البحث

عبارات مقترحة:

الواسع

كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...

المجيب

كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

الزكاة حكم وأحكام

العربية

المؤلف عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الزكاة - الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. تفاوت الخلق في الأرزاق .
  2. وجوب الزكاة وأحكامها .
  3. الحكمة من فرض الزكاة .
  4. الأصناف التي تجب فيها الزكاة .
  5. زكاة الخارج من الأرض وبعض أحكامها .
  6. زكاة بهيمة الأنعام وبعض أحكامها .
  7. زكاة عروض التجارة وبعض أحكامها .
  8. زكاة النقدين .
  9. زكاة الأسهم والسندات .
  10. زكاة العقارات المؤجرة.
  11. مصارف الزكاة. .

اقتباس

انظر إلى نعم الله عليك بهذا المال، وما نلته بقوة بدن ورأي، ولكنها محض فضل الله وكرمه وجوده وإحسانه إليك، انظر إلى المال ثم انظر إلى الزكاة، ترى الزكاة ربع عشرها، اثنان ونصف في المائة، أعطاك الله الكثير، ورضي منك باليسير، وهذا اليسير يعود نفعه عليك في دنياك وآخرتك.. احرص على الزكاة، احرص على إحصاء المال ودقِّق الإحصاء، احصه في الدنيا قبل أن يُحصَى عليك في يوم (لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) ..

الخطبة الأولى:

أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.

عباد الله، إن من حكمة الرب -جل جلاله- أن فاوَت بين عباده في أخلاقهم وأرزاقهم، وربك حكيم عليم. فبسط لبعضٍ الرزق، وجعل بعضاً أقل من ذلك، وهو الحكيم العليم، (قُلْ إِنَّ رَبّى يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [سبأ:36].

ابتلى البعض بالمال، فوسع عليه المال، وأعطاه من أصناف الأموال، وابتلى البعض بالقلة، وربك حكيم عليم، (فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبّي أَهَانَنِ كَلاَّ) [الفجر:15-17]، أي: ليس كل من وسَّعنا عليه دليلاً على الحب له، ولا كل من ضيقنا عليه دليلاً على بُغضنا له، لكنها الدنيا يعطيها الله بعض عباده، ويحرمها بعض عباده، وله الحكمة في ذلك.

ابتلى الأغنياء بالفقراء، وابتلى الفقراء بالأغنياء، ابتلى الغني بالمال، أيكون ذلك المال سبباً لشكره لنعمة الله، وقيامه بحق الله؟ وابتلى الفقير بالفقر حتى ينظر أيكون من الصابرين الراضين أم يكون من المتسخطين؟

غرس في النفوس حب المال، (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً) [الفجر:20]. هذا المال نعمة عند قوم، وبلاء على قوم، نعمة في حق من أخذ المال بحقه وصرفه في حقه، علم أن لله حقاً في هذا المال، فأدى هذا الحق أداء كاملاً، وكان هذا المال سبباً لصلاحه واستقامة حاله ومنافسته في صالح العمل.

وآخرون صار المال في حقهم سبباً لطغيانهم وأشرهم وبطرهم واغترارهم بأنفسهم، فمنعوا حق الله الواجب في المال، فلم يؤدوا حق المال، بل صار المال سبباً لعذابهم، (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلاَ أَوْلَـادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) [التوبة:55]، وقال عن نبيه سليمان بعدما علّمه ما علّمه، ورأى نعم الله عليه: (هَذَا مِن فَضْلِ رَبّي لِيَبْلُوَنِي أَأشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) [النمل:40]، عكس من اغتر بنفسه، وقَالَ: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) [القصص:78].

أيها المسلم، إن الله جل وعلا أوجب على الأغنياء حقاً في أموالهم للفقراء، (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [المعارج:24، 25]. أوجب على الأغنياء في أموالهم حقاً لإخوانهم الفقراء، ليواسوهم بذلك، وجعل هذا ركناً من أركان الإسلام؛ فإن الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام التي بُني عليها الإسلام ، "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام"، وفي الحديث: "فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم"، ونصوص الكتاب والسنة دالة على ركنيه الزكاة وأهميتها، قال تعالى: (وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُواْ الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيّمَةِ) [البينة: 5].

أيها المسلم: إن الزكاة ابتلاء وامتحان، يبتلي الله بها الأغنياء، فالصادق في إيمانه ينجو من ذلك البلاء، بإخراج زكاة ماله طيبةً بها نفسه، موقناً بوجوبها، معتقداً ذلك، يؤديها طاعةً لله، وشكراً لله على فضله ونعمائه، قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا وَصَلّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [التوبة: 103]. يأمر الله نبيه محمداً  بقبض الزكاة من أموال الأغنياء، (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً)، وبيَّن –تعالى- حكمته منها بقوله: (تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا).

إذاً فالزكاة طهرة للمزكي تطهِّر قلبه من داء الشح والبخل، وتخلِّصه للكرم والسخاء، وإنها لتطهر المال من أوساخه وأدناسه؛ إذ المال الباقية فيه زكاته هو مال مشتمل على الأوساخ والأدناس، ولا يطهره من أدناسه وأوساخه إلا الزكاة إذا أُخرجت، وهي أيضاً زكاة للقلب، فيقوى بإخراجها الإيمان؛ لأن مخرجها قد تغلَّب على نزعات الهوى، ومشتهيات النفس، ووساوس الشيطان، فهو أخرجها طاعة لله، مرغماً أنف عدو الله، (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 268]. وإنها لتزكي ماله، فمال أخرجت زكاته مال ينمو، ويُنزل الله فيه البركة، "وما نقصت صدقة من مال"، بل تزيده، بل تزيده.

أخي المسلم، فأدِّ زكاة مالك طيبةً بها نفسك، أدِّ زكاة مالك معتقداً وجوبها في الإسلام، أدّ زكاة مالك طاعة لله ولرسوله، أدّ زكاة مالك ليبقى لك المال، وتزداد بركته، ويكثر خيره، ويرتفع البلاء عنك، وفي الأثر: "وما هلك مال في بر ولا بحر إلا بمنع الزكاة".

أخي المسلم: انظر إلى نعم الله عليك بهذا المال، وما نلته بقوة بدن ورأي، ولكنها محض فضل الله وكرمه وجوده وإحسانه إليك، انظر إلى المال ثم انظر إلى الزكاة، ترى الزكاة ربع عشرها، اثنان ونصف في المائة، أعطاك الله الكثير، ورضي منك باليسير، وهذا اليسير يعود نفعه عليك في دنياك وآخرتك.

أيها المسلم: احرص على الزكاة، احرص على إحصاء المال ودقِّّق الإحصاء، احصه في الدنيا قبل أن يُحصَى عليك في يوم (لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88، 89].

أخي المسلم: أخرج الزكاة بنية وقصد، فإنما الأعمال بالنيات، فلا بد من نية عند الإخراج، نية أداء هذه الفريضة العظيمة، فإن أخرجتها فأبشر بالخير والبركة من الله، والثواب العظيم يوم لقاء ربك.

أيها المسلم: إن الله -جل وعلا- أوجب الزكاة في أصناف من المال، أوجبها أولاً في الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، (وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) [الأنعام: 146]، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مّنَ الأرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ) [البقرة: 267].

وجعل شرط ذلك أن تبلغ الحبوب والثمار خمسة أوسق، ما يعادل تسعمائة كيلو، وأوجب فيها العشر أي: عشرها، عشر الخارج من الحبوب والثمار، إن سقيت بلا مؤونة ولا كلفة، وجعل نصف عشرها إن سقيتها بالكلفة والمؤونة، ولم يوجب في الخضروات والفواكه الزكاة؛ لأنها غير مدخرة، وإنما هي قوت وقتها، بخلاف الحبوب والثمار المكيلة المدخرة، فإنها تبقى على مدار العام.

أيها المسلم، وأوجبها الله في بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم، إذا كانت سائمة ترعى معظم الحول من نبات الأرض، فلا يقرِّب لها العلف ولا الماء، كل شيء موجود عندها، فإذا كانت كذلك وجبت فيها الزكاة، وأقل نصاب الإبل خمس، ونصاب الغنم أربعون، ونصاب البقر ثلاثون.

أما بهيمة الأنعام التي يقرِّب لها العلف والماء معظم الحول فلا زكاة فيها، إلا أن يكون مالكها قد أعدّها للبيع والشراء، يعني عروض تجارة، فهذه يقوّمها عند كل عام، ويخرج زكاتها ربع عشر قيمتها. وأما المواشي في المزارع التي لا يقصد التجارة بها، وليست سائمة، ولكن أربابها ينفقون عليها، ويأكلون منها، ويشربون من ألبانها، ولا قصد لهم في التجارة بها، وليست سائمة فهذه لا زكاة عليها.

وأوجب الله الزكاة في عروض التجارة، وعروض التجارة كلّ ما أعده المسلم للبيع والشراء من أنواع السلع المختلفة، مطعوماً أو ملبوساً أو مركوباً أو غير ذلك، كل السلع التجارية التي تعرض للبيع فإن الله أوجب الزكاة فيها؛ لأنها رأس مال يقول سمرة بن جندب -رضي الله عنه-: "أمرنا رسول الله  أن نخرج الزكاة مما نُعدّ للبيع"، فكل ما أعددناه للبيع، وعرضناه للبيع لأجل الربح، فإنا نقوِّمه عند الشهر الزكوي، ونخرج ربع عشر قيمته، سواء كان من الأطعمة أو من الملابس أو الأواني أو السيارات، أو قطع الغيار أو الأراضي والعقار، كل ذلك يشمله اسم العروض، نقومه عند رأس كل حول، فننظر قيمته الحاضرة، سواء زادت على قيمة الشراء أو نقصت، فلو اشترى مسلم قطع أراض للتكسب، ومضى عليها سنة، يقوّمها عند رأس السنة، وينظر قيمتها الحاضرة، فيؤدي ربع عشر قيمتها، فلو كانت قيمتها الشرائية مثلاً أن القطعة بمائة ألف، ولكن تقويمها عند رأس الحول أنها أصبحت بخمسمائة ألف، فنقول الزكاة على الخمسمائة ألف، تخرج ربع عشر قيمتها، ولو نقصت قيمتها إلى خمسين، نقول: الزكاة على خمسين، المهمّ أنا لا ننظر إلى القيمة الشرائية، ولكن ننظر إلى قيمة البيع، فنقدر السلع مهما يكن نوعها على قدر ذلك، يقدر صاحب المتجر السلعة الموجودة عنده بما سيبيعه بها الحال، ويخرج ربع عشر قيمتها، هكذا شرع الله.

ورابعاً: النقدان من الذهب والفضة أوجب الله فيهما الزكاة، فهي قِيَم الأموال، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة: 34، 35].

إذاً فيزكَّى النقدان، الرصيد في البنوك، يزكى النقدان: الذهب والفضة، والأوراق النقدية القائمة مقامهما، والتي أخذت حكمها في الشراء والتعامل، يُخرج ربع عشرها، ونصاب الذهب في الإسلام عشرون مثقالاً، ويقدَّر بالجنيه السعودي، بما يقارب أحد عشر جنيها ونصفاً، أي اثنين وتسعين غراماً، والفضة مائتا درهم إسلامي، مقداره بالنقد السعودي ستة وخمسون ريالاً عربياً، أو ما تبلغ قيمته من الأوراق النقدية، فيخرج ربع العشر، اثنان ونصف في المائة، خمس وعشرون في الأرض، ألفان وخمسمائة في مائة ألف وهكذا.

أيها المسلم، والأسهم في الشركات المختلفة هي على قسمين:

فهناك أسهم متبادلة، يطلب المسلم فيها الربح، يعرضها وقت الطلب، ويخفيها عند عدم الطلب، فهذه تُزكى عند كل رأس سنة، تزكى بقيمتها الحاضرة؛ لأنها بمنزلة النقود بيدك.

وأما الأسهم التي جعلتها رصيداً، لا تبيع ولا تشتري فيها، وإنما تستفيد من غلالها، فغلتها إذا قبضتها، ومضى عليها حول فزِّكها، وإن استهلكتها فلا زكاة عليها.

الدور والعقارات المؤجرة إنما تجب الزكاة في الأجرة من حين ابتداء العقد إذا كنت ابتدأت العقد، واستلمت الأجرة في آخر العام فزَكِّها، وإن كنت تستلمها كل ستة أشهر، وتستهلكها ولا ترصدها فلا زكاة عليها، لكن إن كنت تستلمها عند آخر العام، أو تستلمها لكنك ترصدها فتزكيها، وأما إن استلمتها مجزأة واستهلكتها وأكلتها فلا زكاة عليها.

مسكنك الذي تسكنه، وسياراتك التي تركبها، كل هذا لا زكاة عليها، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة"، إلا صدقة الفطر على الرقيق.

أيها المسلمون، إن الزكاة فريضة كما ذكر الله في كتابه، قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة:60]، ما وكل الله الزكاة لنبي ولا ملك، ولكن تولى قسمتها بنفسه.

فيا أيها المسلم، اتق الله في زكاتك، واعلم أنك مؤتَمن عليها، فأوصل الأمانة إلى مستحقيها، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء:58].

الفقراء والمساكين الذين لا يجدون شيئاً، أو يجدون أقل من كفايتهم، ليس لهم رواتب ثابتة، ولا غلال، ولا صناعة قائمة، ولا نفقة واجبة على غيرهم، فيعطون من الزكاة ما يكفيهم إلى الحول، يُعطَى الفقير والمسكين قدر كفايته –إن تمكنت– إلى حول، ويُعان المريد للزواج على زواجه، فإن ذلك من الحاجات المهمة، فأعطِ الفقير والمسكين قدْر ما يكفيهم، هذا إذا غلب على ظنك استحقاقه لها، وإن رأيت عليه آثار الغنى، أو آثار القوة والنشاط، فانصحه وحذره، والنبي -صلى الله عليه وسلم- جاءه رجلان يسألانه الصدقة، فقلِّب فيهما النظر فرآهما جَلْدين، فقال: "إن شئتما أعطيتكما، ولا حق فيها لغني، ولا لقوي مكتسب".

أيها المسلم: أعطِ الغارم الذي غرم لمصلحة نفسه، وتحمّل ديونًا فعجز عن سدادها، لكن بشرط أن لا يستمر على هذا التهاون في أموال الناس، وأعطِ الغارم الذي غرم لمصلحة الأمة ولو كان غنيًّا.

فُكّ منها أسرى المسلمين، وأعن بها المجاهدين، والمنقطع في الطريق، وهو ابن السبيل، هذه شريعة رب العالمين.

أيها المسلم، إياك أن تجامل بالزكاة، أو تجعلها مبرّة أو وقاية لمالك، فلا تعطها المرأة عوضاً عن نفقتها، ولا الضيف عوضاً عن ضيافته، ولا لمن يعمل لك العمل عوضاً عن عمله، بل أدها للفقير حقاً له أوجبه الله عليك.

لا زكاة عليك – أيها المسلم – فيما تنتفع به من المتاع.

أخي المسلم، لا تسقط الدَّيْنَ وتجعله عوضاً عن الزكاة، لا تسقط الدين عن الفقير وتجعله عوضاً عن الزكاة، فلو كان لك في ذمة إنسان ألف ريال، ورأيته فقيراً، فقلت: أسقطها عنه وأعتبرها من الزكاة، قلنا: هذا  لا يجوز.

أيها المسلم، الحقوق لك في ذمم الآخرين على قسمين:

فإما أن يكونوا قادرين على الوفاء، فتلك أموال كأنها بحوزتك، وإن كانوا مماطلين أو معتدين، وقد أيست من وفائهم فإذا قبضتها فزكها لعام واحد.

فاتقوا الله –معشر المسلمين– في زكاة أموالكم، وأدوها طيبةً بها نفوسكم، واشكر الله – أخي– أن جعلك يداً علياً يعطي، ولم يجعلك يدًا سفلى تطلب، فاشكر الله، وبادر بالأداء، وأسأل الله لي ولكم قبول العمل.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.

عباد الله، أيها المسلم، إن كنت غنياً فإياك وقبول الزكاة، فإنك إن أخذتها -والله قد أغناك عنها– فإنها سحت تأكله سحتاً، وفي الحديث: "لا تزال المسألة بأحدهم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم"، وفيه: "من سأل الناس تكثّراً فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو ليستكثر"، وفيه: "ما فتح عبدٌ على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر"، "ليس الغنى بكثرة العرض –ليس الغنى عن كثرة المال–، إنما الغنى غنى النفس".

أيها المسلم: يقول: "ليس المسكين الذي تردّه اللقمة واللقمتان، إنما المسكين الذي لا يسأل الناس، ولا يفطن له فيتصدق عليه".

أخي المسلم: كم يسأل الزكاة من لا يستحقها، وكم يلحون في الطلب، والله قد منَحهم قوة الأبدان، وسلامتها، وقدرتهم على العمل، لكنهم اعتادوها فرأوها عادة سنوية، كم يسألها أناس كانوا فقراء فأغناهم الله، وهيَّأ لهم من الأولاد من أعانوهم على أمورهم، ولكن مرض القلب، ومرض الشح أداهم إلى أن يسألوها وهم أغنياء عنها.

فيا أخي، تحرَّ لها، المتعففين، تحرَّ لها أرباب العوائل المتعففين، الذين لا يسألون الناس إلحافاً، (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ) [البقرة: 273]، تحرَّ لها من يظهر أمام الناس بأنه الغني، والله يعلم حاله، تحرَّ لها من أشغلته الديون، والأشياء التقسيطية.

ومن الأمور المهمة، إن الله حكيم عليم، جعل الزكاة سبباً لتآلف المجتمع وارتباطه، ورحمة بعضه لبعض، "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الراحمون يرحمهم الرحمن"، فلو أدى الأغنياء زكاة أموالهم لاغتنى بها الفقراء، وصانت وجوههم وحفظتهم عن الجرائم والإقدام على ما لا خير فيه.

فاحرصوا على زكاة أموالكم، وأوصلوها لمستحقيها، وأخفوها إذا علمتهم أن من يأخذها  متعففاً لا يحب أن يستبين أمره، فاحرصوا رحمكم الله، وتعاونوا على البر والتقوى، وخصّ بزكاتك الفقراء من أقاربك، فإن صدقتك عليهم اثنتان: صدقة وصلة، وابحث عن جيرانك، وتعاونوا بعضكم مع بعض في البحث عن الفقراء والمستحقين لها طاعةً لله، وقربة تتقربون بها إلى الله.

أسأل الله أن يقبل منا ومنكم صالح الأعمال، إنه على كل شيء قدير، واعلموا رحمكم الله أن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ..