القدير
كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...
العربية
المؤلف | أحمد شريف النعسان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - السيرة النبوية |
الإِيمَانُ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- يَتَطَلَّبُ من العِبادِ أَنْ يَعْرِفُوا فَضْلَهُ، وَرِفْعَةَ مُسْتَوَاهُ، وَمَا أَسْبَغَ اللهُ -تعالى- عَلَيْهِ من الكَمَالاتِ، وَمَا أَبْدَعَ فِيهِ من المَحَاسِنِ، وَخَصَّهُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ، حَتَّى أَعْلاهُ ذُرْوَةَ الخُلُقِ العَظِيمِ، وَجَمَّلَهُ في أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَأَبْدَعِ تَقْوِيمٍ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فَيَا عِبَادَ اللهِ: وَاجِبٌ على كُلِّ عَاقِلٍ من بَنِي البَشَرِ أَنْ يَتَعَرَّفَ على شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-؛ لِأَنَّ اللهَ -تعالى- أَمَرَ العِبَادَ بالإِيمَانِ بِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ تعالى-: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [التغابن: 8].
يَا عِبَادَ اللهِ: الإِيمَانُ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- يَتَطَلَّبُ من العِبادِ أَنْ يَعْرِفُوا فَضْلَهُ، وَرِفْعَةَ مُسْتَوَاهُ، وَمَا أَسْبَغَ اللهُ -تعالى- عَلَيْهِ من الكَمَالاتِ، وَمَا أَبْدَعَ فِيهِ من المَحَاسِنِ، وَخَصَّهُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ، حَتَّى أَعْلاهُ ذُرْوَةَ الخُلُقِ العَظِيمِ، وَجَمَّلَهُ في أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَأَبْدَعِ تَقْوِيمٍ.
يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَد كَانَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- حَرِيصَاً عَلَيْنَا كُلَّ الحِرْصِ، حَرِيصَاً على سَلامَةِ دِينِنَا، وَحَرِيصَاً على سَلامَةِ دُنْيَانَا، وَحَرِيصَاً على سَلامَةِ آخِرَتِنَا خَاصَّةً.
يَا عِبَادَ اللهِ: إِذَا كُنَّا نَعِيشُ اليَوْمَ في أَزْمَةٍ قَاسِيَةٍ، مَزَّقَتْ قُلُوبَنَا، فَإِنَّ من وَرَائِنَا أَزْمَةً أَشَدُّ مِنْهَا بِكَثِيرٍ، حَيْثُ يَذْهَلُ الإِنْسَانُ فِيهَا عَن الوَالِدِ والوَلَدِ، وَتَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أرْضَعَتْ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا.
روى أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، أَنَّهَا ذَكَرَتِ النَّارَ فَبَكَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "مَا يُبْكِيكِ؟" قَالَتْ: ذَكَرْتُ النَّارَ فَبَكَيْتُ، فَهَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "أَمَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ فَلَا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدَاً، عِنْدَ الْمِيزَانِ، حَتَّى يَعْلَمَ أَيَخِفُّ مِيزَانُهُ أَوْ يَثْقُلُ؛ وَعِنْدَ الْكِتَابِ، حِينَ يُقَالُ: (هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ) [الحاقة: 19]، حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُهُ، أَفِي يَمِينِهِ، أَمْ فِي شِمَالِهِ، أَمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ؛ وَعِنْدَ الصِّرَاطِ، إِذَا وُضِعَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ".
يَا عِبَادَ اللهِ: اعْرِفُوا مَنْ هُوَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، وَعَرِّفُوا الخَلْقَ عَلَيْهِ، لَعَلَّ اللهَ -تعالى- أَنْ يُكْرِمَنَا وَإِيَّاهُم بِصِدْقِ مَحَبَّةِ الرَّؤُوفِ الرَّحِيمِ صَاحِبِ الخُلُقِ العَظِيمِ، الذي أَرْسَلَهُ اللهُ -تعالى- رَحْمَةً للعَالَمِينَ.
اعْرِفُوا مَنْ هُوَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- في أَيَّامِ الأَزَمَاتِ الحَقِيقِيَّةِ، وَخَاصَّةً في أَزْمَةِ أَرْضِ المَحْشَرِ، حَيْثُ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ" [رواه الشيخان عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].
في هذا المَوْقِفِ العَظِيمِ الرَّهِيبِ تَظْهَرُ رَحْمَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- في هَذِهِ الأُمَّةِ، حَيْثُ يَكُونُ شُغْلُهُ الشَّاغِلُ في أَرْضِ المَحْشَرِ أُمَّتَهُ، فَيَنْتَقِلُ من مَكَانٍ إلى مَكَانٍ لِيَشْفَعَ لِأُمَّتِهِ.
روى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: "أَنَا فَاعِلٌ" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ؟ قَالَ: "اطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ" قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ؟ قَالَ: "فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْمِيزَانِ" قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ الْمِيزَانِ؟ قَالَ: "فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْحَوْضِ؛ فَإِنِّي لَا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَ الْـمَوَاطِنَ".
يَا عِبَادَ اللهِ: هَذَا هُوَ حَبِيبُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، وَهَذِهِ هِيَ رَحْمَتُهُ بِأُمَّتِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، فَإِذَا كَانَ رَحِيمَاً بِهِم في عَرَصَاتِ وَأَهْوَالِ يَوْمِ القِيَامَةِ، فَكَيْفَ كَانَتْ رَحْمَتُهُ في حَيَاتِهِ الدُّنْيَا؟ فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ اللهُ -تعالى- عَنْهُ: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة: 128].
يَا عِبَادَ اللهِ: السُّؤَالُ الذي يَجِبُ على كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَطْرَحَهُ على نَفْسِهِ: مَا هُوَ حَظِّي من سَيِّدِي رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- الذي هُوَ أُسْوَتِي وَقُدْوَتِي؟ هَلْ أَنَا رَحِيمٌ بِخَلْقِ اللهِ -تعالى-، أَمْ نُزِعَتِ الرَّحْمَةُ من قَلْبِي لا قَدَّرَ اللهُ -تعالى-؟ هَلْ أَنَا أُعْطي الصُّورَةَ الحَقِيقِيَّةَ عَن إيمَانِي بِهَذَا الحَبِيبِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، أَمْ شَوَّهْتُ بِسُلُوكِي وَأَخْلاقِي صُورَةَ الإِيمَانِ باللهِ -تعالى-، والإِيمَانَ بِرَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، حَتَّى كَادَ النَّاسُ يَنْفُرُونَ من دينِ اللهِ -تعالى- بِسَبَبِي أَنَا؟
اللَّهُمَّ خَلِّقْنَا بِأَخْلاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، آمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.