العربية
المؤلف | عبد القادر بن محمد الجنيد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
اعلموا أن ذكر الله -عز وجل- من أجلِّ العبادات، وأيسرها عملاً، وأكثرها أجراً، فكونوا من الذاكرين الله كثيراً، فقد أمركم بذلك، فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الأحزاب: 42 - 41]. واحذروا أشدَّ الحذر من الغفلة عن ذكره سبحانه، فقد...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أمر عباده أن يذكروه ذكراً كثيراً، وأعدَّ لهم على ذلك مغفرة وأجراً عظيماً، وجعل القلوب تطمئن بذكره، وهو سبحانه يذكر من ذكره.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أكرم من وحدَّه، وأجلُّ من ذكره، اللهم فصلِّ وسلِّم وبارك على هذا النبي الأواه المنيب، وعلى آله وعترته الطيبة، وعلى أصحابه الكرام البررة.
أما بعد:
فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله، فإنها هي العُدة الوافية، والجُنَّة الواقية، فاتقوا الله ربكم في السر والعلانية، وكونوا من عباده المتقين، فقد أمركم بذلك فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
وصح عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال عن معنى قوله سبحانه: (حَقَّ تُقَاتِهِ): "وَحَقُّ تُقَاتِهِ: أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى, وَأَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى, وَأَنْ يُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرُ".
واعلموا أن ذكر الله -عز وجل- من أجلِّ العبادات، وأيسرها عملاً، وأكثرها أجراً، فكونوا من الذاكرين الله كثيراً، فقد أمركم بذلك فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الأحزاب: 42 - 41].
وثبت عن عبد الله بن بُسْر -رضي الله عنه-: "أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَنْبِئْنِي مِنْهَا بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، فقال له: لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-".
واحذروا أشدَّ الحذر من الغفلة عن ذكره سبحانه، فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ".
وقلة ذكر الله -سبحانه- من صفات المنافقين، فقد قال الله -جل وعلا- عنهم: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء: 142].
واعمروا أوقاتكم وبيوتكم ومجالسكم ومراكبكم بذكره سبحانه، فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَا مِنْ قَوْمٍ جَلَسُوا مَجْلِسًا وَتَفَرَّقُوا مِنْهُ لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ إِلَّا كَأَنَّمَا تَفَرَّقُوا عَنْ جِيفَةِ حِمَارٍ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ".
أيها الناس: إن فضائل ذكر الله -تعالى- ومنافعَه للعبد كثيرة جداً، قررتها السنة النبوية الثابتة، وحفلت بها كتب الحديث كالصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم والأجزاء، وصنِّف العلماء في مختلف العصور كتباً عديدة حول الذكر وفضائله وألفاظه وأحكامه.
فمن فضائله: أنه يجلب لقلب الذاكر الفرح والسرور والراحة والطمأنينة والأُنس، فقد قال عزَّ وجلَّ مقرراً ذلك: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].
ومن فضائله: أنه يورث ذِكْرَ الله -تعالى- لعبده الذاكر له، فقد قال الله -عز شأنه-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152].
وصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ".
ومن فضائله: أنه يَخْنَسُ به الشيطان، وتَنْحَلُّ بسببه عُقَدُه، فقد صح عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال عند قول الله -تعالى-: (مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ) [الناس: 4]: "الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا سَهَا وَغَفَلَ وَسْوَسَ، وَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ".
وصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ".
ومن فضائله: أنه يَثْقُل به ميزان حسنات العبد يوم القيامة، ويُكَثِّر أجوره، فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ".
وصح عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنه قال: "كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ".
وصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مِرَارٍ، كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ".
ومن فضائله: أنه يَحُط الخطايا والذنوب ويُذهبها ولو كثرت، فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ".
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ: تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ".
ومن فضائله: أنه يرفع درجة العبد يوم القيامة، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَرْضَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ذِكْرُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-".
ومن فضائله: أنه يحفظ العبد من الشرور، ويدفعها عنه، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ قَالَ صَبَاحَ كُلِّ يَوْمٍ، وَمَسَاءَ كُلِّ لَيْلَةٍ، ثَلَاثًا ثَلَاثًا: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ".
وصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إِذَا نَزَلَ أَحَدُكُمْ مَنْزِلًا، فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ".
وصح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ، قَالَ: أَمَا لَوْ قُلْتَ، حِينَ أَمْسَيْتَ: "أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ تَضُرَّكَ".
وصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ، يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ".
أعانني الله وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وجعلنا من الذاكرين له كثيراً.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، إن ربي غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله مُسْتوجِبِ الحمد والعبادة، المتابعِ لأهل طاعته إعانتَه وأمدادَه، والصلاة والسلام على نبيه وحبيبه محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن اتَّبع رشادَه.
أما بعد:
أيها الناس: فثمة أمور ثلاثة ينبغي أن تتنبهوا لها، وتعرفوا حكمها، وتعملوا بها عند ذكركم لربكم -سبحانه-:
الأمر الأول: أن الأصل في ذكر العبد لربه -جل وعلا- أن لا يرفع صوته به، ويدل على ذلك قول الله -تعالى-: (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ) [الأعراف: 205].
وصح عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أنه قال: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي غَزَاةٍ، فَجَعَلْنَا لاَ نَصْعَدُ شَرَفًا، وَلاَ نَعْلُو شَرَفًا، وَلاَ نَهْبِطُ فِي وَادٍ إِلَّا رَفَعْنَا أَصْوَاتَنَا بِالتَّكْبِيرِ، قَالَ: فَدَنَا مِنَّا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا".
وقال الإمام الطبري -رحمه الله- بعد هذا الحديث: "في هذا الحديث من الفقه: كراهية رفع الصوت بالدعاء والذكر، وبه قال عامة السلف من الصحابة والتابعين".
وإلى عدم رفع العبد صوته بالذكر ذهب الأئمة الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.
وصح عن قيس بن عباد -رحمه الله- أنه قال: "كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَكْرَهُونَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ الذِّكْرِ".
ويستثنى من هذا الأصل المواضع التي وردت السُّنَّة بأن يُجهر فيها ببعض الأذكار، فالمستحب حينها أن يَجهر الذاكر، وهي مواضع معدودة ومعروفة.
وقال الإمام الألباني -رحمه الله-: "الأصل في الأذكار خفض الصوت بها، كما هو منصوص عليه في الكتاب والسنة إلا ما استثني".
الأمر الثاني: قول الأذكار جماعياً بصوت واحد مرتفع، يوافق الناس فيه بعضهم بعضاً، من البدع المتأخرة المحرمة.
ومن أمثلة ذلك عند الناس اليوم:
أولاً: النطق بالأذكار التي تقال بعد السلام من صلاة الفريضة جماعياً.
وثانياً: أن يجلس الناس في مسجد أو بيت أو زاوية فيذكرون الله ذكراً جماعياً.
وثالثاً: ذكر الله في الطواف حول الكعبة أو السعي بين الصفا والمروة أو صعيد عرفة أو موقف مزدلفة جماعياً.
ورابعاً: تكبير الناس في يومي عيد الفطر وعيد الأضحى وأيام التشريق تكبيراً جماعياً.
ومن بحث عن ذكر الله -تعالى- جماعياً بصوت متوافق ومرتفع في مثل هذه المواضع والأحوال المذكورة وغيرها، فلن يجد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يذكر الله مع أصحابه بهذه الطريقة، ولن يجدها عن الصحابة -رضي الله عنهم- مع بعضهم، ولا عن التابعين وباقي سلف الأمة الصالح، ولا عن الأئمة الأربعة، أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.
ولن يجد عنهم إلا ذكر كل واحد منهم ربه لوحده، وكذلك لن يجد عنهم الجهر بالذكر برفع الصوت إلا في مواطن يسيرة دلت عليها السنة النبوية الصحيحة.
وسيجد هذا الفعل، وهذه الطريقة عن أقبح الناس عقيدة ومذهباً، وهم الشيعة الرافضة، وغلاة المتصوفة، فهم من بدأها، وجاء بها إلى الناس، ونشرها في بلدانهم ومساجدهم ومجالسهم.
الأمر الثالث: الحرص الشديد على الأذكار الصحيحة الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فتُحفظ، ويُذكر الله -تعالى- بها، وما قيد منها بزمان أو مكان أو عدد فيقال كما ورد، وما أطلق فيذكر الله به على كل حال، وفي أي وقت، إلا حال قضاء الحاجة من بول وغائط، وحال مواقعة الرجل لامرأته.
فأذكار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألفاظها جامعة، ومعانيها شاملة، وهي معصومة من الخطأ؛ لأنها جاءت من عند الله -تعالى-، وسهلة الحفظ والنطق، ومعلوم فضلها في نفسها وعلى غيرها، وأنها أفضل الذكر وأعظمه وأجمله، ومعروف كبير أجرها وثوابها.
وإن مما يُؤسف له أن تجد بعض الناس قد أهملوا حفظ أذكاره صلى الله عليه وسلم، وضَعُف ذكرهم لربهم بها، واعتاضوا عنها بأوراد وأذكار كتبها بعض الناس، وأهل هذا الحال ينطبق عليهم قول الله تعالى: (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) [البقرة: 61]، حيث استبدلوا الذكر والورد النبوي الذي جاء من عند الله -تعالى- بأوراد وأحزاب مخلوقين.
بل إن بعضهم يعتاض عن الأذكار والأوراد النبوية بأوراد وأحزاب غلاة المتصوفة، وشيوخ الطرق الصوفية، فلكل واحد منهم أو من أتباعه المشهورين حزب وورد قد كتبه، وهو يَعُجُّ بالألفاظ المحرمة، والأمور المخالفة للعقيدة، والبدع المنكرة.
اللهم وفقنا لمعرفة الحق واتباعه، ومعرفة الباطل واجتنابه، واهدنا الصراط المستقيم.
اللهم أكرمنا بذكرك في الليل والنهار، ومُنَّ علينا بالتوبة والإنابة والخشية.
اللهم تجاوز عن تقصيرنا وسيئاتنا، واغفر لنا ولوالدينا وسائر أهلينا، وبارك لنا في أعمارنا وأعمالنا وأقواتنا وأوقاتنا.
اللهم اكشف عن المسلمين ما نزل بهم من ضر وبلاء، وفقر وتشرد، وضعف وتقصير، وقتل واقتتال، ووسع عليهم في الأمن والرزق، وجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنك سميع الدعاء.