البر
البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الزكاة |
أيها الناس: لقد أنعم الله علينا في هذه الأوقات الأخيرة بنعم كثيرة؛ منها: كثرة أنواع المأكولات، واختلاف عادات الناس بسبب ذلك، حتى صار أكثر الناس لا يأكلون من التمر إلا أطيب الأنواع، فارتفع بذلك سعره، ونقص سعر الأنواع الأخرى، بسبب قلة رغبة الناس فيها.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الرؤوف الرحيم، البر الجواد الكريم أنعم على العباد بما أخرج لهم من الزروع والثمرات، وما أدر عليهم من الأرزاق المجلوبة من جميع الجهات، ثم أمرهم بإنفاق ذلك في مرضاته لتكمل لهم نعمة الدنيا والدين، ووعدهم على الإنفاق في مرضاته خلفا عاجلا، وهو خير الرازقين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل النبيين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واشكروه أن أمدكم بما تعلمون، أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون، فهذه ثمرات النخيل تتفكهون بها رطبا وبسرا، وتدخرونها قوتا وتمرا، فهو الذي خلقها وأوجدها، وهو الذي نماها وأصلحها، وهو الذي أبقاها لكم وحفظها، وأبقاكم حتى أدركتم جناها وثمرها.
فاشكروا ربكم على هذه النعمة، وأدوا ما أوجب الله فيها من الزكاة؛ تدفعوا عن أنفسكم وأموالكم النقمة، وحاسبوا أنفسكم في ذلك محاسبة تامة، فإن أهل الزكاة شركاء لكم فيها، لهم العشر إن كانت تشرب سيحا، ونصف العشر إن كانت تشرب بالمكائن؛ هكذا فرضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإياكم وبخسها، وإخراج ما ينقص عن ذلك.
أيها الناس: لقد أنعم الله علينا في هذه الأوقات الأخيرة بنعم كثيرة؛ منها: كثرة أنواع المأكولات، واختلاف عادات الناس بسبب ذلك، حتى صار أكثر الناس لا يأكلون من التمر إلا أطيب الأنواع، فارتفع بذلك سعره، ونقص سعر الأنواع الأخرى، بسبب قلة رغبة الناس فيها.
فلقد كان الشقر في الزمن السابق، هو الغذاء الرئيسي من التمر، وكان الناس لا يهتمون بالأنواع الأخرى، فكان الفرق بينه وبينها يسيرا.
أما الآن، فكانت الحال بالعكس، وأصبح الفرق كبيرا بينه وبين الأصناف التي بدأت تنتشر، وترغب.
انظر إلى قيمة متوسطة الشقر، تجد الكيلو منه يساوي ربع ريال، وانظر إلى متوسط البرحى مثلا نجد الكيلو منه يساوي ريالين، فالكيلو من البرحى يساوي ثمانية كيلو من الشقر، وهذا فرق كبير، فإذا وجدنا بستانا أكثره من البرحى والسكري ونحوهما من الأنواع الطيبة، فكيف يسوغ لنا أن نخرج زكاته كلها من الشقر مع هذا الفرق العظيم؟ كيف يمكن أن نقول إن هذا الرجل أخرج نصف عشر بستانه؟.
أيها المسلم المؤمن بالله: لقد أوجب الله عليك على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- نصف العشر بما يسقى بمؤونة، والعشر كاملا فيما يسقى بلا مؤونة، فهل ترضى لو كان لك نصف العشر أن تأخذ من الأنواع التي دونه بكثير؟
لا أعتقد أنك ترضى بذلك، فإذا كنت لا ترضى بأخذه لنفسك، فكيف ترضى ذلك لربك؟
ولقد نبه الله -تعالى- على هـذا المعنى بقولـه: (وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ)[البقرة:267].
يعني لا تنفقوا من الرديء الذي لو كان لكم من هذا المال لم تأخذوه إلا على إغماض وكراهية.
فتنبهوا -أيها المسلمون-: لما نبهكم الله إليه، وابرؤا أنفسكم من الواجب ما دمتم في زمن الإمهال.
أيها المسلمون: إنني إذا قلت: إنه لا يجزي إخراج الشقر عن بستان أكثره من الأنواع الطيبة الأخرى التي تفرق عنه فرقا كبيرا، فلست أقول ذلك لمجرد رأي رأيته، ولكن أقوله؛ استنادا إلى ما يأتي:
أولا: قوله تعالى: (وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ)[البقرة:267].
والخبيث، هو الرديء.
والرداءة أمر نسبي، فقد يكون التمر رديئا إذا نسب لما هو أجود منه، وجيدا بالنسبة لما هو أردأ منه؛ بدليل أنه لو كان البستان كله رديئا أخرجت منه، ولم تلزم بشيء أطيب منه.
ثانيا: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوجب العشر، أو نصف العشر، ومع هذا الفرق العظيم، فإن الشقر عن البرحى والسكري لا يقارب هذا المقدار.
ثالثا: أن الفقهاء من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم، بل أكثر العلماء يقولون: إنه يجب عليه أن يخرج الزكاة من كل نوع بحصته كما ذكره في المغنى، وقد نص فقهاؤنا في كتبهم المختصرة والمطولة على أنه يجب إخراج زكاة كل نوع منه، ولكن ربما تقولون: ألم يكن الناس من عهد قديم يخرجون الشقر عن البستان كله مع أن فيه أنواعا أخرى؟
فأقول: نعم كان ذلك، ولكن كان الشقر يخرج من جميع البستان حينما كان هو الغذاء الرئيسي من التمر، وحينما كانت الأنواع الأخرى قليلة، ولم يكن الفرق بينها وبين الشقر إلى هذا الحد الكبير، فكان الشقر في ذلك الوقت هو النوع المتوسط، وقد قال بعض العلماء: إنه يجوز الإخراج من النوع المتوسط بقدر القيمة.
أما اليوم، فقد اختلف الحال كثيرا كما ترون.
فاتقوا الله -تعالى- أيها الناس: وحاسبوا أنفسكم، وراعوا العدل، ولا تظنوا الزكاة غرامة وخسارة، فإنها –والله- هي الغنيمة والربح، فهي أحد أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة في كتاب الله، فالقيام بها قيام بركن عظيم من أركان الإسلام، وتطهير للمزكي من الإثم والعصيان، وتزكية لنفسه وأعماله، وبركة، ونمو، وزيادة في ماله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 267- 268],
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.