البحث

عبارات مقترحة:

الجبار

الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

حرمة التدخين

العربية

المؤلف محمد عمارة
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. أضرار التدخين .
  2. التسليم لأوامر الله بغير جدال .
  3. الأدلة على تحريم التدخين .
  4. إيقاع المدخنين لأبنائهم في أشراك التدخين .
  5. كيفية الإقلاع عن التدخين. .

اقتباس

لقد أجمع مَن يعتدّ برأيهم من علماء الإسلام على أن التدخين وباء لا يقبل عليه العقلاء، واستندوا في تحريمه إلى عدد من النصوص الصريحة، التي تشير بأوضح بيان إلى حرمة التدخين وخطره على الإنسان؛ لما يسببه من الأضرار في النفس وفي المال.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].

أما بعد: لقد أجمع مَن يعتدّ برأيهم من علماء الإسلام على أن التدخين وباء لا يقبل عليه العقلاء، واستندوا في تحريمه إلى عدد من النصوص الصريحة، التي تشير بأوضح بيان إلى حرمة التدخين وخطره على الإنسان؛ لما يسببه من الأضرار في النفس وفي المال.

أليس التدخين من الخبائث التي يجب أن تتنزه عنها أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- وهي خير أمة أخرجت للناس؟ إني أخاطبكم بما للإسلام عليكم من حقوق، وبما عليكم نحوه من واجبات، وأولها أن تحفظوا عقولكم من الخلل، وأجسادكم من المرض، ونفوسكم من الأهواء والشهوات.

افتحوا أعينكم على الخطر الداهم الذي يشتعل نارًا بين أصابعكم، إنكم لم تولدوا والسيجارة في أفواهكم، بل اكتسبتم التدخين باعتباره عادة من أسوأ العادات في مجتمعكم: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78].

وإن أقبح عادة أن تكونوا عبيدًا لشهواتكم سائرين خلف أهوائكم... فاستخدموا هذه الجوارح فيما خلقت لأجله.

نريدكم أن تضعوا رقابة الله العلي الأعلى نصب أعينكم في كل صغيرة وكبيرة، ودقيقة وجليلة، فربكم لا تأخذه سنة ولا نوم، وهو يحاسب على الفتيل والنقير والقطمير، بل إنه يحاسب على مثاقيل الذر، قال -تعالى-: (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة:6-8].

نريدكم أن تكونوا رقباء على أنفسكم قبل أن يكون أولياء أموركم رقباء عليكم، فتعسًا للبشر إذا لم يرعوا حق رب البشر! (وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ) [الأنعام:120].

التدخين ظاهرة من الظواهر العامة السيئة التي يتمسك بها أصحابها، دون مسوغ إلا الشهوة والهوى، ويدافعون عنها بدافع الحقوق والحريات، وهي ليست حقًّا ولا حرية إذا كانت بهذه الأضرار، والمعصية لله رب العالمين، فالتدخين معصية يجاهر بها بين الرجال والنساء دون حياء، أو خوف افتضاح، أموال تنفق، وصحة تهدر، وسموم يتعاطونها، واقتصاد يخرب؛ وتسمى حرية شخصية!.

وسوف نتناول هذا الموضوع المهم من خلال العناصر الآتية:

العنصر الأول: التسليم لله -تعالى- في أوامره: إن أول ما ينبغي لنا تعلمه الاستجابة لأوامر الله ورسوله؛ يقول ربنا -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ البُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُم مُّعْرِضُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ) [الأنفال:20-25].

في هذه الآيات يخاطب الله المؤمنين المصدقين، ويأمرهم بأن يستجيبوا لأوامره وأوامر رسوله، وينتهوا عن معصيته ومعصية رسوله... وهذه الاستجابة ستؤدي حتمًا إلى الحياة السعيدة في الدنيا والآخرة المتحققة برضوان الله -تعالى-، هذه الاستجابة ستقود حتما إلى حياة العزة والكرامة والنصر والتمكين في الدنيا، وستقود أيضًا إلى الحياة الحقيقية في جنات النعيم.

أيها المسلمون: إن دينكم العظيم دين حياة متكاملة قد تفضل الله به على البشرية ليكون منهج حياة كاملة، يحمي القلوب من الاعتقادات الباطلة، ويحمي العقول من الأهواء المنحرفة، ويحيي البشر حياة كريمة، كما أنه يحيي الكون باستغلال خيراته، واكتشاف أسراره.

إن الدين الإسلامي دين حركة وحيوية، ويخطئ كثيرًا ويتجنى على الإسلام من يقول إن الدين في القلب، وفي المسجد، ولا علاقة له بالحياة العامة.

أيها المسلمون: إن استجابة المسلم لله أن تخضع رغباته وأهواؤه وتصرفاته لأوامر الله -عز وجل- في كل صغير وكبير من أمره، ولا خيار له في ذلك. لقد جاء النص القرآني الكريم واضحًا كل الوضوح، لا يحتاج إلى تأويل أو تغيير؛ يقول -سبحانه-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا) [الأحزاب:36].

لاحظ كلمة "أمراً"، نكرة، فهي تشمل أي أمر ولو كان في نظرك يسيرًا. لاحظ -أيضا- قول الله -تعالى-: (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً)؛ فأي أمر يخالف أمر الله -تعالى- أو أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- فهو ضلال واضح، مهما كان مسوغ فاعله، هذا ما يجب أن يُعلم إخوتي في الله؛ وعليه، فلا يحق لمسلم أن يتصرف في نفسه أو ماله أو أهله أو مجتمعه بعيدًا عن الدين الإسلامي الحنيف؛ لأن ذلك التصرف سيؤدي حتمًا إلى خلل في الحياة على هذه الأرض، والأمثلة على ذلك واضحة على أرض الواقع.

ويكفينا في ذلك قول الله -تعالى- مقررًا هذه الحقيقة: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل:112].

إن نفسك مملوكة لله -تعالى- خلقها وتكفل برزقها، وجعل عليها حافظًا يحفظها، فلا يجوز أن تتعدى أنت عليها بما يضرها أو يهلكها؛ لأنك لا تملكها؛ ومن ثم، فقد توعد الله قاتل نفسه بنار جهنم وبئس المصير، فعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده في نار جهنم يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا فيها مخلدًا فيها أبدًا".

ومن شواهد ذلك قصة الذي قتل نفسه في المعركة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدما ذكر من بلائه في المعركة: "هو من أهل النار"، فتعجب الناس، فجاء رجل فقال: أشهد أنه لم يصبر على جراحته فاتكأ على رمحه، فقتل نفسه، فكبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال: "أشهد أني عبد الله ورسوله".

ولقد فهم الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- هذه الحقيقة فكانوا خير الناس في سرعة استجابتهم لأمر ربهم -جل وعلا- وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والتاريخ يشهد على ذلك.

ولعله من المناسب في هذا اليوم أن نذكّر ببعض صور الاستجابة لأمر الله -تعالى- وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

الصورة الأولى: سرعة استجابة الصحابة الكرام في ترك الخمر التي شبوا عليها واختلطت بدمائهم وأصبحت عادة متأصلة في حياتهم اليومية، يروي لنا هذه الصورة الصحابي الجليل أنس بن مالك -رضي الله عنه- فيقول: كنت قائما على الحي أسقيهم وأنا أصغرهم في بيت أبي طلحة، فإذا منادٍ ينادي، فقال: اخرج فانظر، فخرجت فإذا مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، قال أبو طلحة: أهرق هذه القلال يا أنس، فهرقتها، فما سألوا عنها، ولا راجعوها بعد خبر الرجل، قال: فجرت في سكك المدينة.

استجابة فورية، بعضهم كانت الشربة في فمه فأخرجها من فمه ومجها، وبعضهم كان الكوب في يده فرماه، وقالوا جميعا: انتهينا يا رب! انتهينا يا رب!.

قال -تعالى-: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ) [النور:51-52].

أين هذه الصورة المشرقة ممن يشرب الدخان في زماننا، وتعالوا معي لنوازن بين استجابتنا لأمر الله ورسوله وبين استجابة الصحابة -رضي الله عنهم-: أيهما أعظم إدمانًا وتأثيرًا في النفس وصعوبة في الإقلاع عنه: آلخمر أم الدخان؟ والجواب: الخمر، ولا شك.

فكم من المسلمين اليوم من يسمع حكم الدخان وأنه محرم، وأنه من الخبائث، فمن من المسلمين اليوم يخرج علبة الدخان ليتخلص منها ويقول كما قال الصحابة: انتهينا يا رب! انتهينا يا رب! وأين تجار الدخان عندما يسمعون من الواعظ والخطيب والناصح حرمة بيع الدخان وشرائه؟ لماذا لا يستجيبون؟ لماذا لا يُخرجون ما في محلاتهم ومستودعاتهم يحرقونها ويقولون: انتهينا يا رب! لماذا انتشرت المقاهي بهذه الصورة المحزنة المخزية، تقدم الدخان والشيشة، ويجلس عليها الناس بهذه الكيفية المحزنة، يا أصحاب المقاهي، ويا بائعي الدخان، ويا مؤجري المحلات، وبائعيها ممن يجعلها لهذا العمل: كسبكم حرام، وسعيكم غير مشكور، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به".

إن الله -عز وجل- إذا حرم شيئا حرم ما يؤدي إليه، فكل ما يتوصل به إلى الحرام فهو حرام، فإن كان بائع الخمر يتعلل بأنه لا يشرب فإن بيعه للدخان لا يقل في الحرمة عن الشرب، بل قد يكون أشد، عن أنس قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشترى له" رواه الترمذي وابن ماجه... أسال الله أن يهدي ضال المسلمين.

الصورة الثانية: تحكي استجابة نساء المسلمين آنذاك في لبس الحجاب، وكيف أنهن تحولن من كاشفات للوجوه إلى مغطيات لوجوههن، حتى أصبحت الواحدة لا يرى منها شيء، تروي هذه الصورة أمنا عائشة -رضي الله عنها- فتقول: "يرحم الله نساء المهاجرات الأول؛ لما أنزل الله: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّشققن مروطهن فاختمرن بها" رواه البخاري، وفي رواية لأبي داود عن أمنا أم سلمة -رضي الله عنها- أنها قالت: "لما نزلت: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ)؛ خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية". فأين هذه الصورة المضيئة من واقع نساء المسلمين اليوم؟.

الصورة الثالثة: تحكى سرعة استجابة الصحابة الكرام وهم في الصلاة عندما أخبروا أن القبلة حولت من بيت المقدس إلى الكعبة، يروي هذه الحادثة الصحابي الجليل عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- فيقول: "بينما الناس بقباء في صلاة الصبح، إذ جاءهم آت فقال إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة" رواه البخاري.

إنهم لم ينتظروا حتى يكملوا الصلاة ويتحققوا من الخبر، بل استداروا وهم ركوع في الصلاة خشية أن يقعوا في دائرة معصية الله ورسوله. فأين هؤلاء من الذين يسمعون أوامر الله -تعالى- وأوامر رسوله تتلى عليهم ليل نهار وهم معرضون عنها غير مبالين بها؟.

المحور الثاني: عدم المجادلة بغير علم: نريد أن نقف أيضًا على نقطة مهمة، وهي عدم المجادلة بغير علم؛ فإنها أخطر الأمراض على الفرد والمجتمع، بل إن من علامات الساعة ذهابَ العلماء فيتخذ الناس رؤوسًا جهالا فيقولون بغير علم فيضلون ويضلون، كذلك ينبغي لنا أن نسلم للحق عند ظهوره، فنحن أحق به، قال -صلى الله عليه وسلم-: "الحكمة ضالة المسلم أني وجدها فهو أحق الناس بها"، وسبب هذا الكلام أن الكثير من الناس يكابر في أمر الدخان، ويمتنع من قبول الحق، وهذا جدال في الله، وقول على الله -تعالى- بغير علم، حتى يقول بعضهم: أين النص الذي يقول إن الدخان حرام؟ وقد قال بعضهم ساخرًا: إن كان الدخان حلالا فنحن نشربه، وإن كان حرامًا فنحن نحرقه! وبعضهم يتعلل بكثرة الشاربين، وبعضهم يتعلل بعدم القدرة على تركه!.

لا تخادع نفسك ولا تكابر في قبول الحق، وتوكل على الله وأقلع عن هذه الخبائث قبل أن يداهمك هاذم اللذات حيث لا ينفع الندم.

ثم بعد ذلك عليك أن تكسب مزيدًا من الحسنات بأن تنصح أخًا واحدًا على الأقل وهذه فرصتك لتكسب حسنة جارية، جزانا الله وإياكم خير الجزاء...

بعض الناس لا يقتنعون بتحريم الدخان، مع أدلة تحريمه، ولا سيما المدخنون الذين يدافعون عن أنفسهم، فنقول لهم: إذا لم يكن الدخان محرمًا فلماذا لا يشرب في المساجد، والأماكن المقدسة؟ بل تشربونه في الحمامات وأماكن اللهو والمحرمات، لماذا يتخفى الإنسان وهو يشربه ممن يستحي منه؟.

هذا، ولقد وردت آيات في كتاب ربنا -سبحانه- تبين أهمية التمسك بالدلائل الواضحة وحرمة الجدال بغير علم، ومن ذلك قول الله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ) [الحج:3]، وأيضا: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ) [لقمان:20]، وأيضا يقول ربنا: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ) [لقمان:20]، وقال -تعالى-: (مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي البِلادِ) [غافر:4]. وقال أيضا: (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) [غافر:35]، وقال -سبحانه-: (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [غافر:56].

أخي: هل الشيء الذي تهواه وتحبه وتنشط له وترغب فيه وتسعى لتحصيله محبوب لله ورسوله أم لا؟ إن كان هواك فيما يحبه الله ورسوله فأبشر بالسعادة في الدنيا والآخرة! وإن كان خلاف ذلك فالبدارَ البدار إلى تصحيح المسار، والرجوع إلى الله -تعالى-! لتنال سعادة الدنيا وفوز الآخرة، وقد ذم ربنا المشركين باتباع الهوى فقال -سبحانه-: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص:50].

المحور الثالث: أدلة تحريم التدخين من القرآن والسنة: سنورد هنا من أقوال المختصين وأهل العلم ما يوضح طبيعة التدخين الخبيثة، بحيث تنقطع كل شبهة في تحريمه على كل نفس مسلمة تخاف الله وتخشى عقابه، ولنمض الآن في توضيح الأصول الأولى التي تنبني عليها الحرمة بالأدلة الشرعية.

أولا: إضاعة الصحة... ولم يعد هناك أدنى شك أن التدخين سبب قوي من أسباب الإصابة بسرطان الرئة، هذه نتيجة علمية أسفرت عنها بحوثُ الهيئات الطبية المتخصصة في جميع أنحاء العالم.

وهناك حقيقة مؤسفة بهذا الصدد هي أن السرطان الرئوي داء خبيث، لا يظهر في العادة إلا بعد أن تتضح آثاره خارج الرئة نفسها، مما يجعل أربعة من كل خمسة أشخاص يصابون به لا يمكن تداركهم في الوقت المناسب...

وهناك إحصائية تقول: إن عدد الموتى في سنة واحدة من المصابين بسرطان الرئة ثلاثة وعشرون ألفا عام اثنين وستين وتسعمائة وألف.

وقد مات في بريطانيا حتى عام ثلاثة وستين وتسعمائة وألف أكثر من ربع مليون شخص بسبب التدخين، وكل شيء بقضاء الله وقدره.

وجدير بالذكر هنا أن جمعيات السرطان التي تكافح هذا الوباء في كل مكان تؤكد للعالم كله، أنها لا تنطلق في نشاطها المعادي للتدخين من دافع ديني أو اجتماعي أو أخلاقي، وأنها إنما تنبعث من دافع واحد فقط هو خطر التدخين على الناحية الصحية.

وحيث تأكدت علاقة التدخين بالسرطان الرئوي، فلم يعد ثمة مجال للقول بغير التحريم المطلق للتدخين بحكم كونه مفضيًا إلى التهلكة المنهي عن الوقوع فيها بالنص القرآني؛ قال -تعالى-: (وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)، وقال -سبحانه-: (وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)...

ثانيا: إضاعة المال الذي هو نعمة من الله للخلق، ونعمة الله ينبغي أن تبذل فيما يرضيه لا فيما يغضبه ويسخطه، وإتلاف المال بسبب التدخين يؤثر في الفرد والمجتمع.

أما بالنسبة لأثره في الفرد فإن التدخين يعد ثغرة مفتوحة تتسرب فيها أموال طائلة ينفقها المرء يوميًّا بغير حساب، وينفقها في المقام الأول لإضعاف بدنه وإفساد صحته، فيدخل في عداد السفهاء الذين يجب فرض الحجر عليهم ومنعهم من حرية التصرف الفاسد بأموالهم، ولو عملنا إحصائية يسيرة مثلا على الإنفاق على التدخين بنسبة تقريبية تقديرية وافترضنا أن المدخن العادي يدخن في اليوم الواحد علبة دخان، ثمن العلبة ثلاثة جنيهات، فهذا يعني أنه ينفق في الشهر على التدخين تسعين جنيهاً، بغض النظر عن جلسات المقاهي والكافيهات وشرب الشيشة، وبغض النظر عن نفقات الخمر والمخدرات التي تحسب بالآلاف، فإن هذا يعني أن الإنسان الذي يدخن لمدة ثلاثين سنة ينفق على التدخين أكثر من اثنين وثلاثين ألف جنيه.

لا شك أن هذا من الإسراف الذي لا يجوز بحال، فالمدخن يبتاع بماله ما يُدخل الفتور والإضعاف على بدنه، ويضيع المال الذي استودعه الله إياه واستأمنه عليه، فيجمع بين ضررين في وقت واحد! وإذا كان الإسراف في حد ذاته محرمًا، فكيف بمن يجعل الإسراف مدعاة للإتلاف والإضعاف؟ ورد في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله حرم عليكم: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعًا وهات؛ وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال"...

ثالثاً: خطر التدخين على المجتمع؛ لأن المدخنين كانوا سببًا في إشعال نيران الحرائق بنسبة أكثر من غيرهم...

رابعاً: الرائحة المنتنة: وهذا أيضًا دليل تحريم للدخان، فمَن مِن أصحاب النفوس السليمة يستطيع أن يقترب من فم أحد المدخنين لمدة دقيقة؟ من يطيق أن يدنو من مدخن برائحة فمه، التي سببتها ألوان التبغ الكثيرة فأصبح أسود الأسنان، قبيح النفَس صعودًا وهبوطًا؟ كم من صف في الصلاة اضطرب حبله بسبب رائحة خبيثة انطلقت من فم مدخن فأصابت الجميع بالتقزز والاشمئزاز، وكانت سببًا في إلحاق الأذى والضر بعباد الله دون ذنب جنوه إلا مجاورة هذه المدخنة المحترقة! وفي الصحيحين عن جابر: "إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس"...

ومعلومٌ أن الإسلام يرعى حرمة المجتمعات الإسلامية ويوصي بحسن التأدب... وقد أخرج الشيخان في صحيحيهما عن جابر مرفوعًا: "من أكل ثومًا أو بصلا فليعتزلنا، وليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته".

ولا شك أن رائحة الثوم والبصل أخف وطأة من رائحة التدخين؛ لأن رائحة الثوم والبصل مؤقتة وليست دائمة، فهي تزول بتطهير الفم منها، ثم هي رائحة طعامين مباحين، وفي السنن أنه -صلى الله عليه وسلم- "أمر آكل البصل والثوم أن يميتهما طبخًا".

وقد أهدي إليه -صلى الله عليه وسلم- طعام فيه ثوم، فأرسل به إلى أبي أيوب الأنصاري، فقال يا رسول الله: تكرهه وترسل به إلي؟ فقال: "إني أناجي من لا تناجي"...

خامساً: الضرر المتحقق: ومن أدلة تحريم التدخين الضرر المتحقق بشربه، فإنه ليس هناك أدنى شك في حصول الضرر من الدخان وتعاطيه، وقد جاء الإسلام بنفي الضرر، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا ضرر ولا ضرار". حديث صحيح رواه الإمام أحمد وغيره. والضرر هنا ينقسم إلى نوعين: [بدني ومالي]...

سادسا: التدخين من الخبائث: من أدلة تحريم التدخين أنه من الخبائث فلا تستطيبه النفوس الطيبة، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- من جملة أوصافة أنه ينهى عن الخبائث؛ قال -تعالى- واصفا نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه على دعوته: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِث) [الأعراف:157].

لماذا يشيع التدخين بين الشباب؟ لا أظن أن الآباء والأولياء قد جنوا على النشء جناية أفدح ضررًا ولا أعظم خطرًا ولا أسوأ أثرًا من تلقينهم الدروس الأولى في التدخين، وذلك منذ أرسلوهم ليبتاعوا لهم علب السجائر أول مرة، ثم استمرؤوا بعد ذلك إشعالها وتدخينها على مرأى ومسمع أبنائهم الصغار، الذين تحتل غريزة المحاكاة مكانًا أساسيًّا في طباعهم:

 وينشأ ناشئُ الفتيان منا

على ما كان عوَّده أبوه

كيف تتوقف عن التدخين؟ ليس ثمة ما يضمن نجاحك في إيقاف التدخين -بعد اعتمادك على الله -تعالى- واستمدادك العون منه وحده- سوى عزيمتك القوية، وإرادتك الصارمة، وبدون هذه الإرادة الشخصية لن تفيدك عشرات النصائح، ولا مئات الإحصائيات عن عدد الضحايا، بهذه الإرادة عليك أن تستنقذ هذه الإرادة المسلوبة من براثن الداء، وبعدها يسهل عليك كل شيء بإذن الله.

ولا تنس أبدًا أن التدخين مجرد عادة يمكنك أن تستبدل بها غيرها، بتغيير المكان، أو الغياب عن العصبة المدخنة، أو تغيير المناخ، عندئذ تصبح السيجارة مجرد ذكرى كئيبة تطردها الأيام والأعمال عن مخيلتك.

سوف تجد من يقول: إن الإقلاع عن التدخين مسألة من المستحيلات! فإن لقيت مثل هذا فاعلم أنه الصديق الجهول، الذي خير منه العدو العاقل. وضع نصب عينيك أن الكف عن التدخين إنما هو طاعة لله -تعالى- قبل أن يكون شيئا آخر.

إذا لم تقلع عن التدخين من الآن فلسوف يجبرك الأطباء غدًا على إيقافه، وعلى إيقاف تناول مجموعة أخرى معه من أحب الأطعمة والأشربة إلى نفسك، بعد أن يكون الخطر قد زاد، والضرر قد استشرى.

قبل أن تمد يدك إلى السيجارة في الصباح وقبل الإفطار، تناول كأسًا من الليمون المر، فهذا أكبر مساعد لك على إيقاف التدخين طوال فترة الصباح.

سؤال إلى كل مدخن: هل تسمي أو تذكر الله عندما تشرب السيجارة؟ هل تقول الحمد لله عندما تنتهي من السيجارة؟ هل هناك مأكول أو مشروب غير الدخان تطؤه بحذائك عندما تنتهي منه؟ هل يسرك أن ترى ابنتك أو ابنك يدخن؟ هل من السنة أن تفطر في رمضان على سيجارة؟ هل إهداء الرجل لأخيه سيجارة يدخل في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "تهادوا تحابوا"؟ هل يوجد أي طعام أو شراب غير الدخان يكتب فيه على المنتج: ضار بالصحة؟ هل كلفت نفسك مرة أن تبحث عن تاريخ انتهاء صلاحية السيجارة؟ ولماذا؟ كيف تنفق كل هذه الأموال على الدخان في سرور في حين إنك تصارع الحياة حتى تتمكن من الإنفاق على أهلك ثم تتأفف من الإنفاق عليهم؟ ماذا تسمى هذا التصرف؟ من أقل بلاهة: الشخص الذي يدفع المال لشراء الدخان وشربه وإلحاق الضرر بنفسه، أم الشخص الذي يأخذ هذا المبلغ ويحرقه ويرميه في القمامة؟.

هل جهزت إجابتك عندما يسألك رب العباد عن عدم التصدق على الفقراء واليتامى والجار الذي يتضور جوعًا؟ هل تكون إجابتك: إنني أنفقت ما زاد على حاجتي لشراء الدخان؟ أولم تعِ جيدًا قولَ الله -عز وجل-: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ) [الأعراف:157]، وقوله -سبحانه وتعالى-: (وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة:195]...