التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
لا شك -أيّها الإخوة- أن دور الشباب في الحياة دور مهم، فهم إذا صلحوا ينهضون بأمتهم، ويقومون بنشر دينهم، والدعوة إليه؛ لأن الله أعطاهم من القوة البدنية، والقوة الفكرية ما يفوقون به على كبار السن، وإن كان كبار السن يفضلونهم بالسبق والتجارب والخبرة، إلا أن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلّ له، ومَن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيّها الناس: اتقوا الله، وليتذكر كلٌّ منكم مسؤوليته عن الإسلام والمسلمين.
وسيكون حديثي معكم عن دور الشباب نحو هذه المسؤولية، وواجبكم في توجيههم للقيام بها.
ولا شك -أيّها الإخوة- أن دور الشباب في الحياة دور مهم، فهم إذا صلحوا ينهضون بأمتهم، ويقومون بنشر دينهم، والدعوة إليه؛ لأن الله أعطاهم من القوة البدنية، والقوة الفكرية ما يفوقون به على كبار السن.
وإن كان كبار السن يفضلونهم بالسبق والتجارب والخبرة.
إلا أن ضعف أجسامهم في الغالب وضعف قواهم لا يمكِّنهم مما يقوم به الشباب الأقوياء.
ومن هنا كان دور شباب الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- الدور العظيم في نشر هذا الدين، تفقهاً في دين الله، وجهاداً في سبيله، من أمثال عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت، وغيرهم من شباب الصحابة الذين نهلوا من العلم النافع، وحفظوا لهذه الأمة ميراث نبيها -صلى الله عليه وسلم- وبلغوه.
وإلى جانبهم القادة، كخالد بن الوليد، والمثنى بن حارثة الشيباني، وغيرهم.
كلهم أمة واحدة، قاموا بأعباء واجبهم، فأدّوا دوراً كبيراً تجاه دينهم وأمتهم ومجتمعهم، لا تزال آثاره باقية إلى اليوم، وستبقى -بإذن الله- ما بقي الإسلام؛ وشباب هذا الوقت هم من ورثة أولئك إذا ما أحسنوا لأنفسهم، وعرفوا مكانتهم، وتحمّلوا أمانتهم.
فهم ورثة أولئك الشباب الأقدمين.
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من السبعة الذين يظلّهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلا ظلّه: "شاباً نشأ في عبادة الله".
والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يولي جانباً من توجيهاته إلى الشباب، فيقول صلى الله عليه وسلم لابن عباس: "يا غلام إني أُعلّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله".
ويقول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل، وهو رديفه على حمار: "يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟" إلى آخر الحديث.
ويقول صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة ربيبه، وهو طفل صغير لما أراد أن يأكل مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وجالت يده في الصحفة، أمسك النبي -صلى الله عليه وسلم- بيده، وقال: "يا غلام! سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك".
فهذه توجيهات من النبي -صلى الله عليه وسلم- يوجِّهها لطفل ليغرس في قلبه هذه الآداب العظيمة.
وهذا مما يدل على أهمية توجيه الشباب نحو الخير، ومسؤولية الكبار نحوهم.
وديننا الإسلامي اهتم بتنشئة الشباب اهتماماً بالغاً؛ لأنهم هم الرجال في المستقبل وهم الذين سيخلفون آباءهم ويرثونهم، ويقومون بدورهم في الحياة.
فمن توجيهات الإسلام إلى العناية بالشباب:
أولاً: اختيار الزوجة الصالحة التي هي موضع الحرث الذي ينبت فيه الأولاد، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- حثّنا على اختيار الزوجة الصالحة، وقال صلى الله عليه وسلم: "اظفر بذات الدين تَربَت يداك".
لأن الزوجة الصالحة إذا رزق الله الزوج منها أولاداً، فإنها توجههم وتقوم بدورها نحوهم من طفولتهم.
هذا من توجيهات الإسلام نحو الشباب.
ثانياً: ومن توجيهات الإسلام نحو المولود أول ما يولد: أن يختار والده الاسم الحسن؛ لأن الاسم الحسن له معنى، وله مدلول.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- حثّ على أن يختار الأب لولده اسماً حسناً، وأن يبتعد عن الأسماء المكروهة، أو الأسماء التي تدل أو تشتمل على معانٍ غير لائقة.
ثالثاً: ومن توجيهات الإسلام نحو الشباب: أن وجّه آباءهم إلى أن يعقوا عنهم، أي: يذبحوا عنهم العقيقة؛ لأنها سنّة مؤكدة، ولها تأثير طيب على الطفل، وهي ليست لمجرد تحصيل اللحم والفرح.
وهذا مما يدل على عناية الإسلام بالشباب أول نشأتهم.
رابعاً: ومن عناية الإسلام بالشباب: الاهتمام بتربيتهم إذا بلغوا سن التمييز، وصار عندهم الإدراك، فحينئذ يُبْدأ بتوجيههم إلى الدين.
يقول صلى الله عليه وسلم: "مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرِّقوا بينهم في المضاجع".
وهذا مما يدل على أن الإسلام يهتم بالشباب، ويتطور معهم في التوجيه من سن إلى أخرى حسب استطاعتهم ومداركهم.
كذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجّسانه".
فالمولود يولد على الفطرة، وهذه الفطرة إذا ما حافظ عليها أبواه ووجّهاها إلى الخير اتجهت نحو الخير؛ لأنها تربة صالحة.
أما إذا انحرف الأبوان في تربية الطفل، فإن فطرته تفسد وتنحرف بحسب تربية الوالد، فإن كان الوالد يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً، نشأ الطفل على هذه الديانة الخبيثة، وفسدت فطرته.
أما إذ كان أبوه مسلماً صالحاً، فإنه يحافظ على هذه الفطرة التي أودعها الله في هذا الطفل وينمِّيها ويزكِّيها ويتعاهدها.
خامساً: ومما يدل على الاهتمام بأمر الشباب من سن مبكرة: أن الله -تعالى- أمر الولد حينما يدرك الكبر والداه، أو أحدهما: أن يحسن إليهما، أو إلى الموجود منهما، وأن يتذكر تربيتهما له يوم أن كان صغيراً: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 23 - 24].
وموضع الشاهد من الآيتين هو: قوله تعالى: (كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).
فتربية الوالدين لولدهما نعمة وإحسان إليه يجب أن يكافئ عليها والديه.
وليس المراد بالتربية الجسمية فقط التي هي عبارة عن توفير الطعام والشراب، هذه تربية بهيمية إن اقتصر عليها.
لكن الأهم من ذلك التربية المعنوية التي هي المحافظة على فطرته السليمة، وتوجيهها إلى الخير، وغرس الخير في نفسه وتنشئته على الخير.
هذه هي التربية المفيدة التي تبقى آثارها على المولود، وتنمو معه وتصاحبه.
أما التربية الجسمية فقط، فهذه أقرب إلى إفساده منها إلى إصلاحه؛ لأن الطفل إذا أغدق عليه الطعام والشراب والشهوات، وأهمل جانب التربية الصحيحة، فإن ذلك مما يدعوه إلى أن ينشأ نشأة بهيمية.
أما إذا ربّي التربيتين: التربية الجسمية؛ لأن التربية الجسمية لا بدّ منها في حدود المعقول، وفي حدود المشروع، من غير إسراف ولا تبذير، وإلى جانب التربية المعنوية، فإن ذلك هو الخير الكثير الذي يتذكره الولد عندما يدرك إحسان والديه إليه، فيقول كما أمر الله: (رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).
أيّها المسلمون: إن الشباب في هذا العصر يتعرضون لمشاكل كثيرة، منها: أنهم يتعرضون لتيارات خطيرة إذا تركوا معها، فإنها تفسد أخلاقهم وسلوكهم، وتفسد عقيدتهم، وهي تيارات كثيرة ومتنوعة ومتعددة المصادر.
تيارات تحملها وسائل الإعلام المختلفة من إذاعة وتلفاز، وصحف ومجلات، وكتب هدّامة تلفظها المطابع، وهي تحمل سمّاً زعافاً، وتتلقفها أيدي الشباب، أو كثير من الشباب الذي لا يميّز بين الضار والنافع.
هذه التيارات المتنوعة من مقروءة ومرئية ومسموعة إذا تركت تعصف بالشباب، فإن نتائجها تكون وخيمة.
فالشباب الآن كثير منهم تغيّرت أخلاقه، وصاروا يقلدون الغرب أو الشرق في لباسهم، في شعورهم، في حركاتهم، طبقاً لما يسمعونه ويقرؤونه مما تحمله إليهم هذه الوسائل التي أغلب أحوالها أن فيها الدسّ الكثير لإفسادهم.
والأهم من ذلك تغيير عقيدتهم، فقد تحول بعض الشباب المسلم إلى ملحد، إلى شيوعي، إلى بعثي، إلى غير ذلك من الأفكار الهدّامة؛ لأنه ما دام أنه مقبل على تلقف هذه الدعايات، وهي تدفع إليه بيسر وسهولة، وهو فارغ الذهن من غيرها.
ليس عنده من الحصانة، ولا من العلم ما يفهم به هذه الشبهات المدسوسة، أو هذه الدعايات المضلِّلة فإنه يتقبل ما يصل إليه.
فالشاب الذي يتلقف هذه الدعايات، وهو خالي الذهن مما يضادّها من العلم النافع، لا شك أنها ترسخ في ذهنه، ويصعب بعد ذلك اجتذابها منه.
وبعد ذلك يأتي دور السفر للخارج، ويسافر الشاب إلى الخارج إلى البلاد الكافرة إلى البلاد المنحرفة التي ضاعت فيها الأخلاق، وفسدت فيها العقائد ليشاهد هذه البلاد بما فيها.
يشاهد الإباحية، والأفكار الفاسدة، وليس عنده ما يدافعها، أو يبيّن زيفها، ليس عنده الرصيد الكافي، أو ليس عنده رصيد أصلاً، وهو شاب في ريعان الشباب، فإذا سافر إلى تلك البلاد، وخالط أهلها، سرعان ما يتغير لدينه ومجتمعه المسلم، ويعود صفر اليدين.
هذا من أسباب الانحراف الخلقي والعقدي في الشباب، وهو: السفر إلى الخارج، الخارج الذي يموج بالفساد.
فاتقوا الله -عباد الله- وتذكروا قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيّها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واهتموا بعلاج شبابكم مما أصابهم في دينهم، والعلاج ميسور -والحمد لله- متى صدقت النيّة، وصحّت العزيمة، وهو يتلخص في أمور:
الأمر الأول: إصلاح المناهج التعليمية التي يتلقونها في المدارس بحيث تملأ هذه المناهج بالعلوم الدينية النافعة، بعلوم العقائد الصحيحة، ومعرفة الحلال من الحرام في المعاملات وفي المآكل والمشارب والعادات والأخلاق، حتى تمتلئ قلوبهم من العلم النافع الذي إذا تسلحوا به استطاعوا أن يميّزوا بين الطيب والخبيث، وأن يقاوموا الشبه التي تواجههم.
وبعد إصلاح المناهج يهتم باختيار المدرسين الأكفياء الصالحين الذين يوصلون حصيلة هذه المناهج، وهذه العلوم النافعة يوصلونها إلى قلوب الشباب، ويرغِّبونهم فيها.
الأمر الثاني: التقاء الشباب بالعلماء من خلال ندوات في المساجد وفي المدارس، وفي غيرها.
ندوات مفتوحة للإجابة على مشاكلهم، ولتوضيح الطرق أمامهم.
فإن على العلماء مسؤولية عظيمة نحو شباب المسلمين.
ولكن وأقولها بكل مرارة: الآن الفجوة كبيرة بين الشباب وبين العلماء، فالعلماء غالبهم في ناحية، والشباب في ناحية أخرى.
وهذا مما سبّب ضياع الشباب.
وإلا يوم كان الشباب يلتقون بعلمائهم، فقد كانوا على بيِّنة من أمرهم، ولكن حينما انفصل الشباب عن علمائهم حصلت هذه النكسات العظيمة.
الأمر الثالث: من الأمور التي يعالج بها هذا الانحراف وتقاوم بها هذه التيارات الموجهة نحو الشباب: منع سفرهم إلى الخارج إلا لضرورة ملحّة، مع وضع الضوابط والضمانات التي تبعدهم من مخاطر السفر إلى بلاد الكفر.
أما إذا تركوا ليسافروا على علّتهم، فإن الأمر خطير جداً.
فاتقوا الله -عباد الله-.
واعلموا أن خير الحديث كتاب الله... إلخ.