البحث

عبارات مقترحة:

الآخر

(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...

النكاح العرفي

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات النكاح - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. المراد بالنكاح العرفي .
  2. حكم النكاح العرفي .
  3. أسباب اللجوء إلى النكاح العرفي .
  4. مخاطر النكاح العرفي .
  5. النكاح العرفي الجائز. .

اقتباس

فَنَحْنُ أَمَامَ ظَاهِرَةٍ لَهَا مَخَاطِرُهَا الْكَثِيرَةُ عَلَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ، وَحِينَمَا لَا تُدَاوَى أَسْبَابُ الْعُزُوفِ عَنِ الزَّوَاجِ الشَّرْعِيِّ، وَيُيَسَّرُ طَرِيقُ النِّكَاحِ لِلرَّاغِبِينَ فِيهِ فَإِنَّ الزَّوَاجَ الْعُرْفِيَّ سَيَزْدَادُ وَيُصْبِحُ مِنْ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- قَدْ فَطَرَ الرَّجُلَ مَيَّالًا إِلَى الْمَرْأَةِ، وَخَلَقَ الْمَرْأَةَ مَيَّالَةً إِلَى الرَّجُلِ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَالرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ أَصْلٌ، وَهِيَ لَهُ فَرْعٌ فِي الْخَلْقِ الْأَوَّلِ: قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1].

 

فَلَمَّا كَانَ الرَّجُلُ بِحَاجَةٍ فِطْرِيَّةٍ إِلَى الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ؛ شَرَعَ اللَّهُ -تَعَالَى- طَرِيقًا نَظِيفًا لِتَلْبِيَةِ نِدَاءِ هَذِهِ الْحَاجَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ؛ فَدَعَا إِلَى الزَّوَاجِ الشَّرْعِيِّ الْمُسْتَوْفِي لِلْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ: مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

عِبَادَ اللَّهِ: غَيْرَ أَنَّ هُنَاكَ أُنَاسًا عَدَلُوا عَنِ الطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ المعروف إِلَى طُرُقٍ أخرى؛ لِيَقْضُوا عَبْرَهَا أَوْطَارَهُمْ، وقد صار مِنْ أَكْثَرِهَا شُيُوعًا: مَا يُسَمَّى بِالزَّوَاجِ الْعُرْفِيِّ، فَمَا هُوَ الزَّوَاجُ الْعُرْفِيُّ، وَمَا حُكْمُهُ يَا عِبَادَ اللَّهِ؟

وَالْجَوَابُ: أَنَّ الزَّوَاجَ الْعُرْفِيَّ لَهُ صُورَتَانِ:

الصُّورَةُ الْأُولَى: تَزَوُّجُ الْمَرْأَةِ فِي السِّرِّ دُونَ مُوَافَقَةِ وَلَيِّهَا. وَلِهَذَا يُسَمِّيهِ بَعْضُهُمْ بِالزَّوَاجِ السِّرِّيِّ. وَحُكْمُ هَذِهِ الصُّورَةِ: هُوَ عَقْدٌ مُحَرَّمٌ لِفِقْدَانِهِ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ عَقْدِ النِّكَاحِ؛ وَهُوَ الْوَلِيُّ، وَالزَّوَاجُ فِي دِينِنَا الْحَنِيفِ لَابُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ وَلِيٌّ لِلْمَرْأَةِ يَنْظُرُ فِي صَلَاحِيَةِ الرَّجُلِ لِلزَّوَاجِ بِمُوَلِّيَتِهِ، فَإِنْ رَأَى ذَلِكَ عَقَدَ لَهَا، وَإِلَّا رَدَّهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَصُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِ في اختيار الزوج الكفؤ لها، والموافقة على الزوج الذي لا يعود في مصاهرته على العائلة مضرة؛ ولأن الرجال أعرف بالرجال، ونظرتهم أدق من النساء اللاتي قد لا تتجاوز أنظارهن الأمور الظاهرة إلى المعاني والحقائق؛ وَلِذَلِكَ وَرَدَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ).

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).

وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ).

وعن عكرمة بن خالد قال: "جمعت الطريق ركبا، فجعلت امرأة منهن ثيب أمرها بيد رجل غير ولي فأنكحها، فبلغ ذلك عمر، فجلد الناكح والمنكح ورد نكاحها" (رواه الشافعي والدارقطني).

 

وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: التَّزَوُّجُ بِمُوَافَقَةِ الْمَرْأَةِ وَوَلِيِّهَا، لَكِنْ دُونَ إِعْلَانٍ أَوْ إِشْهَارٍ، أَوْ دُونَ تَوْثِيقِهِ فِي الْمَحَاكِمِ الشَّرْعِيَّةِ أَوِ النِّظَامِيَّةِ، بِشَرْطِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، وَحُكْمُ هَذِهِ الصُّورَةِ: هُوَ عَقْدٌ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ شُرُوطُهُ وَأَرْكَانُهُ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ بِوُجُوبِ الْإِعْلَانِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى عَدَمِ تَوْثِيقِهِ ضَيَاعٌ لِحُقُوقِ الزَّوْجَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَهْرُ وَالْمِيرَاثُ، وَقَدْ يَحْصُلُ حَمْلٌ وَإِنْجَابٌ فَكَيْفَ سَيُثْبَتُ هَذَا الْوَلَدُ فِي الْأَوْرَاقِ الرَّسْمِيَّةِ؟ وَكَيْفَ سَتَدْفَعُ الْمَرْأَةُ عَنْ عِرْضِهَا أَمَامَ النَّاسِ؟ قال الشيخ ابن باز- رحمه الله-: " وليس من شرط العقد الشرعي أن يكون في المحكمة، أو عند المأذون الشرعي، بل متى تزوجوا بالطريقة الشرعية بأن زوجها أبوها أو زوجها إخوتها وهي أهل لذلك  فإن النكاح يكون صحيحًا"( نور على الدرب).

مَعَ الْعِلْمِ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ جَعَلَ إِعْلَانَ النِّكَاحِ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهِ، وَهُوَ قَوْلٌ لَيْسَ بَعِيدًا عَنِ الصَّوَابِ؛ فَقَدْ عَلَّلُوا ذَلِكَ بِكَوْنِ الْإِعْلَانِ يُعْلَمُ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

وَهَذِهِ الصُّوَرُ مُخَالِفَةٌ لِبَعْضِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ الْمَذْكُورَةِ سَلَفًا مِنَ الزَّوَاجِ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إن هذا النوع من الزواج له أسباب أدت إليه، وكان انتشاره لعدة مسوغات جعلت البعض يقبلون عليه؛ فَمِنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ:

الْجَهْلُ؛ فَبَعْضُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ قَدْ يَجْهَلُونَ أَنَّ هَذَا زَوَاجٌ بَاطِلٌ، لَكِنْ لِرَوَاجِهِ فِي الْإِعْلَامِ وَبَعْضِ الْبِيئَاتِ ظَنُّوهُ حَلَالًا مع أن الشرع الحكيم قد حكم ببطلانه؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "لا نكاح إلا بولي".

 

وَمِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي أَدَّتْ إِلَى الزَّوَاجِ الْعُرْفِيِّ: تَأَخُّرُ الشَّبَابِ فِي الزَّوَاجِ، وَكَثْرَةُ الْعُنُوسَةِ فِي النِّسَاءِ؛ فَلِذَلِكَ رَأَى الْمُقْدِمُونَ عَلَى هَذَا الزَّوَاجِ فُرْصَةً سَهْلَةً لِكَبْحِ جِمَاحِ شَهَوَاتِهِمْ؛ وقد كان لهم في الزواج الشرعي غنية عن غيره من صور الزواج غير المشروعة؛ ففي الحديث دعوة من النبي صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ له حيث قال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج"( متفق عليه).

 

وَمِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي أَدَّتْ إِلَى الزَّوَاجِ الْعُرْفِيِّ: الْفَقْرُ وَغَلَاءُ الْمُهُورِ وَكَثْرَةُ الْمُثِيرَاتِ الْجِنْسِيَّةِ فِي الْوَاقِعِ، كالاختلاط بين الرجال والنساء، والاتفاقات التي تكون تحت ضغط الضعف البشري بين الجنسين، فَصَارَ الزَّوَاجُ الْعُرْفِيُّ لَدَى مُمَارِسِهِ هُوَ الْحَلَّ لِلظَّفَرِ بِالْمَطْلُوبِ؛ بينما كان الواجب عليهم شرعا أن يعفوا أنفسهم بالوسائل المشروعة كالزواج والذي هو سبيل للغنى؛ (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )[النور:32]؛ فإن عجزوا عنه عدلو إلى الصيام؛ "فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج".

 

وَمِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي أَدَّتْ إِلَى الزَّوَاجِ الْعُرْفِيِّ: تساهل بعض أولياء الأمور في متابعة بناتهم وأخواتهم، وترك الحبل لهن على الغارب بدون رقيب ولا حسيب، مما جعلهن يصنعن ما شئن؛ ولو أن أولياء الأمور التزموا شرع الله وحافظوا على الأمانة التي ائتمنهم الله عليها لما حصلت مثل هذه المزالق؛ (لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ)[الأنفال:27].

 

وَعَلَى الْعُقَلَاءِ فِي كُلِّ مُجْتَمَعٍ: أَنْ يَنْظُرُوا فِي هَذِهِ الْأَسْبَابِ لِيُعَالِجُوهَا؛ وَإِلَّا فَإِنَّ ضَرَرَ هَذِهِ الْفِتْنَةِ الْعَارِمَةِ لَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَهْلِهِ، بَلْ سَيَعُمُّ الْمُجْتَمَعَ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)[الْأَنْفَالِ: 25].

 

أيها المسلمون: نَحْنُ أَمَامَ ظَاهِرَةٍ لَهَا مَخَاطِرُهَا الْكَثِيرَةُ عَلَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ، وَحِينَمَا لَا تُدَاوَى أَسْبَابُ الْعُزُوفِ عَنِ الزَّوَاجِ الشَّرْعِيِّ، وَيُيَسَّرُ طَرِيقُ النِّكَاحِ لِلرَّاغِبِينَ فِيهِ فَإِنَّ الزَّوَاجَ الْعُرْفِيَّ سَيَزْدَادُ وَيُصْبِحُ مِنْ مَخَاطِرِهِ:

عُزُوفُ بَعْضِ النَّاسِ عَنِ الزَّوَاجِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ لِأَهْدَافٍ سَامِيَةٍ؛ وَمِنْهَا: تَكَاثُرُ الْأُمَّةِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ).

 

وَمِنْ مَخَاطِرِ انْتِشَارِ الزَّوَاجِ الْعُرْفِيِّ: كَثْرَةُ الْمُشْكِلَاتِ الْأُسَرِيَّةِ بَيْنَ الْآبَاءِ وَبَنَاتِهِمْ، وَبَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ اللَّذَيْنِ اجْتَمَعَا عَلَى هَذِهِ الْعَلَاقَةِ الْمُحَرَّمَةِ، كَمَا أَنَّ هَذِهِ الرَّابِطَةَ الْمُحَرَّمَةَ قَدْ تُؤَدِّي إِلَى هُرُوبِ بَعْضِ الْبَنَاتِ عَنْ أُسَرِهِنَّ حِينَمَا يُكْشَفُ أَمْرُهُنَّ، وما أكثر القصص التي نسمعها عبر وسائل الإعلام من  هروب لبعض الفتيات وهجرتهن إلى بلاد الغرب.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ مُجْتَمَعَاتِنَا الْمُسْلِمَةَ، وَيَدْفَعَ عَنْهَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هُنَاكَ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الزَّوَاجِ الصَّحِيحِ انْتَشَرَتِ الْيَوْمَ بِاسْمِ الزَّوَاجِ الْعُرْفِيِّ؛ وَهِيَ: أَنْ يَحْصُلَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ عَقْدُ زَوَاجٍ مُسْتَوْفِي الشُّرُوطِ؛ مِنْ وَلِيٍّ وَصَدَاقٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، لَكِنَّهُ لَا يَتِمُّ إِعْلَانُهُ، أَوْ لَا يُوَثَّقُ بِالطُّرُقِ الرَّسْمِيَّةِ فِي الْمَحَاكِمِ الشَّرْعِيَّةِ؛ فَإِذَا تَمَّ عَقْدُ الزَّوَاجِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَقْدًا صَحِيحًا شَرْعًا، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كُلُّ آثَارِهِ: مِنْ حِلِّ التَّمَتُّعِ، وَثُبُوتِ الْمِيرَاثِ، وَالْحُقُوقِ لِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ وَلِلذُّرِّيَّةِ النَّاتِجَةِ مِنْهُ.

 

ونحن -يَا عِبَادَ اللَّهِ- فِي عَصْرٍ قَلَّ فِيهِ الْوَرَعُ وَكَثُرَ فِيهِ الطَّمَعُ، وَزَادَ الْبُعْدُ عَنْ أَوَامِرِ الشَّرِيعَةِ؛ فَلِذَلِكَ نَرَى أَنَّهُ مِنَ الْأَمْرِ الْمُحَتَّمِ: تَوْثِيقُ عُقُودِ الزَّوَاجِ تَوْثِيقًا رَسْمِيًّا؛ سَدًّا لِبَابِ الْإِنْكَارِ وَضَيَاعِ الْحُقُوقِ وَالْأَوْلَادِ، وَإِثْبَاتًا لِلنَّسَبِ، وَرَفْعًا لِلظُّلْمِ. بل إنه صار ممنوعًا في بعض الأنظمة؛ لما يترتب عليه من المفاسد السابقة.

 

وَإِذَا كَانَ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قَدْ أَمَرَ بِتَوْثِيقِ الدَّيْنِ بِقَوْلِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ... وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا)[الْبَقَرَةِ: 282]؛ فَإِنَّ عَقْدَ الزَّوَاجِ مِنْ بَابِ أَوْلَى.

 

أَلَا فَاتَّقُوا اللَّهَ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- فِي أَنْكِحَتِكُمْ؛ وَاسْلُكُوا سَبِيلَ الْحَلَالِ، وَتَجَنَّبُوا طُرُقَ الْحَرَامِ، وَمَنْ صَعُبَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إِلَى الْحَلَالِ فَلْيُعِفَّ نَفْسَهُ بِالصَّبْرِ حَتَّى يَأْتِيَهُ عَوْنُ اللَّهِ -تَعَالَى-. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ" وَذَكَرَ مِنْهُمْ: "وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

 

نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يُعِينَ إِلَى الزَّوَاجِ مَنْ يُرِيدُ الْعَفَافَ، وَيُيَسِّرُ لَهُ طَرِيقَهُ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].