البحث

عبارات مقترحة:

الآخر

(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الحسيب

 (الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...

التحذير من المتسولين في شهر رمضان وغيره

العربية

المؤلف عايد بن علي القزلان التميمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المهلكات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. فضائل الصدقات وبذْل المعروف للمسلمين .
  2. أهمية الإحسان إلى الفقراء والمساكين .
  3. الهدف من إقامة المساجد .
  4. انتشار ظاهرة التسول في المساجد .
  5. سمات الفقراء الحقيقيين .
  6. أدلة تحريم التسول وسؤال الناس من غير حاجة .
  7. النصوص الدالة على ذم التسوّل في المساجد .
  8. تحريم إعطاء الصدقات للمتسولين الذين يصطنعون العاهات أو يستأجرون الأطفال للتسول بهم. .

اقتباس

ولا يخفَى على المسلِم فوائدُ الصدقات، وبذْل المعروف للمسلمين، والإحسان إلى الفقراء والمساكين، لكن لا بدَّ أن يعرفَ الجميع أنَّ المساجد لم تُبنَ لاستدرار المال، وكسْر قلوب المصلِّين، واستعطافهم من أجل البذْل والعطاء، فالواجب على الجميع احترامُ بيوت الله - تعالى - من كلِّ ما يُدنسها، أو يُثير الجدلَ والكلام غير اللائق بها، فليستْ بأماكن كسْب، وسبل ارتزاق؛ لجمْع حُطامِ الدنيا، ورَفْع الصوت ولغط الكلام، فلا تكاد تُصلِّي في مسجد وخاصة في شهر رمضان أو قبله بأيام إلاَّ ويُداهمك متسوِّلٌ وشحَّاذٌ، ويطاردك سائلٌ ومحتاج...

الخطبة الأولى:

الحمد لله...

أما بعد فيا أيها المسلمون: لقد حثَّ الإسلام على الصدقات، والإنفاقِ في سبيل الله - عزَّ وجلَّ - قال تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [البقرة: 245].

ورغَّب الإسلام في تفقُّد أحوالِ الفقراء والمساكين، والمحتاجين والمعوزين، وحثَّ على بذْل الصدقات لهم، فقال – تعالى -: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ...) [التوبة: 60]، الآية ووعد على ذلك بالأجر الجزيل، والثواب الكبير؛ قال – تعالى -: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) [الأنفال: 60].

ولا يخفَى على المسلِم فوائدُ الصدقات، وبذْل المعروف للمسلمين، والإحسان إلى الفقراء والمساكين، لكن لا بدَّ أن يعرفَ الجميع أنَّ المساجد لم تُبنَ لاستدرار المال، وكسْر قلوب المصلِّين، واستعطافهم من أجل البذْل والعطاء، بل الغايةُ منها أعظمُ من ذلك بكثير، فالمساجد بيوتُ عبادة، ومزارع خيرٍ للآخرة، فالأصلُ فيها، إقامة ذِكْره - جلَّ شأنه - والصلاة، وغير ذلك من محاضرات ودروس علميَّة؛ قال – تعالى -: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ) [النور: 35].

فالواجب على الجميع احترامُ بيوت الله - تعالى - من كلِّ ما يُدنسها، أو يُثير الجدلَ والكلام غير اللائق بها، فليستْ بأماكن كسْب، وسبل ارتزاق؛ لجمْع حُطامِ الدنيا، ورَفْع الصوت ولغط الكلام، فلا تكاد تُصلِّي في مسجد وخاصة في شهر رمضان أو قبله بأيام إلاَّ ويُداهمك متسوِّلٌ وشحَّاذٌ، ويطاردك سائلٌ ومحتاج، وليس العجب في هذا، ولكن العجب عندما ترى رجلاً أو شابًّا يافعًا وهو يردِّد كلماتٍ لطالما سمعناها، ولطالما سئمناها، فيقف أحدُهم، ويردِّد كلمات عَكَف على حِفظها أيَّامًا طوالاً، وساعات عديدة، مدفوعًا من قبل فئة مبتزَّة، أو جهة عاطلة، تُريد المساسَ بأمن هذا البلد واستقراره، وتشويه صورته أمام المجتمعات.

عباد الله:

إنَّ تلك المناظر المخجلة التي نراها في بيوت الله – تعالى - لهي دليلٌ على عدم احترام المساجد، وعدم معرفة السبب الذي من أجله بُنيت، ودليلٌ على نزع الحياء، وعدم توقير بيوت الله، وكم تُطالعنا الصحف اليوميَّة بتحقيقات صحفية مع أولئك المبتزِّين من رجال ونساء، ولسان حالهم جميعًا يقول: نُريد مالاً بلا عمل، لقد فسخوا الحياء من وجوههم، ولهذا قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "إذا لم تَستحِ، فاصنعْ ما شِئتَ".

عباد الله: وكم هم الفقراء والمحتاجون، الذين نَعرِفهم ويعرفهم الكثير! ومع ذلك تجدُهم متعفِّفين عن سؤال الناس، ولا يسألون إلاَّ الله الرزَّاق ذا القوة المتين؛ لأنَّهم أيقنوا أنَّ الرزق من الله وحده، وبيده وحده، فامْتثَلُوا أمرَ ربهم - تبارك وتعالى - القائل في مُحكم التنزيل: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) [الذاريات: 22].

ولقدْ امتدحهم الله - تعالى - لعدم مدِّ أيديهم للناس أو سؤالهم؛ فقال تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) [البقرة: 273].

وإليكم عبادَ الله، بعضَ الأدلة التي تُحرِّم التسوُّلَ، وسؤالَ الناس من غير حاجة:

فقد ثَبتَ في الصحيحَين من حديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "ما يزالُ الرجلُ يَسألُ الناسَ، حتى يأتيَ يومَ القيامة ليس في وجهه مُزعةُ لَحْم".

وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: "والذي نفسي بيده، لأنْ يأخذَ أحدُكم حبلَه، فيحتطب على ظهرِه، فيتصدَّق به على الناس - خيرٌ له من أن يأتيَ رجلاً فيسأله، أَعْطَاه أو مَنَعه".

وعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "مَن أصابتْه فاقةٌ فأنزلها بالناس، لم تُسدَّ فاقتُه، ومَن أنزلَها بالله، أوشكَ الله له بالغِنَى، إمَّا بموت عاجِل، أو غِنًى عاجل".

و"اتَّفق علماءُ الإسلام على أنَّ التسوُّل حرامٌ لغير ضرورة، ولا يجوز إعطاءُ المتسوِّلين في المساجد؛ لأنَّ فيه تشجيعًا لاستمرارهم في هذا المسلك القبيح، وفيه تعطيلٌ للطاقات البشرية عن الكَسْب المشروع.

عباد الله: فعن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ: "يَا حَكِيمُ! إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى". قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَدْعُو حَكِيمًا إِلَى الْعَطَاءِ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ: "إِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى تُوُفِّيَ" أي لم يأخذ من أحد شيئًا"؛ متفق على صحته.

أيها المسلمون، إن النصوص الدالة على ذم التسوّل كثيرة:

وقال الحنابلة - رحمهم الله -: يُكرَهُ سؤال الصدقة في المسجد، ويُكرَه إعطاءُ السائل فيه.

وقال الشافعية - رحمهم الله -: يُكره السؤال في المسجد، وإذا كان فيه تشويشٌ ورفْعُ صوت فيحرُم.

وقال المالكية - رحمهم الله -: يُنهى عن السُّؤال في المسجد، ويُكرَه إعطاء السائل فيه.

وقال الأحناف - رحمهم الله -: يحرُم السؤال في المسجد، ويُكرهُ إعطاءُ السائل فيه.

وأكثرُ السلف لا يَروْن جوازَ التصدُّق على مَن يسأل في المسجد، وقال أحدُ السلف: "لو كنتُ قاضيًا لم أقبلْ شهادةَ مَن يتصدَّق على مَن يسأل في المسجد".

وممَّا سَبَق تظهر بشاعةُ التسوُّل وأضراره على الفَرْد والمجتمع، وأنَّه يؤدِّي إلى موت الهِمم.

والواجب على كلِّ فرْد من أفراد المجتمع: منعُهم بالتي هي أحسنُ من غير تشويش على الآخَرِين، ورَفْعٍ للأصوات في المساجد، بل لا بدَّ مِن الحِكمة في ذلك، وتبليغ الجِهات المختصَّة عنهم.

ولا يجوز أن تكون المساجد لنشد الضالة أو للبيع والشراء، أو للتسول والشحاذة، فقد ورد في الحديث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- " نَهَى عَنْ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ ضَالَّةٌ، وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ، وَنَهَى عَنْ التَّحَلُّقِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ" (رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وحسنه العلامة الألباني).

عباد الله: وأما قوله تعالى: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ) [الضحى: 10]، فقد قال ابن كثير: "أي: وكما كنت ضالاً فهداك الله، فلا تنهر السائل في العلم المسترشد". وقال القرطبي: "وأما السائل فلا تنهر، أي لا تزجره فهو نهي عن إغلاظ القول، ولكن رُدَّه ببذلٍ يسير، أو ردٍّ جميل". وعدم السماح للمتسولين بالسؤال داخل المساجد لا يتنافى مع الآية الكريمة.

إنَّ الوقوفَ على الأبوابِ حرمانُ

والعجزَ أن يرجُوَ الْإنسانَ إنسانُ

متى تُؤمِّلُ مخلوقًا وتقصِدُه

إنْ كان عندَك بالرحمنِ إيمانُ

ثِقْ بالَّذي هو يُعطي ذا ويمنَعُ ذا

في كلِّ يومٍ له في خَلْقِه شَانُ

فعلينا جميعًا: يا عباد الله أن نحارب هذه الظاهرة بجميع ما نملك.

بارك الله لي ولكم ....

الخطبة الثانية:

أما بعد فيا عباد الله..

فقد حذر سماحة المفتي العام من إعطاء الصدقات للمتسولين الذين يصطنعون العاهات أو يستأجرون الأطفال للتسول بهم وربما أخذوا أطفالاً بغير طريق مشروع فقطّعت أطرافهم لأجل أن يستعطفوا قلوب الناس إليهم. وقال: "إنه لا يجوز إعطاء هؤلاء ولا التعاون معهم".

ولفت إلى أن الصحف المحلية تنشر أحياناً أن إدارة المتسولين تكتشف أن بعض المتسولين يحمل معه أموالاً بمئات الآلاف أو أكثر.

عباد الله: وقد حذرت وزارة الداخلية مرارًا المواطنين والمقيمين من دعم المتسولين في الشوارع والمساجد والأسواق، وعدم تقديم أي مساعدات لهم؛ حتى لا تُستغل تلك الأموال في دعم أي جماعات إرهابية سواء بداخل المملكة أو خارجها.

عباد الله: ومن يريد الإنفاق والتصدق في سبيل الله فعليه التصدق عن طريق قنوات الإنفاق الرسمية في بلادنا، ومنها جمعيات البر والتحفيظ الخيرية، والمكاتب الدعوية، والمستودعات الخيرية وغيرها. وليكن شعارنا "لا لدعم التسول، نعم لمساعدة المحتاجين الحقيقيين عبر الجمعيات الخيرية".

هذا، وصلوا وسلموا على النبي المصطفى والرسول المجتبى..