البحث

عبارات مقترحة:

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

تمادي السفهاء في اتباع الأهواء

العربية

المؤلف عبد الله بن محمد البصري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. توضيح الواضح من أبرز المشكلات .
  2. كمال هذا الدين ووضوحه للناس .
  3. حال أصحاب الزيغ والراسخين في العلم مع الوحي .
  4. من صفات المؤمنين .
  5. النهي عن التفرق وذم الجدل .
  6. زمن الاستهزاء والجدل العقيم .
  7. آثار اتباع الهوى .
  8. أصل السعادة. .

اقتباس

إِنَّ ثَمَّةَ أُمُورًا مَعلُومَةً مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ لا يَسَعُ امرَأً الجَهلُ بها، وَهُنَاكَ قَضَايَا مَحسُومَةٌ لا طَائِلَ مِن إِعَادَةِ بَحثِهَا، وَإِنَّ في المَيدَانِ في هَذِهِ الأَيَّامِ مَعَارِكَ كَلامِيَّةً وَمُجَادَلاتٍ، يُجَابِهُ بها الصِّغَارُ الكِبَارَ، وَيُطَاوِلُ بها الأَقزَامُ الأَعلامَ، وَيَرُدُّ بها أَهلُ الأَهوَاءِ الآيَاتِ البَيِّنَاتِ بِشُبُهَاتٍ وَاهِيَاتٍ، وَيُرَاهِنُونَ عَلَى مَا شَهِدَ الوَاقِعُ فِيهِ بما يَكُفُّ لِسَانَ كُلِّ عَاقِلٍ عَنِ ..

 

 

 

 

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى-كَمَا أَمَرَكُم يُنجِزْ لَكُم مَا وَعَدَكُم (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ)

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ مِنَ الأَزَمَاتِ الَّتي تَمُرُّ بِالأُمَّةِ في بَعضِ عُصُورِهَا أَن يُضطَرَّ نَاصِحُوهَا إِلى تَوضِيحِ الأُمُورِ الوَاضِحَةِ وَيُلجَؤُونَ إِلى تَبيِينِ الأَحكَامِ البَيِّنَةِ، وَمَا ذَاكَ -لَعَمْرُ اللهِ- مِن نَقصٍ في الدِّينِ أَو قُصُورٍ في الشَّرِيعَةِ، أَو لاستِحَالَةِ فَهمِ النُّصُوصِ أَو صُعُوبَةِ إِدرَاكِ دِلالاتِهَا، وَإِنما لِكَونِ ذَلِكَ مُؤَشِّرًا عَلَى أَنَّ في النَّاسِ اتِّبَاعَ هَوًى وَزَيغَ قُلُوبٍ وَمَيلَ فِطَرٍ، وَهِيَ الأَمرَاضُ الَّتي لا عِلاجَ لها إِلاَّ أَن يَمُنَّ اللهُ عَلَيهِم بِالتَّوبَةِ وَيَهدِيَهِم لِلصِّرَاطِ وَيُبَصِّرَهُم بِالحَقِّ.

أَمَّا الدِّينُ فَقَد أَكمَلَهُ اللهُ وَأَتَمَّ بِهِ النِّعمَةَ، وَبَيَّنَهُ رَسُولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَكمَلَ البَيَانِ وَلم يَكتُمْ مِنهُ شَيئًا، قَالَ -سُبحَانَهُ-: (اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلاَمَ دِينًا) وَقَالَ -تَعَالى-: (وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِم) وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لَقَد تَرَكتُكُم عَلَى مِثلِ البَيضَاءِ لَيلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنهَا إِلاَّ هَالِكٌ" وَقَالَ: "إِنَّهُ لَيسَ شَيءٌ يُقَرِّبُكُم إِلى الجَنَّةِ إِلاَّ قَد أَمَرتُكُم بِهِ، وَلَيسَ شَيءٌ يُقَرِّبُكُم إِلى النَّارِ إِلاَّ قَد نَهَيتُكُم عَنهُ".

وَأَمَّا القُرآنُ الكَرِيمُ فَقَد نَزَلَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وَيَسَّرَ اللهُ حِفظَهُ وَفَهمَهُ، قَالَ -تَعَالى-: (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العَالمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبيٍّ مُبِينٍ) وَقَالَ -تَعَالى-: (وَلَقَد يَسَّرنَا القُرآنَ لِلذِّكرِ فَهَل مِن مُدَّكِرٍ).

وَإِنما يُؤتَى الزَّائِغُونَ عَنِ الهُدَى مِن قِبَلِ عُقُولِهِمُ القَاصِرَاتِ وَاتِّبَاعِهِمُ المُتَشَابِهَاتِ، وَهِيَ المَسَائِلُ الَّتي خَصَّ اللهُ نَفسَهُ بِالعِلمِ بِتَأوِيلِهَا، وَوَصَفَ العُلَمَاءَ الرَّاسِخِينَ بِالإِيمَانِ بها، وَأَشَارَ بَعدَ ذِكرِهَا إِلى أَنَّ أَهلَ العُقُولِ التَّامَّةِ إِذَا ذُكِّرُوا يَتَذَكَّرُونَ، قَالَ -سُبحَانَهُ -: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتَابَ مِنهُ آيَاتٌ مُحكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابتِغَاءَ الفِتنَةِ وَابتِغَاءَ تَأوِيلِهِ وَمَا يَعلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ في العِلمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلبَابِ).

إِنَّهُ لَتَصوِيرٌ دَقِيقٌ لِحَالِ الأُمَّةِ مَعَ الوَحيِ المُنزَلِ عَلَيهِم لِهِدَايَتِهِم وَإِخرَاجِهِم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ، فَالسَّطحِيُّونَ الَّذِينَ يَغُرُّهُم الأَخذُ بِقُشُورِ العِلمِ الدُّنيَوِيِّ وَتَخدَعُهُم بُرُوقُ المَعرِفَةِ الأَوَّلِيَّةِ، يَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُم أَدرَكُوا حَقِيقَةَ كُلِّ شَيءٍ وَتَوَصَّلُوا إِلى لُبِّ العِلمِ وَنَالُوا خَالِصَ المَعرِفَةِ، فَيَغتَرُّونَ لِذَلِكَ وَيَتَكَبَّرُونَ، وَيَتَوَهَّمُونَ أَنَّ مَا لم يُدرِكُوهُ فَلا وُجُودَ لَهُ، وَمِن ثَمَّ يُقَابِلُونَ كَلامَ اللهِ -وَهُوَ الحَقُّ المُطلَقُ بِمُقَرَّرَاتِ عُقُولِهِمُ النَّاقِصَةِ المُحدُودَةِ- فَيُكَذِّبُونَهُ وَيَستَنكِرُونَهُ وَيَأخُذُونَ ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ؛ لِيُحَرِّفُوا الكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ، وَلِسَانُ حَالِهِم يَقُولُ سَمِعنَا وَعَصَينَا!.

وَأَمَّا الرَّاسِخُونَ في العِلمِ فَيُؤمِنُونَ بِهِ؛ تَوَاضُعًا لِرَبِّهِم وَتَصدِيقًا، وَاستِسلامًا بِعَجزِ العَقلِ البَشَرِيِّ النَّاقِصِ عَن إِدرَاكِ مَا فَوقَ طَاقَتِهِ مِن حَقَائِقَ، وَأُولَئِكَ الرَّاسِخُونَ وَمَنِ استَنَارَ بِفَهمِهِم، هُم أَصحَابُ العُقُولِ الرَّاجِحَةِ وَأُولُو الأَلبَابِ الزَّاكِيَةِ، يُدرِكُونَ الحَقَّ بِمُجَرَّدِ التَّذكِيرِ بِهِ، لا يَحتَاجُونَ إِلى حَشدِ الأَدِلَّةِ وَلا إِلى تَكرَارِ الشَّوَاهِدَ، وَلا إِلى بَسطِ الرُّدُودِ وَتَطوِيلِ الجِدَالِ، وَلا يَدخُلُونَ في خُصُومَاتٍ وَلا يَشتَدُّونَ في لَجَاجَةٍ، بَل يَكفِيهِمُ التَّذكِيرُ وَلَو بِدَلِيلٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا الحَقُّ المُستَقِرُّ في فِطَرِهِمُ المَوصُولَةِ بِاللهِ يَبرُزُ أَمَامَ بَصَائِرِهِمُ المُستَنِيرَةِ، فَيَتَقَرَّرُ في عُقُولِهِمُ السَّلِيمَةِ، فَلا يَملِكُونَ إِلاَّ أَن يَبتَهِلُوا إِلى رَبِّهِم في خُشُوعٍ وَإِنَابَةٍ، دَاعِينَ مَولاهُم أَن يُثَبِّتَهُم عَلَى الحَقِّ، مُبتَهِلِينَ إِلى خَالِقِهِم أَلاَّ يُزِيغَ قُلُوبَهُم بَعدَ الهُدَى، وَأَن يُسبِغَ عَلَيهِم رَحمَتَهُ وَفَضلَهُ، مُتَذَكِّرِينَ يَومَ الجَمعِ الَّذِي لا رَيبَ فِيهِ وَالمِيعَادَ الَّذِي لا خُلفَ لَهُ: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذ هَدَيتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَومٍ لا رَيبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لاَ يُخلِفُ المِيعَادَ).

وَقَد جَعَلَ اللهُ مِن صِفَاتِ المُؤمِنِينَ المُفلِحِينَ تَسلِيمَهُم بما جَاءَهُم مِن كِتَابٍ وَسُنَّةٍ، وَجَعَلَ ذَلِكَ شَرطًا في الإِيمَانِ، وَأَمَرَ بِرَدِّ مَا حَصَلَ التَّنَازُعُ فِيهِ إِلَيهِ وَإِلى رَسُولِهِ، فَقَالَ -سُبحَانَهُ -: (إِنَّمَا كَانَ قَولَ المُؤمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم أَن يَقُولُوا سَمِعنَا وَأَطَعنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ) وَقَالَ -تَعَالى -: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيمًا) وَقَالَ -جَلَّ وَعَلا -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنَازَعتُم في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلاً).

وَنَهَى -تَعَالى- عَنِ التَّفَرُّقِ وَالاختِلافِ وَذَمَّ الجَدَلَ وَالخُصُومَةَ، فَقَالَ -تَعَالى-: (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاختَلَفُوا مِن بَعدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ)، وَقَالَ -سُبحَانَهُ-: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ)، وَقَالَ –تَعَالى- في الكُفَّارِ المُعَانِدِينَ: (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَل هُم قَومٌ خَصِمُونَ)، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "مَا ضَلَّ قَومٌ بَعدَ هُدًى كَانُوا عَلَيهِ إِلاَّ أُوتُوا الجَدَلَ"، وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "إِنَّ أَبغَضَ الرِّجَالِ إِلى اللهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ ".

يُقَالُ هَذَا الكَلامُ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَنَحنُ في زَمَنٍ استُهزِلَت سِمَانُهُ وَاستُسمِنَ فِيهِ كُلُّ ذِي وَرَمٍ، وَخَاضَ فِيهِ أَهلُ الأَهوَاءِ في مَسَائِلَ قَد كُفُوا أَمرَهَا، وَكَانَ مِن وَاجِبِهِم أَن يَكُفُّوا عَن مُنَاقَشَتِهَا وَالجِدَالِ فِيهَا، لَكِنَّهُم أَبَوا إِلاَّ القَولَ عَلَى اللهِ بِالكَذِبِ وَبما لا يَعلَمُونَ، فَشَغَلُوا الأُمَّةَ عَمَّا هُوَ أَهَمُّ وَأَنفَعُ، وَسَاهَمُوا في تَخَلُّفِهَا وَتَأَخُّرِهَا عَنِ الرَّكبِ وَهُم يَزعُمُونَ زُورًا وَبُهتَانًا أَنَّهُم يُرِيدُونَ لها التَّقَدُّمَ، وَاللهُ يَعلَمُ أَنَّهُم لَكَاذِبُونَ، وَإِلاَّ فَإِنَّ مِن إِرَادَةِ اللهِ الخَيرَ بِالعِبَادِ أَن يَرزُقَهُمُ الفِقهَ في الدِّينِ، وَأَن يُجَنِّبَهُمُ الخَوضَ فِيمَا لا يَعنِيهِم.

إِنَّ ثَمَّةَ أُمُورًا مَعلُومَةً مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ لا يَسَعُ امرَأً الجَهلُ بها، وَهُنَاكَ قَضَايَا مَحسُومَةٌ لا طَائِلَ مِن إِعَادَةِ بَحثِهَا، وَإِنَّ في المَيدَانِ في هَذِهِ الأَيَّامِ مَعَارِكَ كَلامِيَّةً وَمُجَادَلاتٍ، يُجَابِهُ بها الصِّغَارُ الكِبَارَ، وَيُطَاوِلُ بها الأَقزَامُ الأَعلامَ، وَيَرُدُّ بها أَهلُ الأَهوَاءِ الآيَاتِ البَيِّنَاتِ بِشُبُهَاتٍ وَاهِيَاتٍ، وَيُرَاهِنُونَ عَلَى مَا شَهِدَ الوَاقِعُ فِيهِ بما يَكُفُّ لِسَانَ كُلِّ عَاقِلٍ عَنِ القولِ فِيهِ بِغَيرِ مَا جَاءَ بِهِ الشَّرعُ، سُفَهَاءُ حَمقَى مَأفُونُونَ، ذُكِّرُوا فَلَم يَتَذَكَّرُوا، وَبُصِّرُوا فَلَم يَتَبَصَّرُوا، وَمَا زَالُوا يَلُتُّونَ وَيَعجِنُونَ، وَيُشَرِّقُونَ وَيُغَرِّبُونَ، وَيُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ وَلا يَنتَهُونَ (وَلَو أَنَّهُم آمَنُوا واتَّقَوا لمَثُوبَةٌ مِن عِندِ اللهِ خَيرٌ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ) (وَلَو أَنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيرًا لَهُم وَأَشَدَّ تَثبِيتًا).

أَلا فَرَحِمَ اللهُ امرَأً خَافَ رَبَّهُ، وَعَقَلَ أَمرَهُ وَعَمِلَ بِهِ، وَوَقَفَ عِندَ نَهيَهُ وَاجتَنَبَهُ.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (لَقَد أَنزَلنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللهُ يَهدِي مَن يَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ * وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعنَا ثُمَّ يَتَوَلىَّ فَرِيقٌ مِنهُم مِن بَعدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالمُؤمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم إِذَا فَرِيقٌ مِنهُم مُعرِضُونَ * وَإِن يَكُنْ لَهُمُ الحَقُّ يَأتُوا إِلَيهِ مُذعِنِينَ * أَفي قُلُوبِهِم مَرَضٌ أَمِ ارتَابُوا أَم يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللهُ عَلَيهِم وَرَسُولُهُ بَل أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَولَ المُؤمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم أَن يَقُولُوا سَمِعنَا وَأَطَعنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ).

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّ إِسلامَ الوُجُوهِ للهِ أَصلٌ عَظِيمٌ مِن أُصُولِ السَّعَادَةِ وَسَبَبٌ مَوصُولٌ مِن أَسبَابِ النَّجَاةِ، قَالَ -سُبحَانَهُ-: (بَلَى مَن أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ وَهُوَ مُحسِنٌ فَلَهُ أَجرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوفٌ عَلَيهِم وَلاَ هُم يَحزَنُونَ): وَقَالَ -جَلَّ وَعَلا-: (وَمَن أَحسَنُ دِينًا مِمَّن أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ وَهُوَ مُحسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللهُ إِبرَاهِيمَ خَلِيلاً) وَقَالَ -تَعَالى-: (وَمَن يُسلِمْ وَجهَهُ إِلى اللهِ وَهُوَ مُحسِنٌ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقَى وَإِلى اللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ).

إِنَّ المُسلِمَ وَاهِبٌ نَفسَهُ لِرَبِّهِ؛ في عِبَادَاتِهِ وَفي مُعَامَلاتِهِ، وَفي عَادَاتِهِ وَجَمِيعِ شُؤُونِ حَيَاتِهِ، قَالَ -جَلَّ وَعَلا -: (قُلْ إِنَّ صَلاَتي وَنُسُكي وَمَحيَايَ وَمَمَاتي للهِ رَبِّ العَالمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ).

وَإِنَّهُ لا أَضَرَّ بِذَلِكَ الأَصلِ العَظِيمِ وَلا أَفسَدَ لَهُ مِنِ اتِّبَاعِ الهَوَى؛ فَبِهِ الزَّيغُ وَالضَّلالُ (قُلْ إِني نُهِيتُ أَن أَعبُدَ الَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهوَاءَكُم قَد ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ المُهتَدِينَ).

وَبِهِ غَفلَةُ القُلُوبِ وَفَسَادُ الأَمرِ (وَلاَ تُطِعْ مَن أَغفَلنَا قَلبَهُ عَن ذِكرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمرُهُ فُرُطًا).

وَبِهِ الانحِطَاطُ الخُلُقِيُّ وَالتَّخَلُّفُ (وَاتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذِي آتَينَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنهَا فَأَتبَعَهُ الشَّيطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ * وَلَو شِئنَا لَرَفَعنَاهُ بِهَا وَلكِنَّهُ أَخلَدَ إِلى الأرضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلبِ إِن تَحمِلْ عَلَيهِ يَلهَثْ أَو تَترُكْهُ يَلهَثْ).

وَبِهِ الظُّلمُ لِلنَّفسِ وَلِلآخَرِينَ (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهوَاءَهُم بِغَيرِ عِلمٍ) يَزِينُ بِهِ الشَّينُ وَيَجمُلُ بِهِ القَبِيحُ (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهوَاءَهُم).

وَبِهِ الخَتمُ عَلَى الجَوَارِحِ فَلا يُنتَفَعُ بها (أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمعِهِ وَقَلبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهدِيهِ مِن بَعدِ اللهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ).

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَاحذَرُوا الهَوَى ؛ فَإِنَّهُ ضَلالٌ في الدُّنيَا وَعَذَابٌ في الآخِرَةِ (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلنَاكَ خَلِيفَةً في الأَرضِ فَاحكُم بَينَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُم عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَومَ الحِسَابِ).