الرءوف
كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...
العربية
المؤلف | الشيخ د عبدالرحمن السديس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - المنجيات |
هيهاتَ هيهاتَ! أن تنتظِمَ شُؤون الأُمَم، وتسلُك السبيلَ الأَمَم إلا برُؤًى فكريَّةٍ وحضاريَّةٍ تلتزِمُها في كافَّة مجالاتها وميادينها، وتُربِّي النشءَ وتبنِي الأجيالَ عليها. وحينئذٍ ترتقِي الأُمةُ علياءَ عزِّها، ومدارَات مجدِها، وتقطعُ على أعدائِها نُهَزَّ كيدِها، لتفريقِ شَملِها، وإفساد وُدِّها، وتسُدُّ الكُوَى أمامَ الكذَبَة الأفَّاكين ممن يُرهِقُون المُجتمعَ عُرَرًا، ويجعَلونَه نهبًا وغرَضًا. فيا شبابَ الأمةِ وعِمادَ حياتها .. قلوبَها النابِضة .. عقولَها المُتلألِئة .. بُناةَ الحضارة .. صُنَّاع الأمجاد .. ثمرات الفُؤاد .. فلَذَات الأكباد! اللهَ اللهَ! تمسَّكُوا بقِيَم الدين، ومنهج أسلافِنا الصالِحين، وتفاعَلُوا إيجابيًّا مع مُبادرَات الخير والتنمية...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله الذي لم يُستفتَح بأفضَل من حمدِه كلام، ولم يُستنجَح بأحسنَ من صُنعه مرام.
الحمدُ لله حمدًا تمَّ واجبُه | ونشكرُ اللهَ شُكرًا مثلَما يجبُ |
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بوَّأ المُبادِرين للخير مقامًا سنيًّا، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه الداعِي إلى الفضائل والخيرات بُكرةً وعشيًّا، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آله وصحبِه السابِقين للمكرُمات خيرًا جنيًّا، المُتبوِّئين في الزُّلفَى مكانًا عليًّا، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، واعلَموا أن تقوَاه -تبارك وتعالى- هي السِّراجُ الهادي لمن رامَ الهدى والنجاة، والفائزُ وحدَه من اتَّقى اللهَ مولاه، (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور: 52].
معاشر المسلمين:
من أطلقَ بُنيَّات أفكاره، وتمعَّن بعينِ بصيرتِه وإبصارِه، وأنعمَ النظرَ في أصول شريعتنا الغرَّاء، توسَّم من غير مشقَّةٍ وعناءٍ أنها دأَبَت على تزكية المُسلم والسُّمُوِّ به إلى أعلى المراتِب، بأسنَى الشِّيَم والمناقِب؛ ليُحقِّق السُّؤدَد والازدِهار، والآمال الكِبار.
وذلك من خلال الحثِّ على فعلِ الخيرات، والمُسارعة إلى اكتِسابِ المكرُمات، والدلالةِ عليها بالرُّؤى والمُبادرَات، وجعل ذلك لأهل الإيمان ميزةً وخصيصةً، قال - سبحانه -: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون: 61].
أأُخَيَّ إن المرءَ حيثُ فِعالُه | فتولَّ أحسنَ ما يكونُ فِعالاً |
فإذا تحامَى الناسُ أن يتحمَّلُوا | للعارِفاتِ فكُن لها حمَّالاً |
أمة الإسلام:
لقد جاءت شريعةُ الإسلام بتدبيجِ هذه الخَصيصة السنيَّة، وتتويجها وإعلاء صَرحها؛ فكم مدحَت السابِق، وقدَّمتها على الدابِق، (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) [الواقعة: 10، 11].
فيا لله! كم في المُبادرَة والمُسارَعة من ثناءٍ عاطِر، وتحضيضٍ ماطِر؟! وكم مدحَ القرآنُ الكريمُ الإسراعَ في الخيرات والسبقَ إليها؟! يقولُ تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) [البقرة: 148].
أمة الإيمان:
ومن آلَق الرُّؤَى وأسناها، وأشرفِ المُبادَرات وأجلاها: ما كان من خير البريَّة فخارًا ومجدًا، وأزكاها صدَرًا ووِردًا؛ فمنها: ما رواه الشيخان في "صحيحيهما" من حديث أنسِ بن مالكٍ - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسنَ الناس، وأجودَ الناس، وأشجعَ الناس. ولقد فزِعَ أهلُ المدينة ذاتَ ليلةٍ، فانطلَقَ الناسُ قِبَلَ الصوت، فاستقبلَهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سبقَ الناسَ إلى الصوتِ وهو يقول: «لن تُراعُوا، لن تُراعُوا»، وهو على فرسٍ لأبي طلحةَ عُرْيٍ - ما عليه سَرْج -، في عُنقه سيف.
فقال - رضي الله عنه -: "لقد وجدتُّه بحرًا أو إنه لبحرٌ" بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم -.
ولقد بوَّب الإمام البخاريُّ - رحمه الله - لهذا الحديث بقوله: "بابُ مُبادرَة الإمام عند الفزَع". فمُبادرَةُ الإمام سُنَّةٌ سنَّها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -.
حاوِل جسيماتِ الأمورِ ولا تقُل:
إن المحامِدَ والعُلا أرزاقُ | |
وارغَب بنفسِك أن تكون مُقصِّرًا | عن غايةٍ فيها الطِّلابُ سِباقُ |
ولقد نهَلَ الصحابةُ - رضي الله عنهم - من هذا المشرَع الروِيِّ، وقطَفُوا من جناهُ الشهِيِّ. حتى قال أبو هريرة - رضي الله عنه - عن أصحابِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وكانوا أحرصَ شيءٍ على الخير".
ومن في الناسِ مثلُ أبي بكرٍ في مُبادراته وعطاءاتِه؟! وقد خرجَ من مالِه مرتين، وأنفذَ جيشَ أُسامة، وحاربَ جيشَ الرِّدَّة.
وأنَّى يُدرَكُ الفاروقُ عُمر، وقد فرَّ منه الشيطان؟! ومن يلحَق بذي النورَين عُثمان، وقد نسخَ صحائِفَ القرآن؟! وعليٍّ ذي السُّؤدَد العليِّ، والشرفِ الجلِيِّ، وكان من السابِقين الأولين.
وكم من عِذقٍ رَداح في الجنةِ لأبي الدَّحداح؟!
الله أكبر!
لا يألَفُ المجدَ إلا السادةُ النُّجَبَا | ولا المعالِي إلا من لها انتُخِبَا |
قال الإمام أبو الوفاء بن عقيلٍ - رحمه الله -: "لن يخيبَ عن درَكِ البُغيَة من صدقَ نفسَه الطلب، وبلغَ جِدَّه في الاجتِهاد لدَرَك المطلَب، ثم فزِعَ إلى الله - سبحانه - فيما وراءَ جُهدِه، طالِبًا للإعانةِ على درَكِ الإصابة في قصدِه، بحُسن التوفيقِ والهداية، واثِقًا بقوله - سبحانه -: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) [العنكبوت: 69]".
فطُوبَى ثم طُوبَى لمن كان مِفتاحًا للخير مِغلاقًا للشرِّ، والويلُ كل الويلِ لمن كان داعِيةَ فتنةٍ، مِفتاحًا للشرِّ مِغلاقًا للشرِّ.
إخوة الإسلام:
يُساقُ ذلك كلُّه في زمنٍ كثُر فيه قراصِنةُ العقول، ومُروِّجُو الإرهاب الفِكريِّ من خلالِ بعضِ القنواتِ الفضائِيَّة والشبكَات المعلُوماتيَّة؛ لابتِزاز عقولِ الناسِ في مآرِب أدناس، وانخدعَ الأغمارُ بها على غيرِ قياسٍ، ظنًّا منهم أنهم من أهل الورَعِ والقِسطاس.
والمُسلمُ الحَصيفُ الأحوَذِيُّ ينشُزُ بنفسِه عن تلك السَّفاسِفِ والأغالِيط التي لا تتقحَّمُ إلا عقولَ الدَّهماء والرَّعاع، ولا تتَّطِنُ إلا النفوسَ العقيمة والأرواحَ السَّقيمة.
ألا ما أجملَ أن ينشغِلَ أبناءُ الأمة وشبابُها بما فيه صلاحُ أنفسهم وأوطانهم، من خلال تبنِّي الرُّؤى والمُبادرَات التي تكون مدرجةً متينةً لتأصيلِ الوعيِ المُزدهِر في الأمة، والفِكرِ البصير الناقِد، والرأيِ المُحنَّك الراجِح، وتُسهِمَ في تقدُّم الأوطان والمُجتمعات، في تغييرٍ إيجابيٍّ يتمثَّلُ قولَ الحقِّ - تبارك وتعالى -: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].
حيُّوا الشبابَ الحُرَّ يُحيِيه الأمل | قد لوَّنَ التأريخَ فخرًا بالعمل |
هم يصنَعون غدًا بروحِ فريقِهِ | هم يبعَثُون حياةَ فخرٍ مُكتمَل |
واليوم هيهاتَ هيهاتَ! أن تنتظِمَ شُؤون الأُمَم، وتسلُك السبيلَ الأَمَم إلا برُؤًى فكريَّةٍ وحضاريَّةٍ تلتزِمُها في كافَّة مجالاتها وميادينها، وتُربِّي النشءَ وتبنِي الأجيالَ عليها. وحينئذٍ ترتقِي الأُمةُ علياءَ عزِّها، ومدارَات مجدِها، وتقطعُ على أعدائِها نُهَزَّ كيدِها، لتفريقِ شَملِها، وإفساد وُدِّها، وتسُدُّ الكُوَى أمامَ الكذَبَة الأفَّاكين ممن يُرهِقُون المُجتمعَ عُرَرًا، ويجعَلونَه نهبًا وغرَضًا.
فيا شبابَ الأمةِ وعِمادَ حياتها .. قلوبَها النابِضة .. عقولَها المُتلألِئة .. بُناةَ الحضارة .. صُنَّاع الأمجاد .. ثمرات الفُؤاد .. فلَذَات الأكباد! اللهَ اللهَ! تمسَّكُوا بقِيَم الدين، ومنهج أسلافِنا الصالِحين، وتفاعَلُوا إيجابيًّا مع مُبادرَات الخير والتنمية.
وإن أمَّتَكم الإسلاميَّة لفي لهَفٍ إلى وثبَتكم الرَّشيدة، لإقالتها من هذه الوِهادِ الشديدة. خاصَّةً بعدما اعتادَ الصهاينةُ المُجرِمون المُعتَدون رفعَ عقيرتهم في انتِهاك حُرمةِ المسجِد الأقصَى المُبارَك، وتدنيسِ أكنافِ بيتِ المقدِس، واستِفزازِ مشاعِرِ المُسلمين.
وجُنَّ جُنونُ طاغِية الشام، ولم يكتَفِ بقتلِ الأطفال والنساء، حتى هدمَ عليهم المدارسَ والمشافِي، ودمَّر مُستودعَات الأدوية في حلب الصامِدة.
الهمُّ حلَّ ودمعُ العين مُنسكِبُ | على ديارٍ بها النيرانُ تلتهِبُ |
بها يُبادُ على الأشهادِ إخوتُنا | بلا حياءٍ لكِ الرحمنُ يا حلَبُ |
فالله المُنتقِمُ طلِيبُه، والديَّانُ حسيبُه. عاملَه الله بما يستحقُّ جزاءَ بغيِه وطُغيانه، وتمرُّده وعُدوانه. فاللهم عليك بأهل الظُّلم والطُّغيان والعِناد كما أخذتَ قومَ نوحٍ وعادٍ وفرعون ذي الأوتاد.
وإزاءَ تلك العواظِم القواصِم، والويلات الحواطِم تتوهَّجُ في الأفئِدة أقباسُ الغضب والحمِيَّة، التي قد تخرُجُ ببعضِ الشبابِ عن هديِ الوحيَين الشريفين. وإن العزَّة المنشُودة المرُومة، الزاكِية الأصول والأرُومة، التي تكون وفقَ ضوابِط الدين ورُسُوخ اليقين، وتتبنَّى البناءَ والتعمير، البناءَ الفكريَّ والعقديَّ، والتعميرَ العُمرانيَّ والحضاريَّ.
ولا تلتفِتُوا إلى المُزايِدين والمُغرِضين، ولا الانتِهازيِّين المُساوِمين، ولا المُحرِّضين والمُتشنِّجين، بلْهَ الحاسِدين الحاقِدين.
استثمِرِ الخيرَ في دُنياكَ واجتَهِدِ | ولا تُبالِ بداعِي الشرِّ والحسَدِ |
الخيرُ يبنِي بيوتَ العزِّ من شرَفٍ | والشرُّ يهدِمُ ما نبنِيهِ من عمَدِ |
وليعلَم أربابُ الطُّموحات والمُبادرَات أن هناك قعَدَةً مُحبِطين، ويائِسِين قانِطين، مُعوِّقين مُثبِّطين، أعداءَ التميُّز والإبداع، يغتالُون كلَّ مُبادرَةٍ، ويقطَعون الطريقَ على كل واثِقٍ ناجحٍ طَمُوح. ألا فلا يلتفِتُوا إلى بُنيَّات الطريق، وليبذُلُوا الهمَّة ليبلُغُوا القمَّة، مُستعينين بالله تعالى، مُتوكِّلين عليه؛ ليُحقِّقُوا خيرَي الدنيا والآخرة.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة: 148].
باركَ الله لي ولكم في الوحيَين، ونفَعني وإياكم بهديِ سيِّد الثَّقَلَين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائر المُسلمين والمُسلمات من كل الذنوبِ والخطيئاتِ، فاستغفِرُوه ثم توبوا إليه، إن ربي رحيمٌ وَدود.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حثَّنا على التنافُسِ ابتِدارًا واستِباقًا شريفًا، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه كان البرُّ له لزِيمًا أليفًا، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم يُبعَثُ الناسُ لَفيفًا.
أما بعد:
فاتَّقوا الله - عباد الله -، واسعَوا لكل صلاحٍ وإعمارٍ تُدرِكوا - بإذن الله - أسمَى المنازِل والأقدار، ومن العُلَى كلَّ فَخَار.
أمةَ الرُّؤَى والمُبادرات:
في الوقتِ الذي يمُوجُ فيه العالَمُ بالاضطِراباتِ والتحوُّلات، وتعصِفُ به المخاوِفُ والتحديَّات، تنبلِجُ في الآفاقِ رُؤًى ومُبادرَاتٌ مُوفَّقة من هذه البلاد المُبارَكة، ومن أجدَرُ من بلاد الحرمين الشريفين بالرُّؤَى الصائِبَة والمُبادرات الثاقِبَة؟!
فقد قدَّمت مُبادراتٍ تأريخيَّةً مُوفَّقة في مُختلِفِ قضايا الأمة الإسلامية، بما يُحقِّقُ وحدةَ الصفِّ واجتِماعَ الكلمة. يأتي في الطَّليعَة منها: "عاصفة الحَزم"، و"رعد الشمال"، و"التحالُف الإسلاميُّ العسكريُّ".
وقد توَّجَتها برُؤيةٍ مُبارَكة، اقتِصاديَّةٍ وثقافيَّةٍ وحضاريَّةٍ عِملاقة، مبنيَّةٍ على التوحيد والعقيدة الصافِية، والمُنطلَقات والثوابِت الشرعية الوافِية، فهي المُرتكَزُ الأساسُ والاستِثمارُ الأمثَل، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف: 96].
وتحكيمِ الكتاب والسنَّة، وإعزازِ شعيرَة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) [الحج: 41].
وهذه الرؤيةُ الاستِثنائيَّة تنبلِجُ منها تباشِيرُ الآمال العريضة، والإيجابيات الشامِخة الوَطيدَة، وتُجدِّدُ الثقةَ لأبناءِ الأمة في مُقوِّماتها وطُموحاتها ومُنجَزاتها. كما أنها تُعمِّقُ المكانةَ التأريخية والاستِراتيجيَّة لبلادِ الحرمين الشريفين، ولم تُغفِل العُمقَ العربيَّ والإسلاميَّ، وما يصحَبُ ذلك من برامِج نافِعة في خدمةِ الحُجَّاج والمُعتمِرين والزائِرين، مما يعودُ أثرُه على أبناءِ الأمة الإسلامية في مشارِقِ الأرضِ ومغارِبِها.
إنها مُبادرةُ قيادة، وتطلُّعات شعبٍ، ووَثبَةُ وطن، وأملُ أمة، ورسالةُ عالَم، وسِجِلُّ تأريخ. وبهذه الرؤية والمُبادرَة التأريخيَّة الكريمة الأثر، الساطِعة الحُجُولِ والغُرَر، سندلُفُ - بإذن الله - إلى رُبَى النبُوغ والكمال، ومُقوِّمات السُّؤدَد والجلال، وإبَّانَ ذلك قُل يا مُحبّ وأنت على وثوقٍ وأيْد: سيتحقَّقُ لأمَّتنا الشهود الحضاريُّ العالَميُّ، والسبقُ في كل أُفقٍ علميٍّ ومعرفيٍّ، وما ذلك على الله بعزيز.
ألا وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على النبيِّ المُصطفى، والرسولِ المُجتبَى، كما أمرَكم بذلك ربُّكم - جل وعلا -، فقال تعالى قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
اللهم صلِّ عليه بعدِّ الرملِ مُتَّسِقًا | وعدِّ نبتِ الثَّرَى والوابِلِ السَّجِمِ |
عليه أزكَى صلاةٍ دائمًا أبدًا | والآلِ والصحبِ في بدءٍ ومُختَتمِ |
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأدِم الأمنَ والاستِقرارَ في ديارِنا، اللهم أيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه ونائبَيه وأعوانَهم إلى ما فيه صلاحُ البلاد والعباد يا مَن له الدنيا والآخرة وإليه المعاد.
اللهم كُن لإخواننا المُستضعَفين في دينهم في كل مكان، اللهم كُن لهم يا ذا الجلال والإكرام، إلهَنا .. إلهَنا .. عظُم الخَطبُ، واشتدَّ الكربُ، وتفاقَمَ الأمرُ على إخوانِنا في بلاد الشام، إلهَنا .. اللهم إنهم مظلُومون فانصُرهم، اللهم إنهم مظلُومون فانصُرهم، اللهم إنهم مظلُومون فانصُرهم، يا ناصرَ المُستضعَفين، ويا وليَّ المُؤمنين.
إلهَنا .. غرَّ طاغيةَ الشام حلمُك وإمهالُك، فاستحرَّ في عبادِك قتلاً وظُلمًا وعُدوانًا وطُغيانًا وإرهابًا، اللهم أرِنا بهم وبزُمرتهم عجائبَ قُدرتك، وشديدَ بطشِك، وأليمَ أخذِك يا عزيزُ يا مُقتدِر، اللهم هيِّئ له يدًا من القوةِ قاصِمة، ومن الحقِّ حاطِمة، تنتقِمُ بها لشيوخٍ رُكَّع، وأطفالٍ رُضَّع، ونساءٍ ثُكالَى وأيامَى، وأطفالٍ يتامَى، اللهم أقِرَّ أعيُن المُؤمنين بهلاكٍ عاجلٍ للطُّغاة والظالمين يا رب العالمين.
اللهم أدِمِ الأمنَ والاستِقرارَ في بلادِنا وفي بلادِ المُسلمين، اللهم أدِم على هذه البلاد عقيدتَها وقيادتَها وأمنَها ووحدتَها واستِقرارَها، اللهم وفِّق رجالَ أمننا، واجزِهم خيرًا على ما قدَّمُوا من نجاحاتٍ أمنيَّةٍ مُبارَكة، وضرباتٍ استِباقيَّةٍ مُميَّزة، وجهادٍ وجهودٍ مُخلِصة، ومُداهماتٍ مُسدَّدة لأوكار الخوارِج المارِقين، والإرهابيين الغادِرين.
اللهم اشفِ مرضاهم، وعافِ جرحاهم، وتقبَّل شُهداءَهم.
اللهم كُن لإخواننا المُرابِطين من جُنودِنا على ثُغور حُدودِنا، اللهم عجِّل بنصرِهم يا قوي يا عزيز.
اللهم كُن لإخواننا في فلسطين، اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصَى من الصهاينة المُعتَدين، اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصَى من الصهاينة المُعتَدين، اللهم اجعَله شامِخًا عزيزًا إلى يوم الدين.
اللهم انصُر إخواننا في العراق، اللهم أصلِح أحوالَهم وأحوالَ إخواننا في اليمن، وفي ليبيا، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
سُبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله رب العالمين.