الشكور
كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
.. فالإنسان عبد ولا بد؛ فإما أن يكون عبداً لله الواحد القهار بامتثال أمره واجتناب نهيه، وفي ذلك عزه وشرفه وسعادته في الدنيا والآخرة، ويكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وإما أن يكون عبداً لغير الله؛ من الشياطين والأهواء والشهوات والنزعات والنزغات والأرباب المتفرقة فيكون مع السفلة والهابطين والكفار والمشركين (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)
الحمد لله رب العالمين، خلق الجن والإنس لعبادته، وأمرهم بتوحيده وطاعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في عبادته كما أنه لا شريك له في ملكه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قام على قدميه في صلاة الليل حتى تفطرتا، وقال: إني أحب أن أكون عبداً شكوراً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى وتفكروا لما خلقكم؟ إنكم خلقتم؛ لتعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً.
والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، وهي بهذا التعريف تشمل كل ما يفعله العبد بجوارحه وكل ما يقوله بلسانه وكل ما ينويه بقلبه مما شرعه الله تقرباً إليه؛ فالصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ذلك عبادة- بدنية ومالية، وذكر الله بالتسبيح والتهليل التكبير والتحميد وسائر الأذكار المشروعة كل ذلك عبادة قولية، واعتقاد القلب ونيته وإخلاصه عبادة قلبية، وإذا صلحت نية العبد أصبحت كل أفعاله عبادة حتى الأمور العادية تنقلب إلى عبادة؛ فالنوم عبادة. إنفاقه على نفسه وعلى زوجته وأولاده إذا نوى به الكفاف والتقوى على عبادة الله يصبح عبادة.
فيجب على المسلم أن يبتغي وجه الله في كل تصرفاته، وفي كل ما يأتي وما يذر؛ لأنه عبد الله، ولأنه فقير إلى الله، وقد أمر الله بذلك نبيه صلى الله عليه وسلم حيث يقول جل وعلا: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام 162: 163]
وبهذا يتضح أنه مطلوب من المسلم أن يصرف كل عباداته لله؛ لأنه رب كل شيء؛ فلا يصرف من عبادته شيئاً لغير الله؛ لا لصنم ولا لرياء ولا سمعة؛ لأن العبادة متى خالطها شيء من الشرك بطلت، قال تعالى: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام : 88] وقال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الزمر: 65]
كما أن المسلم مطالب بحفظ عمله من الشرك فإنه مطالب بحفظ وقته وعمره من الضياع (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 162] وذلك لأن وقت المؤمن ثمين، وعمره غال ومحدود لا تجوز إضاعته فيما لا يفيد.
وإذا نظرنا في واقعنا وواقع الناس وجدنا الكثير لم يرفع بذلك رأساً، وإنما يعيش في هذه الدنيا عيشة البهائم، بل هو أضل سبيلا؛ لأن البهائم أدت مهمتها في الحياة وهذا الإنسان لم يؤد مهمته فيها، ولأن البهائم ليس لها حياة أخرى تحاسب وتجازى فيها كما لهذا الإنسان.
الكثير من بني آدم ترك العبادة نهائياً وعاش في هذه الدنيا إباحياً ملحداً لا يعرف ربه ولا يؤمن بيوم الحساب، والبعض الآخر أتعب نفسه بعبادة تضره ولا تنفعه حيث عبد غير الله (يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) [الحج: 12]
وكثير ممن ينتسب إلى الإسلام اليوم يعيش بين أظهر المسلمين وقد يكون من أبناء المسلمين - يضيع أهم أنواع العبادة بعد الشهادتين وهي الصلاة هي عمود الإسلام؛ فبعضهم لا يصلي أبداً أو يصلي بعض الصلوات ويترك البعض. وهؤلاء لا حظ لهم في الإسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر" والأدلة على ذلك كثيرة.
وبعض منهم يضيع أوقات الصلاة بحيث يصلي الصلاة في غير وقتها كما يؤخر الفجر إلى ما بعد طلوع الشمس أو يجمع الأوقات الخمسة في وقت واحد وقد قال الله تعالى في هؤلاء: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) [المعاون 4: 5] وقال: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلَّا مَنْ تَابَ) [مريم : 59] وتضييع الصلاة والسهو عنها: هو تأخيرها عن وقتها من غير عذر شرعي، وقد توعد الله عليه بالويل والغي إلا من تاب منه.
والبعض من هؤلاء يضيع صلاة الجماعة وهم كثير لا يحرصون مع المسلمين لإقامة الصلوات في المساجد- ولو كانت المساجد إلى جانب بيوتهم وأصوات المؤذنين تدوي في عقر بيوتهم -وما كأنها تعنيهم- ولا كأن داعي الله يناديهم- قد مردوا على النفاق، واستمرؤوا الانشقاق عن الجماعة واستكبروا عن عبادة ربهم في بيوته التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
عباد الله: إن عبادة الله هي أوجب الواجبات وآكد الحقوق؛ فحق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وكل رسول أول ما يطلب ويطالب قومه بعبادة الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل :36] وكل رسول يقول لقومه: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [المؤمنون :23]
وقد وصف الله بالعبادة أكرم خلقه من الملائكة والرسل، وعبادة الله شرف وعز في الدنيا والآخرة، ومن لم يعبد الله صار عبداً للشيطان الذي هو عدوه؛ قال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) [يس :60]
من لم يعبد الله صار عبداً للدنيا والدرهم والأطماع الدنية الرذيلة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة"؛ فالإنسان عبد ولا بد؛ فإما أن يكون عبداً لله الواحد القهار بامتثال أمره واجتناب نهيه، وفي ذلك عزه وشرفه وسعادته في الدنيا والآخرة، ويكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وإما أن يكون عبداً لغير الله من الشياطين والأهواء والشهوات والنزعات والنزغات والأرباب المتفرقة فيكون مع السفلة والهابطين والكفار والمشركين (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً).
فاتقوا الله عباد الله والزموا طاعة الله وعبادته تنالوا كرامته في الدنيا والآخرة، فإنكم حينما تقرؤون قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) تعاهدون الله في كل ركعة من صلواتكم أن لا تعبدوا إلا إياه ولا تستعينوا إلا به، وقد قال الله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) [البقرة :40]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.