه.

والمشاهدة أكبر شاهد على ذلك فإنك لا تجد صادقاً في معاملته إلا وجدت رزقه رغداً، وقد حاز مع ذلك الشرف وحسن السمعة. ويتسابق الناس إلى معاملته. وبذلك تتم له سعادة الدنيا والآخرة. ولا ترى صادقاً إلا وهو مرموق بين الناس بالمحبة والثناء والتعظيم. فالصادق يطمئن إلى قوله العدو والصديق. والكاذب لا يثق به الصديق والقريب.

ما أحلى أحاديث الصادقين. وما أقبح أقوال الكاذبين. الصادق الأمين مؤتمن على الأموال والحقوق والأسرار. ومتى حصل منه كبوة أو عثرة فصدقه شفيع مقبول. والكاذب لا يؤمن على مثقال ذرة. ولو قدر صدقه أحياناً لم يكن لذلك موقع. ولا حصل به ثقة ولا طمأنينة.

بالصدق تبرم العهود الوثيقة. وتطمئن له القلوب على الحقيقة. من صدق في حديثه مخاطباً ومجيباً وآمراً وناهياً. وتالياً وذاكراً ومعطياً وآخذاً كان عند الله وعند الناس صادقاً محبوباً مكرماً موثوقاً به. شهادته بر. وحكمه عدل. ومعاملته نفع. ومجالسته بركة. ومن صدق في عمله بَعُد من الرياء والسمعة لا يريد بفعله وتركه إلا الله عز وجل.

صلاته وزكاته وصومه وحجه ووصله وهجره وصمته ونطقه وحركته وسكونه لله وحده لا شريك له. لا يريد بإحسانه غشاً ولا خديعة. ولا يطلب به من أحد غير الله جزاء ولا شكوراً. يقول الحق ولو كان مراً.

لا تأخذه في الصدق لومة لائم. ولا يخالطه أحد إلا وثق به وأمنه على نفسه وأهله وماله. فهو مؤتمن على الأحياء ووصي على الأموات وناظر الأوقاف وحافظ الودائع ومؤدي الحقوق إلى مستحقيها. والمؤمن المتخلق بالصدق لا يكذب ولا يقول إلا خيراً. وقد جاء في الصدق والحث عله آيات وأحاديث كثيرة. كقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) وقوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) وقال تعالى: (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). وقال –صلى الله عليه وسلم-: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة" وقال تعالى: (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ).

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: والإيمان أساسه الصدق. والنفاق أساسه الكذب فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما محارب للآخر. وأخبر سبحانه أنه في يوم القيامة لا ينفع العبد وينجيه من عذابه إلا صدقه، قال تعالى:(هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) وقال تعالى: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) فالذي جاء بالصدق هو من شأنه الصدق في قوله وعمله وحاله، فالصدق يكون في هذه الثلاثة.

وقد أمر الله تعالى رسوله أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق فقال: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) وأخبر عن خليله إبراهيم أنه سأله أن يهب له لسان صدق في الآخرين فقال: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) وبشر عباده بأن لهم قدم صدق ومقعد صدق فقال تعالى: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) وقال: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) فهذه خمسة أشياء: مدخل الصدق ومخرج الصدق ولسان الصدق وقدم الصدق ومقعد الصدق.

وحقيقة الصدق في هذه الأشياء هو الحق الثابت المتصل بالله الموصل إلى الله وهو ما كان به من الأقوال والأعمال وجزاء ذلك في الدنيا والآخرة. وقد أخبر تعالى عن أهل البر وأثنى عليهم بأحسن أعمالهم من الإيمان والإسلام والصدقة والصبر بأنهم أهل الصدق فقال: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) وهذا صريح في أن الصدق بالأعمال الظاهرة وأن الصدق هو مقام الإسلام والإيمان.

والصدق أنواع:

أحدها: الصدق في القول فحق على كل عبد أن يحفظ ألفاظه ولا يتكلم إلا بالصدق.

الثاني: الصدق في الإرادة والنية وذلك يرجع إلى الإخلاص في الأعمال فإنها إذا داخلها مقصد لغير الله بطلت.

الثالث: الصدق في المعاملات التي تجري بين الناس من بيع وشراء ومداينات ومشاركات وغير ذلك.

فمطلوب من المسلم أن يتسم بالصدق في جميع المجالات وفي كل الأحوال حتى يكتب عند الله صديقاً وينال ثواب الصادقين.

عباد الله: وضد الصدق الكذب وهو من الكبائر قال الله تعالى: (فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) وقال تعالى: (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) أي: الكاذبون. وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ).

والكذب من علامات النفاق ففي الحديث: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان" والكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار. فخطر الكذب عظيم والوعيد عليه شديد.

فاتقوا الله -عباد الله- والزموا الصدق في أقوالكم وأعمالكم ومعاملاتكم. وتجنبوا الكذب لتفوزوا بثواب الصادقين وتنجوا من عذاب الكاذبين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ).