الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | عبد الله بن درويش الغامدي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان |
إن اقتناع المسلم إلى درجة اليقين الجازم، بأن دينه هو الدين الوحيد الذي يقبله الله من الناس -بعد رسالة محمد-, وبأن منهجه الذي كلفه الله أن يقيم الحياة عليه، منهج متفرد؛ لا نظير له بين سائر المناهج؛ ولا يمكن الاستغناء عنه بمنهج آخر؛ ولا يمكن أن يقوم مقامه منهج آخر...
الخطبة الأولى:
لقد حذرنا الله -سبحانه وتعالى- أشد التحذير من أن نتخذ الكفار أولياء في آيات كثيرة لا تدع مجالا للشك في أن هذا الأمر من أساسات الإيمان.
استمع إلى قول الله -تعالى-: (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ) [آل عمران: 28].
إن الأمر كله لله، والقوة كلها لله، والتدبير كله لله، والرزق كله بيد الله، فما ولاء المؤمن إذن لأعداء الله؟
إنه لا يجتمع في قلب واحد حقيقة الإيمان بالله وموالاة أعدائه.
ومن ثم جاء هذا التحذير الشديد: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ) [آل عمران: 28]، وهذا التقرير الحاسم بخروج المسلم من إسلامه إذا هو والى أعداء الله، سواء كانت الموالاة بمودة القلب، أو بنصر أعداء الله، أو باستنصار أعداء الله أو بالمحبة أو بالميل أو بالمشاركة في الأفراح والأتراح: (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ) [آل عمران: 28].
هكذا ليس من الله في شيء، لا في صلة ولا نسب، ولا دين ولا عقيدة، ولا رابطة ولا ولاية، فهو بعيد عن الله، منقطع الصلة تماما.
الله -تعالى- قد قسم الناس إلى فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير، فريق مطيع لله، وفريق عاص لله، فريق يعمل فيما يرضي الله، وفريق يسعى فيما يغضب الله.
فريقان على طرفي نقيض لا يمكن أن يلتقيان أبدا، هؤلاء في جانب, وهؤلاء في جانب آخر، جبهتان متقابلتان، وصراع دائم لا ينتهي: (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء: 76].
ينقسم الناس إلى فريقين اثنين؛ تحت رايتين متميزتين: (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) [النساء: 76].
(الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ)، لإعلاء كلمة الله، لتحقيق منهج الله، لإقرار شريعة الله، لنصرة دين الله، ولإقامة العدل بين الناس باسم الله، لا يقاتلون لأي شيء آخر، اعترافا بأن الله وحده هو الإله، ومن ثم فهو الحاكم وهو المطاع.
(وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ)، لتحقيق مناهج شتى -غير منهج الله- وإقرار شرائع شتى -غير شريعة الله- وإقامة قيم شتى -غير التي أذن بها الله-، ونصب موازين شتى غير ميزان الله!
يقف الذين آمنوا مستندين إلى ولاية الله وحمايته ورعايته ونصره.
ويقف الذين كفروا مستندين إلى ولاية الشيطان بشتى راياتهم، وشتى مناهجهم، وشتى شرائعهم، وشتى طرائقهم، وشتى قيمهم، وشتى موازينهم، فكلهم أولياء الشيطان: (فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء: 76].
هكذا يقف المسلمون على أرض صلبة، مسندين ظهورهم إلى ركن شديد، مقتنعين بأنهم يخوضون المعركة لله، ليس لأنفسهم، ولا لذواتهم، ولا لقومهم، ولا لجنسهم، ولا لقرابتهم وعشيرتهم، إنما هي لله وحده، ولدينه وشريعته.
هذا هو الموقف بين المؤمن والكافر، لا معاونة ولا مناصرة ولا مداهنة ولا مجاملة، ولا تعاون ولا تمازج ولا تميع، ولا تطبيع ولا صداقة، ولا تداخل ولا شراكة، ولا حتى مشابهة.
وإنما هي ثلاثة خيارات لا رابع لهما: إما أن يسلموا فيكون لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وإما أن يكونوا تحت حكم المسلمين ويدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون مقابل حماية المسلمين لهم، وإما الحرب الطاحنة والصراع المرير الذي جعله الله -تعالى- سنة الحياة بين الحق والباطل حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.
لا بد أن تكون هذه هي العلاقة رضينا أم أبينا، فإن العداوة للمسلمين والكيد للمسلمين والغدر بالمسلمين والخداع للمسلمين، هي صفات لازمة للكفار مهما كانوا وأين وجدوا.
ولا ينبئك مثل خبير، فهذا العليم الخبير ينبئك بصفاتهم وسلوكهم تجاهك -أيها المسلم-: (هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ) [آل عمران: 119].
(إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) [الممتحنة: 2].
(مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ) [البقرة: 105].
لقد حسدوكم على كل شيء: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً) [البقرة: 109].
(وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً) [النساء: 102].
(وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [آل عمران: 69].
(وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران: 118].
(وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء) [النساء: 89].
(كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ) [التوبة: 8].
(لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) [التوبة: 10].
هؤلاء هم الكفار، وهذه هي صفاتهم، سواء علينا صادقناهم وطلبنا ودهم، أم عاديناهم, فالنتيجة واحدة، والصفات متأصلة داخل نفوسهم.
عداوة وحقد، وبغضاء وحسد وكيد.
فما هو موقفك -أيها المسلم-؟ ما هو موقفك تجاه من يكرهك؟ ما هو موقفك تجاه من يعاديك ويحقد عليك؟ ما هو موقفك -أيها المسلم- تجاه من يضمر لك الكيد ويحمل لك الحسد؟
(بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا) [النساء: 138 - 139].
سبب هذا العذاب الأليم، هو ولايتهم للكافرين دون المؤمنين؛ وسوء ظنهم بالله؛ وسوء تصورهم لمصدر العزة والقوة.
لم يتخذون الكافرين أولياء وهم يزعمون الإيمان؟ لم يضعون أنفسهم هذا الموضع، ويتخذون لأنفسهم هذا الموقف؟ أهم يطلبون العزة والقوة عند الكافرين؟ لقد استأثر الله -عز وجل- بالعزة؛ فلا يجدها إلا من يتولاه؛ ويطلبها عنده؛ ويرتكن إلى حماه.
إن العزة لله وحده؛ فهي تطلب من عنده وإلا فلا عزة ولا قوة عند غيره!
وإنه إما عبودية لله كلها استعلاء وعزة وانطلاق.
وإما عبودية لعباد الله كلها استخذاء وذلة وأغلال، ولمن شاء أن يختار.
وما يستعز المؤمن بغير الله وهو مؤمن، وما يطلب العزة والنصرة والقوة عند أعداء الله وهو يؤمن بالله.
وما أحوج ناسا ممن يدَّعون الإسلام؛ ويتسمون بأسماء المسلمين، وهم يستعينون بأعدى أعداء الله في الأرض، أن يتدبروا هذا القرآن؛ إن كانت بهم رغبة في أن يكونوا مسلمين، وإلا فإن الله غني عن العالمين!
ثم يقول جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا) [النساء: 144].
ويحذر سبحانه وتعالى كل مؤمن بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة: 51].
إن اقتناع المسلم إلى درجة اليقين الجازم، بأن دينه هو الدين الوحيد الذي يقبله الله من الناس -بعد رسالة محمد-, وبأن منهجه الذي كلفه الله أن يقيم الحياة عليه، منهج متفرد؛ لا نظير له بين سائر المناهج؛ ولا يمكن الاستغناء عنه بمنهج آخر؛ ولا يمكن أن يقوم مقامه منهج آخر؛ ولا تصلح الحياة البشرية ولا تستقيم إلا أن تقوم على هذا الدين وحده دون سواه؛ ولا يعفيه الله ولا يقبله إلا إذا هو بذل جهد طاقته في إقامة هذا الدين بكل جوانبه: الاعتقادية والاجتماعية؛ لم يأل في ذلك جهدا، ولم يقبل من منهجه بديلا, ولم يخلط بينه وبين أي منهج آخر في تصور اعتقادي، ولا في نظام اجتماعي، ولا في أحكام تشريعية، ولا في أحكام نظرية.
إن اقتناع المسلم إلى درجة اليقين الجازم بهذا كله هو الذي يدفعه للعمل والنهوض لتحقيق منهج الله الذي رضيه للناس؛ في وجه العقبات الشاقة، والتكاليف المضنية، والمقاومة العنيدة، والكيد الناصب، والألم الذي يكاد يجاوز الطاقة في كثير من الأحيان، وإلا فما قيمة الإيمان إذن؟
إن الذين يحاولون تمييع هذه المفاصلة الحاسمة، باسم التسامح والتقريب بين أهل الأديان السماوية، يخطئون فهم معنى الأديان كما يخطئون فهم معنى التسامح، فالدين هو الدين الأخير وحده عند الله، والتسامح يكون في المعاملات الشخصية، لا في التصور الاعتقادي ولا في النظام الاجتماعي، إنهم يحاولون تمييع اليقين الجازم في نفس المسلم بأن الله لا يقبل دينا إلا الإسلام، وبأن عليه أن يحقق منهج الله الممثل في الإسلام, ولا يقبل دونه بديلا؛ ولا يقبل فيه تعديلا: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) [آل عمران: 19].
(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ) [آل عمران: 85].
(وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ) [المائدة: 49].
(اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام: 106].
(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ) [المؤمنون: 71].
(وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ) [المائدة: 48].
الخطبة الثانية:
لم ترد...