الحفيظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | عبد الله بن علي الطريف |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصيام |
هكذا الدنيا، وهكذا الأيامُ تَتَقَضَّى وتذهبُ، وكأنها لم تمرْ، وها هي لياليَ العشرِ الأواخرِ منْ شَهرِ الخيرِ قد قرُبَ حُلُولُها، وهي أفضلُ لياليَ العامِ، فهنيئًا لمنْ يُدركُها، ويا سَعْدَ من يُوفقُ لإدراكِ ليلةِ القدرِ وقِيامِها.
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ المنعمِ علينَا بمواسِمِ الخيراتِ، والمُتَفَضِلِ علينَا بعظيمِ الهباتِ، نحمدُه تعالى ونشكُرُهُ، ونتوبُ إليه ونستَغفرُه، وأشهدُ ألا إِلَهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليماً كثيراً أما بعد:
أيها الإخوة: اتقوا اللهَ حقَ التقوى، واستَمسِكُوا من الإسلامِ بالعروةِ الوثقى، واحذَرُوا أسبَابَ سخطِ الجبَارِ فَإِنَّ أجسَادَكُم علَى النَّارِ لا تَقْوى.
أحبتي: هكذا الدنيا، وهكذا الأيامُ تَتَقَضَّى وتذهبُ، وكأنها لم تمرْ، وها هي لياليَ العشرِ الأواخرِ منْ شَهرِ الخيرِ قد قرُبَ حُلُولُها، وهي أفضلُ لياليَ العامِ، فهنيئًا لمنْ يُدركُها، ويا سَعْدَ من يُوفقُ لإدراكِ ليلةِ القدرِ وقِيامِها.
أيها الإخوة: هَديُ رَسُولِنا خَيْرُ الهديِ، وحَرِيٌ بنا أنْ نَتَحرَى هَديَهُ فِيِها لنقتفي أثره.. وخيرُ مَنْ يصفُ لنا حالَه في العشرِ أهلُ بيتِهِ تَقُوْلُ أمُنا عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ"، وقَالَتْ: كَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ"(رواهما مسلم).
وَقَالَ عَلِىٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْه-: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ"(رواه الترمذي وصححه الألباني ورواه أحمد).
وَلَمَا سُئِلَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَمَا- عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَتْ: "لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْلَمُهَا وَلَوْ عَلِمَهَا لَمْ تَقُمِ النَّاسُ غَيْرَهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ لَمْ يَذَرْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ يُطِيقُ الْقِيَامَ إِلَّا أَقَامَهُ"؛ قال في فتح الباري: رواه الترمذي والمَرْوَزِي في قيام الليل.
فَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانَ يَخُصُ العَشرَ الأواخرَ مِنْ رمضانَ بعملٍ لا يَعْمَلُهُ فِي أَولِ الشَهرِ ولا في وسَطِهِ ومنها:
إحياءُ الليلِ: والمقصودُ بإِحياءِ الليلِ أي: يُحيي لَيْلَهُ كُلَّه أي لا يَنَامُ وكانَ يُحييِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعباداتٍ متنوعةٍ منها: الفطورُ بعدَ غروبِ الشَّمسِ، والعَشَاءُ وصلاةُ المغربِ والعشاءِ، وما يتبعْهما مِنْ رواتبٍ، والمُكثُ بالمسجِدِ أو الاعتكافُ لمنْ يستطيعه، وأَكلُ السَحورِ، وقراءةُ كتابِ اللهِ والذكرُ والصدقةُ وتفريجُ الكربِ والإصلاحُ بينَ الناسِ، وزيارةُ المرضى وذوي القُرْبَى، والتَودُدُ للوالدينِ وغيرُها من الأعمالِ الصالحةِ.
وليس معنى إحياء لياليَ العشرِ استغراقُ الليلِ كلِه في الصلاةِ والتهجدِ، بدليلِ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي المَسْجِدِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَهَا يَقْلِبُهَا. (رواه البخاري ومسلم). فوقتُ حديثِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذَهَابُهُ معَها ليوصلَها إلى بيتِها منْ إحياءِ الليلِ.
وكلُ ما كانَ يفعَلُهُ -عليه الصلاة والسلام- في تلكَ الليالِي مِنْ أعمالِ فإِنَّها قربةٌ إلى اللهِ -عز وجل-. ولم يكنْ يمضي الليلَ كلَهُ بالصلاةِ كما يَظنُ بعضُ الناسِ؛ فعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها-، قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ، وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إِلَّا رَمَضَانَ"(رواه مسلم).
وقَالَتْ -رَضِيَ اللهُ عَنْها-: "لَا أَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ، وَلَا قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحَ، وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ"(رواه النسائي وغيره وصححه الألباني).
إذًا السنةُ إحياءُ لياليَ العشرِ بالطاعةِ والقُرَبِ المتنوعةِ القوليةِ والعمليةِ؛ قال شيخنا محمد بن عثيمين -رحمه الله-: "كانَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحْيي ليلَهُ بالقيامِ والقراءةِ والذكرِ بقلبِهِ ولسانِهِ وجوارِحِهِ"اهـ.
ومن أهمِها الأعمالِ القيامُ معَ الإمامِ حتى ينصرفَ، في قيامِ أولِ الليلِ وآخرِه، وعدمِ التفريطِ ولو بلحظةٍ، فقد صَحَ عَنْ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندَ أصحابِ السننِ وغيرهم: "إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ"، وصحَ قولُه: "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"(متفق عليه).
أيها الأحبة ومنها: أن النَبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانَ يوقظُ أهلَهُ للصلاةِ في ليالِي العشرِ دُونَ غيرِها من الليالي، فعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ"(رواه الترمذي، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وصححه الألباني) وأخرجه الطبراني كذلك، وزاد: "وكُلُ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ يُطِيْقُ الصَلَاةَ". وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: إنَّ الرَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي لَيْلَةِ مِنْ لَيالِي العَشْرِ جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ وَالنَّاسَ فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلاَحُ. أي: السُّحُورُ. (رواه أبو داود وصححه الألباني).
قال سفيان الثوري: "أَحَبُّ إليَّ إذا دَخلَ العشرُ الأواخرُ أن يتهجَّدَ بالليلِ، ويجتَهِدَ فيه ويُنْهِضَ أهلَه وولدَه إلى الصلاةِ إن أطاقوا ذلك".
وقد صحَ عن النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غيرِ رمضانَ والعشرِ أنه كان يَطْرُقُ فاطمة وعلياً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- ليلاً فيقولُ لهما: "ألا تَقُومَانِ فتُصلِيَان"، وكانَ يُوقظُ عائشةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- بالليلِ إذا قضى تهجُدَهُ وأرادَ أنْ يُوترَ. وقال الألباني حسن صحيح.
وفي الموطأِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْه- كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلَاةِ يَقُولُ لَهُمُ: "الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا..) الآية [طه:132]؛ صححه الألباني.
وكانت امرأةُ حبيبِ الفارسيِ تقولُ لَهُ بالليلِ: قد ذهبَ الليلُ وبينَ أيدينَا طريقٌ بعيدٌ وزادُنا قليلٌ، وقَوافِلُ الصالحين قد سَارتْ قُدْامَنَا ونحنُ قد بقِينا.
ويتأكدُ هذا الحثُ والترغيبُ والمتابعةُ والإيقاظُ في رمضانَ والعشرِ خصوصاً الأوتارَ منها.
قالَ شيخُنا محمدُ العثيمين: "ولا تَخْتَصُّ ليلةُ القدرِ بليلةٍ معينةٍ في جميعِ الأعوامِ بل تنتقلُ فتكونُ في عامٍ ليلةَ سبعٍ وعشرينَ مثلاً وفي عامٍ آخرَ ليلةَ خمسٍ وعشرينَ تبعاً لمشيئةِ الله وحكمتِه، ويدُلُّ على ذلك قَولُه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الُتمِسُوها في تاسعةٍ تبقَى في سَابعةٍ تَبقَى في خَامسةٍ تبقَى"(رواه البخاري). قالَ في فتحِ الباري: أرجحُ الأقوالِ أَنَّها في وترٍ من العشرِ الأخيرِ وأنها تَنْتَقِلُ. اهـ.
أحبتي: وفي هذا الزمانِ صارَ السهرُ في رمضانَ سلوكًا اجتماعيًّا عامًّا؛ وهذا يُسَهلُ علينا حثَ الأهلِ منْ الأزواجِ والذريةِ على استثمارِ لياليَ العشرِ فالكلُ مستيقظٌ، ولن نجدَ عناءً في إيقاظِهم.. لكنْ علينا أنْ نَبذلَ الجهدَ في إقناعِهم وترغيبِهم في استثمارِ الليالي الفاضلةِ، والدعاءِ والثناءِ لمنْ بَذلَ منهم جُهْداً في طَاعةٍ أو تَوجَهَ إليها.. واللهَ.. اللهَ في بذلِ الوسعِ في ذلك بلطفٍ وحبٍّ، وأنْ نكونَ قُدْوَةً حَسَنَةً لهم من خلالِ إظهارِ الاهتمامِ في هذه الليالي والحرصِ على الوقتِ فيها.. وشغلِهِ في الطاعاتِ المتنوعةِ.. وتأجيلِ كثيرٍ من الأعمالِ غيرَ المهمةِ لما بعدها.
ولا يَقُلْ أحدُنا أنَّ هذه سنةً وإذا أدوا الوجبَ فالحمدُ للهِ، نعم نحمدُ اللهَ على أدائِهم للوجبِ، لكنْ علينا أن نُرَغِبَهم كثيراً بمثلِ هذا الموسم، ونؤكدُ عليهم باستثمارِها، وإنْ لم نَستطعْ إقناعَهم بكلِ الليالي فلو بليالي الوترِ من العشرِ.
اللهم بلغْنَا ليلةَ القدرِ وأعظمْ لنا الأجر، وباركْ لنا في القرآنِ العظيمِ، وانفعنا بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ، أقولُ قولي هذا وأَستَغفرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُم وَلجميعِ الـمُسلِمَينَ مِنْ كُل ِذَنْبٍ وَخَطِيئةٍ فاسْتَغْفِرُوه يَغْفِرْ لَكُم إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ والشُكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعظِيماً لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، المُؤيَدُ بِبُرهَانِـهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِراً.
أَمَا بَعْدُ: أيها الإخوة: هَنِيئاً لنا أَنْ أدْرَكْنا الشَهرَ، ونسألُهُ البلاغَ والتوفيقَ للتمامِ.. ثمَ أيها المتسابقون إلى الفردوسِ الأعلى: نحنُ الآنَ قُربَ خَطِ النهايةِ؛ فشُدوا المآزرَ شدُوها، واستثمروا الثواني قَبلَ الدَقائقِ استثمرُها؛ ففي الثانيةِ تسبيحةٌ وتحميدةٌ، وقراءةُ كلمةٍ من كتابِ الله.
نعم: لا بدَ من التأكيدِ على الأسرةِ باستثمارِ هذه الأوقاتِ، والاتفاقِ على الابتعادِ عن كلِ الملهيات، وتصفيةِ الجوِ للعبادةِ والدعاءِ وعمومِ الطاعات، ومراجعةِ النياتِ لتحويلِ المباحاتِ إلى طاعات؛ فاللهَ الله بذلك.
أيها الأحبة: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ؛ ومُبتدؤها من غروبِ الشمسِ، ومُنْتَهاها طُلوعِ الفجرِ، والعبادةُ فيها خيرٌ من العبادةِ في أكثرِ من ثلاثٍ وثمانينَ سنةً، وهذا مما تَتَحَيَّرُ فيه الألبابُ، وتَنْدَهِشُ له العقولُ، حيثُ مَنَّ تباركَ وتعالى على هذه الأمةِ الضعيفةِ القوة والقوى، بليلةٍ يكون العملُ فيها يقابلُ ويزيدُ على ألفِ شهرٍ، عُمرَ رجلٍ مُعَمَرٍ عُمرًا طويلاً نيفًا وثمانينَ سنةً.. فلا تستكثرُوا تحريها في تسعِ ليالٍ أو عشرٍ.
الله أكبر! ما أثمن ثوانيها! وأنفس الأنفاس فيها! إنها ليلةٌ لا كالليالي في خيرِها وفضلِها وبركتِها. يقولُ رسولُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ قَامَ لَيلةَ القَدرِ إيماناً واحْتِساباً غُفِر لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنبِه"، وقَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ"(رواه أبو داود عَنْ أَبِي ذَرٍّ وصححه الألباني).
لنحافظْ على صلاةِ التراويحِ بكلِ عزيمةٍ ونشاطٍ واغتباطٍ، وكذلك صلاةِ القيامِ، ولا نضيع منها تكبيرةً وحدةً. ونحذر من مُنَقْصَاتِ هذا الفضلِ فلا نَنصرفْ ونَترك بَعضَ التَراويحِ وهي قَصيرةٌ، ولا نَتَبَاطَأْ بالقيامِ إلى أن تَنْتَصِفَ الركعةُ ونحنُ لم نُكبر.
جميلٌ -أحبتي- أن نعيدَ النظرَ في هذا الواقعِ، وَنُبَدِلَ حَالَنَا للأفضلِ لا للأقلِ.. لعلنا نفوزُ بإدراكِ ليلةِ القدرِ ونحوزُ ما أعدَّهُ اللهُ لمدرِكِها من الأجرِ.
وبعد: إخواني: ليلةُ القدرِ يُفْتح فيها الْبَاب، ويقرَّبُ فيها الأحْبَابُ، ويُسْمَع الخطابُ، ويردُّ الجواب، ويُكْتَبُ للعاملينَ فيها عَظيمُ الأجرِ، ليلةُ القدرِ خيرٌ من ألفِ شَهْرٍ، فاجتهدُوا رحمَكم اللهُ في طلبِها، فهذَا أوانُ الطَّلب، واحذَرَوا من الغفلةِ ففي الغفلة العَطَب.
أسأل الله للجميع القبول والأجر وإدراك ليلة القدر.
وصلوا سلموا على نبيكم…