البحث

عبارات مقترحة:

الغفور

كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

في بيان أن الجزاء من جنس العمل

العربية

المؤلف صالح بن فوزان الفوزان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. الجزاء من جنس العمل .
  2. من آثار الذنوب والمعاصي .
  3. من صور المعاصي المنتشرة .

اقتباس

فالله سبحانه جعل الحياة الطيبة والجزاء الحسن على العمل الصالح، ورتب المعيشة الضنك على الإعراض عن ذكره؛ فالمعرض عنه له من ضنك المعيشة بحسب إعراضه، وإن تنعم في الدنيا بأصناف النعم ففي قلبه من الوحشة والذل والحسرات والعذاب الحاضر ما لا يحصى -فلذلك تجده يلتمس ما يخفف عنه هذه الآلام ولو بتعاطي المسكرات والمخدرات والتلهي بالأغاني والمزامير، والتنقل من بلد إلى بلد، فلا يقر له قرار، ولا يهدأ له بال، ولا يتنعم بعيش ولا تقر عينه بأهل ولا ولد ..

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، يمهل ولا يهمل، ويحلم على العباد ولا يعجل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، حذر من عقوبات المعاصي غاية التحذير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن الجزاء من جنس العمل؛ فالأعمال الصالحة جزاؤها الخير العاجل والآجل، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). وقال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى).

فالله سبحانه جعل الحياة الطيبة والجزاء الحسن على العمل الصالح، ورتب المعيشة الضنك على الإعراض عن ذكره؛ فالمعرض عنه له من ضنك المعيشة بحسب إعراضه، وإن تنعم في الدنيا بأصناف النعم ففي قلبه من الوحشة والذل والحسرات والعذاب الحاضر ما لا يحصى -فلذلك تجده يلتمس ما يخفف عنه هذه الآلام ولو بتعاطي المسكرات والمخدرات والتلهي بالأغاني والمزامير، والتنقل من بلد إلى بلد، فلا يقر له قرار، ولا يهدأ له بال، ولا يتنعم بعيش ولا تقر عينه بأهل ولا ولد، ولا يتلذذ بمال وثروة، وهذه عقوبة عاجلة، والعقوبة الآجلة، إذا لم يتب أشد (لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ).

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ولا تظن أن قوله تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) يختص بيوم المعاد بل هؤلاء في نعيم في دورهم الثلاثة (يعني: في الدنيا والقبر وفي يوم القيامة) وهؤلاء في جحيم في دورهم الثلاثة.

عباد الله: من آثار الذنوب والمعاصي أنها تحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن، قال الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) فكلما أحدث الناس ذنباً أحدث الله لهم عقوبة (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) ولو أذاقهم كل ما عملوا لما ترك على ظهرها من دابة، فمن تأثير المعاصي في الأرض ما يحل بها من الخسف والزلازل ومحق بركتها، وكم تسمعون يا عباد الله من حدوث الزلازل المدمرة والانفجارات المروعة التي تهلك الآلاف من الناس وتشرد الآلاف الآخرين وتتركهم بلا مأوى، ومن تأثير المعاصي في المياه، ما ترون من حبس الأمطار وغور المياه –قال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ).

ومن تأثير المعاصي في المياه أيضاً تسليطها بالفيضانات التي تغرق البلدان والمزارع وتهلك الأنفس والأموال، إما بفيضان الأنهار، أو بإرسال السحاب بالماء الغزير الذي يغرق الأودية أو يرسل البرد الذي يقصف الزروع والمواشي والأنفس –قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ). وكم حدث من أضرار السيول الجارفة وأضرار البرد القاصف في بلادنا وغير بلادنا مما ذهب بكثير من الأنفس والزروع والأموال.

ومن آثار المعاصي في الثمار ما يسلط عليها من الآفات التي تتلفها أو تنقض محاصيلها، ومن آثار المعاصي في الأنفس ما ترون من حدوث الأمراض المستعصية والآفات الغريبة التي عجز الطب عن معرفتها وعلاجها، مع أن الله سبحانه ما أنزل داء إلا وأنزل له دواء –ولكن الناس لما عصوا ربهم حرموا معرفة هذا الدواء عقوبة لهم.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ومن آثار المعاصي أنها تقصر العمر وتمحق بركته، فإنه كما يزيد العمر بالبر، فإنه ينقص بالفجور، وذكر أن العلماء اختلفوا في تفسير ذلك على قولين:

القول الأول: أن المعاصي تنقص العمر بمعنى أنها تذهب بركته.

والقول الثاني: أن المعاصي تنقص العمر أنها تقلل مدته، فكما أن العمر يزيد بأسباب فإنه ينقص العمر بمعنى أنها تقلل مدته، فكما أن العمر يزيد بأسباب فإنه ينقص بأسباب، فإن الله يقضي ما يشاء بأسباب جعلها موجبة لمسبباتها..

فمن العقوبات التي تصيب الأنفس ما يحصل من الحوادث المروعة في وسائل النقل من تحطم الطائرات والقطارات والسيارات وعلى ظهرها الجماعات التي تذهب بأكملها فجأة وقد يبقى منهم على قيد الحياة من يفقد بعض أعضائه أو حواسه.

ومن عقوبات المعاصي: تسليط الجبابرة والظلمة على العصاة والمذنبين فيسومونهم سوء العذاب وينغصون عليهم حياتهم، أو ثورات الحروب والفتن وضياع الأمن والاستقرار، وحدوث المجاعات قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).

عباد الله: ما أكثر الذنوب والمعاصي اليوم في بيوتنا وفي أسواقنا؛ تُرك الواجبات، وفُعلت المحرمات، وظهرت المنكرات.

كثير من البيوت لا يقيم أهله الصلوات الخمس التي هي عمود الإسلام، والفارقة بين الكفر والإيمان، وبعض البيوت يصلي بعض أهله ولا يصلي البعض الآخر. والذي يصلي لا ينكر على الذي لا يصلي. النساء يتبرجن في الأسواق بالزينة والطيب ويخالطن الرجال من غير حياء ولا خوف، بعض الناس يتسامح بترك الرجل الأجنبي مع نسائه بحجة أنه سائق أو مستخدم، والبعض الآخر يترك الفيديو بين نسائه وأولاده بأفلامه الخليعة التي تفسد الأخلاق وتدعو للفاحشة، فيها صور العراة وصور فعل الفواحش، بعض الناس يتساهل مع أهل بيته باستعمال الأشرطة التي فيها أغاني المجون، والعزل، والعشق والغرام، وكل هذه الأمور هدم للأخلاق ودعوة إلى الرذيلة والهبوط. وإذا ما تركنا هذا –إلى تعامل الناس فيما بينهم وجدنا ما يدمي القلوب من الغش والخديعة والمكر والخيانة وأكل الربا والرشوة والقمار، والخيانة في الأمانة.

وهذه الأمور وغيرها مما لا يدخل تحت الحصر متفشية في مجتمعنا، وهي نذير خطر؛ إن لم يتنبه المسلمون لإصلاحها كل على حسب مقدرته ومبلغ طاقته، وإلا فتعداد الذنوب والتلاوم لا يجدي شيئاً، وإذا وقعت العقوبة عمت المعاصي وغيره ممن لا ينكر –أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ).