الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - أركان الإيمان |
ومن وسائل تقوية الإيمان: صحبة الأخيار, الذين ينفعونك في الدنيا والآخرة, الذين ينصحونك, ويرغبونك في الخير, ويحذرونك من الشر, الذين متى ما رأوا فيك اعوجاجا قوَّموك, ومتى ما رأوا خيرا ثبتوك, فمثل هؤلاء تمسك بهم, وعض عليهم بالنواجذ...
الْخُطبَةُ الْأُولَى:
الْحَمْدُ للهِ نَحْمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: في زمن تكالبت فيه الفتن والشهوات, ورقت فيه الديانات, وانتهكت فيه الحرمات, وضيعت فيه الواجبات؛ يحتاج المسلم إلى تقوية إيمانه ومراقبته؛ خشية الضعف أو الزوال, والعياذ بالله!.
فالإيمان في قلب العبد يضعف, حتى ربما تلاشى؛ كما أخرج الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الإيمانَ ليَخلَقُ في جوفِ أحدِكم؛ كما يَخْلَقُ الثوبُ, فاسأَلوا اللهَ أن يُجدِّدَ الإيمانَ في قلوبِكم"؛ ومعنى "يخلَقُ" أي: يبلى كما يبلى الثوب من كثرة اللبس, فالإيمان من كثرة الفتن يضعف في قلب ابن آدم, ويحتاج إلى صقل وتقوية؛ ليلزم القوة التي كانت فيه أو يزيد.
ولعلنا في هذه الخطبة نمر سريعا على بعض الوسائل التي تقوي الإيمان؛ ليستعين بها العبد على تقوية إيمانه, فأول أمر تقوي به إيمانَك: الدعاء؛ فالأمر بيد الله, يهدي من يشاء ويضل من يشاء, فعلق قلبك بالله, وثق به, واسأله قوة الإيمان, والثبات على الحق حتى الممات, ومع الدعاء فعل السبب, الذي يكون وسيلة لتقوية الإيمان؛ فنبينا -صلى الله عليه وسلم- وهو نبي الأمة -صلوات ربي وسلامه عليه- كان يكثر في دعائه أن يقول: "اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".
ومن وسائل تقوية الإيمان: قراءة القرآن قال -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد: 28], وكما قال -سبحانه-: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)[الزمر: 23].
فكثرة قراءة القرآن مع التدبر تزيد الإيمان, قال -سبحانه-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[الأنفال: 2], وكما أخرج مسلم في صحيحه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنا تاركٌ فِيكم ثَقلينِ: أوَّلهما: كتابُ الله؛ فيه الهُدى والنُور, فخُذوا بكتاب الله، واستمسِكوا به، فحثَّ على كِتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: وأهلُ بَيْتي، أُذكِّركم اللهَ في أهلِ بيتي، أُذكِّركم اللهَ في أهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهلِ بَيتي".
ومن الأسباب المعينة على تقوية الإيمان: قراءة سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة معانيها, وهو طلب العلم الذي تحيا به القلوب, قال -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر: 28], فمن طلب العلم قوي إيمانه وثبت -بإذن الله-.
ومن وسائل تقوية الإيمان: المحافظة على الصلاة المفروضة جماعة في المساجد بخشوع على صفة الصلاة الصحيحة, فهي تقوي إيمان العبد وتقربه من ربه, ويتقوى بإخوانه الذين يراهم في المسجد, ومن هم أحسن منه حالا, فيقتدي بهم, كيف لا تقوي الصلاة الإيمان؛ وهي صلة بين العبد وربه, وخلوة مع الخالق, ومناجاة بين يديه؟!.
ومن وسائل تقوية الإيمان: صحبة الأخيار, الذين ينفعونك في الدنيا والآخرة, الذين ينصحونك, ويرغبونك في الخير, ويحذرونك من الشر, الذين متى ما رأوا فيك اعوجاجا قوَّموك, ومتى ما رأوا خيرا ثبتوك, فمثل هؤلاء تمسك بهم, وعض عليهم بالنواجذ, فما أقلهم في هذا الزمن, قال -تعالى-: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[الزخرف: 67].
ومن الوسائل كذلك: زيارة المقابر, حيث حث عليها النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كما أخرج أبو داود في سننه وغيره من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي قال -صلى الله عليه وسلم-: "كنتُ نهيتُكم عن زيارةِ القبورِ فزوروها؛ فإنها تُذكِّرُكم الآخرةَ".
وكان السلف يتعاهدون المقابر؛ يرققون بها قلوبهم, فبعضهم يزورها كل يوم, وبعضهم كلما قسى قلبه زارها يليِّن قلبه.
اللهم قوي إيماننا, وأذقنا لذة الطاعة يا رب العالمين, وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المؤمنينَ من كلِّ ذَنبٍ، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغَفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشُّكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلى اللهُ عليه وآلِه وصَحْبِه، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا, أما بعد:
فيا أيها الناس: لا يزال الحديث موصولا عن وسائل تقوية الإيمان, فمنها: قراءة سير السلف الصالح, ومعرفة كيف كانوا يتعبدون, ويقضون أوقاتهم في مرضاة ربهم؟؛ فمن قرأها احتقر نفسه, وعرف تقصيره, وشحذ همته, لقد جعل الله لهذه الأمة سلفا صالحا يفخر بهم, ويستضاء بنورهم, ويقتفى أثرهم -رضي الله عنهم ورحمهم-.
ومن الوسائل كذلك: تذكر الموت وسوء الخاتمة وحسنها, فمن علم أنه ميت في أي لحظة أحسن العمل, ومن علم أن ملازمة العمل الصالح تقود إلى حسن الخاتمة؛ ثبت عليها, ومن علم أنه من مات على شيء بعث عليه؛ لزم العمل الصالح, وجعل الآخرة نصب عينيه.
ومن الوسائل كذلك: المداومة على ذكر الله, وتأمل أسماء الله وصفاته, فهي تجعل العبد يراقب الله ويعلم أن الله معه في سره وعلنه؛ فيستحيي من فعل المعاصي التي تضعف إيمانه.
ومنها كذلك: عيادة المرضى؛ ليعرف العبد النعم التي يتقلب فيها, وقد لا يشكرها.
ومنها: التناصح بين الإخوة والتواصي بالحق؛ كما قال -سبحانه-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ)[التوبة: 71].
ومنها كذلك: الإخلاص في العمل, وطلب الثواب, فلا ينتفع العبد بشيء مثل إخلاص العمل لله في الرخاء؛ (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ)[الذاريات: 16].
اللهم قوي إيماننا, وثبتنا على الحق حتى نلقاك.