الأحد
كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الحكمة وتعليل أفعال الله |
الدين والملة المتبعة مشتقة من الشرع، وهو جعل طريق للسير، وسمي النهج شرعا تسمية بالمصدر، وسميت شريعة الماء الذي يرده الناس شريعة لذلك، أي: أن الناس يريدون إلى الماء ويصدرون عنه ويتطهرون به ويسقون.. والحاصل أن الواقع يشهد لحاجة الخلق إلى نهج يرتفع بهم فوق شهوات الحيوانات ويبعث في نفوسهم راحة الإيمان وطمأنينة البال...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، -صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71]، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد --صلى الله عليه وسلم--، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إكمالا للحديث الماضي قد يتساءل العبد حين يسمع عبارة الإسلام منهج حياة فيقول لماذا هو كذلك؟ لماذا الإسلام منهج حياة؟
والجواب على هذا السؤال من شقين شرعي وعقلي، أما الشق الشرعي فلئن القرآن يأمرنا بذلك ونحن أهل القرآن يأمرنا القرآن به صراحة في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:162]، أي: قل لهم أن عبادتي ليست مقصورة على الصلاة والنذور والذبح وسائر العبادات بل حتى أعمال المحيا التي أتلبس بها في حياتي من سعي ورزق وسلوك وخلق هي كلها خالصة لوجه الله، بل حتى موتي ومماتي أرجو أن يكون مكللا برضوان الله؛ إنها العبادة الكاملة (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56].
إنها مصداق قولنا في كل يوم وليلة أكثر من عشرين مرة، (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة:5]؛ نقولها في خمس صلوات مفروضة نجدد بها العهد مع الله تعالى؛ فلا ننسى أننا نحن عباده نعيش في مملكته ونتنعم بنعمائه وهو ربنا وحبيبنا لا معبود لنا سواه؛ فمنهجنا في الحياة هو ما ارتآه هو لنا لا ما ارتأته لنا أهوائنا وشهواتنا، ولا أوضح من قوله -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي أمامة في صحيح الترغيب: "من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان"؛ فالمنع والعطاء والحب والبغض كله لله، عندما تمنع نفسك أو غيرك من شيء فإن مبدئك في ذلك رضوان الله وعندما تعطي أو تسمح بالعطاء مبدئك في ذلك رضوان الله، وكل شيء في الحياة إنما هو أخذ أو عطاء وبذلك تستبغ الحياة بروح الإسلام وأخلاقه، سبب شرعي أخر في اتخاذ الإسلام منهجا لنا في الحياة قوله تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الجاثية:18].
قال المفسرون الشريعة، أي: الدين والملة المتبعة مشتقة من الشرع، وهو جعل طريق للسير، وسمي النهج شرعا تسمية بالمصدر، وسميت شريعة الماء الذي يرده الناس شريعة لذلك، أي: أن الناس يريدون إلى الماء ويصدرون عنه ويتطهرون به ويسقون ويستسقون، قال: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الجاثية:18]؛ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ القرآن إما شريعة الله وإما أهواء الذين لا يعلمون وما يترك أحد شريعة الله إلا ليحكم الأهواء فكل ما عداها هوى يهفوا إليها الذين لا يعلمون.
قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "فاتبعها أي: الشريعة؛ فإن في إتباعها السعادة الأبدية والصلاح والفلاح ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون أي الذين تكون أهويتهم غير تابعة للعلم ولا ماشية خلفه وهم كل من خالف شريعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بهواه؛ فإنه من أهواء الذين لا يعلمون".
ثم قال تعالى: (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ) [الجاثية:20]؛ فوصف القرآن بأنه بصائر للناس فيه تعميق للهداية والإنارة؛ فهو بذاته بصائر كاشفة ،كما أن البصائر تكشف لأصحابها عن الأمور؛ فالقرآن هدى وهو بذاته رحمة
ولكن هذا التصور كله يتوقف على يقين العبد بالله بلا ريبة ولا شك ويتوقف على إيمانه وثقته بمنهج القرآن فحين يطمئن قلبه لذلك؛ فسيبدو له الطريق واضحا والأفق منيرا والنهج مستقيما.
ومن الأسباب الشرعية في اتخاذ الإسلام منهج حياة، قوله -سبحانه-: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل:89]؛ قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "أنزل في القرآن كل علم وبين لنا فيه كل شيء ولكن علمنا يقصر عما بين لنا في القرآن".
وقال الشافعي -رحمه الله-: "ليست تنزل بأحد في الدين نازلة إلا في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها؛ فإن قيل من الأحكام ما ثبت ابتداء من السنة، أي: بدون قرآن، قلنا ذلك مأخوذ من كتاب الله في الحقيقة؛ لأن كتاب الله أوجب علينا إتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وفرض علينا الأخذ بقوله؛ ففي كتابه أمره تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر: 7].
ففي القرآن أصول علم ومبادئ الأخلاق الفاضلة وطرق التعامل الاجتماعي وفيه المواعظ فيما ينبغي تركه من المعاملات المالية وطرق تزكية النفس وتطهيرها وسبيل الوصول إلى الحقائق فضلا عن العبادات والشرائع؛ فكيف لا يكون القرآن بعد ذلك دستورا ومنهجا للحياة كيف لا وقد قال الله -سبحانه-: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء: 9]؛ أقوم؛ اسم تفضيل مشتق بمعنى أعدل وأصوب لكن أقوم من ماذا؟ (يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، لم يذكر الموصوف أي أن المفضل عليه الموصوف حذف وحذفه أفضل من ذكره لأن في حذفه تعظيما وتفخيما لشأنه أقوم.
وفي حذف الموصوف -أيضا- دلالة على العموم، أي: أن القرآن يهدي لما هو أقوم من كل ملة ومن كل شريعة وأقوم من كل منهج، ولذلك يقول الشيخ السعدي -رحمه الله- في تفسيره للآية: "يخبر تعالى عن شرف القرآن وجلالته وأنه يهدي للتي هي أقوم أي أعدل وأعلى من الأعمال والأخلاق فمن اهتدى بما يدعو إليه القرآن كان أكمل الناس وأقومهم وأهداهم في جميع أموره".
وقال البيضوي: أي: "يهدي إلى أقوم الحالات أو الطرق"، وقد قدره بعض العلماء بما يقرب من هذا الشمول فقالوا: "يهدي إلى الحال التي هي أقوم لتشمل المجتمع وحال الأسرة وحال الإنسانية وكل حال هي خيرا للإنسان في عاجلته وآخرته ومعاشه ومعاده".
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه..
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما بعد:
فقد تناولنا جانب من الأسباب الشرعية في كون الإسلام هو منهج الحياة الأرشد والأقوم والأكرم ودللنا على ذلك من القرآن والسنة هذا شأن الأسباب الشرعية؛ فماذا عن الأسباب العقلية الواقعية؟
معاشر المسلمين: من الأسباب العقلية واقع العصر؛ فنحن نرى في الحضارة الشرقية والغربية من الفساد الأخلاقي الرهيب والحياة الكئيبة المغلفة ببهرجة المظاهر ما لا يغيب عن بال، لكن بسبب نزعة معظم الناس للمظاهر قل الالتفات والانتباه للسعادة الحقيقة وانشغل الناس بالمظاهر بشكل مخيف وافتتنوا بها ونسوا السعادة الحقيقة، السعادة التي من أبرز معالمها راحة البال والطمأنينة والرضا والأمن النفسي.
تأملوا في واقعهم الذي يغيب خلف المظاهر؛ فحسب إحصاءات مكتب العمل في للولايات المتحدة الأمريكية للعام 2011 هناك عدد 552 ألف مصحة نفسي مستقل وليس ضمن مستشفى عام أكثر من نصف مليون مصحة نفسي والطلب في تزايد مستمر ألا تدل هذه المصحات النفسية الكثيرة على القلق والخوف والضياع.
في بريطانيا بحسب صحيفة الجاردين عدد 65 ألف طفل تحت سن الحادية عشر دخلوا مصحات نفسية حتى نهاية العام 2016 فقط.!! هؤلاء أطفالهم الصغار، دع عنك الكبار.
في أمستردام هولندا بالرغم من ارتفاع دخل الفرد بشكل كبير يُعرض الجنس في دكاكين مفتوحة سواء كان العارض امرأة أو رجل مثلي نسأل الله السلامة والعافية؛ فما نفع الدخل العالي في لملمة العوز حتى اضطروا بسببه لبيع شرفهم.
وفي اليابان بلد الصناعات العجيبة يغرق معظم اليابانيون في الخمر نهاية الأسبوع كي يغيبوا في عالم آخر وينسوا الهموم والشقاء والجهد الجهيد الذي بذلوه وسوف يعدوا لبذله من جديد طوال الأسبوع.
الحاصل أن الواقع يشهد لحاجة الخلق إلى نهج يرتفع بهم فوق شهوات الحيوانات ويبعث في نفوسهم راحة الإيمان وطمأنينة البال.
الأمر الثاني: الظلم فالأرض تطفح بالظلم حتى دب اليأس في الملايين، وليس مثل الإسلام منهجا يدحر الظلم ويمحو الباطل ويحق الحق.
الأمر الثالث: الاقتصاد العالمي المتذبذب والمتدهور بسبب الربا والبيوع المحرمة الأخرى؛ فلا منافس لطهارة النظام المالي الإسلامي الذي لو طبق عالميا لأنقذ الناس من الجشع والطمع ولعاد للاقتصاد صحته وعافيته بإذن الله.
أيها الأخوة: لعل في ذكر ما تقدم من أسباب شرعية وعقلية لجعل الإسلام منهجا للحياة جوابا على السؤال الذي طُرح أول الكلام.
أسأل الله تعالى أن يثبت قلوبنا على دينه..