الحليم
كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
إن المتأمل لهذا الحديث يعرف معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ولا يهلك على الله إلا هالك"، وذلك لعظيم صنع الله مع العباد، حتى إن من يهلك بتجرئه على المعاصي وتركه للطاعات، فهو الهالك المستحق للهلاك، حتى غلبت سيئاته حسناته، كما قال ابن مسعود : "ويل لمن غلب وحدانه عشراته!".
الخطبة الأولى:
أما بعد: فيا أيها المؤمنون، إن المتأمل لنصوص الكتاب والسنة يرى سعة رحمة الله بعباده، وإرادة الخير بهم، وكأن الله إنما خلقهم ليكرمهم، ويدخلهم الجنة؛ فقد خلق الله الخلق، ويسر لهم سبل الحياة، ورزقهم من الطيبات، ويسر لهم طرق العبادة، وأمرهم بما يطيقون، ورتب عليه الجزاء العظيم، ونهاهم عما فيه الشر والضرر لهم، وجعل الجزاء من جنس العمل.
أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عباس قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة ولم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله -عز وجل- عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة"، وفي رواية مسلم: "أو محاها الله".
إن المتأمل لهذا الحديث يعرف معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ولا يهلك على الله إلا هالك"، وذلك لعظيم صنع الله مع العباد، حتى إن من يهلك بتجرئه على المعاصي وتركه للطاعات، فهو الهالك المستحق للهلاك، حتى غلبت سيئاته حسناته، كما قال ابن مسعود : "ويل لمن غلب وحدانه عشراته!".
عباد الله: نحن نتعامل مع كريم يقبل القليل ويجزي عليه الكثير، اسمع لقوله -تعالى-: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:26]. حبة تورث سبعمائة حبة، وسيئة بسيئة واحدة، فمن غلبت سيئاته حسناته فلا شك أنه أهل للهلاك.
ولنستمع لقوله -تعالى-: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة:7-8]. كل عملك محصى عليك، خيره وشره، حتى ما كان بمثقال الذر محسوب.
أيها المؤمنون: إن المتأمل لهذه النصوص يعلم أهمية الاستكثار من الحسنات، وأن المسلم يجب عليه أن يحافظ عليها من البطلان، وإذا دخلت مواسم الخير التي تضاعف فيها الخيرات كرمضان شد مئزه واجتهد في العمل، وجعل نصب عينيه: لن تغلب سيئاتي حسناتي.
إن الأجر في رمضان يضاعف، وذلك أن الصائمين من الصابرين، والصابرون يوفون أجورهم بغير حساب، كما قال الأوزاعي -رحمه الله-: "لا يوزن لهم، ولا يكال، وإنما يغرف لهم غرفا".
ألا فلنستغل كل ثانية بعمل صالح، فإن الله لم يكلفنا بحفظ أعمالنا، بل وكل بها كراما كاتبين يحفظونها، حتى نوفى بها يوم القيامة، فاعمل فكل عملك محفوظ، وكل عمل بأجره.
وإن من فضل الله على العبد أنه جعل للسيئات مكفرات، حتى يمشي العبد على الأرض وليس عليه خطيئة، والحسنات تضاعف وتنمو، أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل".
اللهم وفقنا لفعل الخيرات، واجتناب المنكرات.
أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية:
أما بعد: فيا أيها الناس، بادروا بفعل الخيرات قبل هجوم هادم اللذات، قبل أن تتوقف أعمال الخير، ويرتهن العبد بعمله، ويتمنى لو رجع للدنيا ليعمل الصالحات.
أخرج مالك في الموطأ، وغيره، من حديث طلحة بن عبد الله أن رجلين من "بلي" قدما على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان إسلامهما جميعا، وكان أحدهما أشد اجتهادا من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثم مات الآخر بعده بسنة. قال طلحة: "بينما أنا عند باب الجنة، إذ أتي بهما، فخرج خارج من الجنة، فأذن للذي توفي الآخر منهما، ثم خرج فأذن للذي استشهد، ثم رجع إلي فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعد". فأصبح طلحة يحدث الناس، فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أي ذلك تعجبون؟"، قالوا: يا رسول الله، هذا كان أشد الرجلين اجتهادا، ثم استشهد في سبيل الله، ودخل هذا الجنة قبله! قال: "أليس هذا قد مكث بعده سنة؟"، قالوا : بلى، قال: "وأدرك رمضان وصامه؟"، قالوا : بلى، قال: "وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟"، قالوا: بلى، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بينهما أبعد ما بين السماء والأرض".
معاشر المسلمين: وإن مما ينبغي للمسلم أن يحذر منه، أن يحذر من مبطلات الأعمال، فالشيطان لما رأى كرم الله مع عباده، حرص على إبطال عمل ابن آدم، بالعجب والرياء والسمعة، وبالبدع والمحدثات، وبذنوب الخلوات، أخرج ابن ماجه في سننه من حديث ثوبان -رضي الله عنه- قال –صلى الله عليه وسلم-: "يأتي أناس من أمتي يوم القيامة بحسنات بيض كأمثال جبال تهامة، يجعلها الله هباء منثورا"، قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: "كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها".
عباد الله: لم يكلفك الله مالا تطيق، بل قال: (يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا) [النساء:28]، وقال: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة:185].
ضاعف لك الحسنات، وكفر عنك السيئات، فلم يبق منك إلا العمل، أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، إِلَّا مَنْ أَبَى"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: "مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى".
من لي بمثل مشيك المدلَّلِ | يمشي رويدا ويجي في الأول |
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك...