الأحد
كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...
العربية
المؤلف | أحمد شريف النعسان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - الحكمة وتعليل أفعال الله |
يا أمَّةَ سيِّدِنا محمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: اِسمَعي إلى ما قضَى اللهُ -تعالى-, اِسمَعي إلى ما أمَرَ اللهُ -تعالى-, اِسمَعي إلى تربيةِ اللهِ -تعالى- لعبادِهِ المؤمنينَ, يا من يقولُ: "رَضِيتُ بِاللهِ -تعالى- رَبَّاً" اِسمَع إلى تربيةِ اللهِ -تعالى-, واسمَع إلى...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: لقد أَعظَمَ الله -تعالى- منَّتَهُ على عبدِهِ، فقال: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسراء: 70].
ومن مظاهِرِ هذا التَّكريمِ: أنَّهُ خلَقَ أبَ البشرِ بِيَدِهِ, ونَفَخَ فيهِ من روحِهِ, وأسجَدَ لهُ ملائِكَتَهُ, وعلَّمَهُ الأسماءَ كُلَّها, وأسكَنَهُ جنَّتَهُ, ولا شكَّ أنَّ تكريمَ الأصلِ تكريمٌ للفَرعِ.
ومن مظاهِرِ هذا التَّكريمِ: أن سخَّرَ لهُ ما في السمواتِ وما في الأرضِ, وأسبَغَ عليهِ نعمَهُ ظاهِرَةً وباطنةً, وتوَّجَ ذلكَ كُلَّهُ بالهدى الذي أكرمَهُ اللهُ -تعالى- بهِ, والذي قالَ عنه: (فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 38].
وقال عنه: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) [طـه: 123].
وبعدَ التَّكريمِ كُلِّهِ قالَ للمؤمنِ الذي يقولُ صباحاً ومساءً: "رَضِيتُ بِاللهِ -تعالى- رَبَّاً, وَبِالْإِسْلَامِ دِيناً, وَبِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- نَبِيَّاً ورسولَاً" قالَ له: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) [الأحزاب: 36].
يا أمَّةَ سيِّدِنا محمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: اِسمَعي إلى ما قضَى اللهُ -تعالى-, اِسمَعي إلى ما أمَرَ اللهُ -تعالى-, اِسمَعي إلى تربيةِ اللهِ -تعالى- لعبادِهِ المؤمنينَ, يا من يقولُ: "رَضِيتُ بِاللهِ -تعالى- رَبَّاً" اِسمَع إلى تربيةِ اللهِ -تعالى-, واسمَع إلى أوامِرِهِ:
أولاً: يُخاطِبُ الله -تعالى- الذينَ آمنوا باللهِ -تعالى- ربَّاً, فيقول: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام: 151].
هل سَمِعَ قاتِلُ الأبرياءِ قولهُ تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام: 151]؟ أينَ عُقولُ قَتَلَةِ الأبرياءِ؟ أينَ عُقولُ من يقرأُ قولَهُ تعالى: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك 10]؟
ثانياً: اِسمَعي يا أُمَّةَ سيِّدِنا محمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- تأكيدَ حُرمَةِ قَتلِ الأبرياءِ, يقولُ اللهُ -تعالى-: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) [الإسراء: 33].
وربِّ الكعبةِ قاتِلُ للأبرياءِ هوَ الخاسِرُ, والمَقتولُ هوَ المَنصورُ, قالَ تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِين * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِين * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة: 27 - 30].
ثالثاً: اِسمَعي يا أُمَّةَ سيِّدِنا محمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- إلى ما قَضَى اللهُ -تعالى-: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) [المائدة: 32].
يقولُ سيِّدُنا سعيد بن جبيرٍ -رضيَ الله عنهُ-: "مَن استَحَلَّ دَمَ مُسْلِمٍ فَكَأنَّمَا استَحَلَّ دِمَاءَ النَّاسِ جميعاً، ومَن حَرَّمَ دَمَ مُسلِمٍ فَكَأَنَّمَا حَرَّمَ دِمَاءَ النَّاسِ جَميعاً".
رابعاً: اِسمَعي يا أمَّةَ سيِّدِنا محمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- وَصْفَ العبادِ الذينَ أضافَهُمُ اللهُ -عزَّ وجلَّ- إلى حَضرَتِهِ, فقالَ: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ) [الفرقان: 63] ذَكَرَ أوصافَهُم والتي من جُملَتِها: (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ) [الفرقان: 63] فَمَن قَتَلَ الأبرياءَ فليسَ هوَ من عبادِ الرَّحْمَنِ, بل هوَ عبدُ هواهُ وشيطانِهِ.
اِسمَعي يا أُمَّةَ سيِّدِنا محمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- إلى قرارِ اللهِ -تعالى- وقضائِهِ في حقِّ الرَّجُلِ العنيدِ المُستَكبِرِ الذي صَمَّ أُذُنيهِ عن أوامِرِ اللهِ -تعالى-, قال جلَّت قُدرتُهُ: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
يا قاتِلَ الأبرياءِ, يا مَن استَحَلَّ ما حَرَّمَ اللهُ -تعالى-: تدبَّر هذهِ الآيةَ جيِّداً: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم) سوفَ تراها وسَتَتَحسَّرُ: (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى) [النازعات: 36] سوفَ: "يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا" [رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ الله -رضيَ الله عنهُ-] جهنَّمُ مع الخلودِ: (خَالِداً فِيهَا) وسوفَ ينادي هذا المُجرِمُ مع من ينادي: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ) [الزخرف: 77].
جهَنَّمُ وخلودٌ وغَضَبٌ من الجبَّارِ المُنتَقِمِ, جاء في الحديثِ القُدسيِّ الذي رواه الطبراني في الأوسط عن عليٍّ -رضيَ الله عنهُ- قال: قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "يقولُ اللهُ -تعالى-: اشتَدَّ غَضَبِي عَلَى مَن ظَلَمَ مَن لَا يَجِدُ لهُ ناصراً غَيرِي".
جهَنَّمُ وخلودٌ وغَضَبٌ ولعنَةٌ, وأَعَدَّ اللهُ لهُ عذابَاً عظيماً مُضاعَفَاً, قال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) [الفرقان: 68 - 69].
عذابٌ عظيمٌ: (لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى) [طـه: 74] (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) [النساء: 56] ومَعَ عِظَمِهِ أنَّهُ مُضاعَفٌ -والعياذُ باللهِ تعالى- معَ العِلمِ بأنَّهُ أدنى أهلِ النَّارِ عذاباً؛ كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضيَ الله عنهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَنْتَعِلُ بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي دِمَاغُهُ مِنْ حَرَارَةِ نَعْلَيْهِ".
وفي روايةٍ للإمام البخاري عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضيَ الله عنهُ- عن النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- قال: "إنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ وَالْقُمْقُمُ".
يا عبادَ الله: قُولوا لقاتِلِ الأبرياءِ: قرارُ اللهِ -عز وجل- وقضاؤهُ: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ) [الإسراء: 33] وقرارُهُ: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) [الأحزاب: 36] فإن صَمَّ أُذُنَهُ فاعلَموا أنَّهُ انطَبَقَ عليهِ قولُ اللهِ -تعالى-: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) [الأعراف: 175].
أقول هذا القول, وأستغفر الله لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.